الرئيسية اراء ومواقف ومن القبل ما كاد يقتل

ومن القبل ما كاد يقتل

كتبه كتب في 12 فبراير 2013 - 15:13

شكل موضوع القبلة في المغرب خلال الأسابيع الأخيرة حديث العامة والخاصة  ، بعد ما  أثاره أحد نواب  العدالة والتنمية في طائرة تربط بين القاهرة والدار البيضاء ، ومطالبته بتوقيف فيلم سبيد مان لأن فيه خدش للحياء ما دام البطل قبل إحدى بطلات الشريط ، وازداد النقاش تشعبا بعد نشر أحد النقاد والأساتذة الجامعيين صورة يقبل فيها زوجته على صفحته بالفيس بوك  وإغناء لهذا النقاش نقدم بعض الآراء وبعض ما يختزن في الذاكر من أشعار ومواقف حول القبلة  :

ارتبطت القبل  بالتعبير عن الأحاسيس والمشاعر عندما تعجز اللغة عن نقل ما في الجوانح من لواعج . وعندما تتعطل لغة الكلام ، في النهار أو الظلام ، فيكون التقاء الشفاه قبل الأرواح والأجسام ، وقد تشفي  القبلة المحبوب من كل سقام،  وتكون رمزا لاتقاء القلوب ، وشفاء لكل محبوب ،، تناول موضوع القبلة الفلاسفة والأدباء ،وعالجها الشعراء والفقهاء … فألفت في القبلة كتب وقصائد، ورسمت لها لوحات ومشاهد ،ولم يتجرأ على تحريمها نبي ولا ناقد ، وكلٌ حدد  للقبلة غايات ومقاصد ….

وأمام كثر ما قيل في القبلة ،فقد تم تصنيفها أصنافا كثيرة فتم التمييز بين  القبلة البريئة القبلة العميقة، المختلفة، ، قبلة العض، القبلة الشفاطة، قبلة اللسان، القبلة المائية، القبلة الباحثة، قبلة الشعر ، القبلة المنزلقة، القبلة الفرنسية، … ووضعوا لكل نوع تعريفا ،أهدافا وحدودا ، كما فصّل الباحثون في أماكن التقبيل وقسموها مراتب ومنازل ووضعوا  كل مكان دلالة ومغزى  فربط البعض قبلة اليد  بالاحترام ، وقبلة الرجل بالخنوع ، وقبلة الكتف بالتبجيل ، وقبلة الجبين بالتقدير والاحترام … وبما أن القبلة قد تكون بين الإبن وأبيه بين العبد وسيده ، بين الكبير والصغير ،تبقى القبلة بين الزوجين أو العشيقين أكثر ما أفاض فيه الفنانون والأدباء  فلم يتركوا جانبا من جوانب القبلة إلا وصفوه وميزوا فيها من حيث الهدف ؛ بين من قصد الشهوة ووجدها( تكون بين الحبيبين) ،  وبين من لم يقصد واكتوى بنارها ( كمن يقصد السلام فيحترق بالنشوة ) وبين من لم يقصد ولم يجد  ( كسلام الأخوين والأصدقاء ) ….

لقد  ألفت في القبلة أحسن الأغاني والأشعار وتاريخ الأدب العربي زاخر بالأمثلة : فهذا مطيع بن إياس لا يريد من الدنيا إلا قبلة ، فهي وحدها كفيلة بتخليصه مما يعاني من الصبابة والأرق يقول :

ياريم فاشفي كبدا حرى وقلبا شغفا            وناوليني قبلة واحدة ثم كفى

وكثيرا ما شبه الشعراء تأثير القبلة  بالإكسير الذي ينعش الروح ،وبالسكر الذي تقشعر له الأبدان ، وتتوق له النفوس ، فوصفوا ما تحدثه القبلة من النشوة وهذا توفيق ابراهيم في إحدى قصائده يبين أن رشف الرضاب والريق في القبلة يسكر كل الدنيا فيقول :

قبلتها ورشفت من فيها                  ما يسكر الدنيا ويرويها
وغفوت نشوانا على حلم                    يزهو بالوان الرؤى تيها
جن الهوى فرشفت مبسمها                  وجنيت من فيها لاليها
الله هل ذابت على شفتي                        روحي وفاضت أمانيها

وأكثر من ذلك وجدنا من الشعراء من كان يعلن تقديم نفسه فداء لقبلة ، ويتحدى كل المخاطر من أجلها  يقول الشاعر كمال الصيرفي :

انا لااخاف الموت بل        اهواه لكن فوق صدرك
تستودعين يديّ آخر      ما تمس خيوط شعرك
وابثها الدنيا وقد            اودعتها في لثم ثغرك

و خير مثال على ذلك قصة عنترة بن شداد الذي قال فيه رسول الله ( ص ) ( ما سمعت عن جاهلي وأحببت أن أراه مثل عنترة بن شداد )  الذي تمنى تقبيل السيوف في المعركة عندما لمعت وذكرته بثغر حبيبته عبلة

ولقد ذكرتك والرماح نواهل               مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيـل السيـوف لأنهـا            لمعت كبـارق ثغـرك المتبسـم

لقد خاض في موضوع القبلة رجال الدين ولنا في التراث طرائف وحكايات كثيرة وهذا القاضي

عبد الوهاب بن نصر الفقيه المالكي رضي الله عنه  ينظم   ويحاول توظيف حد القصاص  فيمن قبل فتاة رغما عنها :

ونائمة قبّلتها فتنبهت             فقالت: تعالوا فاطلبوا اللص بالحد
فقلت لها: إني لثمتك غاصباً        وما حكموا في غاصب بسوى الرد
خديها وكفي لي عن إثم ظلامتي            وإن أنت لم ترضي فألف من العد
فقالت: قصاص يشهد العقل أنه                على كبد الجاني ألذ من الشهد
فباتت يميني وهي هسيان خصها                 وباتت يساري وهي واسطة العقد
وقالت: ألم أخبر بأنك زاهد                 فقلت لها: ما زلت أزهد في الزهد

هذا ولم يرو عن أي نبي أو رسول تحريم للقبل أو نهي عنها ، بل لقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تقبيل الزوجة قبل مضاجعتها في قوله  (اجعل بينك وبين امرأتك رسولا)  والرسول المقصود في الحديث هو  القبلة

كما أدلى الأطباء والعلماء بدلوهم في موضوع القبلة  فأكدوا أنها تساعد في الحفاظ على الرشاقة وحددوا لكل قبلة قوة وطاقة ومنها يساهم في  حرق السعرات الحرارية بمعدل 239 سعرا حراريا لذلك يمارسها البعض لتساعدهم على خفض الوزن..

من خلال ما سبق يستشف أن القبلة كانت وستبقى موضوعا للنقاش والإبداع فهي هي ترمومتر يقيس حرارة الحياة الزوجية  والعلاقة بين المحبوبين ، يتوق إليها كل طرف ، ويجد فيها لذة لا تعادلها لذة ، وبدونها قد تفقد المعاشرة الزوجية حميميتها ، وقد تحال هذه المعاشرة إلى عملية ميكانيكية من أجل الحفاظ على الجنس البشري، لا تختلف في شيء عما هو موجود عند باقي الحيوانات ، فالعناق والمداعبة والقبل… بهارات العلاقة بين  المرأة والرجل في غيابها تصبح العلاقة بدون طعم  .

ذ . الكبير الداديسي

 

مشاركة