الرئيسية اراء ومواقف ما بعد 25 نونبر

ما بعد 25 نونبر

كتبه كتب في 12 نوفمبر 2011 - 21:03
ومع ذلك لافرار. علينا جميعا نسيان أمر قضبان اللحم المشوية, وطبق الكبد الملفوف في الشحم في توليفة ولا أفظع وحده شعبنا يستطيبها ولا يجد فيها أي إشكال على صحته, (يجب نسيان كل هذا) والعودة إلى الاهتمام بماسيقع من الآن إلى 25 من الشهر الجاري أي إلى يوم الاقتراع. نعترف أنه أمر صعب, فقد رأينا التحمس الكامل من طرف شعبنا لاشتراء كل أنواع الخراف الممكن تصور وجودها على سطح الأرض دو ن أي حملات تحسيسية أو تعبوية, وبالمقابل نرى التكاسل الكبير الذي يبديه أهلنا في الاهتمام ولو قليلا بهذا الموعد السياسي الهام لإحساسهم أن لا شيء سيتغير بعده وأن الأمور ستبقى على سيرها العادي إلى ماشاء الله. من وضع في أذهان ناسنا هذا الإحساس, وكرسه بهذه القوة الغريبة؟ في الحقيقة هم كثر وليسوا واحدا, وأمس أو أول أمس والناس تعرف أن عائلة حميد شباط كلها ستدخل البرلمان القادم منصورة بالأب والأم والإبن نوفل, كانت الناس تبحلق في بعضها البعض مرة وتقول “إيوا شفتي؟ ياك قلناها ليكم؟”.لا اعتراض إطلاقا على دخول عائلة عمدة فاس إلى القبة, بل لا اعتراض حتى لو أراد إدخال كل قبيلته إلى هناك, فالقانون يتيح ما هو أكثر من هذا بكثير. لكن الاعتراض هو على الروح العامة التي تخلقها مثل هذه الأشياء, والتي تؤكد للمغاربة أن البقاء في المنازل يوم التصويت خير من التحول إليها مما نحاول يوميا إقناع ناسنا بعكسه. شيء ما ليس على مايرام في كل الروح العامة المسيطرة على المكان والزمان الآن: مشهد القدامى وهم يستعدون للعودة لنفس المواقع. “الأحزاب التي” وهي تتحالف مع “الأحزاب التي” لكي تخلق لنا “التحالف الذي”. الوعود الكبرى التي أًصبحنا نسمعها من الآن بين من يقول إنه سيوظف مائتي ألف منا كل سنة, وبين من يقول إنه سيوظف الجميع في السنة الأولى لصعوده “وغادي يرتاح معا قبو”. التهديدات من طرف من يعتقدون أنفسهم الأوائل “من دابا” دون حاجة لأصواتنا بأن الانتخابات ستكون مزورة إذا لم يفوزوا.

الحروب الداخلية الصغيرة والتافهة داخل الأحزاب التي اعتقدنا أنها ستتغير اعتمادا على كل ماوقع في الشارعين العربي والإسلامي منذ أن هلت علينا هذه الألفين وإحدى عشر المباركة. كل هذا وأكثر يقول لنا إن قرون الاستشعار عند الإخوة المتحدين علينا لم تعد قادرة على التقاط حساسية الظرف الذي نمر منه ولا خطورته, وأنهم مصرون على أن يلعبوا اللعبة مثلما لعبوها في السابق, دون أن يطرحوا السؤال الكبير اليوم: وماذا بعد الخامس والعشرين من هذا الشهر؟ ذلك أن أهم شيء اليوم يشغل فعلا بال المغاربة هو ما سيقع بعد يوم الانتخاب. لانتحدث هنا عن تشكيل الحكومة أو عدمها, ولا عن فوز الإسلاميين وصعود بنكيران أو العثماني إلى رئاسة الحكومة, ولا عن فوز الجي ويت, وتولي صلاح الدين مزوار قيادة ما سيأتي من أيام المغاربة, ولا عن كل هذا.

نتحدث عن هذه الروح التي تحسها ثقيلة في البلد كله, وهل ستختفي بفعل ما سيأتي من ممارسات؟ أم تراها تتكرس وتصبح أكثر ثقلا وتدفع البلد إلى ما هو أخطر من كل هذا النقاش؟ الذين يقولون إن علينا ألا نشغل البال من الآن بهذا النقاش, أناس يمتلكون قدرة لا قبل لنا بها على اعتناق الوهم وإن كان قاتلا. أما نحن فنجد أنفسنا ملزمين بالخوف وإبدائه إلى أن ترتفع كل الأسباب التي تدفعنا إليه, ونجد أنفسنا مع الخوف المشروع على البلد ومستقبله ملزمين بدق ناقوس الانتباه لا الخطر كل يوم إلى أن تسمعه جهة ما. لعلها ليست جهة الأحزاب, فهؤلاء يسمعون فقط مايروقهم, ويتصورون أن الجميع يستهدفهم وأن جهات ما يتم الدفع لها يوميا لكي تحارب العمل الحزبي وتسفهه, ناسين أن العمل الحزبي في البلد هو أصلا سفيه ولا يحتاج من يسفهه. لعلها أيضا ليست جهة من هندسوا الانتخابات السابقة للمغرب والمغاربة, لأننا بحاجة اليوم لأي شيء إلا لإعادة السيناريو المرعب الذي صنع سياسة البلد على امتداد السنوات السابقة, والذي أقنع الناس أن أصواتهم قد تصلح لأي شيء إلا لصناعة مشهد سياسي حقيقي يعكس ما يفكرون فيه ومايريدونه بالتدقيق. لعلها ايضا ليس جهة المواطنين من غير المعنيين بأي شيء, والذين يكترثون بكل شيء بعيد عنهم, وحين يأتون إلى الأشياء التي ستصنع حياتهم والتي سترهن مستقبل أبنائهم وأحفادهم يصمتون أو يهزون الكتف لا مبالاة وتعبيرا عن عدم الإيمان بأي شيء.

الجهة التي يمكن للكلام أن يذهب إليها اليوم هي جهة المؤمنين بالبلد, المقتنعين بأن الأمل لازال قائما في أن يكون المغرب هو البلد الوحيد في المنطقة كلها القادر على أن يعبر منطقة الاهتزازات هاته, دون الخسائر الأليمة التي نرى تعدادها اليوم في كل مكان حولنا. ترانا نتوهم ونحن نراهن على هذه الجهة؟ أم ترى الرهان عليها هو ماتبقى لنا فعلا في هاته الأيام؟

مشاركة