الرئيسية مجتمع المساكنة والمسيار والفاتحة: المعاشرة بصيغة أخرى!

المساكنة والمسيار والفاتحة: المعاشرة بصيغة أخرى!

كتبه كتب في 20 ديسمبر 2012 - 13:16

نساء ورجال يجتمعون تحت سقف واحد. تطول بينهم العشرة أو تقصر، لكنهم لا يحظون بصفة المتزوجين وفقا لما تنص عليه بنود مدونة الأسرة. باسم العرف، يتزوجون بالفاتحة، أو الشهود، ليعلنهم المقربون زوجا وزوجة، غير أن القانون يتنكر لأبنائهم مسائلا عن نوعية العلاقة التي تربطهم في ظل غياب وثيقة الزواج. بينما يسعى آخرون “لعرض” أنفسهم ضمن طلبات “زواج” المسيار الذي لا يحظى بصفة شرعية داخل المجتمع المغربي. في حين يدخل آخرون في تجربة “مساكنة” قد تستمر لسنوات في عملية محاكاة لتجربة زواج تجمع أجانب بمغربيات، في علاقة يضعها القانون في خانة الفساد، بينما يعتبرها المعنيون بالأمر حرية شخصية.

«يمكنك الاستماع لهذه السيدة أولا» لم يكن المقصود من العبارة نوعا من الإيثار، بل هي رغبة في الحصول على حيز من الخصوصية التي تبحث عنها السيدة رفقة سيدات يملكن من القضايا “المحرجة” ما يدفع للفضول، ما تراها قصة هذه المرأة التي تنتظر دورها الأخير في إحدى جلسات الاستماع.

زوجان وامرأة واحدة !!

«بغيت نطلق باش نقدر نسجل ولادي في الحالة المدنية» عبارة دفعت المستمعة للاستفسار، «آش جاب الطلاق لتسجال ولادك في الحالة المدنية». استنفر التساؤل ذاكرة السيدة لتتحدث عن قصتها التي بدأت منذ ما يزيد عن عشر سنوات عندما ارتبطت برجل قرر الاختفاء بعد أن رزقا بابن. حاولت المرأة استعادة زوجها الذي لم تكن أسرته تعلم بمكان وجوده. توالت الشهور لتصبح سنوات من الغياب الغير مبرر للزوج. قررت السيدة طلب الطلاق «مشيت مللي كانت المحكمة في الحبوس، ولكن مابغاوش يطلقوني».
ولأنهم لم يرغبوا في تطليقها، قررت “الزوجة المعلقة” معالجة الأمور على طريقتها عندما تزوجت من أحد معارفها، لتصبح امرأة بزوجين. صورة غير عادية “لتعدد” غير مشروع ، «لا يربط بيننا عقد، لكننا قمنا بكتابة ورقة يقر فيها بعلاقتنا، كما أن أقاربي على علم بالأمر» تقول السيدة التي ستجمعها الصدفة بعد خمس سنوات بالزوج الهارب داخل أحد أحياء الدار البيضاء، «لقد انقضضت عليه بمجرد أن رأيته، وطلبت منه الطلاق.. وعدني أنه سيوافيني في اليوم الموالي أمام المحكمة من أجل اتمام مراسيم الطلاق، لكنه اختفى مرة أخرى، لأجد نفسي في دوامة البحث عنه من جديد…» تقول الزوجة التي تقوم بزيارات مباغتة لبيت أسرته، ومعارفه، لكنها لم تتمكن من إيجاده.
رزقت السيدة بطفلين من الزوج الثاني، بينما اضطرت لإيداع ابنها من الزوج الأول داخل خيرية، «لأن زوجي لا يتقبل وجوده، وأنا أضعف من أن أدافع عن ابني لأنني في مركز ضعف بسبب غياب أي عقد رسمي يربط بيني وبين زوجي، كما أتخوف من أن يتملص من مسؤولية أبنائه مستقبلا» تقول الزوجة التي وجدت أنها تورطت في مشاكل أخرى، بعد أن اعتقدت أن “زواجها”الثاني سيخفف عنها من تبعات زيجتها الأولى.
إحساس السيدة بالذنب اتجاه ابنائها، جعلها تطرق باب المحكمة من جديد من أجل الحصول على الطلاق من زوج لم تقنع سنوات غيابه العشر أهل القانون ب”تمزيق صك عبوديتها” للزوج الهارب. «لقد طرقت باب إحدى المحاميات وأخبرتني بإمكانية الطلاق.. ولكن قالت لي حطي 50ألف ريال فوق الطابلة ونجيب ليك ورقة الطلاق». ولأن السيدة لا تملك المبلغ “الضخم”، على اعتبارها ربة بيت، و”زوجة” لرجل بدون عمل، ستبقى ورقة الطلاق بعيدة المنال، لتستشعر السيدة أنها زوجة من الدرجة الثانية، « حيت معنديش العقد باش ندافع على راسي .. مللي كيعاملني خايب، كنهز ولادي ونمشي لدار والديا.. في الأخير كنرجع حيث أنا وولادي اللي خاسرين».

«واش هاد الشي غادي يكون فابور..»

«ومالي..! هادا راه رزق من عند سيدي ربي.. خاص غير بنادم يساعف شوية» تقول سيدة بتثاقل وقد ارتسمت على ملامحها بلادة الأولين والآخرين. ببرودة أعصاب تحيط نفسها بأربعة أبناء، بينما يتمرغ الخامس مع كرته في التراب. تشيح بوجهها عن إحدى الجمعويات التي وجهت لها اللوم بسبب تماديها في الإنجاب، دون مراعاة لحق أطفالها في الحصول على حالة مدنية، بسبب زواجها بالفاتحة. حاولت الجمعوية إرشادها إلى أن الأمر لم يعد صعبا، وأن الدولة قد جندت أناسا، وقامت بحملات من أجل توثيق عقود الزواج،و..و..و.. كانت العبارات ترتطم بملامح امرأة لا تعنيها جهود الدولة، بقدر ما ينصب اهتمامها إن كانت العملية ستتم وفقا لجهود زوجها، «واش هاد الشي غادي يكون فابور، حيت راجلي جيه حتا لفلوس وينكر والديه ماشي غير ولادو»، تسترسل المرأة في لامبالاة غريبة.
تتكرر الكثير من حالات اللامبالاة المشابهة، دون أن يدرك أطرافها أن المتضرر الأول من هذه الزيجات الغير موثقة هم الأبناء بالدرجة الأولى، « لأن زواج الفاتحة ينتج أبناءا لا علم للدولة المغربية بهم إداريا، لأن واقعة الزواج لم تبلغ لعلم الإدارة، ولم توثق في السجلات الخاصة بالدولة، وسجلات الحالة المدنية، وسجلات عقود ازدياد الأطراف، لذا نجد أنفسنا أمام حالة يتم فيها التلاعب بمصير الأبناء، لأن الزواج ليس لقاء بين شخصين فقط، بل هو عبارة عن نسب، واسم عائلي، مسار دراسي، بطاقة تعريف وطنية، جواز سفر… بمعنى مجموعة من الوثائق المرتبطة بعقد الزواج.» يقول جمال أبو الريش المحامي بهيئة الدار البيضاء.

إقرار على الورق

أمينة شابة في العشرينات من عمرها، من مواليد الدار البيضاء. تعتقد أن زواجها “غير شرعي” لأنها لا تمتلك عقد زواج على الرغم من توفرها على ما يشبه الإقرار بخط زوجها، « لقد تمت خطبتي بطريقة عادية، وكان زواجي في حفل ضيق حضرته أسرتي، كما أنني حصلت على صداق، وأمتلك صورا ليوم عرسي.. لكن زوجي يتحجج بكثرة سفره ومشاغله لذا لم يقم بتوثيق العقد مما اضطرني إلى مطالبته بكتابة ورقة يقر فيها بزواجنا » تقول أمينة التي بدأت تتخوف من وجود سبب آخر يدفع زوجها للتهرب، إضافة إلى إحساسها ب”لامشروعية”زواجها.
يرى أبو الريش أن مدونة الأسرة تبدي نوعا من التساهل اتجاه الحالات المشابهة لقصة أمينة، «هناك حالات خاصة يتم فيها إبرام الزواج بين شخصين لكن تتعثر عملية التوثيق، على الرغم من توفر شروط الزواج من ايجاب وقبول، شهود، صداق، وجميع الشروط الشكلية المنصوص عليها من أجل ابرام عقد الزواج، لكن التوثيق يتعذر لظروف قاهرة، في هذه الحالة يمكن للقاضي أن يشهد على ثبوت الزوجية كنوع من التيسير والحماية لحق الأم والأبناء بعد التأكد من أن الزواج استوفى الشروط المشار لها داخل المدونة، وهو ما يسمح باستخراج دفتر الحالة المدنية من أجل تسجيل الأبناء لتصبح حياتهم طبيعية، وحقوقهم الأساسية محفوظة.

المسيار..هروب من الحرام!

الفاتحة ضمن زواج تقليدي ليست الصورة الوحيدة لحالات الزواج “الغير مهيكل”، خصوصا أمام إكراهات الانفتاح التي تطوي المسافات أمام شاشة الحاسوب. المسيار لم يكن يوما “منتجا” مغربيا وفقا لمعايير العرف، أما المعايير القانونية فهي جازمة، «لا يوجد ضمن مدونة الأسرة شيء اسمه المسيار، لأن الزواج واحد هو الزواج الشرعي المعترف به من طرف مدونة الأسرة، والمأخوذ من الفقه المالكي، والذي تشترط فيه مجموعة من الشروط، كالإيجاب والقبول، الصداق وباقي الشروط الشكلية المنصوص عليها قانونا» يقول المحامي جمال أبو الريش.
بعيدا عن العرف، وبعيدا عن القانون، أصبح الخيار مطروحا وفقا لمعايير العالم الرقمي الذي يحمل العدوى بغض النظر عن توصيفها، إيجابية كانت أو سلبية. بحث بسيط بين صفحات الأنترنيت، يكشف أن المسيار ليس بالخيار المرفوض، على الأقل بالنسبة ل 521 مغربي وضعوا طلباتهم ضمن لائحة أحد المواقع التي تروج لزواج المسيار. 165 طلب يخص الذكور، بينما كانت حصة الإيناث 356 طلبا. قد يبدو العدد خجولا عند مقارنته مع طلبات ينحدر أصحابها من البيئة الخليجية المصدرة للظاهرة، فمن السعودية على سبيل المثال سجل ما يفوق 17 ألف سعودي طلباتهم بخصوص زواج المسيار على نفس الموقع، بينما وضعت 828 سعودية طلباتهن على الموقع.
المثير في الأمر أن الموقع يضع بعض الخطوط العريضة التي تتحدث عن الحالات التي يلجؤ فيها الرجل لهذه الزواج، وهو ما يغيب عن الكثير من المغربيات اللواتي وضعن طلباتهن حيث يتحدثن عن رغبتهن في الاستقرار والبحث عن زوج حنون…صفات تتنافى والشروط التي صيغ منها اسم زواج المسيار، على اعتبار الزوج
“يسير إلى زوجته في أوقات متفرقة ولا يستقر عندها”، وفقا للعبارة المدرجة في الموقع. هي إذا مجرد أوقات مسروقة لا تحيل على الاستقرار، بقدر ارتباطها بظروف خاصة بالرجل الذي ترفض زوجته التعدد، أو الرجل المنقب على “المتعة الحلال” كما هو مدرج داخل الموقع، إضافة إلى الرجال المتهربين من تكاليف ومسؤولية الزواج، لكون المرأة تتخلى عن حقها في النفقة، و توفير بيت الزوجية، ومبيت الزوج وفقا لبنود “زواج “المسيار.

مساكنة أم فساد ؟

قد يكون المسيار شبه زواج بالنسبة للبعض، لكنه وفقا للأهداف المسطرة له، نوع من الهروب من الحرام إلى حلال يضم شبهة الوقوع في أضرار جانبية، من قبيل احساس المرأة أنها زوجة درجة ثانية، في الوقت الذي يتخفف فيه الرجل من أي عبء معنوي، أو مادي يمتد لما بعد الزواج.
بعيدا عن التبعات الثقيلة التي تخلفها زيجات تفتقد لأحد شروط الزواج الصحيح، يقرر البعض عيش حياة الأزواج بكل تفاصيلها، بعيدا عن الرباط المقدس. الفكرة أشبه بالمساكنة كما يصطلح عليها المنفتحون على تجارب مغايرة لما هو رائج داخل المجتمع المغربي المسيج بقوانين تجزم مرة أخرى في مثل هذه العلاقات، «القانون المغربي لا يتوفر على شيء اسمه المساكنة، لأن كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة خارج إطار الزواج، تعد فسادا، أو خيانة زوجية إذا كان أحد الأطراف متزوجا، أو إعداد منزل للدعارة إذا كان الشخص متعودا على مساكنة أكثر من واحدة » يقول المحامي أبو الريش الذي يرى أن مثل هذه العلاقات لا يمكن أن توضع في نفس الخانة مع الزواج الغير الموثق، الذي يعد زواجا مكتمل الأطراف على عكس العلاقة التي تجمع بين طرفين تحت مسمى الصداقة دون اتفاق على انشاء أسرة على وجه الدوام، وهذا هو المغزى من الزواج.
بعيدا عن المغزى، تتلون الممارسات بين المقبول والمرفوض عرفا وقانونا، ليقبل بعض المغاربة على تطبيق فكرة المساكنة في إطار”شراكة غير رسمية” تجمع بين مقيمين أجانب بالمغرب وبين فتيات مغربيات يحملن حقائبهن، ويقررن العيش بعيدا عن أسرهن بدعوى العمل. غير أن النظرة التي يتبناها الشريك الفرنسي عن هذه العلاقة تختلف عن الطريقة التي يتبناها الطرف المغربي، على اعتبار القانون الفرنسي يتقبل فكرة المساكنة. يكفي القول أن رئيس الجمهورية اقتحم بوابة الإليزيه صحبة رفيقته دون حاجة للإدلاء بعقد يثبت الصفة التي تجمع بين الطرفين.
صفة “المساكنة” قد تلتبس على كثير ممن اعتاد اجتماع رجل وامرأة تحت سقف واحد، وبصفة محددة لا تحيد عن رابطة الزوجية. «قضيت في خدمتهم أربعة سنوات، وقد كنت أعتقد أنهما متزوجين، لكنني صدمت عندما وجدتها تستعد للزواج من أجنبي آخر» تقول فاطيم التي اكتشفت أن الشابة التي كانت تعاملها بلطف خلال السنوات الأربع، لم تكن زوجة الفرنسي السخي، على الرغم من اصطحابه لها في جميع المناسبات، وعلى الرغم استقبال”الزوجين” للكثير من الأصدقاء المتزوجين، وعلى الرغم من أن «صورهما معا كانت تملؤ المكان، كما أن والدته كانت تبدو مبتهجة أثناء لقائها كلما زارت المغرب» تقول فاطيم التي كررت أكثر من مرة قصة الصور المعلقة على جدران المنزل، وكأنها كانت بمثابة الحجة على متانة العلاقة التي تربط بين “الزوجين”…
متانة العلاقة تضمن استمراريتها في بقاء الأمر بعيدا عن أعين المحاسبين باسم القانون المجرم لمثل هذه العلاقات، وإن كانت تتم بالتراضي بين الطرفين، وهو ما يستنفر جهود الحقوقيين الذين يرون في الأمر نوعا من التضييق على الحريات الفردية. وقد كانت الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرصة لتجديد الدعوة من أجل إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي ينص على معاقبة طرفين تجمع بينهما علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج…

سكينة بنزين

مشاركة