الرئيسية اراء ومواقف الكتابة رديفا دلاليا للبؤس

الكتابة رديفا دلاليا للبؤس

كتبه كتب في 22 مايو 2013 - 18:43

أن تفكر في أن تصبح كاتبا، يعني أنك مصاب بحمى شيطانية؛ هذا الكلام هو ما أصبح يردده معظم المثقفين، فهم يعانون من مصائب اقتناء الكتب وقراءتها وكتابة أخرى ونشرها وترقب وضعها في السوق، وفي نهاية المطاف لا يحصدون سوى الخيبات. كانوا يفكرون في بناء عالم جديد، فإذا بالمجتمعات تنكص إلى الوراء متمسكة بأهداب التردي. كانوا ينوون تجميل الحياة فإذا بها تزداد قبحا وبشاعة. كانوا يزرعون أمنيات الأطفال البريئة، وهاهم يحصدون خيبات الأماني والآمال.

هذه اللاجدوى التي تنخر أذهان الكتاب وأجسادهم أنضبت جيوبهم أيضا، فاكتملت بذلك أثافي البؤس، ذلك أن النشر الورقي أصبح من الأمور ألأكثر استحالة في الوقت الحاضر.الحقيقة أن واقع النشر يلزم الكاتب بتوظيف أمواله الخاصة لنشر كتبه، ومن ثمة يُصفع من يريد أن يصبح كاتبا ثلاث صفعات؛ الأولى عندما تؤخذ أموال الأطفال الصغار لشراء الكتب. الثانية، حينما يتم تخصيص وقت طويل للقراءة والكتابة تكون الأسرة في حاجة إليه. الثالث، حينما تُستنزف الجيوب من جديد قصد النشر، وكثير من الكتاب غادروا الساحة الثقافية لهذه الأسباب. هكذا يصبح الكاتب أكثر الناس استحقاقا للشفقة.

ولو تأملنا كيف عاش كل كتاب العالم، لوجدناهم بؤساء أو أقرب إلى البؤس؛ يحكى أن “تولستوي” مات في قطار للفقراء، وأن الفيلسوف “راسل” كان يكتب يوميا ليعيش، وأن “بول بولز” صرح لتلميذه “رودريغو راي روسا” أنه كان يدرسهم طرق السرد في الجامعة الأمريكية لأنه كان في حاجة إلى المال. أما جبرا إبراهيم جبرا فيحكي في “معايشة النمرة” أنه ذهب إلى أحد الفنادق فتعرف عليه صاحبه فرحب به وخصص له مكانا بالمجان، لكن جبرا إبراهيم رفض العرض وأصر على الأداء، ولما عرف ثمن النزول في الفندق صُعق وأدرك أنه لابد من المساومة. كما أن الكاتب الأمازيغي محمد مستاوي عانى كثيرا لنشر أعماله الكاملة، فيما عجز محمد خير الدين في أواخر حياته عن تأدية مصاريف علاج السرطان الذي سببه طبيب أهوج.

صحيح أن من الكتاب من اغتنى بكتاباته مثل عائض القرني وعمرو خالد، لكن هذه الفئة محصورة في الدعاة الذين يروجون لكتبهم عبر وسائل الإعلام ذات المرجعية الدينية، فضلا عما يحصلون عليه لقاء حضورهم اليومي في الشاشة. وفي المغرب، وحده محمد شكري من عاش من كتبه، لأن ترجمة “خبزه الحافي” إلى لغات عديدة درّت عليه ما يكفيه ليعيش، رغم أن ناشرين كثرا نصبوا عليه مثل “بيتر أوين” الذي لم يحصل منه سوى على تسبيق مع وعد وهمي لإكمال الباقي لن يفي به.

هكذا أصبحت الكتابة مشحونة بالآمال المغلفة بالخيبة، وبطموحات دسمة بتوابل الحسرة. قليل من القراء وكثير من السهر والقلق ووفرة من الفقر، حتى أصبحت الكتابة الرديف الأول للبؤس.

مشاركة