الرئيسية سياسة لماذا لا يعلن محمد السادس الحرب على الجزائر؟

لماذا لا يعلن محمد السادس الحرب على الجزائر؟

كتبه كتب في 14 نوفمبر 2013 - 17:10

في القاموس العسكري يمكن قراءة الخطوة الجزائرية بأنها تندرج في سياق جر المغرب إلى الدخول في الحرب، على اعتبار أن الحرب ليست فتيلا يشعل في أية لحظة بقدر ما هي تحضير مادي ونفسي.

 وعادة ما يقسم العسكريون هذا التحضير إلى أربع مراحل.

 المرحلة الأولى: تسمى الحرب النفسية، وهو ما قامت به الجزائر بالترويج الإعلامي لصفقة شرائها للأسلحة. وتآليب الرأي العام الداخلي ضد المغرب.

 المرحلة الثانية: وتسمى التخويف الكلامي والإشارات المتشنجة

 (La  gesticulation)

 وهو ما نقرأه في التصريحات الرسمية للمسؤولين الجزائريين.

 المرحلة الثالثة: وتسمى قرع طبول الحرب

 (Les Bruit de bottes)

 وهو ما يتجلى في إعادة انتشار الجنود الجزائريين على الحدود الشرقية للمغرب، وإطلاق النار على مغاربة.

 المرحلة الرابعة: وهي إعلان الحرب، والتي لم تتم بعد.

 التصعيد الجزائري ضد المغرب يفسره البعض بالموقف المتخاذل للمغرب الذي ظل دوما يرفع شعار «حسن الجوار»، حيث عوض أن يبادل الجزائر بالمثل، فسرت مهادنة المغرب وكأنها «انبطاح» أو «خوف» بشكل جعل السلطات الجزائرية تتمادى في تحرشها.

 هذا الموقف (المهادنة المغربية) ولد امتعاضا لدى العديد من المغاربة وخلق تشويشا في صفوفهم، علما أن المغرب الرسمي ظل (منذ اندلاع حرب الصحراء) يبرئ السلطات الجزائرية، ولم ينتبه إلى ضرورة تغيير قاموسه إلا في أكتوبر 2004 حينما بعثت الرباط بمذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة (وهي وثيقة رسمية بمجلس الأمن) يؤكد فيها المغرب صراحة مسؤولية الجزائر في نزاع الصحراء، حيث نقرأ في المذكرة بأنه «منذ 1973 ظلت الجزائر متمسكة وبشكل منتظم بمعاكسة استكمال الوحدة الترابية للمغرب. واتخذ تورط الجزائر في قضية الصحراء أشكالا عديدة ومتنوعة: التزام عسكري ودعم مالي ولوجيستيكي وتعبئة وتأطير ديبلوماسيان ومخالفات للقانون الدولي والإنساني إلخ…».

 التصعيد الجزائري لا يستمد قوته من «مهادنة» المسؤولين المغاربة فقط، بل يمكن قراءته من خلال سرد لمجموعة من الأوراق التي «أحرقها» المغرب ولم يحسن استغلالها سياسيا. وهذه الأوراق هي꞉

 الورقة الأولى: تتجلى في معركة أمغالا (1976) التي تواجهت فيها القوات العسكرية للدولتين، وانتهت بانتصار ساحق للجيش المغربي، أسفر عن أسر حوالي 500 جندي جزائري. (انظر ص: 8 و9)

 وبدل أن يستغل المغرب هذه الورقة للضغط على الجزائر للإفراج عن الأسرى المغاربة في تندوف بادر إلى إطلاق سراحهم فورا بدعوى «الجوار» و «الأخوة»، علما أن واقعة طرد آلاف المغاربة المدنيين من الجزائر كانت وماتزال عالقة بأذهان الشعب المغربي الذي لم يستسغ أن يتعرض أبرياء مغاربة استثمروا وتزوجوا بالجزائر أن يرموا مثل البهائم على أبواب إقليم وجدة. وفي الوقت الذي «حرق» المغرب ورقة الأسرى الجزائريين، ظل الجنود المغاربة الذين وقعوا في الأسر في معارك متفرقة معتقلين بالجزائر لمدة فاقت ربع قرن قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد ضغط دولي.

 الورقة الثانية: التي لم يحسن استعمالها المغرب تكمن في إمساكه عن المطالبة بسحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة للأمم المتحدة الخاصة بالنظر في ملفات تصفية الاستعمار. الشيء الذي جعل الجزائر تشحذ مختلف أسلحتها لإضعاف الموقف المغربي.

 الورقة الثالثة: تتجلى في هرولة المغرب إلى تطبيع الحدود رسميا مع الجزائر على مستوى الشريط الممتد من وجدة إلي فكيك بناء على ما يسمى ب«اتفاق إفران»، إذ أن الجزائر التي ترفض سيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية فسرت تسرع المغرب بالاعتراف بترسيم الحدود الشرقية بمثابة «ضعف». في الوقت الذي كان مطلوبا الإبقاء على هذه الورقة لمساومة الحكام الجزائريين.

 الورقة الرابعة: وهي شأن داخلي لكنها لا تقل أهمية عما سبقها، ونعني بها حرص السلطات المغربية على التعامل مع الجنود المغاربة بالأقاليم الجنوبية وكأنهم في مهمة تخص «استتباب الأمن والنظام»، وهذا ما يعد في نظرنا خطأ معنويا لأنه يسقط عن 130 ألف جندي مغربي مرابط بالصحراء الحق في حمل «صفة محارب ضد الجزائر»، لأن القاموس ليس بريئا.

 فاعتبار الجيش المغربي بالصحراء بأنه في مهمة «استتباب النظام» يفيد بأن هناك تمردا داخليا أو شغبا اجتماعيا اقتضى الاستعانة بالعسكر لإخماده، والحال أن المغاربة كلهم يعون أن إرسال 130 جندي نحو الجبهة الجنوبية هو من أجل خوض حرب مع الجزائر.

 صحيح أن التبرير الذي تحاول إعطاءه بعض الجهات يروم إبراز أن هناك «جماعة من المغاربة مغرر بهم وتقوم بالمناوشة والاعتداء على التراب المغربي». وصحيح أن هذاالتبرير يحاول أن يعطي تفسيرا لاختيار لفظة «استتباب الأمن» عوض «المشاركة في الحرب» بكون الجنود المغاربة يوجدون في تراب دولتهم. لكن هذه التبريرات تبقى واهية لعدة عوامل.

 ف «استتباب الأمن والنظام» لا يحتاج إلى تسخير 130 ألف جندي مغربي..1-

 2-ولا يتطلب تجنيد طائرات

 F1 وF5 وF16

 ولا يستدعي تحريك دبابات من نوع- 3

 الفرنسية أو دباباتAML أو AMX

 .الأمريكية M 48

 4-ولا يرتكز على المدفعية الثقيلة ذات مدى يفوق 16 كيلو متر أو أسلحة الهاون والمدافع الرشاشة المختلفة.

 إن «استتباب الأمن» مهمة موكولة للبوليس بالدرجة الأولى، وحتى إذا تم تجاوز الشرطة وظهر أنها غير قادرة على التحكم في الوضع، فإن منشور 1959 وظهير 1977 يحددان الحالات الممكن أن تلجأ فيها السلطة إلى تسخير الجيش لإخماد التوتر الاجتماعي (أحداث الدار البيضاء في 1965 و1981 وأحداث فاس في 1990)، أما أن يسخر ثلثا أفراد الجيش فإن أي مواطن (ولو لم يلج أي أكاديمية عسكرية) سوف لن يتردد في وصف هذا التسخير بكوننا في حالة حرب مع عدو خارجي، ألا وهو الجزائر.

 والآن ما العمل؟

 إن أخطاء الماضي أضحت في عداد التاريخ، لكن دون أن تسقط من الحساب الدروس الواجب استخلاصها.

لماذا لا يعلن محمد السادس الحرب على الجزائر؟

 فأمام التصعيد الجزائري الحالي الواضح من عمليات التسليح نفسها، هل يتعين على المغرب أن ينافسها في هذا السباق؟ وإذا اختار المغرب هذا الحل، أي نوع من الأسلحة يجب اقتناؤها؟ هل الأسلحة الهجومية أم الأسلحة الدفاعية؟

 أكيد، أن الحرب لم تعد شأنا داخليا لكل دولة نامية، بل تحتاج إلى «رخصة» من القوى العظمى التي تتحكم في العلاقات الدولية، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يقود المغرب إلى المبالغة في الاطمئنان لكون حكام الجزائر يشبهون الزواحف الموجودة في أستراليا والمعروفة شعبيا بـ«بوبريس» (أي السحلية)

 .Le lezard Bluffeur

 هذا النوع من الزواحف معروف عنه أنه كلما صادف فردا يتقلب

 في السلوك. فإذا هرب الفرد يطارده «بوبريس»، لكن إذا واجهه الفرد يفر ويعود على أعقابه خاسرا.

 وفي هذا الإطار يبقى على السلطات العمومية الرد بالمثل لكن بشكل أكثر أناقة.

 فالمرحوم الحسن الثاني كان دائما يشهر ورقة جده الرسول (ص) المتمثلة في «ادفع بالتي هي أحسن». إلا أن هذه السياسة لم تنفع وحولت الصحراء المغربية إلى توأم لـ«كشمير» (لا هي بالمطلقة ولا هي بالمتزوجة). فهل سيلجأ الملك محمد السادس إلى إشهار ورقة سيدنا نوح عليه السلام الذي تبرأ من ابنه وركب سفينة الإسلام تاركا ابنه في مواجهة الطوفان؟.

 على شاكلة هذه الواقعة على المغرب أن لا يأخذ التحذيرات التي تأتي من الجزائر باللامبالاة، بل الأجدر أن يفتح عينيه جيدا حتى لا يؤخذ على حين غرة.

 «فإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم. وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين». (سورة الأنفال).

العدد540- أسبوعية “الوطن الآن
الخميس 14 نونبر 2014
أعد الغلاف عبد الرحيم أريري

 

مشاركة