الرئيسية حوارات إذا لم يستيقظ ضميرنا أمام موت الطفلة فاطم خادمة أكادير، فنحن شعب وبرلمان…

إذا لم يستيقظ ضميرنا أمام موت الطفلة فاطم خادمة أكادير، فنحن شعب وبرلمان…

كتبه كتب في 3 أبريل 2013 - 10:05

فاطم، اسم جديد يضاف إلى لائحة الجثت الغضة التي تفارق بيوت أهلها للخدمة داخل بيوت الغرباء، قبل أن تتحول لضحية مشوهة بالحروق والكدمات المترجمة لسادية غريبة يمارسها أرباب البيت بحق من يعتبرونهم بشرا من الدرجة الثانية. في الحوار التالي تقدم خديجة الرويسي رئيسة بيت الحكمة، قراءتها الخاصة لحادثة مقتل الطفلة فاطم بأكادير، كما تنتقد الإهمال الذي يعامل به ملف تشغيل الخادمات وكل الملفات المتعلقة بالنساء والأطفال من طرف البرلمان، مع طرحها للخطوات العملية التي من شأنها التسريع في القضاء على ظاهرة تشغيل الأطفال.

– ما هي قراءتك لحادثة وفاة الطفلة الخادمة بأكادير نتيجة تعذيبها من طرف مشغلتها، على ضوء غياب قوانين محددة تؤطر العمل داخل البيوت؟

* أعتقد أن ضميرنا إذا لم يستيقظ أمام موت الطفلة فاطم وجسدها المحروق، فنحن ببساطة شعب بلا ضمير، وبرلمان بلا ضمير، أما من الناحية القانونية فمن الملاحظ وجود تقصير واضح على المستوى التشريعي، لأنه لا يوجد وعي بما فيه الكفاية أن قانون الشغل عندما يتحدث عن تشغيل الأطفال يحدد سن معينة، وأوقات عمل معينة داخل فضاءات من الممكن أن تخضع للمراقبة مثل المعامل، وهذا يعد نوعا ما قبول لوضعية نرفضها، لأن ما يصنع الفرق بين التيار الحداثي والتيار المحافظ هو أننا كحداثيين نرى أن المكان الطبيعي لهذه الفئة هو المدرسة، بينما يعتمد التيار المحافظ لغة الضرر الأخف من منطلق أن تواجد الطفل داخل العمل أفضل من تواجده في الشارع.. لذا أنا أرى أن مجرد وجود الطفلة فاطم ومثيلاتها خارج المدرسة يعد جريمة، يضاف لها جريمة أخرى هي جريمة الاشتغال في ظروف غير إنسانية قد تؤدي للموت الذي يعد من أكثر المعطيات التي يمكنها إحداث هزة في مشاعر المغاربة سواء كانوا مواطنين، أو سياسيين، أو برلمانيين.

باختصار يمكنني القول أن حالة فاطم تجسد معاناة الكثير من النساء اللواتي كبرن في وضع مشابه.. وأنا أمتلك شهادات صادمة لنساء كبرن وتزوجن وأنجبن لكن ذاكرتهن تحتفظ بتفاصيل مأساة طفولتهن بسبب اشتغالهن في ظروف غير إنسانية، وهذا ما يدفعنا اليوم نحو التفكير في وضع مقترحات في أقرب فرصة، لأنه لا يعقل القبول بتعرض طفلاتنا للموت في الوقت الذي يخصص فيه أعضاء من الحكومة الكثير من الوقت للتحدث بحماسة حول بعض القضايا، في الوقت الذي يهملون فيه الحديث عن مثل هذه القضايا التي تهم تشغيل الطفلات والفقيرات والاعتداء عليهن بشكل وحشي يؤدي لموتهن، لذا يجب علي المشرع الاتجاه نحو تشديد العقوبة على المستوي الجنائي بحق كل من يعمل على تشغيل الأطفال داخل المنازل.

– أشرت أن هناك نساء يحتفظن بمعاناتهن رغم مرور السنوات، هل ترين أن التماطل في معالجة موضوع تشغيل الطفلات في الوقت الحاضر من الممكن أن يكون من الأوراق المؤثرة على الملف النسائي مستقبلا؟

* أكيد، لأن الحق في ولوج المدرسة، والحق في ولوج الصحة كلها من الحقوق التي تحرم منها الطفلات اللواتي يلجن عالم الشغل داخل البيوت، مما يسبب آثارا نفسية وجسدية عميقة تبقى مدى الحياة .. شخصيا عندما أفتح هذا الموضوع مع بعض النساء يشرعن في البكاء قبل الكلام على الرغم من أن مثل هذه الحوادث مر عليها سنوات طويلة، ومنهن من لها الرغبة في تقديم شهادتها أمام المجتمع من أجل التقرب أكثر من معاناة هذه الفئة التي يجهل الكثيرون تفاصيلها، من تعسف، وضرب، وحلق الشعر بشكل عشوائي مشوه، وآثار الضرب، والمعاملة السيئة، والأكل الفاسد الذي يمكث داخل الثلاجة حتى يتغير طعمه ثم يقدم للخادمة وقد اعتلته نكهة الحموضة…

إلى جانب القصص القاسية، يمكننا الانطلاق من المعاينات اليومية، حيث نصادف داخل العمارات والإقامات طفلات في مشاهد بعيدة كل البعد عن الانسانية وكأن المشغل يمعن في إذلالها من خلال اختيار ملابس تميزها عن أطفال البيت، حيث تجد أنها حليقة الرأس، وتضع منديلا، وترتدي ملابس رثة وسروال، وهو نفس الشكل المعمم بين الطفلات الخادمة.

التصدي لمثل هذه المشاهد لا يكون إلا من خلال معاقبة كل أسرة تسمح لنفسها بتشغيل طفلة داخل بيتها، مع حث الآباء على تدريس بناتهم بعيدا عن أي حجج واهية، لأننا اليوم أمام ثقافة تسمح بموت الإنسان، وتعذيبه، هذه الثقافة يجب أن تنبذ ويجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها اتجاه هذه الجرائم، لأن الحل الوحيد لو كنا بالفعل ديمقراطيين وحداثيين ونؤمن بتغيير الغد، هو المنع الكلي لتشغيل أطفالنا داخل البيوت.

– فكرتك الأساسية تقوم على المنع الكلي لتشغيل الأطفال داخل البيوت، فما تعليقك على التفاؤل الذي يبديه البعض بانتظار خروج قانون عاملات المنازل الذي قيل أنه يضمن بعضا من حقوق عاملات المنازل الذي حدد سنهن الأدنى في 15سنة؟

* أرى أن الأسلم هو منع أطفالنا من الاشتغال داخل البيوت، لأن البيت مغلق ومكان غير مفتوح، وهو ما يسمح بوقوع أي شيء بعيدا عن رقابة المجتمع، على عكس الطفل الذي يمكنه الاشتغال داخل مصنع للنجارة مثلا وهو في سن الخامسة عشر، لأن مهامه ستكون محددة ولفترة زمنية حددها قانون الشغل، ، ومن الممكن أي يخضع عمله للمراقبة، وهو الأمر الذي لا يمكن توفره داخل المنازل حيث تغيب كل المعايير والمقاييس، إذ يمكن للطفلة الخادمة أن تشتغل ضعف ساعات العمل لأنها أول من يستيقظ وآخر من ينام، كما تتولى أشغالا أكبر من طاقتها وهو ما يمكن أن نلاحظه عندما نجد أنها الطفلة المكلفة برعاية وحمل طفل آخر، وأحيانا نجد أن طفلات في سن السابعة والثامنة يحملن أطفالا وزنهن يفوق الخمس كيلوغرامات، ولنا أن نتصور هذه المعاناة التي تستمر لساعات، إلى جانب إقصائها داخل بيت مشغلها، حيث تأكل داخل المطبخ، وتحرم من مشاهدة التلفاز في الوقت الذي ترى فيه أطفالا آخرين يتمتعون بحقوق هي محرومة منها، يضاف إلى ذلك الأشغال الشاقة، المعاملة الدونية، الضغط النفسي، والإيذاء الجسدي، وغيرها من المظاهر التي لا يمكن القبول بها داخل مغرب القرن الواحد والعشرين.

يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها، ونحن بانتظار أن تكون هناك انتفاضة على هذا الوضع من خلال تصريحات وزير الشغل، و وزيرة الأسرة والتضامن لكن للأسف لم نرى ذلك، بل نرى أن جلهم يركز اهتمامه حول قضايا أخرى، لذا أعتقد أن قضية طفلة أكادير سيتم تناولها بنفس الطريقة الباهتة التي تم التعاطي بها مع قضية أمينة الفيلالي، خاصة أن هذه العينة من وسط فقير جدا لا يلتفت له أحد.

– هل لديك تحفضات أخرى على بعض النقاط التي جاءت في قانون عمال المنازل؟

* القانون لم يعرض علينا، لكن من تحفظاتي عليه هو إمكانية تشغيل عامل المنزل بأقل من “السميك”، وهذا تمييز مرفوض بين البشر، لأن المساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسألة دستورية وحقوقية لا تقبل التنازل، إذا كفانا من الالتفاف حول القانون تحت مبررات لا طائلة منها، وإذا كانت الأسر لا تستطيع توفير الأجرة المناسبة لعمال المنازل، فمن الممكن الاعتماد على نظام الاشتغال بنظام الساعات إن كنت عاجزا عن تحمل مقابل مادي لدوام كامل .. أنا أعلم جيدا أن كلامي هذا لن يروق للكثيرين، لأن البعض يعتقد أنه بمجرد تأمينه عمل لخادمة فقد قام بواجبه، وكأنه يضع الخادمة في مرتبة دون الإنسان وهذا خطأ يجب تجاوزه، لأن الخادمات مواطنات مغربيات في الدرجة الأولى.

– ما هي الخطوات الكفيلة للتخلص من ظاهرة تشغيل الخادمات، وهل يمكن للمجتمع المساهمة في الحد منها من خلال التبليغ عن حالات معينة؟

* أول ما يلزمنا في البداية هو التشريع من أجل قانون يخرج للوجود، لأن هناك جمعيات تشتغل ضمن امكانيات محدودة غير كافية من أجل إخراج قانون ملائم إلى الوجود، وفي هذا الإطار نحن بحاجة إلى دعم الإعلام وجمعيات المجتمع المدني لتساندنا في هذا الاتجاه، كذلك نحن كنواب برلمانيين سنسير في هذا الاتجاه لوضع قانون يمنع تشغيل الأطفال في البيوت، وفي نفس الوقت تشديد العقوبات على من يشغل أطفالا في البيوت، مع محاربة الهدر المدرسي. هناك أيضا دور الدولة في المراقبة، مع إمكانية مساهمة المجتمع من خلال التبليغ عن حالات التشغيل التي ستعد باسم القانون تجاوزات تقتضي المعاقبة.

– البعض يتحجج بتشعب الملف من أجل تبرير التأخر الذي تعرفه قضية تشغيل الأطفال، حيث يرون أن القضية أبعد من ظاهرها الانسانى الحقوقي، ويتحدثون عن عقبات تخص ما هو اقتصادي واجتماعي، بحجة أن الأسر الموعزة بحاجة لتشغيل أطفالها من أجل ضمان لقمة عيشها، ما هو تعقيبك على هذا الطرح الذي يرى أن الملف يحتاج لتغير بطيء لخلق بيئة جديدة؟

* أنا أتفق معك مبدئيا حول تشعب الملف، لكنني سأطرح عليك مثالا، لو شوهد شخص يسرق فإن القانون يعاقبه مباشرة دون أن يسأل عن مبرره الذي يمكن أن يكون هو الجوع على سبيل المثال، لأن هذا هو القانون، لكن عندما يتعلق الأمر بقضايا النساء والأطفال تغيب مبدئية القانون في العقاب، ونبدأ في التحجج بالمجتمع والاقتصاد، والحديث عن المجهودات، تماما كما وقع في قضية أمينة الفيلالي عندما بدأ الحديث عن وجود أسر ترغب في تزويج بناتها صغيرات، وأن المجتمع عاجز عن منع هذه الظواهر الاجتماعية.

أعتقد أن الأمر ينطوي على ازدواجية كبيرة، لأن الرشوة مثلا من أكثر المظاهر المتفشية داخل المجتمع، لكن مع ذلك نشاهد أن هناك الكثير من المتابعات القانونية في ملفات الرشوة لأن هذا ما يقتضيه القانون، لذا فإن تفشي الظواهر ليس مبررا لتقبلها كما هو الحال عندما يتعلق الأمر بما هو نسائي، أو بحقوق الأطفال، حيث يتحجج الكل بما هو اجتماعي، ثقافي، اقتصادي، والملاحظ أن كل قضية تثار في هذه الدائرة يتم الحديث عنها بنفس المنطق، فمؤخرا توفيت ثلاثة فتيات في مكناس، منهن فتاة في السابعة عشر أجبرت على الزواج من مغتصبها البالغ 36 عاما، بمعنى أنه يكبرها بضعف سنها، ما مكنه من الاعتداء عليها، والزواج منها، ثم تعنيفها إلى أن فارقت الحياة، كل هذا قابله صمت من المجتمع لأن الأمر يتعلق مرة أخرى بالنساء.

لذا أنا أرى أن ما يلزمنا في البداية هو تطبيق القانون، وبعدها لا بأس من الحديث عن ما هو اجتماعي، وهنا أكرر أن كل من يشغل طفلة دون سن 18 يجب أن يعاقب قانونيا، لأنه يجب التعامل مع الموضوع كجنحة من الممكن أن تؤدي للسجن والغرامة، وهذا سيشكل رادعا لكل أسرة تفكر في تشغيل الأطفال، أما بالنسبة للآباء الذين يضطرون لتشغيل أطفالهم، فإن برنامج تيسير غير كافي، ويجب التفكير في خطة اجتماعية اقتصادية متكاملة، لأن الفئة التي تسمح بتشغيل أطفالها هي في الغالب تنتسب للعالم القروي، والأحياء الهامشية التي تعاني من ظروف قاسية.. هذا هو الاتجاه الصحيح لمعالجة القضية بدل التحجج بالثقافة السائدة التي تستوجب مجابهتها بتشريع قانوني صارم يعرض الكل للمسائلة، مع مراقبة الدولة، وحالات التبليغ.

حاورتها سكينة بنزين

مشاركة