الرئيسية تمازيغت للا رقية والدة المختار السوسي التي تكسر حلم علمها فوق صخرة “الزواج”

للا رقية والدة المختار السوسي التي تكسر حلم علمها فوق صخرة “الزواج”

كتبه كتب في 22 أبريل 2023 - 17:00

أمينة المستاري

عرفت سوس أسماء عديدة لنساء عالمات، عابدات، صالحات، ذكرت أسماء بعضهن في بطون الكتب واشتهرن بالعلم والتصوف، والصلاح والورع حتى أصبحن من أشهر نساء سوس وحضين بلقب “تامغارت” أي المرأة العظيمة أو الزعيمة، وهو لقب أطلق قديما على المرأة السوسية التي تقوم بدور طلائعي داخل أسرتها وخارجه، حتى أصبحت تنافس الرجل في مجال العلم والدين.
إحدى هذه الأسماء كانت لها بصمة مميزة، هي أول معلمة، أم المختار السوسي العلامة الذي يطلق عليه منارة سوس…عرفت برقية بنت محمد الأدوزي، ابنة محمد بن العربي بن إبراهيم بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن يعقوب العلامة بمنطقة جزولة “الأدوزية” ، هي كذلك زوجة الشيخ العالم الصوفي علي بن أحمد السوسي الإلغي الدرقاوي.
رأت رقية النور سنة 1301 هـ، وتوفيت بتيزنيت سنة 1342هـ، سيدة مثقفة، عالمة، حافظة لكتاب الله، تكسرت أحلامها المتمثلة في متابعة تلقيها للعلوم على صخرة الواقع بعد زواجها، الذي كبح جموح رغبتها في مزيد من التعلم والتحصيل والتدبر في علوم القرآن والسنن وأصول الفقه، وبعد وفاتها بني على قبرها ضريح للتبرك به، وهي التي زهدت في مباهج الحياة بعد وفاة زوجها ورفضت الزواج بآخر رغم صغر سنها.
ذهبت إلى بيت الزوجية، وهي تحلم أن تواصل رحلة العلم التي بدأتها، اعتلت صهوة الحصان الذي حملها إلى منزل شريك حياتها، لم تحمل معها سوى لوحتها الخشبية التي تستظهر عليها القرآن، هي الدنيا وما فيها بالنسبة لرقية، لم تأبه لمتاعها، لأن غناها في تلك القطعة الخشبية التي ستواصل من خلالها تلقي العلوم ببيت الزوج.
لكن رحلة العلم توقفت مع خطوات الفرس الذي حملها إلى بيت الزوجية، فتوقفت مسيرة تلك العالمة في سن المراهقة، هي التي كانت تختلف عن باقي مراهقات عصرها، فالزوج الذي كانت تحلم أن يكمل مشوار والدها فيعلمها، ويكمل ما بدأه ابوها، لم يكن يجد وقتا لذلك، تزوجا لتصبح مهمتها الرئيسية تعليم وتربية وتهذيب بناته أبناءه الذين أنجبهم من زوجتين توجدان في عهدته.، قبل أن تنجب بدورها خمسة أبناء.
كان الزوج عالما صوفيا، مشغولا عنها طيلة اليوم والليل، في تلقين العباد أمور الدين، فوجدت نفسها عوض أن تتفقه على يديه، تصبح مساعدة في تعليم بعض الوافدات عليه أبجديات اللغة والدين، إضافة إلى تربية وتعليم بنات وأبناء الأسرة، وقد كانت رقية رغم هذا الطارئ والانعطاف في حياتها العلمية، نعم المربية والمرشدة والواعظة والزوجة والأم.
رقية الأدوزية تربت في بيت علم ودين، حفظت القرآن وختمته سبع مرات وكانت تجوده أحسن تجويد، وتفقه النساء، حتى أنها نالت صفة “أول معلمة للنساء في منطقة إليغ”، فقد كانت موسوعة عصرها، لها لمسات بارعة في فنون الأدب والتصوف، متفقهة في علوم القرآن والفقه والحديث وغيره، فعلمت نساء عصرها ما تعلمته من علوم شرعية ومبادئ أخلاقية
بعد زواجها ووصولها إلى بيت الزوجية، راسلها والدها يعبر عن افتقادها، واصفا ألم فراقها، فهي الابنة البارة بأبيها، نشأت في بيت متفتح، في أحضان أسرة وأب وصف ب”السهل اللين الأريحي”، كان يكره التشدد والبخل والبدع، عاش ناسكا زاهدا مقبلا على العلم والدين، وقد نشأت للا رقية في وسط عائلي أتاح الفرصة للبنات أن يتبحرن في العلوم ويتعرفن على رجالاته، وكانت رقية الاستثناء في الأسرة، أبانت عن نباهة متميزة، وقدرة على التحصيل، مما شجع والدها على فتح كل أبواب العلم أمامها لتنهل منها ما تشاء، غير أن زواجها كان فاصلا في حياتها، فحاولت التأقلم مع الظروف الجديدة.
كان شريك حياتها معددا، هي الزوجة الثالثة المتواجدة في عصمته وكان الزواج بمشورتهما ورضاهما، فقد ناقش الشيخ الدرقاوي مع الزوجتين موضوع البحث عمن يعلم ابنتيه خديجة وعائشة اصول الدين، فاقترحتا اسم سيدي موسى بن الطيب، لكنه رفض لأنه يبحث “عمن يعلم ويربي ويهذب وليس فقط من يعلم”، وشدد على أن تعليم النساء مهمة لا تليق إلا بالنساء، فأشارت عليه الزوجتان للاقتران بابنة الأدوزي التي حفظت القرآن وختمته 7 مرات.
تزوج الشيخ برقية وهي في سنة المراهقة، استقدمها إلى بيته ليصبح عملها الأساسي هو تعليم النساء، ورغم أنه لم يرقى بها فيما كانت تنتظره، غير أنه كان يراعيها خير مراعاة، حتى جعلها أمينة على الذخائر والأموال التي يضعها في صندوق بالبيت.
بعد إنجابها لأبنائها، انصهرت في تعليمهم، لكي يعوضوها في ما لم تصل إليه، فحظي ابنها البكر محمد المختار السوسي، بالعناية اللازمة وشجعته على تحقيق ما لم تستطع أن تصله، حرصت على تربيته وإخوته الأربعة، والعناية بهم وتعليمهم منذ طفولتهم، وكانت ترى في المختار تعويضا ومكملا لمسيرتها العلمية، وكيف لا وهو ابن علامة وحفيد وابن سيدة “حقنت بالعلم منذ نعومة أظافرها.”
كانت تهفو إلى أن يروي المختار السوسي “منارة سوس” ظمأها، بعدما تكسر حلمها باستكمال تعليمها، فعملت جاهدة على تلقينه كل ما تعلمته على يد والدها، وأيضا على يد أستاذها سيدي أحمد بن عبد الله الإيجلالني المجاطي، الذي حكى للمختار السوسي أن تلميذته، يوم غادرت بيت والدها في اتجاه بيت زوجها، قبلت رأسه قبل أن تعتلي الحصان الذي حملها لبيت الزوجية، وأنها ركبت ولوحتها معها، كرمز بكونها لا تزال تتعلم، وكان والدها أخبر زوجها برغبتها الجامحة ، كما جاء على لسان ابنها في كتابه “المعسول”.
يروي المختار السوسي “منارة سوس” ذكريات عن أمه أوردها في كتابه قائلا: “أول ما أعلمه عن والدتي هذه أنها هي التي سمعت منها بادئ ذي بدء تمجيد العلم وأهله، وأكبر تلك الوجهة، وكان كلّ مناها أن تراني يوما ممن تطلعوا من تلك الثنية، وممن يداعبون الأقلام، ويناغون الدفاتر”.
كانت للا رقية الأدوزية تتطلع لأن يتبحر ابنها في العلوم، كما ساعدته بالدعاء متحرية أوقات الاستجابة لترى في ابنها أمنيتها التي حرمت منها، وهي التبحر الواسع في ميدان العلوم، ويحكي المختار السوسي في المعسول قائلا “في سحر يوم عاشوراء، أيقظتني يوما فناولتني كأسا مملوءة ماء، فقالت: إن هذا الماء ماء زمزم الذي هو لما شرب له، وهذا سحر يوم عظيم، وهو مظنة الاستجابة، فاجرع منه وانوي في قلبك أن يرزقك الله العلم الذي أتمناه لك دائما”.
بعد وفاة زوجها، رفضت رقية الأدوزي الزواج رغم صغر سنها، وأعرضت عن طلبات الزواج، بل اقترحت أن تخصص لها شقة من الدار لتنفرد بتعليم وتربية بأطفالها، تحلت بلباس الحداد لتكمل عمرها صابرة راضية، فأصبحت تختم القرآن كل أسبوع، وتفرح لرؤية ابنها البكر وهو منغمس في قراءة الكتب والمطالعة.
وفعلا لم يخب ظنها بانها البار، الذي جسد حلم والدته معلمة الدار والمرشدة والواعظة، أصبح الغبن رجلا علامة ومنارة سوس، وأشهر مؤرخ لتاريخ المغرب، ومقاوم للاستعمار، تتلمذ على يده أشهر العلماء والفقهاء…

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *