الرئيسية مجتمع اليهود الأمازيغ : التاريخ المنسي والموقف المرتجى

اليهود الأمازيغ : التاريخ المنسي والموقف المرتجى

كتبه كتب في 13 نوفمبر 2013 - 10:56

اعترف الدستور المغربي الجديد بالبعد اليهودي كبعد أساسي من أبعاد الثقافة والهوية المغربية الجامعة  وركن أساسي من أركان التاريخ المغربي وهذا تطور نوعي من حيث انه اقر حقيقة تاريخية منسية وهي مساهمة اليهود المغاربة  بصفة عامة والامازيغ بصفة خاصة  في بناء صرح الدولة المغربية عبر التاريخ ، لكن مساهمة اليهود الامازيغ  في بناء التاريخ المغربي أغفلتها  الكتابات التاريخية التي تناولت  مراحل تطور الدولة المغربية  فباستثناء بعض الكتابات القليلة التي تحدثت عن تواجد يهودي في المغربي وعن تعايش مثالي بينها وبين المكونات الدينية الأخرى  ، فالكتابات التاريخية الأخرى لا تخلو من إقصاءات ممنهجة للعنصر اليهودي  وان ذكرته  في بعض المرات بشكل عرضي ،  لذلك نحن في هذا المقال  نتوجه بدعوة للباحثين المؤرخين الذين ضالتهم الحقيقية هي البحث عن الحقيقة التاريخية  أن ينوروا الأجيال المقبلة بمساهمة  فئة دينية عريضة اسمها اليهود الامازيغ  في بناء الدولة المغربية  . التواجد اليهودي  في المغرب يرجع إلى  ما قبل الميلاد  وتحديدا في القرن الخامس قبل الميلاد حسب المؤرخ المغربي محمد كنبيب وكانوا يسمون بأهل الذمة لأنهم كانوا ناقصو المواطنة الكاملة ومفروض عليهم إعطاء ضريبة للدولة المركزية أو للسلطان بلغة ذلك العصر مقابل أمنهم وامن ممتلكاتهم ، إلا أن التاريخ  يحدثنا عن التمييز الذي تعرض له اليهود الامازيغ بسبب دينهم  أولا وبسبب لغتهم ثانيا لذلك نتحدث عن تمييز مزدوج  والأخطر من ذلك كله أن الحديث عن اليهود في المغرب وفي الدول المغاربية يختصر في الحديث عن اليهود من أصول عربية في الوقت الذي كان فيه العرب اقليه وكان اليهود الامازيغ أكثرية ،  الإحصاءات  اليوم تقول بان اليهود  في المغرب عددهم يصل إلى 5000  وكان عددهم  في الخمسينات أكثر من  ربع مليون شخص وتقطن الشريحة الأكبر من هؤلاء  المستقرين منهم في المدن وخاصة مدينة الدارلبيضاء  والرباط والمدن الشمالية الأخرى  فيما تعرض اليهود الامازيغ المستقرين في القرى لعمليات تهجير قسرية  في مراحل غابرة في التاريخ  ومازال المؤرخون مطالبين بفضح جميع أسرارها السياسية والإنسانية  خاصة أن اليهود الامازيغ تعرضوا لمظالم تاريخية ومؤمرات كبرى من اجل ترحيلهم إلى إسرائيل والى الغرب  في مرحلة من المراحل التاريخية.
العلاقات المغربية الإسرائيلية- باعتبار إسرائيل هي الدولة المحتضنة رسميا لليهود كيهود أي أنها بنت  وجودها السياسي على فكرة الدين  وهي من الدول القلائل  في العالم التي  تتميز بذلك – كانت علاقات  متميزة  ومتصلة ومتواصلة  منذ   عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني والدليل على ذلك أن الهجرات الكبرى اليهودية نحو اسرائيل كانت في عهدهما  حيث تم تسهيل هجرة أكثر من 300 ألف يهودي نحو إسرائيل  رغم أن معظم أطوار هذه  العلاقات كان تقام في السر.  إلا أن الأكيد أن المغرب ظل  دائما يحتفظ بعلاقاته المتينة مع ساسة إسرائيل. لكن هذه العلاقات الرسمية لم تساهم في تطوير وضعية الامازيغ اليهود داخل  إسرائيل الذين يبلغ عددهم أكثر  من 800 ألف.  فلا زالوا يعانون هناك تهميشا  واضطهادا باعتبارهم من أصول غير شرقية بالنظر إلى سيطرة اليهود الروس على مفاصل الاقتصاد والسياسة الإسرائيلية. التهميش والإقصاء الذي  عانى منه اليهود المغاربة بصفة عامة في إسرائيل جعل أغلبهم ينخرط في الأحزاب اليمينية والدينية  لان الأحزاب اليسارية كانت من احتكار يهود أوروبا والروس .لكن ذلك لم يمنع قيادات  سياسية من الأصول المغربية من الوصول إلى  مراكز القيادة السياسية في إسرائيل فنذكر على سبيل الذكر لا الحصر  ديفيد ليفي، شلومو بن عامي، سيلفان شلوم، مئير، وشمعون شتريت، و اسحق موردخاي، و موشي ليفي .  لكن المؤسف له أن اليهود الامازيغ في إسرائيل لا يدافعون عن القضية الامازيغية باعتبارها هويتهم الأصلية  ولا يبذلون مساعي  سياسية و ديبلوماسية من اجل أن تصبح اللغة الامازيغية من اللغات المعتمدة رسميا في إسرائيل لذلك يمكن أن نقول بأن اليهود الامازيغ  ينتظرهم عمل كبير يتمثل في الدفاع عن اللغة الامازيغية باعتبارها لغتهم الأم أولا والدفاع عن المصالح الكبرى لبلدهم الأول  المغرب الذي رعاهم في مرحلة دقيقة من المراحل التاريخية التي تعرضوا فيها للبطش العثماني والأوروبي. فقد كان المغرب حاضنا لهم ومؤمنا لعيشهم. فعليهم دين تاريخي يتمثل في الدفاع عن المغرب ومصالحه بصفة عامة  والامازيغية بصفة خاصة والدليل على أن الدولة المغربية  في مرحلة من مراحلها  المعاصرة كانت تعامل اليهود معاملة حسنة ما أورده الأستاذ روبير اصراف  في كتابه «محمد الخامس واليهود المغاربة».
رغم أن التاريخ المغربي لم يكن دائما حنونا على اليهود المغاربة إذ تعرضوا للبطش والتنكيل في عهد بعض السلاطين أمثال مولاي إسماعيل وولداه هشام ويزيد وحتى قبل ذلك في المرحلة الموحدية والمرابطية.  وهذه المراحل المظلمة يمكن اعتبارها استثناءا مقارنة بالمراحل الأخرى التي تم فيها توقير اليهود  واحترامهم.  وللتدقيق في هدا الأمر يمكن الاطلاع على كتابات بعض المؤرخين المهتمين باليهود المغاربة  أمثال : حاييم الزعفراني  الذي أكد على حقيقة مهمة وهي أن  الفئات اليهودية  التي رحلت من المغرب كانت في بداية الخمسينات  وأفرغت المناطق الامازيغية  حيث كانت وضعية  المزارعين اليهود صعبة.
إن الحديث عن اليهود المغاربة عامة  و اليهود الامازيغ بصفة خاصة  حديث أولي يحتاج إلى تدخل عاجل من  المؤرخين والساسة والمفكرين الذي  عليهم تنوير الرأي العام المغربي بإسهامات البعد اليهودي في الذاكرة المغربية المشتركة   خاصة وأن اليهود المغاربة لم يرحلوا عن بلادهم المغرب طواعية أو حبا في الهجرة، بل هاجر معظمهم  بشكل قسري بعد أن ضاقت بهم الأحوال الاجتماعية والثقافية والفكرية وحتى السياسية خصوصا وان حملات تخوينية وتكفيرية شنت عليهم  منذ الستينات متهمة اليهود المغاربة بأنهم  صهاينة وغيرها من الأطروحات الشعبوية آنذاك التي كان اليهود فيها حطب جهنم في الصراع السياسي المرير بين الحركة السلفية المغربية ممثلة في حزب الاستقلال والمؤسسة الملكية. هذا الصراع لا زال قائما بشكل فكري وإيديولوجي، بين قوى تكفر الجميع وتعتبر التراث المغربي تراثا عربيا إسلاميا خالصا، وبين قوى حداثية متمسكة بالعقل والتاريخ ومتشبعة بالمشترك الإنساني، مؤمنة بأن الحضارة المغربية لم تكن لتبنى إلا  بمشاركة الجميع   عربا وامازيغ ويهودا ومسلميين ومسيحيين وملحدين.  الحضارة المغربية ملك للجميع  و الجميع مسؤول عنها.
باحث في العلاقات الدولية

عن موقع بيان اليوم

مشاركة