الرئيسية سياسة الملك يفتتح البرلمان بانتقاد تدبير البيضاء وعمل الدبلوماسيَة الموازيَة

الملك يفتتح البرلمان بانتقاد تدبير البيضاء وعمل الدبلوماسيَة الموازيَة

كتبه كتب في 11 أكتوبر 2013 - 18:17

افتتح الملك محمّد السادس، بعد زوال اليوم، الدورة البرلمانية الجديدة، وهي الأولى من السنة التشريعية الثالثة للولاية التاسعة، بإلقاء خطاب أمام نواب ومستشاري غرفتي البرلمان.. إذ أفرد العاهل مساحة هامّة من كلامه لانتقاد تدبير مدينة الدّار البيضاء، في الحين الذي استهل الموعد بآيات بينات تلاها المقرئ من “سورة الأحزاب” وبرزت وسطها بوضوح الآية 72: “إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا”.

وقال الملك محمد السادس، بالخطاب الذي تم أيضا بثه مباشرة على الإذاعة والتلفزيون، أن الممارسة البرلمانية التعددية بالمغرب هي خيار استراتيجي يمتد على مدى نصف قرن من الزمن، ما يجعل النموذج البرلماني المغربي رائدا في محيطه الجهوي والقاري، كما أضاف: “البرلمان المغربي ذاكرة حية، شاهدة على المواقف الثابتة والنضالات الكبرى التي عرفتها بلادنا في سبيل السير قدما بمسارها السياسي التعددي، غير أن الكثيرين لا يعرفون، مع الأسف، تاريخ مؤسساتنا، وما طبع تطورها من حكمة وبعد نظر، ضمن مسار تدريجي، وبإرادة قوية وخاصة، دون أن يفرضه علينا أحد، واسترسل: “”هذا النهج هو نفس النهج السليم الذي تم اعتماده لتعزيز مكانة المؤسسات، إذ أصبح البرلمان اليوم المسؤول الوحيد على إقرار القوانين”.

الملك استحضر أيضا للممارسة النيابية على الصعيدين الوطني والمحلي، معتبرا أن الأمر يتعلق بمسارين متكاملين أحدهما انتداب برلماني ينصب على تمثيل الأمة ومهمة وطنية كبرى وليس ريعا سياسيا، ثم الانتداب الجماعي المحلي أو الجهوي.. وأردف العاهل محمد السادس أنّ البرلمانيّين مدعوّون إلى “استشعار جسامة هذه الأمانة العظمى، التي تستوجب التفاني ونكران الذات، والتحلي بروح الوطنية الصادقة، والمسؤولية العالية في النهوض بالمهام”، معلنا أنّ “الولاية التشريعية الحالية تعد ولاية تأسيسية لوجوب إقرار جميع القوانين التنظيمية خلالها”، ومطالبا بذات الخطاب “اعتماد روح التوافق الوطني خلال بلورة وإقرار هذه القوانين التنظيمية، وذلك بنفس المنهجية التشاركية الواسعة، التي ميزت إعداد الدستور”.

افتتاح الملك لأشغال البرلمان ضمن دورته الحالية عرفت مناداته، وسط تصفيقات برلمانيّن، بـ “إخراج النظام الخاص بالمعارضة البرلمانية، لتمكينها من النهوض بمهامها في مراقبة العمل الحكومي، والقيام بالنقد البناء، وتقديم الاقتراحات والبدائل الواقعية، بما يخدم المصالح العليا للوطن”.

واعتبر العاهل أنّ “الوزير ليس مسؤولا عن توفير الماء والكهرباء والنقل العمومي، أو عن نظافة الجماعة أو الحي أو المدينة وجودة الطرق بها”، وقال: “المنتخبون الجماعيون هم المسؤولون عن هذه الخدمات العمومية، في نطاق دوائرهم الانتخابية أمام السكان الذين صوتوا عليهم، كما أنهم مكلفون بإطلاق وتنفيذ أوراش ومشاريع التنمية بمناطق نفوذهم لخلق فرص الشغل، وتوفير سبل الدخل القار للمواطنين”.

وخصص الملك محمد السادس مساحة كبيرة من خطابه لانتقاد تدبير الشأن العام المحلي بالدار البيضاء، المدينة التي قال عنها: “أعرفها جيدا، وتربطني بأهلها مشاعر عاطفية من المحبة والوفاء، التي أكنها لجميع المغاربة.. اعتبارا لمكانة الدار البيضاء كقاطرة للتنمية الاقتصادية، فإن هناك إرادة قوية لجعلها قطبا ماليا دوليا. إلا أن تحقيق هذا المشروع الكبير لا يتم بمجرد اتخاذ قرار، أو بإنشاء بنايات ضخمة وفق أرقى التصاميم المعمارية”.

“تحويل الدار البيضاء إلى قطب مالي دولي يتطلب توفير البنيات التحتية والخدماتية بمواصفات عالمية، وترسيخ قواعد الحكامة الجيدة ، وإيجاد إطار قانوني ملائم وتكوين موارد بشرية ذات مؤهلات عالية واعتماد التقنيات وطرق التدبير الحديثة.. غير أن الدار البيضاء لا تجتمع فيها مع الأسف كل هذه المؤهلات رغم المجهودات الكبيرة على مستوى التجهيز والاستثمار، وخاصة ما يتعلق منها بالتأهيل الحضري.. لكن لماذا لا تعرف هذه المدينة ،التي هي من أغنى مدن المغرب ، التقدم الملموس الذي يتطلع إليه البيضاويون والبيضاويات على غرار العديد من المدن الأخرى؟ وهل يعقل أن تظل فضاء للتناقضات الكبرى إلى الحد الذي قد يجعلها من أضعف النماذج في مجال التدبير الترابي؟” يقول الملك أمام أعضاء غرفتي البرلمان.

وردّ الملك اختلالات العاصمة الاقتصادية إلى “ضعف نجاعة تدخلات بعض المصالح الإقليمية والجهوية لمختلف القطاعات الوزارية، وأسلوب التدبير المعتمد من قبل المجالس المنتخبة التي تعاقبت على تسييرها، والصراعات العقيمة بين مكوناتها، وكثرة مهام أعضائها وازدواج المسؤوليات رغم وجود بعض المنتخبين الذين يتمتعون بالكفاءة والإرادة الحسنة والغيرة على مدينتهم”، واسترسل: “المشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يتعلق بالأساس بضعف الحكامة.. رغم أن ميزانية المجلس الجماعي للدار البيضاء تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك التي تتوفر عليها فاس أو مراكش، مثلا، فإن المنجزات المحققة بهاتين المدينتين في مجال توفير وجودة الخدمات الأساسية تتجاوز بكثير ما تم إنجازه بالدار البيضاء”، داعيا إلى “تشخيص عاجل يحدد أسباب الداء، وسبل الدواء”.

ذات خطاب الملك الافتتاحي للدورة البرلمانية الحالية تطرّق إلى نظرة العاهل للأداء الدبلوماسي الموازي لنظيره الرسمي، وهذا بعد أن اعتبر “قضية الصحراء قد واجهت، خلال هذه السنة، تحديات كبيرة تمكنا من رفعها بفضل قوة موقفنا، وعدالة قضيتنا”.

“لا ينبغي الاكتفاء بكسب هذه المعركة والإفراط في التفاؤل، فقد لاحظنا بعض الاختلالات في التعامل مع قضيتنا المصيرية الأولى، رغم التحركات الجادة التي يقوم بها بعض البرلمانيين إلا أنها تظل غير كافية، وهو ما من شأنه تشجيع خصومنا على الرفع من مستوى مناوراتهم لإلحاق الضرر ببلدنا” يورد الملك قبل أن يزيد: “أغلب الفاعلين لا يتعبؤون بقوة إلا إذا كان هناك خطر محدق يهدد وحدتنا الترابية، وكأنهم ينتظرون الإشارة للقيام بأي تحرك، فبدل انتظار هجومات الخصوم للرد عليها يتعين إجبارهم على الدفاع، وذلك من خلال الأخذ بزمام الأمور واستباق الأحداث والتفاعل الإيجابي معها.. قضية الصحراء ليست فقط مسؤولية ملك البلاد، وإنما هي أيضا قضية الجميع من مؤسسات الدولة والبرلمان، والمجالس المنتخبة، وكافة الفعاليات السياسية والنقابية والاقتصادية، وهيئات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، وجميع المواطنين.. ومصدر قوتنا في الدفاع عن صحرائنا يكمن في إجماع كل مكونات الشعب المغربي حول مقدساته”.

واعتبر العاهل أن “الوضع صعب والأمور لم تحسم بعد، ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف، مما قد يضع قضيتنا أمام تطورات حاسمة”، ومنها زاد: “أدعو الجميع، مرة أخرى، إلى التعبئة القوية واليقظة المستمرة، والتحرك الفعال، على الصعيدين الداخلي والخارجي، للتصدي لأعداء الوطن أينما كانوا، وللأساليب غير المشروعة التي ينهجونها.. أصبح من الضروري على البرلمان بلورة مخطط عمل متكامل وناجع يعتمد جميع آليات العمل البرلماني لمواصلة الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، بعيدا عن خلافات الأغلبية والمعارضة، بل لا ينبغي أن تكون رهينة الظرفيات والحسابات السياسية”.

“بصفتي الممثل الأسمى للدولة، ورمز وحدة الأمة، فإني لن أدخر أي جهد على جميع المستويات لصيانة الوحدة الترابية للمملكة والحفاظ على سيادتها واستقرارها، في ظل إجماع شعبنا الوفي، وتضافر جهود كل مكوناته.. وسأظل، كما عهدتموني دوما، في مقدمة المدافعين عن وحدتنا الترابية وقائدا لمسيرات التنمية والتقدم والرخاء، في ظل الوحدة والأمن والاستقرار والإجماع الوطني الراسخ”.

هيسبريس

مشاركة