الرئيسية ثقافة وفن أحفاد العُثمَانيّين تقلقهم الدّرامَا التُّركية التي رَحّب بها المغاربة

أحفاد العُثمَانيّين تقلقهم الدّرامَا التُّركية التي رَحّب بها المغاربة

كتبه كتب في 27 يناير 2013 - 15:43

46 عملا فنيا تلفزيونيا هو عدد المسلسلات التركية التي تبث في العالم العربي مترجمة باللهجة السورية إلى حدد الآن، والتي بدأ عرض أولها على قناة mbc1 عام2007 مع مسلسل “إكليل الورد”، لتستمر بعدها حكاية الدراما التركية في الشاشات العربية مع “نور” و”سنوات الضياع” و”دموع الورد” و”لحظة وداع” و”الحلم الضائع”.. وآخرها “حكاية سمر” و”لوعة قلب” و”ما ذنب فاطمة غول” و”إيزيل”.. التي تمتد لعشرات الحلقات وتصبح معها عادة طبيعية ووجبة أساسية في طاولة ما يشتهيه المشاهد المغربي والعربي.

وساهم شغف المشاهد العربي في تتبع الدراما التركية، مثلا تابع حوالي 85 مليون مشاهد من سوريا إلى المغرب الحلقة الأخيرة من مسلسل “نور”، في ارتفاع عدد الإنتاجات، (10 آلاف و500 ساعة مسلسلات تركية إلى 76 دول مختلفة خلال 5 سنوات)، لتزداد معها أرباح شركات المنتجة، (90 مليون دولار سنويا)..

هذه الأرقام تعني أن أسهم الممثلين الأتراك في السوق الفنية وصلت أعلى قيمها، حيث بات الممثل التركي يتقاضى بين 2000 و10 آلاف دولار للحلقة الواحدة.. وتستمر قصة “الارتفاع” لتصل إلى القطاع السياحي، إذ أفادت مؤشرات اقتصادية وسياحية أن معدلات الإقبال على السياحة في تركيا من طرف العرب سجلت ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة.

لكن هذا النجاح الفني والاقتصادي الذي انتعشت به الدراما التركية مؤخرا لم يكن ليمضي دون أن يسجل الرأي العام التركية معه العربي انتقادات لاذعة همت فحوى بعض المسلسلات المعروضة أخيرا..

حالات طلاق وسرقة وانتحار..

فوضى المسلسلات التركية في العالم العربي خلفت أمراضا نتجت عنها حالات من الطلاق والسرقة والانتحار.

في السعودية كما في الأردن وسوريا، طلقت نساء ونساء بسبب وضع زوجات لصورة بطل مسلسل “نور” على هاتفها النقال أو غرفة النوم.. أو في حالات أخرى لاستيائهن من تعامل أزواجهن مقارنةً بما تشاهده من رومانسية أبطال المسلسلات التركية مع البطلات..

في المغرب، أقدم طفل في 9 من عمره في قرية بإقليم “اليوسفية” على شنق نفسه بحبل داخل غرفة منزله، محاولا تقليد شخصية بمسلسل “خلود” التركي الذي تبثه القناة الثانية، وهي نفس الحالة التي أقدم عليها طفل عراقي حين شنق نفسه بحبل في منزل عائلته في قرية جنوبي العراق، متأثراً بمسلسل “وادي الذئاب” التركي.

“ماتناسنيش” أو خلود، هو المسلسل الذي كان سببا مرة أخرى في سرقة عصابة للماشية بإحدى القرى النائية بجهة دكالة عبدة، كما تسبب المسلسل في سرقة لصوص لحصان كان مربوطا بحظيرة بدوار لقبيلة بإقليم الدريوش.

هذا في الوقت الذي خلف فيه توزيع محفظات دراسية لأطفال المدارس الابتدائية ببعض المدن المغربية السنة الماضية، تحمل صورة لـ”منتصر” و”خلود” بطلي مسلسل “ماتنسانيش”، استياء وغضب أولياء وآباء تلاميذ، انتقل على صفحات “الفيسبوك”، ضد التساهل في بيع وتوزيع مثل تلك المحافظ لتلاميذ قاصرين، محملين المسؤولية في ذلك لمدراء المؤسسات التعليمية وآباء التلاميذ وكذا وزارة التربية الوطنية.

جدل داخل تركيا..

أثار “القرن العظيم” أو “حريم السلطان” كما عرف في العالم العربي، جدلا واسعا داخل تركيا وخارجها، كما واجه سيلا من الانتقادات، من قبل الحكومة والأوساط الشعبية على حد سواء، ويعود ذلك إلى عدم تطابق أحداث المسلسل مع الوقائع التاريخية التي عاشتها الامبراطورية العثمانية، وتصوير السلطان سليمان كشخص منغمس في اللهو والملذات، وهوا ما دفع الشركة المنتجة للمسلسل الرد بالتشديد على أن السيناريو غير مستمد من وثائق تاريخية “بل يعتمد على نص درامي خيالي مستوحى من التاريخ”.

وسبق لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أن وجه انتقادات مباشرة للمسلسل أثناء خطاب له في نونبر 2012، على اعتبار “حريم السلطان” لا يقدم الصورة التاريخية الحقيقية للسلطان سليمان القانوني، عاشر السلاطين العثمانيين وأقواهم حُكما، واصفا إياه بالسلطان “الذي قضى 30 عاما من عمره على ظهر الخيول في إطار الحروب والفتوحات”، مضيفا :”ليس لدينا أجداد مثلما يجري تصويرهم في المسلسل”.

وأصدر البرلمان التركي شهرا بعد ذلك قرارا بتوقيف عرض الجزء الثالث من “حريم السلطان” على القنوات التركية “إلا بشكل مختصر”، بسبب عريضة طالبت بتوقيف المسلسل، “بسبب تشويه صورة السلطان سليمان القانوني”.

كما تقدم مواطن تركي يدعى “عمر فاروق بيلديرجي”، نهاية السنة الماضية، بطلب إلى البرلمان التركي، لاستصدار قانون يحظر بث مسلسل “حريم السلطان” في وسائل الإعلام التركية، وذلك ضد التعرض للسلاطين العثمانيين وحماية مكانتهم، حيث اعتبر العمل الفني إهانة للتاريخ التركي.

وهاجم نائب رئيس الوزراء التركي، بكر بوزداغ، “حريم السلطان” بكونه مليئا بالإفتراءات والمشاهد الوهمية، مشيرا أن الاعتراضات ضد المسلسل المذكور موجهة بالأساس على المقاربات التي تحرف التاريخ، وتنبع من كونه يشوه ويحرف الحقائق التاريخية.

بين 2006 و2012.. ملايين الدولارات

استطاعت تركيا أن تصدر خلال 5 سنوات الماضية حوالي 10 آلاف و500 ساعة مسلسلات تركية إلى 76 دول مختلفة، بينما لم تشهد سنة 2006 تصدير ساعة واحدة، وهو التصريح الذي سبق للمدير العام لحقوق التأليف بوزارة الثقافة والسياحة التركية، عبد الرحمن تشاليك، الذي أضاف أن المسلسلات التركية تأتي على رأس أهم مكونات قطاع الاقتصاد الإبداعي في تركيا، معتبرا أن بعضها بات يشكل ظاهرة في بعض البلدان، مثل “الفضة” و”سنوات الضياع”، و”حريم السلطان”، هذا الأخير الذي يتابعه حوالي 150 مليون شخص في العالم العربي والقوقاز والجمهوريات التركية.

ومع انطلاق الموجة التركية في العالم العربي وتصاعدها عام 2010، روّجت تركيا خلالها لأزيد من 100 مسلسل بـ20 دولة، أدر عليها حوالي 65 مليون دولار، ليصل الرقم إلى 90 مليون دولار في العام الماضي، فيما يتراوح ثمن الحلقة الواحدة بين 500 و 15 ألف دولار.

أجور خيالية جزاء على النجاح..

ويستخلص أبطال الدراما التركية المنتشرة في العالم العربي أجورا كبيرة وأموالا طائلة مقابل الأدوار التي يأدونها بشكل “ناجح” واليت تلقى قبولا في المشرق والمغرب العربي، إضافة إلى زيادة الطلب عليهم من شركات الإنتاج.

وتفيد تقارير إعلامية تركية أن أجور الممثلين الأتراك ارتفعت بين 2000 و10 آلاف دولار للحلقة الواحدة، فمن كان يتقاضى 1000 دولار على الحلقة بات يتقاضى 7000 دولار أو أكثر لذات الحلقة.

ومن هؤلاء الممثلين أبطال مسلسلات العشق الممنوع وحريم السلطان ومهند ونور، فالممثلة “بران سات” الشهيرة بـ”سمر” في مسلسل “العشق الممنوع” تقاضت 16 ألف دولار عن الحلقة الواحدة من هذا المسلسل، ليرتفع أجرها إلى 28 ألف دولار للحلقة الواحدة من مسلسل “فاطمة”.

وتستمر الحكاية..

رغم الانتقادات الموجهة لبعض تلك الأعمال الدرامية التركية، التي اعتبرها البعض “ديبلوماسية ناعمة” أحسنت تركيا التعامل بها ضمن سياستها الخارجية مع أشقائها العرب، ورغم ما تخلفه بعض تلك الأعمال من الآثار الاجتماعية السلبية في عقلية وسلوك المواطن العربي والمغربي خصوصا، لا تزال المؤشرات تفيد تزايد إقبال المغاربة على المسلسلات التركية، بعدما تخطت في مرحلة سابقة الدراما المكسيكية والسورية، لتستمر معها حكاية الإدمان المغربي على المنتوج القادم من الشرق، وتستمر معها في المقابل انتعاش أسهم النجاح الاقتصادي والسياحي والثقافي لأحفاد العثمانيين..

سوس بلوس

هِسبريس – طارق بنهدا

مشاركة