الرئيسية ارشيف سيدي إفني…الثعلب المتمرد الذي قاوم الإسبان

سيدي إفني…الثعلب المتمرد الذي قاوم الإسبان

كتبه كتب في 29 ديسمبر 2022 - 19:00

كانت أشعة الشمس البرتقالية المتسللة من بين السحب تضفي خيوطا ذهبية بأشعتها اللامعة على الشاطئ الممتد من لكزيرة إلى سيدي إفني، ثم يمنح الغروب للزائر شعورا بالراحة، وهو على مدخل قلب آيت باعمران”سيدي إفني”، التي تستقبل زوارها عند مدخلها بمجسمات حصانين شامخين شموخ ساكنتها وقبائلها التي وقفت ضد المستعمر، حيث وثارت في وجه الإسبان وثقفت فنون الحرب الطويلة الأمد حتى نعثت ب”الثعلب المتمرد”.

بعبور اليافطة التي تستقبل زوار هذه المدينة الهادئة الحالمة، القابعة بين الجبل والبحر، تلوح مبانيها البيضاء ذات النوافذ والأبواب الزرقاء التي أخذت طابعها من المعمار الإسباني، بدء من حي كولومينا أو ” لالة مريم “مرورا بوسط المدينة الذي يحكي تاريخ المجد الإسباني، والتي أطلقوا عليها اسم” سانتا كروز دي لمار بيكينيا أو “المدينة المقدسة ذات الشاطئ الصغير”.

سيدي إفني..غصة في حلق المستعمر

سيدي إفني.. وجهة لكل راغب في الهدوء والراحة، وقضاء وقت ممتع بين الجبل والبحر… مدينة حالمة هادئة، تشبه في طبيعتها مدينة شفشاون، يقصدها الأجانب سواء بالمخيم المتواجد عند مدخلها، أو بفنادقها المصنفة المطلة على البحر، بعد أن اكتسبت شهرة بفضل مؤهلاتها البحرية التي جعلت منها وجهة لهواة الرياضات المائية لاسيما القفز من الجبل بالمظلات الشراعية…

أخذت المدينة اسمها عن “صاحب القبة” سيدي علي أوشاطرو،  الذي أسس زاوية واستقر في ملتقى بين الوادي والبحر، يعرف بتجمع الماء “إفني”، فسمي بسيدي إفني عوضا عن علي، وعرفت بهذا الاسم في قبائل آيت باعمران.

توصف سيدي إفني “المدينة العصية” التي رفضت الانصياع خلال عشرات السنين للمستعمر، ونعتت قبائلها بثعلب الجبال المتمرد، الذي قاوم الإسبان، وألحق هزيمة بالقائد حيدة بن ميس المنهي الموالي للفرنسيين، بل أجهضت قبائل آيت بعمران محاولات الألمان والبرتغال اختراق المنطقة، قبل أن يحل الجنرال كاباس الاسباني بين ظهرانيهم ويوقع اتفاقية حماية في نفس الوقت الذي وقعها المولى عبد العزيز، إلا أنها عادت لتثور في وجه الإسبان وتحاصرهم في “الحرب المنسية” بعد أن توجست الخطر الكامن وراء إعلان الجنرال فرانكو عن قرار تجنيس الساكنة وتحويل المدينة إلى مقاطعة تابعة لمدريد، وتمكن المقاومون من إرغام المحتل على تسليم الأراضي الإفناوية للمغرب في 30 يونيو 1969.

 عبق التاريخ ينتشر على امتداد الأزقة

في جولة بأحياء وأزقة المدينة الحالمة، يستوقفك معمارها اللافت للأنظار، من خلال الأبواب الخشبية والأزقة وطريقة البناء والشكل الإيبيري المتميز، لاسيما في البنايات التي ما تزال تحافظ على شكلها الأصلي كالقنصلية الإسبانية “الباكدوريا”، السينما “أفينيدا”، المنارة البحرية، كنيسة سانتا كروز، الحدائق، السجن…

وتثير انتباه الزائر الأبواب الصغيرة لبعض المنازل وشكلها المتميز، والأزقة ” لاكايي” التي ما تزال بعضها تحمل أسماء اسبانية، فيما تم تغيير بعضها الآخر بأسماء عربية، بينما اختفت بنايات لتحل محلها أخرى كما هو الحال في حي للا مريم المعروف سابقا ب”كولومينا”.

يمكن للزائر أن يحظى بوجبات محلية في المقاهي المنتشرة على امتداد الشارع الرئيسي المؤدي إلى حي للامريم، فطبق “البيصارة” لا يكاد يختفي حتى ساعة متأخرة فحلت هذه الأكلة الشعبية لتعوض “الحريرة” كما يكتشف الزائر أن لنكهة السردين بإفني طعم خاص فالترمل داخل الميناء بقدر ما يعيق تنقل السفن يمنح للسردين لذة خاصة. كما يمكن اقتناء بعض المنتوجات المحلية كمستخلصات الصبار ولو أن الحشرة القرمزية قضت على مساحات شاسعة من الصبار.

إفني الرياضة أولا

لهواة الرياضة متنفس بالمنطقة، يكتشفه عشاق رياضة ركوب الأمواج والقفز بالطائرات الشراعية، حيث تعرف إقبالا على طول السنة، أجانب ومغاربة يهرعون لممارسة هوايتهم بين سيدي إفني ولكزيرة حيث الرياح الدائمة والأمواج الكبيرة، يحلو للبعض ممارسة هواية الصيد بالقصبة، خاصة من طرف بعض السياح القادمين على متن سياراتهم الكبيرة من أجل قضاء أسابيع داخل المخيم “الباركو”، والتنقل على متن دراجاتهم الهوائية بشكل يجعلهم يستمتعون بكل مؤهلات المنطقة النائمة بين البحر والجبل…

لقضاء وقت بالمدينة الصغيرة “سانتا كروز” يمكن مراقبة غروب الشمس من المقاهي المتواجدة على الشاطئ “الباركو”، أو تلك المتواجدة قرب بناية الباكدوريا، غير بعيد عن الفنادق التي تتواجد في وسط المدينة، كما يمكن التجوال بالساحة والحديقة قبالة مقر البلدية والباشوية….حيث يقع نصب كتبت عليه أسماء المقاومين الباعمرانيين، فالإسبان حرصوا على توحيد شكل الحدائق في المدن التي احتلوها بالمغرب والشبيهة بالحدائق الأندلسية سواء في العرائش وشفشاون…

بنايات صكوك ملكيتها باسم اسبانيا

رغم حصول المغرب على استقلال المدينة، إلا أن صك ملكية مجموعة من البنايات المغلقة والبالغ عددها 11، ما تزال في ملكية اسبانيا. فقد استعاد المغرب البناية المهجورة التي كانت مخصصة للسكرتارية العامة، وأخرى خصصت كمقر للبلدية، والكنيسة المطلة على البحر التي أصبحت مقرا للقاضي المقيم. هذه البناية شهدت في حقبة من الزمن توافد الاسبان والأجانب المتواجدين بالمدينة لإقامة صلواتهم، وحرص المهندسون الاسبان على اللمسة الإيبيرية سواء من خلال الزليج على المزين برسومات لتنانين ملكية، والثريات المعلقة…، فيما تم تحويل كنيسة أخرى بحي كولومينا ( حي للا مريم) ، إلى مسجد بعد ترميمه وتأهيله، أما الثكنة العسكرية فقد تم هدم ما بقي منها بعد أن أصبحت مرتعا للمتشردين.
أما البنايات 11فلم يتم ترميمها، خاصة وأن الاتفاقية الموقعة بين الحكومة المغربية وإسبانيا حول تسليم المدينة، بتاريخ 4 يناير 1969، نصت في البند الثاني من البروتوكول الملحق على أن الحكومة المغربية تقر بالملكية الكاملة للدولة الإسبانية للبنايات الإحدى عشرة، وبحق هذه الأخيرة في التصرف فيها كمنزل الجنرال الإسباني، و”الباكدوريا “حيث كان الموظفون والجنود يتقاضون رواتبهم…والتي تم إغلاق منافذها من أبواب ونوافذ حتى لا تصبح مقرا للمتشردين.
 
أول تيليفيريك في إفريقيا 
 
ركز الاسبان وعلى امتداد سنوات تواجدهم بالمنطقة، ركزوا على تشييد إدارات وبنايات لتوطيد أقدامهم بها، بل  حرصوا على تجهيز سيدي إفني بميناء اعتبر نقطة وصل مع أوربا، وشهد حركة تجارية مهمة، وحتى يتم إيصال البضائع إلى البر لكون الميناء يعرف ترملا يعيق حركة السفن، فقد قاموا ببناء أول “تيليفيريك” في إفريقيا منذ سنة 1962 ،  ينقل البضائع من  قعر السفن القادمة من إسبانيا نحو البحر،  واستغرق العمل على إنشائه 3 سنوات، مكن من نقل البضائع والمسافرين من السفن إلى اليابسة على متن العربات، لأن الشاطئ كان يعرف ترملا ويصعب معه رسوها، ولعل وجود بقايا سفينتين إسبانيتين تعطلتا عند بلوغها الميناء دليل على الحركة التجارية التي نشطت بالمدينة.
وما يزال التيليفيريك قائما في حاجة إلى الصيانة لاستغلاله من الناحية التاريخية والسياحية، بعد أن علاه الصدأ وبقيت الأبراج منتصبة دون كابلات، والعربات معلقة بصفائح حديدية صفراء، فيما تطالب فعاليات جمعوية باستغلاله من الناحية السياحية لكونه يوثق لمرحلة تاريخية واقتصادية عرفتها المدينة خلال التواجد الاسباني بها، بل وتلتمس إعادة الاعتبار للبنايات التاريخية وتصنيفها كتراث وطني.
أمينة المستاري
مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.