الرئيسية مجتمع مغاربة في حضرة «شمهروش» رئيس محكمة الجن بمرشيش

مغاربة في حضرة «شمهروش» رئيس محكمة الجن بمرشيش

كتبه كتب في 4 يونيو 2013 - 15:21

نساء ورجال يأتون فرادى أو جماعات إلى مرشيش الذي يقع على بعد ثلاث كيلومترات من مركز مديونة مكان صخري مليء بالمغارات والمزارات التي كانت تستعمل كمخابئ  للفدائيين خلال فترة الاستعمار، والتي استغلت من طرف بعض المحتالين والنصابين على امتداد السنوات  للنصب على المهووسين بالسحر والشعوذة، فأوهموهم أنها مغارات ملوك الجان. ما يحدث بمرشيش وبهاته المغارات يعبر عن الفصام التي تعيشه المنطقة وبعض الأشخاص كذلك. فالمكان يجمع بين الكحول  والحضرة والجنس والصيام وذكر الله وتناول المخدرات.. كل شيء مباح بهذا المكان الصخري الذي يحمل كذلك آلام الآخرين التي يستغله من يدعون أنهم حراس مغارات الجان من أجل جمع المال.

مغارات مظلمة فيها يغيب العقل وترتفع المعاناة النفسية. المشاكل الاجتماعية التي عجلت بزيارة نساء ورجال إلى هذا المكان قرب مديونة، تدفعهم إلى تصديق كل الخرافات التي تحكى عبر وشوات تنقلها أصوات خافتة إلى آذان صاغية مستعدة لسماع المزيد من أساطير الجن وبركات الأولياء.
«مالها مرة كاتضحك ومرة أخرى كاتبكي»، تساءلت المرأة التي وجدت لنفسها بالكاد مكانا وسط زوار مغارة «حمو»، وهي تتابع المشهد الهستيري للمرأة المكتنزة. ردت عليها قريبتها التي كانت هي الأخرى تتابع نفس المشهد باهتمامم، «مسكينة راه ساكنها «ميمون» وكالو ليها راه «حمو» صاحب ميمون وغادي يتكلم معاه باش يخرج منها».
هذه المرأة حاولت السائلة أن تجد لها مكانا بالقرب من القريبة قبل أن تقول «أنا راني مشيت عند «ميرة» ومقدرتش نبقى عندها، كنت غادي نتقيا معرافتش علاش». انتفضت القريبة وهي ترد عليها «نتي مسكينة، راه فيك جن راجل ومنين دخلتي عند «ميرة» محملش راسو حيت مكايبغيش لعيالات».
بهذه السذاجة استطاعت القريبة أن تشخص حالة المرأة. تساءلت الأخيرة عن الحل، فجاء الجواب هذه المرة أسرع من تشخيص الحالة «خصك غير تفوسخي بالقنفوذ وراه جن للي فيك، هاذ ليلة غادي ينعس على الشوك».
لم تكذب المرأة خبرا فبحثت عن أقرب «شوافة باش تبخر عندها». المكان يعج ب «الشوفات» خصوصا إن كان يوم الأربعاء والقنافذ و«لدون» و «الفاسوخ» وحتى أجزاء من الضبع متوفرة، وما على الزبون سوى أن يكون متوفرا على المال ليطلب ما يشاء.
كانت «الشوافة» تطلب من المرأة أن ترفع جلبابها عن ساقيها وهي تمر فوق «مجمر لبخور» سبع مرات، هذه المرة طلبت منها أن ترفع أكثر من أطراف جلبابها، ابتسمت في خبث وهي تقول «ما عرفتي شي حد من رجال لي كاينين هنا تعجبيهم ويتزوج بيك راه بركة القنفود كبيرة».
كانت عيون الرجال العاملين هناك وحتى بعض الزوار وكذلك عشاق التلصص على الأجساد يتابعون المشهد باهتمام خصوصا أن المرأة كانت مكتنزة وتتمتع ببشرة بيضاء. فانتهى المشهد ب «تبخيرة» وموعد لقاء مع حارس مملكة الجني «حمو» والذي طلب منها أن تزوره يوم الأربعاء المقبل لحضور جيلالة.

«لربعا» في مرشيش
إنه مشهد من المشاهد العديدة والمتنو عة التي يعج بها مرشيش، ذلك المكان الصخري التي يوجد على بعد ثلاثة كليومترات من مركز مديونة.. يستقبل هذا المكان يوميا المئات من الزوار للتبرك ببركات ملوك الجان. لكن يوم الأربعاء من كل أسبوع هو يوم استثنائي إن لم نقل خاص جدا بهؤلاء الملوك حيث يعقدون محكمتهم لمحاكمة المتهمين من الجن وإنصاف المدعين من الإنس.
مغارات متعددة طليت بألوان مختلفة تتنوع بين الأصفر والأحمر والأزرق والأخضر والأسود.
يوجد بكل مغارة «ملك» يتربع على عرش مملكته، كمملكة الجنية «ميرة» ومملكة أخوها «حمو» ثم مملكة «الحاجة مليكة» المتخصصة في جلب الرجال لـ«العوانس» ومملكة «ميمون الكناوي»، بالإضافة إلى «أولاد لخليفة».
قنينات مشروبات كحولية فارغة تؤثت المكان جنبا إلى جنب قنينات «ماء زهر» التي يعشق الجن ماءها بمريشيش. الدماء متناثرة هنا وهناك تشير إلى الأعداد الكبيرة للديوك والأكباش وحتى الماعز الذي ينحر بشكل يومي تقريبا. مجموعة من هذه القرابين لا تذبح إنما تستغل لتباع مرات عديدة، خصوصا تلك المتميزة بلونها الأحمر والأسود، فلهذين اللونين رمزيتهما في هذا المزار.
«الفروج» البلدي يباع بمائة درهم وفي ليلة شعبانة ب 150 درهم، أما الشموع فالتي تتميز بالأحمر أو الأسود أو الأخضر أو الأصفر أو الأزرق، فإنها تباع ب 10 دراهم، والبيضاء لايتعدى ثمنها الخمسة دراهم، هذا ناهيك عن قنينة «ماء الزهر» الذي تباع بعشرة دراهم و«بياض» الحراس المغارات، هذا ناهيك عن المبالغ التي تقدم لـ«الشوافات» وجيلالة،  أي أن الزائر «منين وهو داخل مرشيش أوهوا داير يدي في جيبو».
المكان يعج بالزوار، رجالا ونساء من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، وإن كان للنساء حصة الأسد في الحضور، فهن الأكثر عددا والأكثر تعبيرا عن آلامهن النفسية.
أغلب الزائرات إما هرب عنهن قطار الزواج وأصبحن أو استنكر لهن الأزواج وتركوا البيت دون سابق إشعار إلى غير رجعة..  مشاكل اجتماعية وعاطفية عديدة تحملها معها النساء إلى مرشيش، أما الرجال فزيارتهم للمزار في الغالب تكون لتحقيق مآرب يسعون إليها، ويعتقدون أن تقديمهم قرابين للجن سيحقق  لهم رغباتهم.
يعج فضاء الزيارة بالمرضي النفسيين والعقليين الذين يعتقد أهاليهم أن عليهم مس من الجن وتم اصطحابهم إلى هناك «باش يتصرعو على يد جيلالة أو الفقها». المكان يعج كذلك بالحشاشين والمدمين على الكحول والخمور أو أولائك الذي يحبون تناول الكحول وهم يشاهدون أجساد النساء التي ترقص على أهازيج «جدبة».

الجنية «للا ميرة»
تقف أولى المغارات في وجه الزائر بلونها الأصفر الفاقع، إنها مغارة الجنية «للا ميرة»، وحسب المعتقد فإن «للا ميرة» تنال في توزيع الأدوار بين ملوك الجان السبعة بركة استقراء مكنون النفس البشرية الغامضة وكل ما يرتبط بعالم الغيب، ولذلك تقام لتلك الملكة الطقوس لكي تحضر وتدخل في جسد وتسرع في كشف أسرار النسوة المحيطات بها.
مغارة «للا ميرة» التي تتميز بلونها الأصفر تعد بلاطا لهذه الجنية، تستقبل فيه زوارها من الرجال والنساء، مكان ضيق جدا تجلس في مقدمته امرأة متقدمة في السن تعتبر نفسها حاجبة هذه الجنية، تبيع الشمع الأصفر وأنواع مختلفة من «البخور» للزوار ناهيك عن قنينات «ماء الزهر»، بالإضافة إلى التمر.
تجلس مجموعة من النسوة جنبا إلى جنب. صمت رهيب يخيم على المكان يكسره صراخ امرأة يبدو أنها دخلت في حديث ثنائي مع «للا ميرة» تطلب منها أن تأمر الجنية الجنية السودانية التي احتلت جسدها دون سابق إنذار بالخروج منه. فجأة بدأت هذه المرأة في الحديث بصوت هادئ بعد أن تمددت أرضا، عندها دخل باقي النسوة بالترحيب بقدوم الملكة الجنية «للا ميرة» التي اتخذت بالطبع شكل المرأة..
ترحيب النسوة بالجنية جعلها تتحدث نيابة عن الزائرة تطلب منها ومن الزائرات أن يزرنها في المرة القادمة محملات بقرابين ذات قيمة كبيرة حتى تتباهى بها أما باقي الجن المتواجد بمرشيش، عندها يمكنها أن تستجيب لرغباتهن. ظلت «للا ميرة» تردد هذه العبارة أكثر من عشر مرات، وكان رد النسوة السمع والطاعة.
هذه العبارة جعلت المرأة تخرج من غيوبتها وتعود إلى رشدها، فبحثت عن قنينة «ماء زهر» ونثرت مادتها على المكان قبل أن تشعل شمعة صفراء تضيئ بها المكان وتعدل من هيأتها بعد ذلك وتخرج من بلاط الجنية..
بدأت النسوة تسرعن جاهدة إلى مؤخرة المغارة لمعانقة «للا ميرة» قبل أن ترحل بعد أن انطلى عليهن  المشهد/الخدعة، فالحقيقة أن تلك المرأة هي واحدة من النسوة المقيمات بالمنطقة دورها الدخول في مشاهد هستيرية حتى تقنع الزائرين بوجود «للا ميرة»، وبالتالي القدوم في المرات القادمة محملات بالقرابين والأموال.

بلاط الملك «حمو»
على بعد خطوة واحدة تتراءى مغارة «حمو» بلونها الأحمر. وفي الموروث الشعبي فإن هذا الجني هو الأخ الأكبر للجنية «للا ميرة»، هذا الملك معروف في المغرب باحتلاله لأجساد الإنس، فيجعلهم يحبون الدم عند تعرضهم لـ«الحال» كما يسمى عند «المجاديب». يستطيع «حمو» أن يأكل الماعز و هو حي، لذلك فإن الدم يحيط بالزائر بهذه المغارة من كل جانب.
دم كبش نحر حديثا مازال متناثرا هنا ، نساء ورجال يلطخون أجسادهم بهذا الدم. دخلت امرأة إلى المغارة الحمراء وهي تحمل في يدها قليل من هذه الدماء زينت بها مقدمة المغارة. انخرطت المرأة في موجة من البكاء الهستيري وهي تستنجد بـ«حمو» لكي يعيد إليها حياتها الطبيعية، فهي لم تعد تقوى على معاشرة الجني الذي احتل جسدها بعد سكبها للماء الساخن في المرحاض.
حارس المغارة الذي مازال يمسك بالسكين التي نحر به الكبش كان يصرخ وكأنه يهذي قائلا «ما غادي يخرج منك الجن للي ساكنك حتى تنعسي مع «حمو»، كان يقصد ب «تنعسي» مضاجعة «حمو».
لم تكذب المرأة خبرا، وتساءلت، كيف يمكنها ذلك، فهي على استعداد أن تقوم بأي شيء، المهم عندها هو أن يقبل عليها طالبا منها معاشرتها وهي ستنفد كل رغباته».
ابتسم الناطق الرسمي باسم «حمو» قائلا «راه غادي يكون هنا نهار لربعا جايا خصك غير تجي ومعاك لحولي غير نذبحوه وغادي يخرج عند وغادي يعاشرك فلما غادي يسمع جن للي فيك أن سيدي الملك نعس معاك راه غادي يخاف ويخرج منك».
كانت المرأة الجميلة مهتمة بهذا الحديث الشيق التي أعطاها أملا كبيرا في إخراج الجني الذي يسكن جسدها منذ سنوات، قدمت للحارس حوالي ثلاثة آلاف درهم لكي يشتري نيابة عنها القربان ووعدته بأن تكون يوم الأربعاء في أبهى زينة لكي تعاشر الملك «حمو».

للا عايشة البحرية بمرشيش!!
امرأة في الثلاثين من عمرها جميلة تتمتع بشعر طويل أسود، بدت شبه عارية وهي تضحك بصوت ناعم بمغارة مرشيش التي تبعد بحوالي عشرين مترا عن مغارتي «للا ميرة» و«حمو».
كانت هذه المرأة تطلب مزيدا من الماء، النساء هناك وحتى الرجال كانوا يسكبون على جسدها قنينات الماء، يتبادلون الأدوار مدة ربع ساعة تقريبا.
هذه المرأة كانت تمثل في تلك اللحظة الجنية للاعائشة البحرية التي تحب الماء كثيرا، وبالتالي فإن هذه المرأة تحدثت نيابة عنها لأن الجني لا يمكنه أن يظهر بصورته الحقيقية للناس، وبدأت تكشف «أسرار» الزوار. هذا الرجل يخون زوجته باستمرار ولا يؤمن بالجن ولذلك فهي لا تحبه، وتلك المرأة المتفاخرة بنفسها عليها أن تصبح أكثر تواضعا إن هي أرادت أن تلبي طلباتها، التفتت إلى رجل من الزوتر وقالت إنه بمثابة ابنها الذي تحبه وتنفذ جميع طلباته الدنيوية لأنه يقيم لها باستمرار طقوس احتفالية، مع العلم أن هذا الرجل يعمل بهذه المنطقة كحارس لإحدى المغارات.
توجهت المرأة التي تتقمص دور «الجنية» إلى زائرة تجلس القرفصاء، أخبرتها بأن «خبيزة جاية ليها ولكن ما غادي تاخذها حتى تبعها لأزمور بالحولي والسرغينة والمسكنة والريحان».
فجأة بدأت هذه المرأة الجنية تصرخ لكونها تريد أن تخرج لأنها تعبت كثيرا. خرجت للا عايشة البحرية من جسد المرأة المبللة بالماء، فطلب منها حارس المغارة أن تغير ملابسها لأنه يخاف عليها من الزكام، بدأت المرأة بتغيير ملابسها أمام جميع الحاضرين كاشفة عن مفاتن جسدها.
بعد تقمصها الدور بنجاح أثر في بعض الزائرين اختفت المرأة

«للا مليكة لي كتزوج العزبات»
«صلاة وسلام على رسول الله، لا جاه إلا جاه سيدنا محمد، الله مع الجاه العالي». بهذه العبارة رحبت النسوة بدخولها إلى مقام «للا مليكة» لي تزوج العزبات»، فتيات في مقتبل العمر جئن لاستعطاف الجنية لتزويجهن . مقام «للا مليكة» ليس بمغارة إنما عبارة عن غرفة واسعة مطلية باللون الأخضر، وهو اللون المميز للجنية «للا مليكة» التي تحب حسب المعتقد الشعبي الحناء والسواك، لهذا تحرص الفتيات على جلب هاتين المادتين المواد معهن أثناء زيارتهن لهذا المقام، هذا ناهيك على إشعالهن للشموع الخضراء.
هذا المكان يتميز بوجود «الشوافات» وهن الناطقات الرسميات باسم «للا مليكة»، فهن اللواتي يسمعن شكاوى الفتيات «العانسات» ويحملن رسائلهن إليها لتجيب عنها يوم الأربعاء من كل أسبوع، وطبعا هن اللواتي يتكلفن مرة أخرى بحمل أجوبة «للا مليكة» إلى الفتيات مقابل قرابين وأموال تكاد تصل إلى ألفي درهم. ف «للا مليكة لي كتزوج العزبات كتبغي دبيحا خروف وحتى لفلوس»
دوت زغاريدة في كل الأرجاء، فإحدى الفتيات وعدتها «للا مليكة» على لسان «شوافة» هناك أن عريسها قادم وسيدق بابها خلال هذا الأسبوع.
بكل مهابة جلست «الشوافة» وهي تزف الخبر للمرأة التي قدمت قربانا متمثلا في كبش ضخم، لم تتمالك المرأة نفسها من الفرح وهي تسمع الخبر السعيد فقدمت لـ«الشوافة» مبلغا مهما من المال.
على الجانب الآخر لمزار «للا مليكة» اتخذ مجموعة من الرجال مكانا تحت غرفة من القش يرددون على شكل أغاني حكايات لأناس احتلهم الجن ولم يعيشوا في سلام وبأن الجنية لـ«للا مليكة» هي  الوحيدة القادرة على إخراج هؤلاء الجن الكافر الذين يمنعون الزواج عن الفتاة.
اهتمام الزوار لا يكون منصبا على هؤلاء المغنين بقدر ما يكون منصبا على «الشوافات» وعلى «للا مليكة»، الشيء الذي يضطرهم إلى استجداء واستعطاف المارة لكي يمدوهم ببعض المال لكي يستجيب الله لدعواتهم، فيدخلون في موجة من الدعاء وتلاوج القرآن لا ينتهي إلا بعد أن يتوصلوا بمرادهم.

«هاذي ذبيحتك أسيدي ميمون الكناوي»
«الكناوي سيدي ميمون.. الكناوي مشى للسودان جاب خادم كناوية». كان الرجل الملتحف بالسواد والجالس القرفصاء أمام مغارة «ميمون الكناوي» يردد هذه العبارة.
ربما قد يستخف به المرء بهذا الكلام ويقول، فليذهب «ميمون الكناوي» إلى السودان ويتزوج «كناوية»؟ أفي ذلك شفاء للمريض منهم؟ أو تحقيق للمراد؟
حوالي عشرة أشخاص يرتدون ملابس سوداء اللون بالمغارة الضيقة المطلية كذلك باللون الأسود يرقصون ويرددون هذه العبارة أكثر من مرة، وجوههم مصفرة.. يرقصون ويتساقطون، وقد سال دم بعضهم من شدة الارتطام بالأرض. عويل النساء زاد المقام رهبة ومهابة.
الدجاح البلدي يوجد في كل مكان بمغارة الجني «ميمون الكناوي»، يقدمه الزائر قبل أن يدخل في هستيريا، وهذا الدجاج يرمى في مكان لا يعلمه الزبون ليعاد بيعه مرة أخرى، القرابين من الماعز والأكباش نحرت في ذلك اليوم زادت من رهبة المكان الذي يقع على بعد أمتار من مقام «للا مليكة»  ل بمكان صخري.
بعد مرحلة الدجاج والأكباش والماعز والشموع السوداء يقول «لفقيه» للزائرة: «جي نهار لاربعا جاية راها كاينة الحضرة ، راه ملوك الجن كيحضروا، أو متنسايش دجيبي معاكي الذبيحة الكبيرة»، أي  عجل أو مقابله المادي، وهناك العديد من الزائرات من يقبلن بشروط «لفقيه».

في حضرة «البوهالي»
خطوات قليلة تفصل بين مغارة «ميمون الكناوي» ومزار «البوهالي».. يبدو أن هذا المزار أقل مقاما من مقامات باقي الجان بمرشيش فليس ل «البوهالي» مغارة خاصة به أو لون يميزه، فمزارة يوجد على هضبة صغيرة لا معالم لها، اللهم الشمع الأبيض الذي يضيؤه الزوار.
صمت رهيب يلف المكان.. فجأة أقبل رجلين، ردد الأول «الذات ذاتي أنا، وهو روح ساكنة فيك، أنت وأنا. شوف الخلق تشوفني أنا، تعرف الحق اللي جانا. شكون اللي قال: أنا ماشي أنت، وأنت ماشي أن«ا ورد عليه زميله » هو رجلي ويدي وعيني، وهو الرامي، وهو أنا. ويا البوهالي بو دربالة، روحك منزهة أنت وأنا».
غناء الرجلين أتى بأكلهو فقد تقدمت نساء إليهما ببعض المال والهدايا التي كانت عبارة عن «ماء الزهر» ودجاج، الشيء الذي جعل رجلا يخرج من وراء هضبة يقول «أنا المجدوب، أنا البوهالي. عار الله عليكم لاتغيروا حالي سري في كلامي وهو حكمة. بجاه الكريم مول كل نعمة…»
غناء الرجل واستعطافه للزوار لم يأت بأية نتيحة، فزوار هذا المقام قليلون، فزوار مرشيش يحبون زيارة الجان وحضور «جيلالة». الرجل لم يستطع أن يفوز إلا ببعض الدراهم القليلة.

زجاج «ولاد خليفة»
رحلة الطواف على المغارات والصخور الحجرية التي تحمل أسماء لملوك الجان لا تنتهي، هذه المرة مزار الجان «ولاد خليفة». مكان مليء بالزجاج يقع أسفل شجرة ضخمة. في هذا المكان يتجرد الزوار في فضائه من أحذيتهم ويمشون فوق زجاج مهشم يرفسونه بأقدامهم الحافية.
ليس كل من يعاني من «التابعة» يستطيع المشي على الزجاج، فعلى ما يبدو أن القلائل جدا هم الذين يمشون على الزجاج ولا يتسبب في جرح أرجلهم.
الأسطورة تقول إن هذا المكان يحرصه «ولاد خليفة» الذي يستطيع أكل الزوجاج والمشي عليه. أكبر أولاد «خليفة» لا يتجاوز عمره عشرين سنة  فهم لا يكبرون بسرعة رغم أنهم خلقوا على هذا البسيطة منذ قرون خلت.
يعتقد زوار هذا المكان أن المشي على الزجاج يزيل عنهم «التابعة»، هذه الأخيرة يطلق عليها كذلك «أم الصبيان» وهي من الجن، ومن ابتلى بشيء من السحر أو اللمس أو غير ذلك فعليه أن يلجأ إلى «ولاد خليفة»، وبالتالي المشيء على الزجاج ومن لم يستطع ذلك وهذا هو الذي يحدث، فليقدم لحراس الزجاج قرابين وأموال مقابل ذلك.
أحد حراس المكان وبعد أن أخذ «تدويرة» مهمة صرح «أن هناك أشخاصا محترفين يسيرون على الزجاج أمام الناس حتى يوهمونهم أنه يستطيعون المشي على الزجاج. بحسب الطريقة الذي ذكرها هذا الحارس فإن الممارس يستطيع  تحويل اتجاه القطع من الوضع العمودي إلى الوضع الأفقي حتى تكون آمنة وذلك بتمرير رجله أو يده أو أي شيء فوق سطح القطع الزجاجية فيصبح الضغط على القطع لا يشكل خطرا عليه.  وبهذا فقد فضح هذا الرجل من يدعون امتلاك قوى خارقة في هذا الجانب إجبارهم على المشي فوق قطع عمودية من دون تغيير اتجاهها سواء كانت فردية أو مجتمعة في كومة من القطع.

فحولة ملوك الجان
بالاقتراب من زجاج «ولاد خليفة» يصل إلى المسامع موسيقى من نوع آخر.. موسيقى على إيقاعات مغايرة بواسطة الدف والناي وأغان شعبية مشهورة «مولاي الطاهر، لكناوي، عايشة، ميرة»، فيعم الفرح الأجساد العارية والنفوس المهووسة بالجن والشعوذة. ف «الحضرة» تطهر النفوس المريضة، وتقضي على «التابع».
المكان غير بعيد عن المغارات، بل إنه بالقرب من الغرف التي تكترى من طرف المرضى خصوصا أولائك القادمون من مكان بعيد عن مرشيش والذي يستدعي علاجهم تواجدهم بالمكات لفترة طويلة.
أغان تؤديها أصوات مبحوحة ممزوجة مع روائح البخور وأجساد النساء المبتلة بالعرق وحتى بعض المثليين رقصوا على إيقاعات «الليرة» و«البندير».
الرجال عادة ما يقفون كمتفرجين على مشاهد الإثارة، بعضهم يتلذذ بالنظر في الأجساد وفي فمهم لفافات من السجائر محشوة بالحشيش وقنينات الكحول.
في النهاية ينحر كبش أو جدي أسود اللون. تقام «الحضرة» عادة تحت الطلب، وبالتالي فإنها تكلف طالبها بين 3000 إلى 5000 درهم:
عادة ما تنتهي الأمسية بليلة حمراء، سيتقمص فيها حراس مغارات مرشيش صفة ملوك الجان، فيقودون النساء المهووسات بالسحر والشعوذة واللواتي يهيآن سلفا لمضاجعة الجان في الغرف غير البعيدة عن مكان «الحضرة» لمعاشرتهم حتى يخرجوا منهن الجن الذي يحتل أجسادهن.

«راها نايضة في شعبانة»
مرشيش الآن تحضر نفسها على حدث كبير وهو «ليلة شعبانة».. هذه الليلة التي تعقد في السابع عشر من شهر شعبان من كل سنة، فجميع المغارات تتحول في هذه الليلة  إلى أمكنة لـ«جدبة».
مهووسو الجن والشعوذة والسحر يزورون المكان فرادى وجماعات محملين بالقرابين من أكباش ودجاج بلدي وعجول، هذا بالإضافة إلى الشموع والأموال.
يحيل مفهوم «شعبانة» في الثقافة المغربية على عدة طقوس وعادات لدى المجتمع المغربي تتوحد في الدلالات والرموز الدينية والروحية للذكرى ( تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الحرم المكي) 
وقد أسهم الموروث الشعبي المغربي في إضفاء معتقدات خرافية.
حسب اعتقادات البعض فإن هوية الأشخاص الذين سيموتون في العام الجاري تحدد في عالم الغيب خلال هذا الشهر، الشيء الذي يبرر تركيز العباد على فعل الخير والإكثار من السنن طيلة الشهر، وبالنسبة للذين يقبلون في ليلة بذاتها على شرب الخمر أو الرقص أو “الجذبة”، فيعتقدون أنها الطريقة الوحيدة للإمتلاء بملذات الحياة وطرد الجن.
عادة ما تنتهي هذه الليالي التي تقام بمرشيش بمضاعة الجن للنساء لكن في الحقيقة مضاجعة الرجال هناك للنساء المريضات مستغلين ضعفهن في هذه الليلة  واعتقادهن أن الجان هم الذي سيعاشرونهن، معتقدات أن الجان يحضر يوم الأربعاء من كل أسبوع ويوم السابع عشر من شعبان بالخصوص إلى المكان لمضاجعة النساء.
ومع ذلك فعندما لا تفيد الطقوس الاحتفالية ولا القرابين المقدمة في إخراج الجن من مساكنه الآدمية ينصح الإنس بمقاضاة الجن عند محكمة الجن.
المكان يتواجد بمكان غير بعيد عن «ولاد خليفة»  مغارات متعددة كل واحدة تحمل اسم ملك الجان يحضرون إلى المكان ليعقدوا محكمتهم بحضور رئيس المكمة وهو الملك «شمهروش» الذي يأتي قادما إلى مرشيش من أمليل من أجل  ترأس انعقاد محاكمة الجان الخارج عن قانونهم. هناك يشعل الإنس الشمع الأبيض ويطلي المغارات بالحناء قبل انعقاد المحاكمة.
ضحايا المغارات وطقوسها يعدون بالآلاف من الأشخاص البسطاء الذين وقعوا في فخ المرض والمعاناة ودفعهم الجهل إلى زيارة مملكة «الجن» طلبا للعلاج أو لتحقيق حاجة في نفوسهم. فجر كل يوم أربعاء تتحول المنطقة إلى سوق مكتظ بالناس، وعلى هامش السوق محتالون ومشعوذون ونصابون وأيضا تجار يقتاتون على هامش الدجل.

الأحداث المغربية

مشاركة