الرئيسية للنساء فقط ندية ياسين.. يتيمة الوالد والجماعة

ندية ياسين.. يتيمة الوالد والجماعة

كتبه كتب في 14 سبتمبر 2013 - 15:11

على غير العادة بقيت اتصالات « اليوم24» بدون رد، فالمرأة الحديدية في الجماعة المحظورة لم تعد تجيب إلا عن الأرقام المدونة بأسماء مقربة ضمن لائحة هاتفها الذي بقي يحمل الرقم نفسه، لكنه لم يعد، شأنه شأن صاحبته، منفتحا على الجميع، غير أن هذا الامتناع عن الرد عكس حقيقة خفوت نجم أيقونة العدل والإحسان التي توارت عن الأنظار، وخرجت من ساحة النزال السياسي باتجاه بيتها دون أن تغلق الباب نهائيا.

لم يعهد في ندية ياسين أن تتحدث، منذ بروزها في الساحة كإحدى المنظرات للقومة، إلى الصحافة من «وراء حجاب»، لكنها فعلت ذلك في زمن الربيع العربي، حيث نقلت إلى «اليوم24» رسالة هادئة عبر المسؤول الإعلامي للجماعة، حسن بناجح، مفادها أنها «اختارت الرجوع إلى الوراء»، وتريد أن تعيش حياتها بهدوء بعيدا عن الصحافة وعن السياسة التي رضعتها من أب ذاق مرارة الاعتقال والتضييق في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

المرة الوحيدة التي ركنت فيها ندية ياسين إلى الصمت كانت لحظة محاكمتها، وكان صمتا رمزيا، حيث وضعت كمامة بيضاء على فمها رافعة شعار النصر وهي تدخل قاعة المحكمة… كان هذا الصمت أبلغ من أي كلام، لكنها اليوم أقفلت فمها وتوارت عن الأنظار دون أي تفسير، ما جعل الباب مفتوحا على مصراعيه لكل الاحتمالات والتخمينات.

ما الذي حصل لندية ياسين؟ هل ما تعيشه فعلا تراجع أم انتكاسة؟ لماذا ركنت إلى الزاوية الخلفية من مقاعد الاستشارة داخل جماعة كانت ظل والدها فيها، وكانت كلمتها تسري على رجال تجنبوا مواجهتها من باب طاعة المرشد؟ في أي خانة يمكن تصنيف هذا التواري عن الأنظار؟ هل هو فعلا اختيار أم اضطرار؟ وهل يمكن لابنة زعيم الجماعة، التي ظلت تحلم وتناضل من أجل نظام جمهوري، أن تتحمل العيش وراء الأضواء، أم إن الأمر لا يعدو أن يكون استراحة محارب وُوجه بأسلحة فتاكة لم يتحملها؟

ليست من عادة ندية ياسين، كريمة الشيخ عبد السلام ياسين الزعيم الراحل لجماعة العدل والإحسان، أن تختفي عن الأنظار كل هذه المدة، فهي دائمة الحضور في الإعلام كزعيمة للتنظيم النسائي للجماعة وإحدى المنظرين للقومة، وهي عادة لا تتوقف عن الحركة داخل وخارج المغرب. فتارة تختار تأطير الأخوات في جلسات الجماعة، وتارة أخرى تختار أن تدافع عن تصور الجماعة لإقناع الآخرين بمصداقية طروحاتها ومواقفها.

في اللحظات الأولى التي التفت فيها المراقبون إلى الغياب غير المعتاد لندية ياسين، خرجت لتؤكد آنذاك عبر صفحتها على الفيسبوك أنها غابت عن صفحتها وستستمر في الغياب لأسباب صحية، ووعدت زوارها بأنها ستعود إليهم، لكن الغياب مازال مستمرا لحد كتابة هذه السطور، وهذا الإعلان وُضع منتصف فبراير الماضي. أما موقعها الإلكتروني فأصبح خارج الربط، ولا توجد أي إشارة إلى ندية ياسين وأنشطتها في مواقع الجماعة.

نـدية يـاسين.. من صـور  حملة تشويه  إلى الخـلافـات مع القـيادات

عندما هبت رياح الربيع العربي من تونس الخضراء، تحركت حماسة مجموعة من الشباب المغربي الحالم بالتغيير، وبدأت النداءات تتعاظم عبر دعوات متفرقة إلى الاحتجاج والمطالبة بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، قبل أن تتكتل تحت يافطة حركة 20 فبراير التي قادت احتجاجات الربيع العربي داخل المغرب، بدت ندية ياسين في عز أيام الحركة 20 فبراير منتشية إلى حد كبير، وظلت توزع التصريحات داخل وخارج الوطن دعما للحركة ومطالبها، غير أن هذا الدعم لم يمر بردا وسلاما على امرأة جربت التضييق بكل أشكاله، لكن لا سابق عهد لديها بسلاح الفضائح.

لم تمض سوى شهور على فرحة ندية ياسين بالملايين التي خرجت تطالب بالتغيير مرددة جملة من المطالب، حتى عادت منكسرة إلى حضن أسرتها. فدعم الجماعة لحركة 20 فبراير أدت عنه ندية ياسين الثمن باهظا بعد «الفضيحة الأخلاقية» التي نشرتها وسائل الإعلام من خلال صور تظهرها صحبة أحد الأشخاص في أثينا. ومنذ ذلك الحين، عادت ابنة مرشد العدل والإحسان خطوات عديدة إلى الوراء دون أن تنبس بكلمة. بعض المصادر أسرت لـ«اليوم24» بأن تراجع ندية ياسين إلى الوراء مرتبط بعدة أسباب منها الشخصي والتنظيمي، فالحملة العنيفة التي تعرض لها ندية ياسين وقصة صور أثينا -تقول المصادر ذاتها- «أثرت إلى حد كبير في نفسيتها ومعنوياتها، إلى درجة أنها لم تعلق كثيرا على الموضوع، ولم تنبرِ للدفاع عن نفسها ضد هجوم مسها في عرضها، وهي إحدى أكبر المنظرات للقومة، والمؤطرة الدينية لنساء الجماعة». وأضافت المصادر ذاتها أن «موقف الجماعة، التي عادة ما لا ترد على الهجمات التي تتعرض لها، أثر فيها أيضا، وقد كانت تترجى دعما من جماعة أبيها التي تعتبر نفسها نجلة إمامها، وأن ما يجب أن يحظى به من احترام وتبجيل يجب أن يطالها أيضا».  صمتت ندية وصمتت الجماعة… وكانت النتيجة انتكاسة ابنة الزعيم التي وجدت نفسها تدفع وحيدة ثمن النضال، كما أن وضع والدها الصحي آنذاك كان حرجا للغاية، وبالتالي لم تعد له قوة غير القوة المعنوية والرمزية للدفاع عن ابنته كما فعل مرارا، تقول مصادر «اليوم24».

أفول «نجم» كريمة الشيخ

بعد عام من صعود الملك محمد السادس إلى الحكم، اختارت مجلة «الإكسبريس» الفرنسية ندية ياسين من بين مائة شخصية قالت المجلة الباريسية إنها هي التي «تحرك» أو «ستحرك» المغرب في ظل العهد الجديد. وبدت صورة ندية ياسين بحجابها غريبة وسط ألبوم صور الشخصيات التي اعتبرتها المجلة نافذة، إلا أن مسار كريمة شيخ ومرشد أكبر جماعة إسلامية في المغرب يختلف عن مسار الشخصيات التي وجدت نفسها بضربة حظ أو بسبب علاقة عائلية داخل دائرة القرار المؤثرة. ومسيرة هذه المرأة التي دخلت عقدها السادس هي جزء من مأساة والدها الذي زج به في مستشفى المجانين يوم تجرأ ورفع القلم ليكتب إلى الملك الراحل، وكلاهما الآن في دار البقاء، إما الإسلام أو الطوفان، كان ذلك في منتصف السبعينات، وكانت ندية آنذاك فتاة في ريعان شبابها تتابع دراستها بثانوية ديكارت التي كانت ولاتزال حكرا على أبناء علية القوم.

من دجنبر 2012 إلى الآن، مرت تسعة أشهر على رحيل مرشد جماعة العدل والإحسان، عبد السلام ياسين، وخلال هذه الفترة جرت مياه كثيرة تحت جسر الجماعة التي تعيش، برأي العديد من المصادر، «أزمة استمرار». فيلا الزعيم بحي السلام مازالت كما هي لم يطرأ عليها أي تغيير خارجي. بدت إلى حد كبير شبيهة بفيلا رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، فكلا الرجلين يميلان إلى البساطة، وإعطاء انطباع عن الزهد في زخرف الدنيا.  مضت قرابة ساعة ونصف، ولم يتحرك أحد.. لا طير يطير ولا خلق يسير، بدت «زاوية» الشيخ أشبه بمكان مهجور، فهذا البيت الذي كان طوال سنوات قبلة لأنصار ومريدي الجماعة، بدا جليا أنه يعيش «أزمة» زوار قبل أي أزمة داخلية أخرى. إنه الوجه المعلن عن مرحلة ما بعد الشيخ الذي غادر إلى دار البقاء.

«ربما العائلة في سفر»، هكذا علق صاحب محل بقالة مجاور متحدثا لـ«اليوم24»، قبل أن يضيف: «مشات أيام الشيخ، ولم يعد البيت يشهد الحركة نفسها». حتى رجال الأمن بزي مدني الذين كانوا أحد المشاهد المؤثثة لبيت ياسين لم يعد لهم أثر… لقد اختفى كل شيء، بل تغير كل شيء.

مازالت ابنة المرشد تعيش في المنزل نفسه الذي قضت فيه المراحل الأولى من حياتها. يقول صاحب المحل: «ندية مازالت تقطن هنا رفقة عائلتها، وقليلا ما تظهر»، قبل أن يضيف: «البيت ساكن منذ مدة، ولعلهم في سفر». منذ أن رفعت الإقامة الجبرية عن الشيخ ياسين مباشرة بعد تولي الملك محمد السادس العرش، كان بيته قبلة للعديد من المناصرين، كما كانت المواقف والقرارات الكبرى تخرج في زوايا البيت الساكن الآن.

بعض المصادر قالت لـ«اليوم24» إن «ما يعيشه بيت الشيخ هو نفسه ما تعيشه الجماعة، أي أن هناك حالة جمود»، مضيفة: «الجماعة كلها تعيش مأزقا سياسيا ناتجا عن غموض المستقبل، فالدينامية التي شهدتها الساحة السياسية خلقت لديهم رجة كبرى، خاصة أنهم ظلوا يروجون أن التغييرات التي أعقبت احتجاجات 20 فبراير هي مجرد وهم، وبدؤوا يشعرون بأن الأحداث الآن تجاوزتهم».

عن موقع اليوم24

مشاركة