الرئيسية حوارات «على هامش زيارة الوفد الأكاديمي اليهودي للمغرب » : حوار مع اينات ليفي

«على هامش زيارة الوفد الأكاديمي اليهودي للمغرب » : حوار مع اينات ليفي

كتبه كتب في 11 سبتمبر 2013 - 21:53

أهلا بكم اينات ليفي ،  أولا شكرا لكم على تقبل الحوار معنا؛ بحكم إذن اهتماماتكم العلمية والأكاديمية، وبعد زيارتكم الأخيرة لمجموعة من المدن المغربية في أواخر غشت المنصرم مع وفد يضم طلبة باحثين وجامعيين، ألا قربتمونا أكثر من سياق الزيارة وأهدافها ، ومن أسئلة أخرى نطرحها عليكم كالآتي,

ـ بداية و إذا سمحتم، ألا عرفتمونا والقراء أكثر بنفسكم ؟

أنا ابنة 29 ربيعا، من مواليد مدينة حيفا –التي تعتبر مدينة يعيش فيها كل من اليهود والعرب على حد سواء – و كنت أعيش في مدينة القدس على مدى السنوات الست الماضية كنت بحاجة إلى التعامل ،منذ طفولتي ، مع الكثير من التحديات التي وضعتها الحياة أمامي، وكان لدي الوقت الكافي للاهتمام بنفسي أكثر، و أنا على يقين اليوم أن كل هذه التحديات جعلتني أقوى وأكثر ثقة في كل خطواتي.

وكجزء من رحلتي الشخصية لفهم خبايا الشرق الأوسط وللبحث عن جذوري، حصلت على شهادة البكالوريا في دراسات الشرق الأوسط والإسلام والعلاقات الدولية وقريبا سأنهي شهادة  الماجستير في الأبحاث حول الصراعات وكيفية إدارتها وتسويتها من الجامعة العبرية في القدس، واليوم أنا أعمل كمساعدة في بحث “مؤسسة التعاون الاقتصادي ” (ECF)، وهي منظمة خاصة تهدف إلى حل الصراع الإسرائيلي العربي – والإسرائيلي- الفلسطيني من خلال تقديم حلول توافقية للدولتين.

لم يكن اختيار هذه المجالات للدراسة وليد الصدفة. بل كان بالدرجة الأولى وليد بحث مستمر عن حلّ لصراع داخلي محض. استغرق الأمر مني بعض الوقت لكنني ارتأيت في النهاية إلى ضرورة قبول الظلال المتنوعة لهويتي المعقدة، بالإضافة إلى جذوري المغربية و التونسية والكردية والعراقية. أرى نفسي كيهودية وإسرائيلية لكنني أعترف أيضا بثقافاتي العربية والكردية وحتى الفلسطينية (لقد عاشت عائلة والدي في القدس خلال الأجيال الثمانية الأخيرة واعتبروا قبل عام 1917 “كيهود فلسطينيون”).

وفيما يتعلق بجذوري المغربية فقد غادر أجدادي مكناس في عام 1952 ولما زرت المدينة هذا العام وجدت أن هناك قبرا قديما في مكناس يعود إلى حاخام مشهور يحمل نفس اسم العائلة الذي يحمله جدي وجدتي ويفترض البعض أن تاريخ هذا القبر يرجع إلى القرن الخامس. لذلك من يدري فليس من المستحيل أن أكون أمازيغية أيضا. لقد وجدت أيضا أن أخ جدي قتل بوحشية مع خمسة يهود آخرين من قبل المسلمين في شهر أغسطس 1954 في بلدة صغيرة على بعد 60 كيلومترا من مكناس تسمى بيتي جان. هذا كان واحدا من الأحداث العنيفة القليلة ضد اليهود، والتي وقعت في المغرب. ورغم أن هذا كان حدثا مأساويا إلا أنه لم يضعف من هويتي المغربية بل العكس فقد أصبحت أقوى من ذي قبل. فأزور قبر أخ جدي في كل مرة قمت فيها بزيارة المغرب.

ما هو السياق الذي جاءت فيه زيارتكم للمغرب؟ ولماذا اختيار هذه الظرفية بالذات؟ وما هي الأهداف المُتوخاة من هذه الزيارة؟

يُعتبر المغرب بلادا ساحر الجمال, ويتميز بمجتمعه المتعدّد الثقافات ونسيجه المُجتمعي. كإسرائيل, فالمغرب يُعتبر جغرافيًا نقطة التقاء بين أوروبا وإفريقيا. وهذا ما جلب عليه الكثير من الزوار على مر التاريخ.

هذا النسيج الثقافي جعل من المغرب نقطة التقاء مميزة ومثيرة لدراسة العلاقات التي تجمع بين المجوعات العرقية و الدينية. بعد زيارتي الأولى هذه للمغرب أود بان يجَرّب آخرون عملية الاستكشاف المميزة هذه التي تشمل زيارة الأماكن المختلفة في المغرب واللقاء بشخصيات رائعة الذين يتحدثون عن عدة جوانب من النسيج الرائع في بلاد المغرب. أنا آمل بان يكون هناك أيضا عمل مشترك في نهاية هذه العملية سوف, على سبيل المِثال المشاريع الجديدة التي من شأنها أن تساعدنا على تبني إطار متعدد الثقافات يُرسخ للعلاقات بين اليهود والعرب في منطقتنا…

آمل أيضا من خلال هذا المشروع تصويب العلاقات بين المجتمعات المدنية في إسرائيل والمغرب. أنا لا أريد أن أترك كل شيء في أيدي حكوماتنا، ومتأكدة جدا أن كل واحد منا باستطاعته أن يغير كل ما هو بحاجة إلى التغير.

ـ ماذا تقولين عن التصريح المنسوب إليك ضد الناشط الأمازيغي أحمد عصيد ؛ والمنشور بجريدة هسبريس قبل أيام ؟

كانت تجربتنا الشاملة في المغرب تجربة ايجابية جداُ. إلا أن وسائل الإعلام قلصت هذا الشعور, فاستخدم  من قبل الآخرين وفقط من اجل مهاجمة شخص ما. السيد أحمد عصيد كان احد متحدثينا الرائعين، فقد قابلناه لأننا فعلاً نريد بان نتعلم المزيد حول الحضارة الأمازيغية في المغرب. كيف بإمكان أحد أن يتعلم عن المغرب دون أن يتعلم عن حضارة الأمازيغ وتراثهم الذي ذاع صيته حتى في منطقة شمال إفريقيا؟ أنا حقا أشعر بالأسف لهؤلاء الناس ضيقي الأفق والذين ينشرون أكاذيبهم بجميع أرجاء المغرب فقط للحصول على منفعة سياسية. من الواضح انه يوجد نزاع ما بين السيد أحمد عصيد وأولئك الإسلاميين على القضايا الداخلية في المغرب. و تصرفهم كان تصرفا واضحا وشريرا ولا يرنوا للتسبب في الضرر لأشخاص آخرين.

ـ بالنسبة إليك، ماذا تقولين عن ما يسمى اليوم بحوار الثقافات والأديان في العالم ؟

بالنسبة لي فالحوار معنى فائق الأهمية لفهم وحل الصراع. فهو يُتيح للأطراف المتصارعة، التي عادةً تكون منفصلة ومنعزلة الواحدة عن الأخرى، بتبادل وجهات النظر ومشاركة الآخرين مشاعرهم والتقليل من الشكوك ومنح الثقة المتبادلة وتبادل المعلومات القيمة.

أنا أظن بان الحوار بين الثقافات والأديان هو حوار هام جدا لأنه يتعلق بمواضيع لها علاقة بالهوية، وفي بعض الأحيان نحط من قيمة و دور وكذا مساهمة الهوية القوية في خلق الصراعات.

إن الصراع الذي أعيشه أنا, والصراع في الاتحاد اليوغوسلافي سابقًا وطبعًا الصراع العربي – الأمازيغي, ما هي إلا نماذج قليلة تعرض لأهمية والدور التي تلعبه الهوية في حياتنا.

أنا أؤمن بان زيارة المغرب هو فرصة ممتازة للفهم أكثر ماذا يعني مصطلح “حوار ديني وثقافي”. بادئ ببدء, وبالنسبة لي فهذا يعني معرفة ديانة وثقافة الأخر التي تعتبر جزءا من واقعي ووجودي, وبالطبع الاعتراف بالاختلافات والتشابهات التي قد نتقاسمها، وتقبل التنوع كخصلة أخلاقية حميدة من الدرجة الأولى.

ـ كيف تنظرين إلى ما يجري بين اليهود والمسلمين الآن في فلسطين ؟

بزغ فجر جيلنا في بلاد تعيش الصراع يوميًا حيث فهم الناس بأن هذا الصراع هو صراع مُطْلق وبان المسلمين واليهود قد كُتِب عليهم العيش في صراع أبدي. يعيش الطرف الآخر حالة من التخوف في وجود للكثير من التصورات و الآراء المسبقة. كثير من الناس يُحُاكَمُون وفقًا لخلفيتهم وهويتهم الدينية. و الجدير بالذكر بان الهوية الدينية و الصور التي تُكوّن عن المسلمين وعن اليهود هي صور مشوه ومحرفة. فعلى سبيل المثال، إذا كنت مسلما تعيش في شرقي القدس ورأيت شخصا يهوديا مُتديّنا يمر بجانبك فقد تشعر بالتوتر وبالجو المشحون. والعكس صحيح, فردة الفعل الأولى لليهود عند رؤية المسلمين هي الخوف. فكل طرف يعتبر وجود الآخر على الفور بمثابة خطر محدق، و كل فئة لها أسبابها.

وتعتبر هذه الحالة المؤسفة وليدة الاشتباكات طويلة الأمد بين اليهود والمسلمين في منطقتنا، و في نظري فإن جوهر صراعنا هذا ليس صراعا دينيا فقط، بل هو أيضًا مجموعة عوامل أخرى كالطموحات و المنافسة الوطنية، على الموارد الخ..

ـ ما هو تصورك للعلاقة بين الأمازيغ واليهود ؟

أولا وقبل كل شيء، يجب أن أعترف بأن أول شيء قمت به كان هو القراءة على الأمازيغ، فقط خلال زيارتي الأولى للمغرب في كانون الأول الأخير. يجب عليك أن تفهم بأن المغرب في نظر المشارقة يُعتبر بلدا عربيا، و الكثير منهم ليسوا متعودين فكرة الإرث المغربي و الشمال إفريقي. تعتبر القضية الأمازيغية بمعانيها الكثيرة قضية جديدة بالنسبة إلي، و أنا أبذل ما بِوِسعي لتعلم الكثير عنها، وخاصة  بعد مُشاهدة فيلم كمال هشكار “تنغير-جيروزاليم: أصداء الملاح”. عندما عُدت إلى إسرائيل بدأتُ بسُؤال اليهود المغاربة ما إذا كانوا يعرفون الأمازيغ أو تعود انتماءاتهم لأمازيغ، وهكذا بدأت التواصل العميق بين الأمازيغ واليهود.

ـ كيف كان ٱانطباعك بعد مشاهدة فيلمتنغير جيروزاليم : أصداء الملاحلمخرجه كمال هشكار ؟

كانت أول مرة أتيحت لي فيها الفرصة لمشاهدة فيلم كمال كانت في اليوم الثاني من رحلتي في المغرب في كانون الأول الماضي في الدار البيضاء. كانت الترجمة في الفيلم إلى اللغة الفرنسية لذلك لم أفهم كل شيء. عندما أتى كمال إلى تل-أبيب لعرض الفيلم, دعوت العديد من أصدقائي و كانت للبعض منهم جذور مغربية وكلنا شاهدنا الفيلم وبكينا. هذا لأنه حتى وإن كان هذا الفيلم يحكي قصة بلدة مغربية واحدة – فقد عرض الحسرة و الصدمة، غير المعترف بها، التي ألمت باليهود عندما تركوا البلدان العربية والمسلمة. نحن لا نتعلم الكثير عن تاريخ الشعب اليهودي، الذي أتي من البلاد العربية والمسلمة، اليوم في إسرائيل و لا يزال اندماجهم في ألمجتمع الإسرائيلي يُعتبر إشكالية، وهؤلاء الذين نجحوا في عملية الاندماج (أو الانخراط) اضطروا للتخلي عن هويتهم العربية والأمازيغية وتركها ورائهم. لذلك فعندما شاهدت فيلم كمال شعرت وكأن أحداً ما يحكي قصتي الشخصية. و ما زاد من الإثارة و القوة في الفيلم أنها حُكِيت من طرف مسلم.

كان من بين الأسباب التي دفعتني لزيارة المغرب شعوري بأن تاريخ عائلتي البعيد في المغرب قد تم محوهُ و غير معترف به. ولذلك حدت بي الرغبة في إعادة ربط الاتصال بماضي إعادته مجدداً إلى الحاضر والمستقبل عن طريق الصور. ما فعله كمال هو استحضار هذا الماضي وإعادته إلينا من خلال أعيُن أمازيغية – مسلمة – يهودية من تنغير. هذا هو أيضاً السبب الذي أدى إلى إثارة الكثير من تعليقات الناس بعد مشاهدة الفيلم والتي كانت متعلقة بباقي المناطق في المغرب وهي تسأل كمال لِما لم يتطرق إليهم بالمرة في فيلمهِ. يمكن تفسر ذلك بالعودة إلى حقيقة مفادها أننا جميعاً نريد أن تُحكى قصتنا وهذه ليست قصتنا فقط بل قصتكم وهذا ما فعلهُ كمال أيضاً. إنه شجاع لأنه تجرأ في كشف نقطة اللقاء بين قِصَصِـنا –  كمسلمين ويهود – في واقع عُنوانه النزاع.

ـ كيف تستطلعين مستقبل العالم في ظل الحروب الدامية بين الأنظمة والشعوب ؟

نحن نُفضل التفكير في الصراع على أساس أنه غير عادي، ليس عاملا تكاملياّ في حياتنا، بل الحقيقة أن الصراع في كثير من الحالات يُساعد على جلب التغيير. بتعبير آخر، إن دعاة التغيير يُمكن الاعتراف بهم في العديد من الحروف التي تنشب هذه الأيام. لا تُسئ فهمي، فهناك وسائل أقل تكلفة و أكثر إنسانية  تقود إلى التغيير، لكن أحيانا يقع هذا عن طريق النزاعات كالتي نشهدها هذه الأيام في العالم، و بالطبع في العالم العربي و الشرق الأوسط. أتمنى أن يكون هناك توازن بين المُجتمع و القاعدة، ليَتَسنى للناس مشاركة أفكارهم و التعبير عن شكاويهم. و أتمنى أن لا يتم استخدام اختلافاتنا على أنها أسلحة بل اعتبارها خصلة.

ـ  ما هي رسالتك الأخيرة   ؟

تذكر, نحن جميعًا بشراً, بغض النظر عن تعددية هوياتنا – يهود أو مسلمين, إسرائيليين أم عربًا. لا تتطلع إلى العالم وتحاول تصنيف الناس إلى خيريين وأشرار. فالواقع أكثر تعقيدا من ذلك – إذن باستطاعتك رؤية العالم بألوان مختلفة.

من المهم بالنسبة لي أن تعرف بأنه يوجد ما يقارب المليون مواطن يهودي في إسرائيل لهم جذور مغربية. على الرغم من أن بعضهم نسوا تراثهم المغربي، ولكن الكثير منهم لا يزال يحافظ عليه بقوة.

جئت إلى المغرب لأتعلم وأفهم بطريقة أفضل ماذا يعني بأن تكون شخصا مغربيا؟ الأشخاص الذين علموني الكثير هم أنتم – الشعب المغربي – من خلال محادثات عديدة في أماكن مختلفة، رأيت أيضا بأمي عيني أن مجتمعا متعدد الثقافات يمكن من خلاله لليهود والعرب أن يتعايشوا جنبا إلى جنب، هو إمكانية فعلية. أنا أعلم أنها ليست الطريقة المثلى، لكنها أفضل من أي نموذج آخر مُتاح في منطقتنا وغيرها من المناطق، وكذلك فإنه لا يزال موجودا اليوم. . آمل حقا زيارة المغرب، وطن أسلافي و أجدادي مرة ​​أخرى، وأريد فعلاً أن أشكركم من أعماق قلبي على حسن ضيافتكم وترحيبكم وكرمكم. كل هذا جعلني حقا أشعر بالفخر كمغربية

 حوار : رجب ماشيشي ( باحث في اللغة والثقافة الأمازيغيتين) ـ تنغير        

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 1120 )
  1. أخشى عليكم زملائي في سوس بلوس من قنبلة درية يقصفكم بها “الزعيم ” خالد السفياني أو أحد جهابدة القوميين العرب من أمثال عبدالاله المنصوري وربما قد تتلقون ضربة عسكرية من مثقف إسلاموي مثل الهلالي أو حتى بنكيران لأن مافعلتموه تطبيعا مابعده تطبيع وإنالله وإنا إليه راجعون

Comments are closed.