الرئيسية مجتمع واحات النخيل أعراف و صناعة : نموذج إقليم طاطا

واحات النخيل أعراف و صناعة : نموذج إقليم طاطا

كتبه كتب في 7 يونيو 2013 - 10:55

مقدمة:  يكتسي النخيل أهمية خاصة لدى سكان الواحات بدائرة طاطا ليس فقط لارتباطه بعادات و تقاليد توارثها الأجيال مما جعلهم ينظرون إليها نظرة تقديرية’فعملوا عل غرسه و الإكثار منه حتى شكلوا واحات تزخر بالاختلاف الثقافي و الاجتماعي لتصبح في وقتنا الحالي مملكة صنفت ضمن الثرات العالمي للمجالات الحيوية هذه المملكة التي تزخر بمؤهلات طبيعية و سوسيوثقافية لتخلق بذلك ظروف ملائمة لاستقرار السكان و تبادل الثقافات .

فالنخيل يعتبر إحدى الدعائم الأساسية للنشاط الفلاحي بالواحة و له أيضا أهمية اقتصادية تكمن في أنه يساهم في الرفع من مدخول الفلاح و يوفر فرص الشغل لعدد لا يستهان به من سكان هذه الواحات’بالإضافة إلى ذلك نجد أن النخيل يوفر ظروف ملائمة لنمو المزروعات التحتية المتواجدة بالواحات مشكلا معها أنظمة زراعية و إحيائية كما تمتاز واحات النخيل بدائرة طاطا بوفرة أصنافها و إتلافها مكونا بذلك مخزونا محليا هائلا م المدة الوراثية تضاف إلى الموارد الوراثية النباتية الأخرى’إلا أن إنتاج هذه الأصناف تعرف في جل مراحل إنتاجها استعمال طرق تقليدية.

كيف ساهم السكان لفي الحفاظ على هذا الموروث الواحاتي؟

لمحة جغرافية عن إقليم طاطا

   يمتد إقليم طاطا من السفوح الجنوبية للأطلس الغير إلى الصحراء المحررة بمسافة تقدر ب30.000 كلم² يحده من الشمال إقليم تارودات و م الغرب إقليم تيزنيت و كلميم و من ناحية الشمال الشرقي إقليم زاكورة و وارزازات و الحدود المغربية الجزائرية في الجنوب الشرقي.

مساحة إقليم طاطا كلها عبارة عن جبال و سهول حيث نجد سلسلة جبال باني في الشمال و الشمال الشرقي و سلسلة جبال وركزيز الممتدة جنوب شرق الإقليم و تتواجد على طول الوديان المتمركزة بالإقليم واحات خضراء توفر جوا ملائما لاستقرار السكان,وتتوزع الساكنة بين أربع بلديات “طاطا,فم الحصن و فم زكيد ثم أقا.”كما توضح الخريطة رقم 1.

النظام العرفي لتقسيم المياه:

     يرتبط تركز الساكنة بالواحات بمنطقة طاطا بوجود شجرة النخيل فهو يمثل المورد الرئيسي في حياتهم المعيشي.فالنخيل داخل الواحات يخلق نوعا من التوازن الاجتماعي و الثقافي’و يتضح ذلك من خلال الدور الذي تقوم به الجماعة أو “لجماعت” و يتم تكوينها و خلقها من طرف السكان و ذلك بتعيين أشخاص لهم دراية  شاسعة بأمور الفلاحة هذا الدور يظهر جليا في طريقة تنظيمهم لنقط المياه فيما بينها فهي تقنيات تقليدية موروثة’ذكر منها تقنية “تناست” و هي آلة تستعمل في تقسيم مياه العيون حسب النوبات و هي عبارة عن إناء صغير مقعر الشكل مصنوع من النحاس يوجد بقاعدته ثقب صغير و توضع هذه الآنية النحاسية في إناء أكبر منها حجما حيث يكون هذا الأخير ممتلئ بالماء لكي يتسرب إلى ثقب الجرة النحاسية بشكل بطيء جدا حتى تمتلئ عن آخرها و بذلك يعلن القيم على الماء أو الفلاح ’عن تسجيل “تناست”واحدة و تعتبر كمقياس لكميات المياه الذي يحصل عليها كل فلاح حيث يمكن أن تصل إلى واحدة أو أكثر حسب كمية المياه الموروثة فما زالت بعض الواحات تستعمل هذه التقنية و خاصة في” أكادير الهناء” و” اكجكال”.

تبين الصورة  رقم 2 الاناء المملوء  ماء نقيا  كما تظهر الطاسة و قد اقتربت على الامتلاء و في قاعها يظهر الثقب ال\ي يتم من خلاله انسياب المياه

الصورة 3:رسم تخطيطي لآلة تناست.                                                                                          المصدر:انجاز شخصي

و بالإضافة إلى هذه التقنية هنالك أيضا تقنيات “الحبة” و تستعمل خاصة في العيون القليلة الصبيب و التي يضطر الفلاحون فيها إلى تجميع المياه القليلة في صهريج و تتم عن طريق مقياس يصنع من غصن نخلة يتم تقسيمه بواسطة أشواك النخيل بشكل متوازي على شكل تقسيم مسطري و يوضع هذا الغصن في الماء الموجود في الصهريج بشكل عمودي في حاشية متبث على صخرة مبني في قعر الصهريج حتى تحتفظ الصخرة بالماء و الرطوبة في الصهريج و هذه الطريقة لاحضناها في “أيت ياسين”و الهدف من هذه التقنيات الحرص الشديد للجماعة على توزيع المياه بشكل يرضي كل المستفيدين من الماء

الصورة رقم4:توضح صهريج تابع لعين “كركيو”و هناك غرفة في الزاوية لمراقبة مياه الصهريج

الصورة 5:توضح توزيع مياه الصهريج بواحة أفرا عن طريق أسقول.

     لكن يلاحظ الآن تراجع بعض هذه الطرق في بعض الواحات حيث يتم العمل فقط بالساعة في عملية السقي و إذا نظرنا من زاوية أخرى فان “لجماعت” تقوم باختيار حراس أو “انفلاس” لمراقبة المنتوجات الموجودة بالواحات من ثمار النخيل و المزروعات الأخرى التي تتعرض للسرقة و النهب و خاصة في مواسمها حيث يعلن “لمقدم” أو أحد أعضاء الجماعة على شكل خطاب يوجه لسكان الواحة كما يعلن عن عدم غسل الملابس في مياه السقي و ذلك لما يسببه الصابون من أثار سلبية على النخيل و المزروعات بالواحة كما يتضمن الخطاب عدم قطع الجريد وقت الذهاب و الرجوع من حقول الواحة,كل من خرج عن القانون يعاقب بغرامة مالية ما بين 50 و 100 درهم كما تتمتع الجماعة بوجود ملك خاص بها من النخيل و يسمى عندهم ب”أظرف”حيث يشتريه كل من يريد من الجماعة و يستفيد منه و يتضمن هذا الملك أجود ثمار النخيل “بوفقوس-بيطوب-الجيهل”كما أن هنالك مياه في ملك الجماعة تقوم ببيعها لمن يريد الاستفادة منها و يسمونها “أمندوي” و السر في وضع هذه الأملاك في يد الجماعة و بيعها بغية استعمال تلك الأموال تلبية لحاجيات الواحة و كذا القيام بحفلات لفائدة سكان الواحة في بعض المناسبات و تتمثل في ذبح بقرة و توزيعها على المنازل مقابل مبلغ رمزي هذا يبين مدى الصلة و الترابط فيما بين السكان و الجماعة و إذا انتقلنا إلى الأعشار والصدقات نلاحظ أن هناك في كل واحة مكان مخصص لوضع صدقات لفائدة الأولياء الصالحين.

كل هذه التقاليد و العادات التي تزخر بها واحات طاطا تجعلها متميزة بطقوسها الموروثة من جيل إلى آخر و حتى اليوم مازالت تمارس و هذا دليل على مدى وجود ترابط بهذا الموروث الواحاتي.

الصناعة التقليدية:

     يعد النخيل إحدى الدعائم الأساسية للنشاط الفلاحي بالواحات في منطقة طاطا لذ يسام هذا القطاع في مدخول الفلاح فهو يساهم في الرفع من مستوى معيشة السكان بنسبة 73.30% إضافة إلى أنه يوفر فرص الشغل لعدد كبير سكان هذه الواحات الذين هم واعون بما يشكله النيل من أهمية في الاقتصاد الإقليمي لهؤلاء و تقدر نسبهم ب 82.30%.

بالرغم من الصعوبات و العراقيل التي تعترض هذا المجال الحيوي و إذا كان النخيل يحتل هذه المكانة المرموقة في الاقتصاد المحلي فأن فوائده تأتي في نفس المرتبة من الأهمية فمنذ القديم و الإنسان الطاطاوي يستفيد من النخيل ليس فقط بتمره الذي يمتاز بوفرة أصنافه و اختلافها و المتمثلة في “بوفقوس-اسكري-بيطوب-الجيهل-ساير”.

هذه الأنواع التي تعد من الأصناف الممتازة و ذات الجودة العالية من حيث التسويق فمثلا بوفقوس ثم بيعه هذه السنة ب 300 درهم للعبرة و بوسكري ب 200 درهم و بيطوب ب 205 درهم من خلال هذه الأثمان فان الثمر إذن يجلب للفلاح مدخول مالي جيد إضافة أنه يخلق دينامية فعالة في الأسواق الداخلية باعتباره أيضا يشكل المنتوج الأول في الاقتصاد الإقليمي.

الصورة رقم6:سوق أسبوعي لبيع الثم

     أما بالنسبة لنوى الثمر فهو يقدم كعلف للماشية لأنه يساعد على تسميها و تقويتها خاصة و على الاقتصاد المحلي بصفة عامة.

الصورة رقم 7:الة لطحن نواة الثمر

    بالإضافة إلى ذلك فان نوى الثمر و خاصة نوى بوفقوس تستخدمه النساء داخل منطقة طاطا في صناعة الكحل.

أما جريد النخل فأن الإنسان الطاطاوي يستفيد منه كوقود في الطهي و في صنع المكانس اليدوية للنظافة كما يستعينون به في توفير الظل للدكاكين أو المحلات التجارية الموجودة بالواحة بالإضافة إلى الاستفادة من ساق الجريد في ضرب الطبل في رقصة أحواش التي تشتهر بها المنطقة كما يلعب السعف دورا كبيرا في الصناعة التقليدية إذ بواسطته يتم صناعة الحصائر و بعض الأواني المنزلية من أطباق و سلال و حقائب.

أما الطلع يستخدم ككلأ للماشية و مكانس يدوية ومن الفوائد المهمة أيضا لشجرة النخيل جدعه الذي الذي لطالما استخدمه سكان هذه الواحات منذ القديم إلى اليوم في تسقيف البيوت و بناء الاصطبلات و في صناعة الأبواب و السلالم زيادة على هذه الميزة الصناعية فهم مازالوا يستعملونه في الطهي و خاصة في الأعراس و في تسخين الحمامات.أما ليف النخيل فبالإضافة إلى استخدامه كوقود فانه يعد وسيلة لصنع الحبال و مقابض السلال.

لكن بالرغم من المساعدات التي تقدمها بعض الجمعيات في إقامة معارض لترويج هذه المنتوجات التقليدية فان منافسة منتجات الصناعة العصرية و انعدام دعم الصناع التقليديين و ضعف الطلب على منتجاتهم,عوامل انعكست سلبا على الصناعة التقليدية التي تشهد تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة.

و بعيدا عن كل هذه الأهمية الصناعية فان المرأة بمنطقة طاطا قامت بإدخال الثمر في إعداد بعض الحلويات و كذلك تزيينها بغية مواكبة التطور و التقدم الذي يعرفه الطبخ لتظهر هي أيضا مساهمتها الجادة في تطوير هذا الإرث الحيوي الذي يتمثل في شجرة النخيل

الصورة 7:بعض الأواني التقليدية

المراجع:

  • معطيات حول القطاع الفلاحي بطاطا المديرية الاقليمية للفلاحة بطاطا.

  • المعطيات و المؤهلات الثقافية باقليم طاطا مندوبية وزارة الثقافة بطاطا2003.

  • روايات شفوية.

من انجاز الطالب:اوعزري عبد العالي

OUAZRI ABDLALI

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 1120 )
  1. تحية طيبة لصديقنا عبد العالي اوعزري الذي حاول في طيات بحثه ايصال بعض الافكار حول واحات طاطا عامة ومدى ارتباط الانسان بها في مجالات عدة مما يبين الصلة القوية بين المحيط الطبيعي والبشري في الحياة .

Comments are closed.