الرئيسية مجتمع ما زال الحال على ما هو عليه

ما زال الحال على ما هو عليه

كتبه كتب في 31 ديسمبر 2012 - 10:43

ما يزال البرد رجل السنة في المغرب لأنه يقتل أحسن، وما تزال أعالي البلاد تنكمش في عزلتها كلما هاجمها فصل الشتاء، وما يزال الفقر سيدا في الكثير من بوادي المغرب العميق، وما تزال الرشوة في اللغة التي يتكلمها الموظف في القرية البعيدة والمسؤول في المقاطعة الحضرية ورجل الإدارة والطبيب في المستشفى العمومي والأستاذ الجامعي الذي يزور الشواهد ويبيع أطروحته «البايخة» للطلبة في قسم النسخ.

وما يزال المرتشي يصول ويجول في هيئة رجل المال والأعمال أو الشرطي أو رجل الجمارك أو مقدم الحومة، وما تزال العصابات تجوب المدن والأزقة، والجريمة تتفاقم، والنساء يخرجن لممارسة أقدم مهنة في التاريخ.
وما يزال أطفال بلدي يباعون لحما طريا للأجنبي، وما زال الناس يذهبون إلى السجون بسبب أحكام جائرة، وما زال الوضع على ما هو عليه في التعليم وفي الصحة وفي الشغل، وما يزال معطلو الوطن يتظاهرون في الشارع ويطالبون بالحق في وظيفة، وما تزال الهراوات تحب أظهرهم النحيلة، وما يزال نفس الخطاب يتكرر حول الأزمة، وما يزال هناك يأس كبير، وما يزال الأمل يزور القلوب، وما نزال -نحن المغاربة- أكبر شعب في التاريخ وأكثره قدرة على التحمل والصبر.
وما يزال التلفزيون على حاله والبرامج الرديئة سيدة الموقف، وما نزال ندفع ضريبة لهذا الصندوق من أجل إغاظتنا أكثر، وما تزال حركة 20 فبراير تحلم بالعودة إلى الشارع.
والمدن ما تزال هي نفسها، مكب نفايات كبير، والمجالس البلدية ما تزال قادرة على سرقة المال العام وعلى الإفلات من المتابعات، وما تزال تقارير الافتحاصات لم تغادر المكاتب، والفساد الذي أعلنا الحرب عليه يتقوى ويخلق له أتباعا ومريدين ويتلوَّن مثل الحرباء.
والسياسيون ما زالوا هم أنفسهم، بالملامح ذاتها والخطب الرنانة التي يخرجونها مثل الحواة من أكمام أفواههم، وما تزال الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب مطلبا عز تحقيقه، وما تزال نفس البرامج تتكرر، والانتخابات تقدم الوعود ذاتها، والصناديق تفرخ نفس الوجوه، والأحزاب تترحل من معارضة إلى حكومة، والمعارضة ترفع العارضة، وما تزال الملاسنات سيدة الموقف في البرلمان، وما يزال النواب «يتناتفون» مثل نساء الدرب، وما تزال الأمازيغية بدون كتاب، وما يزال الأبيض المتوسط في مكانه، والمحيط الأطلسي في مكانه، وما يزال جبل توبقال أعلى قمة في المغرب، وما يزال الفريق الوطني يبحث عن نفسه، وما يزال الديربي بين الوداد والرجاء ينزل بالأحجار على الرؤوس، وما يزال «الفراشة» في الشارع، وما تزال الفتيات يحلمن بالذهاب إلى الخليج لجمع الثروة، وما يزال المغرب يشتري غواصات، وكريستوفر روس ما زال يبحث عن حل بين الأطراف، والحدودُ ما تزال مغلقة بين الجارين الشقيقين.
وما يزال الأمن يفكك خلايا الإرهاب، وما تزال عائلات السلفية تطالب بإخراج أبنائها من السجون. والناس ما يزالون يذهبون إلى الأسواق، والخضر ما تزال تباشر غزوتها في جيوب المواطنين.
والدار البيضاء، هي نفسها، ما تزال الزحمة إيقاعها اليومي، والترامواي ما يزال لعبة وفرجة، والأحزاب ترفع الشكوى نفسها، وتطالب الدولة بالابتعاد عن شؤونها، وأصدقاء الأمس يتنازعون حول إرث وهمي اسمه المشروعية، وأما المصداقية فقد تكبدت هذا العام أكبر الخسارات في بورصة القيم.
والورد ما يزال لغة صالحة للحب، والكوميساريات ما تزال متسخة كالعادة، والسجون يدخلها الحشيش، والقيادات تـُنسج على منوال واحد، وما يزال هناك من يحلم بإمكانية التغيير، وما يزال هناك يساريون وإسلاميون، وما يزال الفلاح المغربي ينتظر السماء، والحكومة ما تزال تقترض من البنوك الأجنبية، والبنك المركزي ما يزال «يضخ» النقود للأبناك الخاصة حتى لا يقف حمار البلاد في العقبة.
ورغم ذلك لست سوداويا ولا عدميا، أنا أحب بلادي، وأريد أن أراها مثل عداء كيني في المقدمة.
أنا متفائل جدا، وأؤكد أن الأرض ما تزال تدور، وهذا هو المهم.

حكيم عنكر

مشاركة