الرئيسية اراء ومواقف التهمة ” قبلة”

التهمة ” قبلة”

كتبه كتب في 12 أكتوبر 2013 - 00:22

شخصيا أصبحت أخشى أن أقبل زوجتي أو ابنتي أو واحدة من معارفي مهما كان “نبل” القبلة حتى لا تشي بي بعض المنظمات الحقوقية التي أصبحت تنبت كالفطر ببلادنا، وتقدم ضدي بلاغا للنيابة العامة تتهمني فيه باستفزاز مشاعر المكبوتين، وهي أصلا جريمة غير موجودة من الناحية القانونية.. ولكن في بلاد كالمغرب ممكن أن تكيف ضدك تهمة بمجرد الركوب على بعض المصطلحات الفضفاضة من قبيل “الإخلال بالحياء العام ” ،تماما كما وقع لطفلين قاصرين بمدينة الناظور، وجدا نفسيهما بعد مزحة عابرة يختبران فيها الشرارة الأولى للحب أمام المحاكم، في واحدة من أغرب القضايا التراجيدية التي لا تبعث إلا على الضحك والسخرية المبالغ فيهما.

فبماذا يمكن أن نفسر اعتقال تلميذين قاصرين لمجرد تواجد صورة لهما على الشبكة الاجتماعية “فايسبوك” وهما يقبلان بعضهما البعض؟ هل أصبحت القبلة جريمة في مغرب القرن 21؟ هل هناك نصا قانونيا يجرم أن نقبل بعضنا البعض؟ من الذي تقدم بالشكاية؟ -بغض النظر عن المنظمة الحقوقية المغمورة التي تكلفت عناء تفجير هذه القضية، وهذا في حد ذاته إشكال صادم، ويطرح سؤال الوضع الحقوقي لبعض الجهات القائمة عليه ببلادنا، منذ متى سمعنا أن منظمة حقوقية تدافع عن الحريات تدفع في اتجاه اعتقال قاصرين لمجرد تقبيل بعضهما البعض؟

نأتي الآن لهذا المسمى “الإخلال بالحياء العام” هل شهدنا أو سمعنا صياحا جماهيريا أو غضبا شعبيا لمغاربة استفزتهم قبلة بريئة لقاصرين لم يصلا بعد إلى نشوة الإحساس للمعنى الشبقي “للفلورتاج”، حتى تحرك في حقهما مسطرة المتابعة..

ثم أين هي هذه المنظمة من بعض السلوكات المسيئة المنتشرة أمام أبواب مدارسنا كالمتاجرة في المخدرات والقرقوبي؟ أم أن وراء هاته القضية أو بالأحرى اللا قضية التي حاولت هاته المنظمة الركوب عليها تحمل في طياتها تصفية حسابات نجهل لحد الساعة حيثياتها؟ أي اعتبار للحب يمكن أن يبقى لأطفالنا ونحن نعاقبهم لأنهم يحملون تعبيرا وجدانيا ساميا يمكن أن نستثمره في تفجير طاقاتهم الإبداعية لتكريس نوع راقي من المعاملات الإنسانية بديلة عن هاته التي نحياها والمتسمة بالحقد والكراهية والحروب، وإحراق وتفجير الذات.

اليوم نسوق أطفالا أبرياء إلى المحاكمة بسبب قبلة بريئة.. إذن قررنا أن نضع سياجا غليظا أمام العواطف الإنسانية الراقية.. ماذا سنكون غدا فاعلين إذا تحول هذا الوجدان الرمزي النبيل إلى عنف ما دامت القبلة أصبحت جريمة؟

اسمحوا لنا أن نقول لكم إذا لم تستوعبوا المغزى الحقيقي لرسالة القبلة البريئة والنبيلة، فهذه جزء من تركيبتكم النفسية المعقدة وأنصحكم بزيارة أقرب عيادة نفسية، ولا تفرضوا علينا عقدكم النفسية وتسقطوها على أطفالنا الأبرياء فهذا هو المرض النفسي الحقيقي، وما تمارسونه على ناشئتنا هو قمع نفسي وعنف رمزي اتجاه أطفالنا أصبح للأسف ماديا ومباشرا.. سيجد القضاء نفسه أمام إحراج كبير ما دامت التهمة لا تتوفر على أي سند قانوني ولا يمكن أن يستوعبها أي عاقل في عالم منفتح على كل الثقافات.. بل كان من الأحرى أن ترفض الشكاية من أساسها لأنها فارغة أصلا، مع كامل احترامي للقضاء.

بقلب الأب، وبضمير إنسان يعرف ما يجري ويدور في بلادنا أتوجه بأسئلة غبية لأصحاب المنظمة الحقوقية، إذا كان لديكم أطفال في عمر الزهور هل سترضون لأنفسكم أن يقف واحد من فلذات أكبادكم أمام القاضي في جلسة علنية مفتوحة من أجل قبلة بريئة؟ نستمر في لعبة الأسئلة هل كان من الممكن لأصحاب المنظمة المعلومة أن يقوموا بكل هذه الزوبعة لو كان مكان الطفلين البريئين أبناء أصحاب السلطة والجاه؟

أما ما حاولتم الركوب عليه تحت ذريعة الإخلال بالحياء العام، فهو بعيد كل البعد عما نعيشه يوميا في شوارعنا وأحيائنا وشواطئنا إلا إذا كنتم تريدون أن تحولون بلادنا إلى قندهار جديدة.

بل أكثر من هذا فما قمتم به هو الذي أخل بالحياء العام، وجعلنا مسخرة أمام العالم.

فإذا كنا نسعى مع أحرار هذا البلد لتحسين صورة المغرب الحقوقية – وتقديم أنموذج متحضر لبلد يرسي المبادئ الأولى للديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات – فأصحاب هذه المهزلة هم من يسيئون لصورة المغرب، وهم من تجب متابعتهم بتهمة تشويه سمعة بلادنا الحقوقية والتشهير بقاصرين والإساءة للطفولة المغربية.

على العموم شكرا لكم لأنكم أيقظتمونا من سباتنا واكتشفنا أنه لا زال بيننا من يعيش في العصر الحجري، بقلوب متحجرة وعواطف جامدة، ومكبوتات متكلسة. من جديد شكرا لكم يا قلوب الحجر الذين لا زالت تفزعكم مجرد قبلة بريئة.

إدريس شحتان

مشاركة