الرئيسية اراء ومواقف كن لطيفا… ترى الوجود لطيفا !

كن لطيفا… ترى الوجود لطيفا !

كتبه كتب في 13 نوفمبر 2013 - 14:25

فتح الباب ببشاشة أمام سيد أو سيدة للتفضل بالدخول أو ترك مقعدك لسيدة مسنة على متن الحافلة أو مساعدة شخص محتاج على حمل ثقل ما، أو ترك أسبقية المرور لسائق أو لراجل… الابتسام لجارك… وإلقاء التحية لشخص تصادفه بالشارع العام… الإجابة بود وبلطف لمكالمة هاتفية… الابتسامة الودودة… التعامل مع البقال بتسامح وتواضع…

لقد أصبحت كل هذه الحركات اليومية البسيطة عملة نادرة، وأصبح اللطف في التعامل صعب المنال، مع أننا ما زلنا نقدر هذه الصفة ونحبذها في معاملات الغير معنا ونريدها أن تكون نبراسا في تصرفاتنا.

 فهل نحن فعلا واعون بأن التعامل بلطف ينفع الغير وينفعنا كذلك أكثر؟

لــكــن… !

عندما نقول عن شخص ما ” أنه لطيف “، أو عندما نصف فردا ما بأنه “رقيق جدا” فمن الغريب أن نلاحظ في الوصف الشعبي تصنيفا قدحيا وتحقيريا لهذه الصفة الحميدة في الأصل.  وما أكثر الأمثلة الشعبية المعززة لهذا التوجه التأويلي.

فمن صفة ” لطيف “، يمكن للمرء أن يسمع أو يفهم أو يستنتج في الواقع صفة قدحية معناها “سخيف” أو “منحط” أو “بليد” أو “عديم الشخصية” أو “ضعيف” أو “فاقد للحس النقدي”. Trop bon, trop con »   « كما يقول المثل الفرنسي.

والحقيقة هي أن اللطف الصادق، دون توقع أي شيء في المقابل، أو دون انتظار جزاء هو فضيلة ونبل. وتشير الدراسات العلمية بأن الاتصاف باللطف مفيد للصحة. وبأن مرادف اللطف في التعامل هو السعادة.

اللطف هو السعادة!ذ

أجريت مؤخرا دراسة علمية دقيقة في اليابان لقياس وتبيان متى وكيف يكون اللطف محفزا في السلوكات والممارسات اليومية لدى 175 شخصا. وبالموازاة مع ذلك، طُلب من المشاركين في الدراسة وصف عشر (10) مواقف وأحداث أثارت لديهم انطباعا جميلا وسعادة عارمة أو حزنا شديدا.

وأخيرا تم تقييم انطباعهم وإحساسهم بالسعادة الشخصية عن طريق مقياس ذاتي. مما أفضى إلى تقسيم المجموعة إلى قسمين، قسم يشعر فعلا بالسعادة (81 فردا) وقسم يشعر بسعادة أقل (94 فردا)

واستنتج الباحثون أن ألطف الناس في سلوكاتهم اليومية، هم كذلك أولئك الذين يشعرون بسعادة أكثر. وهم كذلك ممن يعيشون أحداثا يومية تنتج السعادة وتنشر الفرح في محيطها المجتمعي والأسري والمهني … وعلاوة على ذلك، فالأشخاص المنتمون للمجموعة الأولى يرون أن هذه التجارب اليومية السعيدة المتمثلة في تصرفات إيجابية تجاه الآخرين مفرحة وتمدهم بطاقة إيجابية أكثر من الأفراد الذين يهيمن عليهم الحزن والكئابة. 

اللطيف ليس لطيفا مع محيطه فحسب، بل هو مصدر سعادة لنفسه كذلك.

اللطف مضاد طبيعي للاكتئاب 100٪

العديد من الدراسات تثبت أن اللطف من مظاهر فعل الخير: وأن اللطف في المعاملة له آثار إيجابية على إنتاج الدماغ لمادة السيروتونين sérotonine، وهو ناقل عصبي يوازن بين العواطف ونقصه يسبب القلق والاكتئاب والقلق والتعاسة.

مع العلم أن دور معظم العقاقير والأدوية المضادة للاكتئاب هو التحفيز الكيميائي لإنتاج السيروتونين من أجل تخفيف أعراض الاكتئاب. لكن، وكما يؤكده العديد من الخبراء، فإن عملا يوميا بسيطا متمثلا في إنجاز يومي لطيف يحفز إنتاج السيروتونين، دون حاجة إلى تحفيز كيميائي. وليس فقط لفائدة الشخص مصدر اللطف، ولكن كذلك لفائدة مستقبل الإنجاز اللطيف. فالاستفادة مزدوجة وطبيعية 100%.

وأكثر من هذا… فحتى من كان شاهدا لعمل لطيف يستفيد من إفراز مادة السيروتونين وفوائدها: إذن، فاللطف يفيد القائم بالفعل اللطيف، والمستفيد المباشر منه، وحتى الملاحظ أو الشاهد عليه. فاللطف له تأثير مفيد على مزاج الجميع. وهذا سبب وجيه لاستهلاك اللطف دون تحفظ !sans modération

وسيلة فعالة لمحاربة الإجهاد والتعب النفسي

أكيد أنه عندما نقوم بأمر جيد، فنحن نشعر بأننا في حالة جيدة. اللطف وفعل الخير يولدان السعادة. واللطف مصدر ارتياح.

وأن نكون ودودين، كرماء في العطاء مع الآخرين يوفر لنا نشوة ذاتية وانشراحا نفسيا سعيدا. وأكيد كذلك أن دواعي السرور والغبطة لدى الشخص تؤدي إلى خفض إفرازات الكورتيزول  cortisol، وهو هرمون يسبب الإجهاد والتوتر. وهذا ما يدفع العديد من الأطباء المختصين في دراسة الغدد الصماء إلى أن ينصحوا مرضاهم بفعل الخير، لأن فعل الخير واللطف في التعامل يفيد الفرد في صحته. ف ” أحسن للآخرين، تحسن لصحتك”

اللطف يحسن من مؤشرات احترام الذات

منطقيا، إذا كان اللطف يجلب السعادة، ويقلل من الاكتئاب والإجهاد، فإنه سيساهم أيضا في تحسين احترامنا لذاتنا. وللتحقق من ذلك، بادرت الطبيبة النفسانية في جامعة ستانفورد سونيا يوبوميرسكي، إلى تقسيم طلاب وضعتهم تحت المراقبة لمدة عشرة أسابيع إلى مجموعتين: حيث حفزت مجموعة دون أخرى على فعل الخير وإنجاز أعمال لطيفة تجاه الآخرين كفتح الباب لزملائهم، وغسل الأواني للمساعدة، ومساعدة الأطفال والمسنين على اجتياز الطريق… إلخ. وتأكد لها بعد 10 أسابيع، أن أولئك الذين تعودوا على القيام بحركات لطيفة تجاه الآخرين وبانتظام، يشعرون بأن مزاجهم أفضل، وأن معنوياتهم مرتفعة مقارنة مع المجموعة الأخرى التي لم يقم أفرادها بأي عمل لطيف تجاه الغير.

إذن احرص على أن يكون لطفك غزيرا مع الآخرين … وأن تكون كريما في العطاء، بشوشا، ودودا… واحرص على أن تكون صادقا في لطفك … ولا يكون عطاءك مغشوشا أو كاذبا … أو أن تبتغي وراءه مكسبا ماديا.

فأن يكون الإنسان لطيفا، فهذا جيد. وأن يتظاهر باللطف، فهذا غير مفيد للصحة !

يؤكد العلماء أن اللطف يغير من حياتنا… ويطيل من عمرنا… فكن ودودا … بشوشا… خيرا… تربح 9 سنوات من عمرك

 ففي مواجهة الفردانية والنزعة العامة نحو التملك والمنافسة المتوحشة والجرعة الزائدة من الأنانية، فقد حان الوقت لرد الاعتبار للتعامل بين الناس بلطف وتسامح وإخاء، وإعادة بناء الروابط الاجتماعية وتقوية التضامن والتعاضد على أساس اللطف والمودة والإخاء. إن أفضل سلاح لدينا هو اللطف فيما بيننا؟ ففعل الخير قوة مجانية، واللطف والابتسامة لا تكلف شيئا… فاستهلكوها بدون تحفظ!

فيوم واحد لا يكفي للإحتفال باللطف gentillesse … اجعلوه شعارا لكل أيام السنة… ففيه فائدة لصحتكم.

عيد سعيد أيها اللطفاء، أيتها اللطيفات.

حسن المنقوش

مشاركة