الحروب الداخلية الصغيرة والتافهة داخل الأحزاب التي اعتقدنا أنها ستتغير اعتمادا على كل ماوقع في الشارعين العربي والإسلامي منذ أن هلت علينا هذه الألفين وإحدى عشر المباركة. كل هذا وأكثر يقول لنا إن قرون الاستشعار عند الإخوة المتحدين علينا لم تعد قادرة على التقاط حساسية الظرف الذي نمر منه ولا خطورته, وأنهم مصرون على أن يلعبوا اللعبة مثلما لعبوها في السابق, دون أن يطرحوا السؤال الكبير اليوم: وماذا بعد الخامس والعشرين من هذا الشهر؟ ذلك أن أهم شيء اليوم يشغل فعلا بال المغاربة هو ما سيقع بعد يوم الانتخاب. لانتحدث هنا عن تشكيل الحكومة أو عدمها, ولا عن فوز الإسلاميين وصعود بنكيران أو العثماني إلى رئاسة الحكومة, ولا عن فوز الجي ويت, وتولي صلاح الدين مزوار قيادة ما سيأتي من أيام المغاربة, ولا عن كل هذا.
نتحدث عن هذه الروح التي تحسها ثقيلة في البلد كله, وهل ستختفي بفعل ما سيأتي من ممارسات؟ أم تراها تتكرس وتصبح أكثر ثقلا وتدفع البلد إلى ما هو أخطر من كل هذا النقاش؟ الذين يقولون إن علينا ألا نشغل البال من الآن بهذا النقاش, أناس يمتلكون قدرة لا قبل لنا بها على اعتناق الوهم وإن كان قاتلا. أما نحن فنجد أنفسنا ملزمين بالخوف وإبدائه إلى أن ترتفع كل الأسباب التي تدفعنا إليه, ونجد أنفسنا مع الخوف المشروع على البلد ومستقبله ملزمين بدق ناقوس الانتباه لا الخطر كل يوم إلى أن تسمعه جهة ما. لعلها ليست جهة الأحزاب, فهؤلاء يسمعون فقط مايروقهم, ويتصورون أن الجميع يستهدفهم وأن جهات ما يتم الدفع لها يوميا لكي تحارب العمل الحزبي وتسفهه, ناسين أن العمل الحزبي في البلد هو أصلا سفيه ولا يحتاج من يسفهه. لعلها أيضا ليست جهة من هندسوا الانتخابات السابقة للمغرب والمغاربة, لأننا بحاجة اليوم لأي شيء إلا لإعادة السيناريو المرعب الذي صنع سياسة البلد على امتداد السنوات السابقة, والذي أقنع الناس أن أصواتهم قد تصلح لأي شيء إلا لصناعة مشهد سياسي حقيقي يعكس ما يفكرون فيه ومايريدونه بالتدقيق. لعلها ايضا ليس جهة المواطنين من غير المعنيين بأي شيء, والذين يكترثون بكل شيء بعيد عنهم, وحين يأتون إلى الأشياء التي ستصنع حياتهم والتي سترهن مستقبل أبنائهم وأحفادهم يصمتون أو يهزون الكتف لا مبالاة وتعبيرا عن عدم الإيمان بأي شيء.
الجهة التي يمكن للكلام أن يذهب إليها اليوم هي جهة المؤمنين بالبلد, المقتنعين بأن الأمل لازال قائما في أن يكون المغرب هو البلد الوحيد في المنطقة كلها القادر على أن يعبر منطقة الاهتزازات هاته, دون الخسائر الأليمة التي نرى تعدادها اليوم في كل مكان حولنا. ترانا نتوهم ونحن نراهن على هذه الجهة؟ أم ترى الرهان عليها هو ماتبقى لنا فعلا في هاته الأيام؟