الرئيسية للنساء فقط من سايس إلى سوس، ومن تانسيفت إلى اجبالة: نساء محرومات من الإرث

من سايس إلى سوس، ومن تانسيفت إلى اجبالة: نساء محرومات من الإرث

كتبه كتب في 26 يناير 2012 - 16:42

هن نساء يرثن بمقتضى الشرع، لكن يحرمهن منه أقرب أقربائهن بمقتضى أعراف تحكمها عقليات ذكورية. أينما تجولت في المغرب الفسيح، بدء من الأراضي الوعرة التي يشقها وادي سوس إلى طرفين، ومرورا بمنبسطات الحوز وتانسيفت، فوصولا إلى حوض سايس ومرتفعات جبالة … نماذج لصرخات نساء أنصفهن الشرع وأجهزت عليهن الأعراف، ليحرمن بشكل أو بآخر من حقهم في الملكية من طرف آبائهن، أشقائهن … فلا زالت نسبة 93% من النساء المغربيات عاجزات عن المطالبة أو التمتع بالحق في الملكية، منها 74.3 % من الأراضي الصالحة للزراعة هي عبارة عن ملكية خاصة لا تملك فيها النساء إلا النصف، في حين، لا تشكل النساء المالكات لأراضي فلاحية إلا 7 بالمائة. إحصائيات صرحت بها الناشطة الحقوقية والمحامية عائشة لخماس، في إحدى المحاكمات الرمزية التي ينضمها اتحاد العمل النسائي، وفتحت الباب لتوارد أسئلة حول الأسباب ووضعت أصابع اتهام للقضاء والقانون والعرف في تكريس الوضع.

 كاين الخواض

تارودانت، مدينة على شساعة مساحتها لا زالت النساء محاصرات بقلعة من المعتقدات والتقاليد التي حولت النساء إلى قاصرات تستمر الوصاية عليهن وهن في أرذل العمر.  توفي جد عبد الواحد وتكفل خاله الأكبر برعاية إخوته الثلاث، بقيت البنات تحت وصاية الإخوة، ففي هذه المنطقة لا تتدخل النساء في الأمور الاقتصادية من إدارة الأرض أو التصرف الكامل في الملكية، بعد مدة هاجر أحد أخواله إلى فرنسا، فيما ظل الأخوين الباقيين يزاولان النشاط الفلاحي.

الغريب في الحالة، يحكي عبد الواحد الذي يعمل رجل تعليم بإحدى مدارس تارودانت، أن الإخوة قاموا بالإستحواذ على الإرث وتسجيله باسمهم، في غياب التوثيق آنذاك حيث كانت العقود تكتب فقط، وبعد فترة قاموا بتسجيله وتوثيقه مستثنين الآخوات، وهن أربعة أرامل يتراوح عمرهن بين العقد الخامس والسادس، لهن أبناء حرموا بدورهم من ملك الجد بعد أن تم استثنائهن من الإرث وخرجوا من التركة “لا حمص لا فول”. العادة في هذه المناطق أن النساء لا يلجئن إلى المحاكم، والتي لا تنصفهن عادة، لاشتراط وجود اعتراض خلال سنة ويوم واحد.

يفسر عبد الواحد الحالة بكون التوثيق كان منعدما في السابق، فلم تكن الأملاك تحفظ، فقط كان هناك ما يعرف  ” بالاستمرار”، لذا فالنساء اللواتي ازددن في الخمسينات والستينات لا يمكلن حقوقهن، ورغم ذلك يحافضن على زيارة الأهل والأشقاء. الفتاة في هذه المنطقة، كانت تفقد صلتها بالأرض بمجرد زواجها: ” البنت مشات لدارها صافي مابقا عندها حق في الأرض، والزوج هو اللي يعيلها وكتبعوا فين ما مشا”.

يستدرك عبد الواحد ليسرد حالة زوجته، فوالدها كان متزوجا من امرأتين: الأولى رزق منها بثلاث ذكور والثانية )حماته( بنتين . عندما مرض الأب وكان على فراش الموت، أحضر الأبناء العدول وكتبوا وصية بيع، بصم الأب على الورقة وهو في حالة احتضار، واستثنيت البنتين وأمهما بمقتضى الوصية من حقهما، حيث كانت تبلغ زوجة عبد الواحد 26 سنة.. لم تتجاهل زوجته وحماته الواقعة، وقامتا برفع دعوى قضائية ورفع شكاية بكل من شارك في كتابة الوصية، لكن الدعوى لا زالت رائجة في قاعة المحكمة منذ مدة دون حل.

 “خيرنا مايمشيش لغيرنا

 بإقليم شيشاوة، اشتهرت منطقة المجون وليراويين بجودة أراضيها، وثراء منتوجها الفلاحي، مازالت مجموعة من العائلات تحرم النساء من حقهن في الإرث، يستأثر الذكور بالأرض بينما يبقى للنساء الحق في الثمار، فالتركة يقتسمها الإخوان الذكور، ويتصدقون على أخواتهم بجزء من المحاصيل عينا مثل الزيتون والعنب الذي تشتهر به المنطقة، مع مبلغ مالي زهيد مما تجود به أريحية الأخ، بعيدا عن القسمة العادلة التي منحها الشرع للأنثى، ويفسر العارفون  بخبايا ذلك ب” الحرص على إرث الأجداد من التفتت أو الانتقال لأسر أخرى من خارج شجرة الأجداد” .

لا تكاد النساء يتمتعن بما منحهن الشرع، ليظل الحلم بامتلاك أرض والتصرف فيها تصرفا كاملا بعيد المنال، محاولاتهن الاستفادة من العائدات التي تركها الآباء من أجل تحسين معاش أبنائهن، أجهضت لكون الذكور يتحصنون بالعرف من أجل منعهن من هذا الحق، وحتى المحكمة لم تستطع الفصل في قضية يستحكم فيها العرف منذ سنوات.

يحكي عزيز عن قصة أخواله ووالدته الحاجة رحمة. توفي جده وترك أسرة مكونة من أختين وأخوين. تولى  الشقيقين ” التصدق” على أختيهما البالغتين عقدهما الخامس،  بمنطقة المجون، ببعض الثمار من زيت وزيتون وبعض المال. في نظر الشقيقين أن ما يفعلانه اتجاه شقيقتيهما هو عين الصواب. وأمام هذا االموقف، حاولت الشقيقتين رفع دعوى قضائية من أجل الاستفادة فحفظ الملف بإبقاء الحال على ماهو عليه. لكن وفاة أحد الشقيقين، جعلت أبناءه بشيشاوة يطالبون بحقهم من الإرث من عمهم، فرصة اغتنمتها الشقيقتين للمطالبة بحقهن، لكن الحال بقي على ما عليه. القانون بقي عاجزا أمام العرف، فأصبح ابناء الأخ يجودون بالثمار على إحدى عماتهم..

عدم التفريط في الأرض أو تجزيئها ودخول ناس غرباء وازع قوي يتحكم في حرمان البنت من إرث، بالنظر إلى زواج البنات وارتباطهن بأسر جديدة، تخشى بدورها على أرضها وثرواتها الطبيعية، والخطير أنه بعد الطلاق أو الوفاة تصبح تلك الفتاة المرملة، عرضة للتشرد والضياع ما لم “يحسن” بها أحد أقاربها رأفة ليس إلا.

 حرمهن والدهن

 ثورية ضحية تمييز فاضح هي وشقيقاتها الأربع من نواحي فاس، توفيت إحدى شقيقاتها قبل والدها، فيما يجهل مصير أخرى بعدما استقرت رفقة زوجها بنواحي مولاي إدريس زرهون. حرمهن والدهن قيد حياته من الميراث، بوصية حث فيها على منحهن حقهن من المحصول الزراعي للأرض الفلاحية التي تركها، دون نصيبهن من الأرض والأشجار المثمرة وكل ذي أهمية مالية. فعل ذلك سيرا على عادات وتقاليد الدوار، الذي دأب سكانه على حرمان نسائه من الميراث، والحجة، تقاليد وعادات ضاربة في القدم والظلم.

اثنان منهن، توجهتا إلى العدالة تحت إلحاح أزواجهما، للحصول على حصتهما مما تركه والدهن، لكن المحكمة قضت بعدم أحقيتهن في ذلك بعد طول جلسات دامت لعدة سنوات، خسرن فيها شقيقيهما، قبل أن تعود العلاقة إلى سابق عهدها. أحد الأخوين، سار على الدرب نفسه، حارما ابنتيه الوحيدتين من الميراث، كي “لا يصبح خيره لغيره” في إشارة إلى أزواجهن، لكنه أوصى بهما خيرا إلى حين وفاتهما، وسار أبناؤه على الدرب نفسه، يمنحون النساء حصتهن من المحصول، دون أن يتمكن من حقهن الشرعي في الإرث. أما شقيقه الثاني، فأصر على قطع حبل هذه العادة السيئة المسيئة إلى العلاقات بين العائلات بسبب الإرث، وهو يعرف جيدا كيف انتهى الوضع الاجتماعي بقريبته بعد أن طلقها زوجها، فعل ذلك حتى لا يكون مآل بناته نفس المصير

 “والدتناجنت علينا

 يظل ضعف وعي النساء وعدم مطالبتهن بحقوقهن أحيانا السبب، وقد يتم إحراج الفتيات بإعطائهن مبالغ رمزية مقابل التنازل عن كامل حقوقهن، أو رمي بعض الفتات للاستحواذ على الباقي. انطلقت تنهيدة من أعماق قلب رقية(اسم مستعار)، لم يكن حرمانها من حقها سوى على يد والدتها التي كرست الحرمان. كانت الابنة الثانية من بين تسعة إخوة وأخوات، عاشت بمدينة وزان وتزوجت في سن مبكرة ورحلت مع زوجها لتتنقل من مدينة لأخرى، بعد سنوات توفي والدها تاركا إرثا لا بأس به بمنطقة الزواقين بنواحي المدينة، كان عبارة عن قطع أرضية صغيرة وأشجار مثمرة من الزيتون، أما شقيقاتها الأربع فتزوجن واستقرين في المدينة الصغيرة.

استفرد إخوانها بوالدتهم، وبطرق ملتوية استطاع الأكبر منهم  دفعها إلى منحه قطعة أرضية للاستفادة منها  وزراعتها، كما استحوذ شقيقيها تدريجيا على باقي القطع الأرضية بعلة زرعها. كانت المفاجأة التي فاقمت من المشكل بين الأم والابن من جهة، وبين الأم وبناتها من جهة أخرى أن الإبن الأكبر قام ببيع القطعة الأرضية بعد عملية تزوير، لينتقل النزاع إلى ردهات المحاكم بعد احتجاج الأبناء على والدتهم، ولا زالت القضية معروضة على أنظار القضاء.

 تحكي الحاجة رقية بنبرة تنم عن غبن تعرضت له وحرمان حتى من أبسط حقوقها التي ضمنها الشرع لها: ” خوتي ماداوش غير الأرض لكن قسموا حتى الزيتون وعطاونا احنا البنات شجرتين لكل منا، في حين استحوذوا على الباقي، المشكل أن الوالدة ديالنا ساكتا وموافقا حيث كاتخاف من خوتي خاصة الأكبر، اللي خدا الأرض وباعها لشخص آخر بدون حق، وملي كنطالب بحقي كيقولوا ليا راه عندك إرث راجلك وأولادك عندهوم وظائف مزيانة، باركا عليك”.

هي حالات توارثت أبا عن جد في بعض المناطق، وحرمت النساء من حقهن الذي يضمنه الشرع وتنكره العادات والتقاليد. المشكل مرتبط أساسا حسب عبد الواحد  بالنظام العقاري. فيما قبل، كانت الأراضي تكتب لفائدة الذكور الذين يسجلونها بأسمائهم فبما بعد، يقول عبد الواحد الذي عايش حالات كثيرة : ” كاين الخواض في كتابة الأراضي للحصول على الإرث”.

شهادات ووقائع حية منتقاة من أراضي مازالت فيها المراة منسية، وعنف اقتصادي أقسى وظلم أكبر من أن يقاس، يبين الحاجة إلى المطالبة بتعزيز الضمانات القانونية، لاستفادة النساء من حقهن في الإرث بشكل عادل. فالتحفيظ الشخصي من طرف الورثة أنفسهم، يشكل منفذا للعديد من الورثة ” من أجل الاستفراد بالإرث”. ويتم الالتفاف على النصيب الذي ترثه المرأة بابتكار أساليب ملتوية تجعلها في نهاية الامر لا تستفيد إلا من القليل، فلا لا زالت هناك بعض القبائل تتبع نظام الوقف أو الحبس لحرمان المرأة من حقها في الإرث وتجميد الملكية حتى لا تنتقل إلى الغريب، ولا زالت المرأة تخشى قطع صلة الرحم…

 بين النصوص الدينية والعقلية الذكورية

 حرمان النساء من الميراث بصوره المختلفة هو من المشكلات المنتشرة في مختلف المناطق بالمغرب، بالرغم من أنهن حصلن على حقهن في الميراث بمقتضى الشرع، إلا أنهن لا يحصلن عليه في الواقع، ولا يمارسن حقهن الطبيعي بالتحكم بأمورهن المالية دون وصاية، نتيجة الضغوطات التي تتعرض لها تارة من طرف الإخوة، وتارة آخرى من بعض الآباء للاعتقاد السائد أن هذا الميراث يجب ان يبقى تحت سيطرتهم . ويتم تحويل الإرث غالبا باستعمال حيل وتزوير، في استمرارية لما عرف في عصر الجاهلية، فقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان، وكان أكبر الأولاد هو الذي يأخذ جميع الميراث وكانوا يقولون : لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وطاعن بالرمح وضارب بالسيف وحاز الغنيمة . فلا زالت العقلية الذكورية مهيمنة في المناطق المذكورة وغيرها، حيث يستمر التصرف في هذه التركة بشكل تشاركي لا حق للنساء في المطالبة بنصيبهن، وإن هن فعلن فإن الطلب يرفض وقد تكون العواقب وخيمة وقد تنشب عداوة بسبب ذلك، أو يتم التحايل عليهن من باب العقلية الذكورية سواء كانت الإقامة مشتركة بمنزل الاب أو دونها. التدبير المشترك هذا غالبا لا يعمر طويلا، وإن عمر فإنه يتفجر حينما يكبر الأحفاد، فتطفو الصراعات والنزاعات فيما بينهم، إن لم يظهر في حياة الآباء             .

 في خضم عمليات اقتسام التركة كيفما كانت الصيغة أو الطريقة أو الشكل أو المدة، تفاجأ البنات باعتراض الذكور على مطالبتهن بنصيبهن منها، وبحرمانهن منها ومن التصرف فيها، الأدهى من قد يطلب منهن الإدلاء بصفة التصرف والتملك، ويواجهن بالأقوال المأثورة في بعض المناطق: ( إلى خلا ليك باك شي حاجة سير ليها. إذا عندكشي حجة قري عليا .مكتسالوش معايا .هذا متاعي خلاه لي ببا .) عبارات قد تعلن بداية منازعات وخصومات تكون يتم تحويلها إلى القضاء.عند الوصول إلى هذه المرحلة يطالب القضاء بالإثباتات التي يصعب توفيرها غالبا، أو تفاجأ النساء باستفسارهن عن سبب سكوتهن طيلة تلك المدة(سنة ويوم) . رأي عبر عنه محمد، رجل تعليم من منطقة غفساي يضيف : ” شخصيا كنت أتردد على منزل خال أمي منذ صغر سني بصحبة أمي أو بمفردي، أن أخوالها يتصرفون في أملاك لا باس بها إن لم تكن كثيرة: أراضي فلاحية أو مغروسات و منازل… لكني لم أعهد أن أمي استفادت شيئا من ذلك. بل وأتذكر أن أبي كان يشتغل مع أخوال الأم بنصيب الخمس لكني لم أعهده يوما وقد أخذ نصيبا من الغلات، على اعتبار أنه نصيب والدتي اللهم إلا نصيبه من شقائه وأتعابه.  لم ينحصر الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى أبناء خالاتها وأخوالها ….علما أن أخوال الأم وأبنائهم يعلمون علم اليقين وباعترافهم أحقية الأخوات والعمات في الإرث، ويتبادلون الزيارات العائلية ويتقاسمون المناسبات الطيبة والمرة .” يتذكر محمد بحرقة كيف منع في أحد الأيام من قطف حبات المندرين رغم حداثة سنه من شجرة منزل خال الام، ولن ينسى كذلك أن ابن خال الام منعنه من قطف حبات الجوز أيضا.

فأمام تعقد المساطر وتعداد الجلسات في المحاكم للبحث والإثبات والإدلاء الوثائق المطلوبة من النساء، تعيش البنات على هامش الأسرة، ويترتب عن ذلك عنف اقتصادي ونفسي يؤرق مضجعهن ويربي فيهن عقدا ومعاناة قد يتوارثها الأحفاد، بل تترتب عليه الأحقاد بين أبناء وبنات العمومة والأخوال، وقد يصب الأزواج  الزيت على النار، لتتعرض النساء لضغط مزدوج.

الأستاذ محمد غدان: “القانون شيء والواقع شيء آخر

 حماية قانونية لما أقره الشرع، مسألة صعبة لأن الواقع شيء آخر، لوجود عوائق عديدة تحول دون وصول النساء إلى حقهن. يرى الأستاذ محمد غدان، محامي بهيئة المحامين بالقنيطرة، أن القوانين المسطرية التي تنظم الإرث عديدة منها القوانين الردعية والقوانين الشرعية، بالإضافة إلى مدونة الأسرة. فهناك المادة 21من مدونة الأسرة التي تعرف معنى التركة، والمادة 22 المحددة للحقوق المترتبة عن التركة ، في حين يتطرق القانون الجنائي  من خلال الفصل 522 و 590 لحماية الوارث، أما المادة 75 من نفس القانون فهي تحمي الحيازة بصفة عامة. هناك إذن مادتين جنائيتين، يضيف ذ.غدان، لكن الحماية غير كافية لأسباب منها: بطء عمل الضابطة القضائية والمسطرة، ما يجعل الشكاية تظل شهورا وسنوات معلقة بين ردهات المحاكم. كما أن طبيعة البنية العقارية في البادية خاصة، حيث أن أكثر من 90% من أراضيه غير محفظة وموروثة من جد إلى جد، انتقلت عبر الثقافة الشفهية التي تعتمد على الذاكرة، في غياب التوثيق وكتابة عقود في غياب التحفيظ، ناهيك عن صعوبة تحديد من هم الورثة، ما يؤدي إلى بروزها أثناء المنازعات في العقارات غير المحفظة .

فالعقار المحفظ لا يحدث فيه مشكل بخلاف الغير محفظ، وعند محاولة رفع دعوى القسمة، ما يستدعي ضرورة توفير رسم الإراثة ورسم إحصاء التركة، مما يخلق مشكلا آخر، لأن هذه الوثائق في الثقافة الشعبية تكاد تختفي، فعند موت الجد يتوارثها الأبناء، وتبقى التركة مشتركة بين أبنائه وورثه، يقومون فقط بقسمة استغلالية دون توثيق، ويعتمد على الذاكرة أو الأشخاص المسنين، وهكذا يموت آخر ويظل ورثته…لتظل إمكانية إثبات الملكية صعبة في غياب رسم الإراثة…من جهة أخرى، يضيف ذ. غدان، لا زال منطق القوة هو السائد في قسمة الملكية خاصة في المناطق القروية، هناك حالات يكون الأب متقدما في السن، ويقوم أحد أبنائه بإعالته ويستغل ما يعرف “حق الرفود”، وبالتالي قد ينزع الابن خلال مرض الأب إلى التأثير على الأب لكي يكتب له ما يملكه أو بعضه، ما يجعل المرأة لا تستفيد ي هذه الحالات، حيث يتم إقصائها وإقصاء باقي الورثة

. وبالنسبة لعدم توريث المرأة بسبب زواجها، فذلك له جذور في التاريخ، لا زالت قبائل أمازيغية بالريف المغربي والقبايل بالجزائر كانت تحرمها من الإرث، تتحكم فيه  العلاقة التي تربط الآباء بالأبناء، من حيث القرب والبعد، والرضا والسخط، ومرتبط بالثقافة الشعبية…قد يعمد الأب لتقسيم الملك وحرمان بعض أبنائه للسفه…وقد يلجأ إلى الصدقة أو بعض عقود البيع الصورية..لإقصاء الورثة وحرمان البنات وبعض الورثة.

 رأي القضاء: عدم توجه المرأة إلى القضاء سبب في استمرار حرمانها

 عند لجوء المرأة إلى القضاء، قد لا تتمكن من إثبات حقها بوسيلة من الوسائل، هنا يطرح تساؤل: هل القضاء فوق الشرع؟ وهل يمكنه أن يحكم لصالح الشقيق الذي استولى على الإرث بطرق احتيالية؟ أو الموافقة على وصية تلغي حق المرأة في الإرث؟

للقاضي رأي آخر ينفي موافقة القضاء على حرمانها، ويعتبر أحد القضاة الذين استقينا رأيهم في الموضوع أن اللوم يقع على المرأة في تكريس العرف، ففي حالة تزوير الوثائق وهضم حقوقها، علىالمتضررة أن تطعن بالتزوير في الوثائق التي يتقدم بها الطرف الآخر. القضاء يخول للمرأة عرض القضية على كتابة الضبط وتكوين الملف الذي يشمل عدة وثائق، حيث يمنحها القانون إمكانية إحضارها من قبيل رسم الإراثة وإحصاء المتروك، كما هو الشأن لشقيقها.  لا يوجد ما يمنع المرأة من المطالبة بحقها، فلها أن ترفع دعوى وتوكيل محام، خاصة في حالة التزوير أو سلوك الوسائل الاحتيالية، وفي حالة عسر الحال يوكل لها القاضي محام في إطار المساعدة القضائية. فما ضاع حق وراءه مطالب.

ونظرا لكون المرأة في العالم القروي تظل تحت وصاية أشقائها لمدة خاصة في حالة بلوغهن سن الأربعين، وتظل ببيت والدها راضية بوضعيتها و”قانعة بحالتها، واكلة شاربة…”، ما يجعلها تفضل عدم الدخول في دعاوي حتى لا تقطع صلة الرحم. أما

في الحالات التي تحرم وصية المرأة من حقها، فنعتبرها لاغية وباطلة، لأن كل ما بني على باطل فهو باطل، هناك حالات لكنها قليلة.

يؤكد القاضي أن القضاء لا تتاح له الفرصة للحسم والجزم في أغلب هذه القضايا، لأن نسبة كبيرة منها لا تصل إلى قاعات المحكمة، فالمشكل بالأساس راجع إلى وعي المرأة المهضوم حقها، فهي إما أنها لا تعرف كيفية الوصول إلى القضاء، أو أنها تخشى أشقائها، أو أن حالتها المادية ضعيفة لا تجرؤ معها تحمل مصاريف التقاضي قد تطول…

ينضاف إلى ذلك، أن أغلب الأراضي بالعالم القروي يستغلها أصحابها إما بناء على: رسوم الملكية أو الحيازة، في الحالة الأولى يحصل عليها الابن الأكبر، وقد يقوم بحيازة الأرض وقسمتها مع أشقائه الذكور في الوقت الذي تجهل البنات ما تركه والدهم، وحتى لو حاولن المطالبة بحقهن فهن لا يملكن تلك الوثائق، وفي الحالة الثانية تثبت بشهادة الجيران والسكان، هذا المشكل أساسا في العقارات غير المحفظة التي تطرح مشاكل عدة.

فيما يخص العقار الغير محفظ يعود القضاة عند النظر في مثل هذه الحالات إلى الفقه المالكي، وقد يعاقب الوارث في حالات التزوير، والنصب والاحتيال، وخيانة الأمانة، لكن لا يتم تجريمها كجريمة.

 حق النساء بين منصوص الشرع ورأي الجمعيات

 حارب الاسلام عادة الجاهلية بتوريث النساء: ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ) .

هذه الآية الكريمة أوجبت النصيب من الميراث للرجال والنساء ، فالمرأة سواء كانت أما أو زوجة أو أختا أو بنتا، لها نصيبها من الميراث، وهذا النصيب حق شرعي لها وليس منة أو تفضلا من أحد، فلا يجوز لأحد أن يحرمها من نصيب قرره الشرع.

من جهة أخرى، اعتبرت المحامية لخماس، رئيسة اتحاد العمل النسائي والمحامية بهيئة الدار البيضاء، في مرافعة لها أثناء عقد المحكمة العاشرة الرمزية، أن مشكل الولوج إلى الملكية معقد متشعب المسالك: ” هناك إشكالات عديدة تعترض النساء حين يردن الحصول على الإرث و ليست لهن الإمكانيات المادية لإثبات ذلك. الملكية في المغرب ( الأرض ) هي إشكال يواجه الدولة و المجتمع، كيف تملك(بفتح الميم) و كيف توزع عن طريق الإرث، لكن هناك مشاكل تعانيها المرأة أكثر في أراضي الملك، فالوثائق غالبا ما تكون العائق أمامها بل وأمام القضاء لإثبات أحقيتها.

قرارات الحرمان الظالمة داست الشرع والقانون معا. فالناشطة الحقوقية لخماس لم تنصر اعتباطا لبنات جلدتها، إذ أن أراضي الجموع التي تشكل% 14 من الأراضي الصالحة للزراعة لا ترث فيها المرأة، كما أن أراضي الجيش (الكيش) لا ترث فيها النساء أيضا، والأراضي المسترجعة والموزعة على الفلاحين لم تنل منها النساء إلا% 2.

رد فعل بعض الجمعيات النسائية بالمغرب أثار ضجة، فالمساواة في الإرث اعتبر تطاولا على القرآن من طرف العلماء والدعاة والمجالس العلمية، لكن هذه الجمعيات لها اعتبارات أخرى ، تعود إلى وقوع تغييرات شملت حياة فئات اجتماعية في المغرب، وكذا تغير شروط الإنتاج والدخل التي نتج عنها تحولات عميقة خاصة بالنسبة للمرأة، بعد خروجها إلى العمل بنسبة كبيرة، بل أصبحت تساهم في الإنتاج في كافة المجالات، وتعتمد أسر عديدة على دخلها، و لم تعد العائلة أو العشيرة تتكفل بالنساء .

  أمينة المستاري

مشاركة