الرئيسية مجتمع مافيا سوق نخاسة الطفلات الخادمات

مافيا سوق نخاسة الطفلات الخادمات

كتبه كتب في 16 يونيو 2013 - 11:49

بدل أن تكون وجهة الفتيات الصغيرات المدرسة لتلقي أبجديات المعرفة وتحصيل العلم ورسم معالم مستقبل، توجه نسبة كبيرة منهن للعمل كخادمات يحملن مسؤولية أشغال البيت والاهتمام بالأطفال وهن ما زلن طفلات يحتجن للاهتمام، هناك تنتهك آدميتهن وتكرس دونيتهن مبكرا هذا إن لم يتعرضن للاعتداء الجسدي والمعنوي،  وضع حتمته الظروف الاجتماعية والمادية لأسر الخادمات الطفلات، وكرسه جهل الأسر بحقوق بناتهن ” الخادمات الصغيرات” سواء عليهم أو على المشغل. كيف يتم تصدير فتيات قرويات للعمل كخادمات منازل بالمدن الكبرى؟ من يستقدمهن؟ كيف يعملن؟ دور الوسيط وشبكات السماسرة؟ أماكن السمسرة؟؟؟ أسئلة كثيرة تطرح في ظل المآسي المتكررة التي تنشرها وسائل الإعلام من تعذيب خادمة، رميها من الشرفة….كان آخرها قضية فاطم ابنة منطقة أوناين بتارودانت.

 

فاطم… شمعة تنطفئ

فاطم… شمعة أخرى لم يتجاوز عمرها الرابعة عشر انطفأت قبل الأوان. غادرت بيتها في سن التاسعة، تاركة أمها وأختها التوأم وأخواتها بدوار أدوز بجماعة أوناين  إقليم تارودانت. اقتلعت من بيئتها على يد شيخ القبيلة الذي ” سمسر ” فيها لتحمل اللعمل خادمة بأكادير. لم تتوقع عائلتها أن تعود فلذة كبدها محمولة على النعش بعد أن حرمت أمها من رؤيتها مدة ثلاث سنوات، أما أخواتها وأخوها فلم يروها منذ ست سنوات.

 تعذيب، حرق، تنكيل، وضرب وجرح… نزر قليل من جملة ما عانت منه فاطم طيلة تواجدها في بيت مشغلتها مربية الأجيال والدركي التابع للقيادة الجهوية بأكادير، رجل القانون القاطن بعمارات الدرك الملكي بحي تابورجت.

خضعت الخادمة على امتداد 10 أيام لتعذيب سادي ترك على جسدها جروح غائرة وحروق على مستوى اليد والعنق والظهر والجهاز التناسلي والوجه… أصبحت حالة الطفلة يرثى لها ولم تحاول المشغلة حملها إلى المستشفى، بل اكتفت بعلاجها بالبيت بأدوية ومراهم للحروق واستعانت بأطباء قدموا وصفات بعد زيارتهم للخادمة في البيت، حسب تصريحات مصادر عليمة، لكن دون جدوى، فقد تدهورت الحالة الصحية للطفلة مع ارتفاع حرارتها ما دفع بالمشغلة إلى حملها لمستشفى الحسن الثاني بأكادير، لكنها فارقت الحياة بعد ساعات. التحريات الأمنية وتقرير الطب الشرعي أثبتا تعرض الخادمة القاصر للإيذاء العمدي، لكن المشغلة ظلت تتمسك بكون ” فاطم” عرضت  جسمها عن طريق الخطأ للماء الساخن بحمام البيت، فنتجت عنه تلك الحروق والتشوهات، وأنها قامت بعلاجها قبل أن  تقررنقلها إلى مستشفى الحسن الثاني لتلفظ أنفاسها الأخيرة.

 

وتستمر المعاناة

جريمة جديدة تستهدف  الخادمات في انتظار  صدور قانون ينظم شغل الخادمات ويوفر لهن الحماية القانونية،  قضية فاطم كادت تطمس لولا فضحها من طرف وسائل الإعلام التي فجرت القضية، واعتبرت وصمة عار على جبين كل من ساهم في إخفاء الواقعة و محاولة التستر عليها، وحركت إحساس الجميع وارتعشت لها الأبدان لوحشية التعذيب الذي تعرضت له، بل دفعت أزيد من ألفي من ساكنة 72 دوارا بمنطقة أوناين  للاحتجاج وتنظيم وقفة مساندة لأسرة الضحية، ولأول مرة جعلت هذه القضية جمعيات المجتمع المدني بسوس تتكاثف لخلق إئتلاف لمساندة ليس فقط قضية فاطم بل كل الحالات المشابهة على الصعيد الوطني.

قضية فاطم خلقت انقلابا في الوسط المحلي، وكانت السبب في إعادة الأسر لأحضانها لثلث من عدد  الطفلات الخادمات.

بدأت الحكاية منذ أربع سنوات، يوم مشؤوم تذكره والدة الخادمة زينة، عملت بدورها سابقا خادمة في البيوت، وتلعن اللحظة التي سمحت فيها بابتعاد ابنتها. حضر شيخ القبيلة رفقة والد المشغلة المتهمة في قضية تعذيب ” فاطم” الحارس العام بإعدادية جماعة أوناين، لإقناع والدي الطفلة بإرسال ابنتهم للعمل ووعدهما بعيش كريم في كنف الاستاذة المشغلة وزوجها، وظل السمسار ” شيخ القبيلة” الوسيط الوحيد بين المشغل وأسرة فاطم، التي لم يكن يتجاوز واجب راتبها الشهري 350 درهما.

تؤكد الأم المكلومة قائلة: ” أتحمل مسؤولية ما وقع، أنا اللي ارسلتها للأستاذة من بعد ما رجعت فاطم من الرباط حيث كانت كتخدم تما عند شي ناس. ماشوفتهاش هادي ثلاث سنوات، وعمري ما مشيت الدار اللي تخدم فيها فاطم الله يرحمها، وحتى الأستاذة والجدارمي عمرهوم ماجاو عندنا، وحتى عيد الكبير ما عمرهوم سيفطولينا الدرية نشوفوها”.

تنهيدة قوية تصدر من الأم زاينة، ثم تستدرك قائلة: ” العيد اللي داز واعدنا الدركي أننا نشوفوا فاطم لكن اتصل وقال أنه انتقل إلى وجدة”. تؤكد الأم-  التي كانت تكرر من حين عبارات ساخطة على المشغلين-  أن الدركي أشعر الأشرة خلال  شهر رمضان الأخير بخمسة أيام بأنه في تارودانت وأنه قادم إلى أولاد برحيل لرؤيتهم، إلا أنه اكتفى بمقابلة الزوج بمحطة أولاد برحيل وسلمه بعض النقود ثم قفل راجعا بعد أن تعلل بكون زوجته أصيبت بتوعك ويرغب فورا في إيصالها إلى ” الجبار بمراكش”. حرقة الأم بلغت مداها بعد توصلها بخبر ينعي ابنتها

 فاطم حملت تفاصيل تعذيبها معها

فاطم توفيت بعد ساعات من وصولها المستشفى، تحت اسم مزور ” فاطمة غاني”فيما اسمها الحقيقي فاطمة بوسعدن،ماتت وحيدة دون أن يتمكن فرد من عائلتها من رؤيتها، ودفنت بأكادير بعيدا عن  بلدتها.

“فاطم” أو فاطمة من مواليد أبريل من سنة 1998، لم تعش حياة الطفولة كسائر الأطفال، بل تم تصديرها مبكرا للعمل خادمة في الرباط ثم أكادير لتقتبر من الأسرة، توفيت أياما قبل عيد ميلادها  الخامس عشر، هي توأم لأخت لم ترها منذ ست سنوات. فاطم  توفيت بعد أن عانت في صمت، ومنعت من مغادرة بيت المشغلة في الآونة الأخيرة، بعدما تدهورت حالتها الصحية وظهرت آثار التعذيب بارزة على جسدها.

لم تكن قضية فاطم لتنفضح لولا تطور حالتها إلى الأسوء، مما دفع بالمشغلين إلى استقدام طبيب، لكن ذلك لم ينفع فقد كانت حروق من الدرجة الثانية والثالثة غير قابلة للشفاء، وساءت حالتها ليضطر المشغلان إلى  نقلها لمستشفى الحسن الثاني بعد رفض إحدى المصحات استقبال الحالة.

ماتت فاطم وحملت سرها معها: كيف عاشت سنواتها تلك مع مشغلة أذاقتها كل أشكال التعذيب، ولم يكن يسمع سوى صوتها تستجدي مشغلتها لتتوقف عن ضربها، حسب ما صرحت به جميلة إحدى الجارات القاطنات بعمارة الدرك الملكي لوسائل الإعلام، بل كانت تسمع ككل الجيران صوتا على شكل مواء قطة، الذي لم يكن سوى صوت فاطم وهي تئن من شدة الألم ولم تنتبه الجارة إلا بعدما علمت بأنه كائن آدمي يعيش ساعاته الاخيرة وليس مجرد قطة.

خادمة غير عادية، فقلما رآها الجيران خارج البيت أو بصحبة العائلة المشغلة أيام العطل الأسبوعية…لم تكن ترى أسرتها رغم محاولات الأم جاهدة اللقاء بها، واستعطافها المشغلة لرؤية ابنتها، فقد باءت كل المحاولات بالفشل، وكانت المشغلة وزوجها يتعللان بأسباب استمرت قرابة ثلاث سنوات، فيما كان الشيخ يقوم بعمل الوساطة لإيصال ” شهرية” التي لم تتجاوز 350 درهم لوالدها متم كل شهرين أو ثلاثة أشهر.

الإعلام يفضح قضية كادت تطمس

التكتم الذي ضرب على القضية والخوف الذي ساد وسط الجيران للحديث عن معاناة طفلة، لم يمنع الإعلام وجمعيات المجتمع المدني العاملة على طول السنة وليس الموسمية من مواكبة القضية، ووضع اللوم على عاتق كل من تستر على حالة فاطم وغيرها، وتم التعرف عن قرب على الوسط الذي عاشت فيه فاطم بدوارها وتعيش فيه نسبة كبيرة من الأسر التي أرسلت بناتها للعمل خادمات بالدار البيضاء وباقي المدن، بل تفتخر الأسر بعدد بناتها العاملات في المنازل، في منطقة تعيش هشاشة وتعرف انعدام التخطيط الأسري، حيث يبلغ عدد ساكنتها 12  ألف نسمة وتتوفر على مستوصف صحي يعمل به ممرض وحيد منذ 33 سنة، يقوم أيضا بمهمة المولدة، حيث قام سنة 2011 بتوليد 25 امرأة وسنة 31 حامل. منطقة أوناين تعرف ارتفاع الولادات وبالتالي نسبة كبيرة من الأطفال يعملون إما كخادمات أما الذكور فرعاة في المناطق الجنوبية.

 خادمات انتهكت آدميهن

 نسمة النقاش…محاولة انتحار

نسمة خادمة الدار البيضاء، تكررت لديها محاولات الانتحار للخلاص من مصير مأساوي فرض عليها قسرا. نسمة القروية ذات 19 ربيعا متحدرة من تيسة، على بعد 40 كلم من تاونات، حاولت الانتحار بعد أن سئمت الحياة وفقدت الرغبة في الحياة بعد اغتصابها حين كانت في السادسة عشر من عمرها من طرف شخص التقته في القطار، قطعت وريد يدها سنة 2010 وتم إنقاذها. ثم ما لبتث أن كررت المحاولة بالسقوط من الطابق الخامس لتسفر عن وفاة جندي شاب حاول إنقاذها، أصيبت بكسر مزدوج في الذراع الأيمن، أسنان كسرت، خدوش في الجبهة والقدمين….عاشت نسمة الذل من طرف عائلتها وسط أسرتها ونقلت من ” دار لدار” واستغلت بشكل مهين، كانت تحس بكونها آلة تعمل ليحصل والداها على عرق جبينها دون أن تلمس من مدخولها الشهري درهما واحدا، وحينما تحاول المطالبة بما تعتبره حقا لها، تواجه بالتهديد بحذف اسمها من دفر الحالة المدنية.

 خديجة ألقي بها من الطابق الثالث بالدار البيضاء

 خديجة أوتاصورت خادمة نحيلة عمرها 19 سنة، قامت مشغلتها الموثقة بإلقائها  يوم ثامن يولويوز 2012 من شرفة الطابق الثالث بحي المعاريف. الخادمة نقلت منتصف تلك الليلة إلى مستشفى ابن رشد باسم خديجة ألحيان، مع أن اسمها الحقيقي هو خديجة أوتاصورت.

خديجة تتحدر من منطقة بيكودين بإقليم تارودانت، سلمها أبوها للموثقة وزوجها رجل الأعمال عبر وسيطة كخادمة مقابل ألف درهم للشهر، أصيبت بعجز على مستوى رجلها وعمودها الفقري الذي تكسر جراء السقطة، وتمت خياطة عمودها الفقري مثلما يخاط كيس الحبوب،  كما تعفنت أرجلها ما صعب احتمال نجاتها من عاهة مستديمة.

تحكي خديجة مأساتها مع مشغلتها الحامل والتي كانت تعيش مشاكل مع زوجها، ما جعلها تغادر البيت وتتخذ من مكتبها مسكنا لها ولخادمتها. طلبت المشغلة يوم الحادث من خديجة أن تنفض الزبية من الغبار من فوهة الشرفة، وأثناء انهماكها بالقيام بما طلب منها، دخلت الموثقة في حالة هستيريا منتقدة طريقة نفض الزريبة فانهالت على الخادمة النحيلة الجسم بالضرب، وختمت ذلك بدفعها نحو الهاوية، تعلقت خديجة كما روت بقضبان الشرفة، ثم انزلقت يدها مسلمة جسدها إلى اسفلت الشارع.

أجبرت خديجة أول الأمر على القول بأن الحادث كان عرضيا، لكن أثناء معالجتها بالمستشفى تدخل فاعلو خير  لكشف المستور وباحت الخادمة بالسر الدفين كما حكى زوج أختها موسى المويحلي المقيم بالدشيرة الجهادية بأكادير. دلت خديجة أحد فاعلي الخير على صاحب محل للبقالة بالمعاريف الذي دله بدوره على والدها بسوس، حيث أخبره بما حل بابنته، عندها تفطن الأب لسبب توصله بأجرة ابنته قبل موعدها في محاولة من المشغلة لمنع الأب من الحضور شخصيا لاستلامه.

 

أسواق “للنخاسة” الجديدة شبكات للوساطة

 خادمات يسوقن بالأسواق الأسبوعية

 “سوق النخاسة” وجد مجالا خصبا بدواوير بإقليم تاونات خاصة بجماعة كلاز وغفساي ومنطقة “الحياينة”، وقرية بامحمد ، و تازة وجهة الحوز والصويرة وسوس… حيث تنشط بهذه الأسواق  شبكات متخصصة في الوساطة ” سماسرة” بين آباء الفتيات والأسر التي تحتاج إلى خادمات.

بسوق “أحد بني فراسن” نواحي تازة، اشتهر لمدة ثنائي من السماسرة: عبد القادر الملقب ب”السرجان” والحسن، كانت سمسرتهما من نوع خاص: الوساطة بين أولياء صغيرات المنطقة والراغبين في خادمات البيوت من مدن بعيدة. لم تدم عملياتهما طويلا، فقد تمت مباغتثهما وهما “متلبسين” في الوساطة بين والد طفلة لا تتجاوز عمرها عشر سنوات وشخص يشتغل أستاذا للتعليم الثانوي يستقر بحي السعادة بمدينة فاس.

 في صباح ذلك اليوم، انتزع عبد القادر سمية  من حضن عائلتها ووالدتها الدافئ بدوار “العروات” بمنطقة بني فراسن. ” ودعتها أمها على عتبة المنزل وقفت  في ذلك الصباح الباكر بعتبة الباب وهي تودع صغيرتها. تقدم السرجان الطفلة ووالدها في اتجاه السوق لإتمام عملية النخاسة ” الجديدة”، لكن القدر كان إلى جانب سمية،  فلم تتم المفاوضات بين والد سمية و الأستاذ ووسيطهما السمسار، فقد أجهض تدخل الدرك الملكي العملية، حيث كان السمساران مبحوث عنهما، بموجب مذكرة بحث صادرة بأمر من وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتازة، بعد شكاية رفعها والد فتاة خادمة اختفت في ظروف غامضة منذ شهور ولم يظهر لها أثر، واتهم فيها السمسار وشريكيه بمسؤوليتهم التقصيرية، باعتبارهماهم من “اقتادوا” الفتاة المختفية من أسرتها للعمل عند أسرة بمكناس.

بإقليم تاونات، سبق لهيئات حقوقية أن سجلت تصدير المئات من الفتيات القرويات صغيرات السن، من الإقليم للعمل خادمات في مدن كبرى، باعتبارهن استثمارا  يخول للآباء الحصول على مدخول شهري. وتعتبر جماعة كلاز من الجماعات الأكثر تصديرا للخادمات،وخاصة نحو مدينة الدار البيضاء، حي يتكفل الوسطاء بالبحث عن الخادمات بالدواوير والاتفاق مع عائلاتهن على التعويضات، قبل أن يتم ترحيلهن نحو المدينة للاشتغلال بالبيوت، وتتراوح الأجرة الشهرية للخادمات بين 400 درهم وألف درهم، علما ان والدي الخادمة قد لا يعرفان الأسرة المشغلة لابنتهن، ويتعاملان مباشرة مع الوسطاء. وتنقل الخادمات غالبا أيام الأسواق الأسبوعية إلى الدار البيضاءعلى متن في سيارات النقل السري، في ظروف لا إنسانية، قبل أن تسليمهن للأسر المشغلة.

وتنحدر جل الخادمات، وأكثرهن قاصرات، من عائلات فقيرة، وغالبا ما يكن غير متعلمات، مما يجعلهن يعانين الأمرين وسط العائلات المشغلة، وهو ما يعرضهن لتعسفات وانتهاك لحقوقهن، بحيث يتم إجبارهن على القيام بأعمال تحط بالكرامة وفي ظروف مزرية ويعانين من اضطرابات نفسية، قد تدفعنهن إلى الإقدام على الانتحار.

ويتم اختيار الخادمات ممن يتراوح سنهن بين الثامنة والخامسة عشرة ” رمانة مغمضة ونية” ليحرمن من أبسط حقوق الطفل: اللعب، التعليم، الحنان الأسري…خاصة أثناء فترة عيد الأضحى، حيث ينقلن إلى وسط آخر تغتصب براءتهن فيه ويعشن معاناة ويتحملن مسؤوليات العمل الذي غالبا ما يستمر ساعات، بحيث تكون الخادمة أول من يستيقظ وآخر من ينام، ونسبة كبيرة منهن يجدن أنفسهن في مواجهة مشغل أو مشغلة، تتحول إلى سلوكات غير إنسانية كالاعتداء الجسدي والتعذيب، كما هو الحال بالنسبة لآخر ضحايا العنف ضد الخادمات ” فاطم”.

طريقة أخرى لتسويق ” الخادمات الصغيرات” رصدتها مصادر ببعض الأسواق كبني فراسن والدار البيضاء” حي الرميلة بعين الشق… حيث تفرع بعض السيارات القادمة من إقليم تاونات سلعتها من الخضر والفواكه، إضافة إلى الخادمات التي يكون السمسار قد ” فاوض” بخصوصها وساوم في ثمنها للعمل في الدار البيضاء، وبالتالي يقوم أحيانا بتسليمها لسمسار آخر يقوم بتوزيعهم على الأسر المعنية.

 حسن… السمسار الثائب

  حسن سمسار ثائب في عقده الخامس، متزوج وأب، يقطن بمنطقة الدراركة إحدى أكثر مناطق أكادير شهرة بتصدير الخادمات. قضى فترة مهمة م حياته يحمل مذكرته المليئة بأسماء وعناوين الخادمات وأسرهن، والراغبين في استقبال خادمة أو طفل للرعي. حسن عليم بخريطة سماسرة الخادمات الصغيرات بكل من سوس، الصويرة، وشيشاوة، إيمنتانوت…عمل مع شبكة تنشط من سوق الثلاثاء بإنزكان ، تصل ذروة النشاط عشية الإثنين وصباح الثلاثاء، حيث يختلط في الوقف المهنيين والكبار الراغبين في العمل وداخله تنشط عمليا ” النخاسة الجديدة”.

استطاع بعد تعرفه على جمعية أرض البشر من التكفير عن بعض ” ذنوبه من الخادمات” وبتعاون مع الجمعية من إعادة نسبة مهمة من الخادمات اللواتي يقل سنهن عن 15 سنة، وإعادة إدماجهن في المجال الدراسي أو التكوين المهني. فإنزكان هي مركز لشبكة من السماسرة النساء والرجال تمتد من سوس إلى الصحراء ومن الحوز والصويرة.

تحدث حسن عن بعض زملائه في الحرفة التي ينتشرون بأولاد تايمة،  أولاد ترنة، تازمورت، أرزان، أولوز، أوزيوة، أولاد برحيل بسوس، وإيمنتانوت ومنطقة لالة عزيزة، وإقليم الصويرة وكان لحسن الفضل في القضاء النهائي على الخادمات بمنطقة الدراركة وتماعيت.

يحكي حسن عن سمسارات بآيت ملول وأولاد تايمة، تعمل سمسارة آيت ملول بتنسيق مع ابنتها القاطنة بالعيون. تقوم بجولة للبحث عن الطفلات الخادمات خاصة وأن الراغبين في العثور على خادمة أو طفل لرعي الجمال بالجنوب كثر،علما أن الراتب الشهري يصل أحيانا 2500 درهما، يقوم السمسار بالمناورة مع والد الطفلة ” السلعة”. ويحدد ثمن كل خادمة حسب السن والمهمة التي ستقوم بها، كما يشترط الزبناء أن يظلوا بعيدين عن أسرة الخادمة وقطع الصلة، ليظل السمسار الرابط الوحيد بينهم وبين المشغل، كما حصل في قصة خادم.

إئتلاف جمعوي من أجل القضية

 عشرات الجمعيات المدنية والحقوقية العاملة في مجال مناهضة كل اشكال العنف ضد الأطفال، شكلت إئتلافا تبنى قضية فاطم، ونصبت نفسها للدفاع عن قضية الخادمات وطنيا. وقد قام “الائتلاف من أجل حظر تشغيل الطفلات كخادمات في البيوت” في وقت سابق، بدراسة حول الظاهرة توصلت إلى أن 75 في المائة من الأسر التي تنحدر منها الطفلات الخادمات هي أسر فقيرة، و83 في المائة من هذه الأسر تتفشى فيها الأمية وتجهل حقوق أطفالها. من جهة أخرى كشفت الدراسة أن 100 في المائة من الأسر تستغل طفلات تتراوح أعمارهن ما بين 8 و15 سنة، وأنططفلات 67 في المائة من هذه الأسر على علم بالأحكام القانونية التي تحظر تشغيل الأطفال دون السن القانوني، ومع ذلك تتعمد تشغيل هذه العينة من القاصرات.

وفي تجربة فريدة، استطاعت جمعية أرض البشر حسب رقية الركيبي منسقة البرامج بالجمعية، أن تعلن منطقة تامعيت إزدار وتماعيت أوفلا بالدراركة منطقة من دون خادمات. تحكي عن مرحلة تقمصت خلالها دور موظفة في حاجة لخادمة بمعية زميلتها. تعرفت على حسن السمسار وأخبرته ببحثها عن خادمة صغيرة للعمل لديها. مع مرور الوقت كشفت رقية عن هويتها للسمسار، الذي تحول من سمسار إلى دليل لكشف خريطة شبكة السماسرة  في الصويرة الحوز وسوس.

تعتمد الجمعية في محاربة الظاهرة على الاتصال بأسرة الخادمة وبكل الطرق تحاول إقناع الأب أو الأم بخطورة توجيه طفلة للعمل كخادمة، ثم تتكفل بمصاريف تمدرس الطفلة بعد إعادتها لأحضان أسرتها، هذا في حالة معرفة مكان وعنوان عمل الطفلة، وإلا فإن الجمعية تقوم ببحث دقيق للوصول إلى مكان عملها.

تحكي رقية في جلسة تواصل مع بعض وسائل الإعلام عن قصة عن حالة خادمة صغيرة حملها دركي للعمل لدى قريب له بسلا، كان عمرها 15 سنة  لم يكن لدى الجمعية سوى خيط وحيد هو أن المشغل طبيب، لم يكن أمامها سوى يصفح دليل الهواتف لتتوصل إلى عيادة الطبيب، واتصلت الجمعية بالمشغل مطالبة إياه بضرورة إعادة الخادمة القاصر لأسرتها وتوصلت إلى إقناعه.

حسب تقرير جمعية أرض البشر استطاعت سنة 2011 إدماج 250 طفلات منهن خادمة سبق لهن العمل وأخريات في حالة خطر ” مهددات بتشغيلهن”.

 بالمدرسة والتكوين المهني بست دواوير، حيث تتكفل بالنفقة والمتابعة، بل استطاعت أن تعلن منطقة تماعيت أوفلا، وتامعيت أزدار وسيدي بوسحاب منطقة خالية من الخادمات.

 بعد إدماج الحالات التي كانت بها ونشر وعي يجرم ظاهرة تشغيل القاصرات، ويبحث لإيجاد حلول عملية لتطويق الظاهرة. كما  أن أرض البشر ساهمت في إنقاذ 378 طفلا بينهم 219 فتاة، في إطار برنامج تحسيسي شمل 663 من بينهم 337 امرأة و 264 طفلا و 62 رجلا، بخمسة دواوير بأولاد تايمة.

من جهتها، سبق لجمعية إنصاف أن قامت بدراسة سنة 2010 حول عاملات المنازل القاصرات دون سن 15 عاما، وتوصلت إلى أن 62 في المائة منهن، تتراوح أعمارهن بين 13 و15 عاما، وأن 38 في المائة منهن أعمارهن بين 8 و12 سنة.

كما قامت الجمعية بإحصاء أزيد من 600 حالة تشغيل للطفلات الخادمات ب20 جماعة بشيشاوة، خلال مسح قامت به  بتنسيق مع السلطات المحلية لشيشاوة. هذه المنطقة التي تعتبر من المناطق “الرائدة”  في تصدير الطفلات الخادمات حيث تعتبر إيمنتانوت أهم سوق للنخاسة الجديدة. وتعود الأسباب في انتشار الظاهرة للامية والفقر والهشاشة التي يجدها السماسرة مرتعا خصبا لنشاطهم.

وقامت الجمعية من خلال برنامج محاربة تشغيل القاصرات الخادمات في البيوت، الذي ترعاه المؤسسة الوطنية للتضامن مع النساء في وضعية صعبة “إنصاف”  بالتوصل إلى أنه من بين 475 خادمة تتحدر من منطقة شيشاوة ممن شملهن الإحصاء، فقد تم تسجيل 172 خادمة قاصرة، تمكنت الجمعية من إدماجهن بالمدرسة والتكفل بنفقة دراستهن ودعمهن  ماديا ونفسيا واجتماعيا داخل أسرهن بواسطة مركز تم إحداثه بإمينتانوت.

” يتبع”

أمينة المستاري

” نساء من المغرب”

مشاركة