الرئيسية عدالة تارودانت : قرص مدمج يكشف عصابة شهادة الزور

تارودانت : قرص مدمج يكشف عصابة شهادة الزور

كتبه كتب في 20 ديسمبر 2012 - 11:45

لم تنته الحرب النسائية بقضاء المشتكية زهاء شهر واحد تحت الحراسة النظرية وراء القضبان بالسجن الفلاحي بتارودانت،   بالإفراج عنها وبراءتها من تهمة النصب والاحتيال، والتي من خلالها تم الزج بها بالسجن في يوم زفاف ابنتها البكر، بل العكس من ذلك فبراءتها فتحت أمامها المجال لتوضح، أن “في السجون مظلومين “، ولتكشف المشتكية كذلك من خلال قصتها مع سيدةج أخرى أن تفاصيل محاكمات عديدة تشوبها بعض الاختلالات.

تفاصيل القضية

قصتها انطلقت من إفادات لشهود زور تجاهلوا المبادئ الإنسانية، وتجندوا لاحتراف تحريف مسار العديد من الملفات. هدف تدعيم مصالح متقاضين على حساب آخرين. وغايتهم عائدات مالية يتلقونها مقابل ما يدلون به من شهادات تحرف الحقيقة.

كانت القصة انطلقت بالإدلاء بشهادتهم التي أكدوها، وهم يملؤون بطونهم بما لذ وطاب من خضر “الكسكس” المتنوعة، وبأنواع شتى من الفواكه. ولم تقف حدود قصفهم بشهادات الزور عند طبقة معينة، وإنما شملت أصنافا شتى من المتقاضين والمتخاصمين، كما تم توثيق تلك الاعترافات حول المأدبة »صوتا وصورة» في القرص المدمج الذي أنقذ “فتيحة” من ورطتها وأعاد إليها البسمة ولو مؤقتا. كل ذلك رغم أنها لم تشارك فلذة كبدها فرحتها وهي تدخل القفص الذهبي من بابه الواسع، ناهيك ما خلف القرص المدمج من ردود أفعال متباينة وسط مجموعة من المحامين، الذين لم يجدوا بدا من استنكار هذه التصرفات التي اعتبروها «فعلا إجراميا» مس بالمقدسات وضرب مهنة المحاماة في الصميم. فقد حملت براءة فتيحة عدة دلالات.

فصول القضية بدأت في أولى مراحلها بانتهاء العلاقة الحميمية بين “زهرة و فتيحة”، بإقدام الأولى على اتهام الطرف الثاني عن طريق شكاية موضوعها النصب والاحتيال، تقرر على إثرها تنفيذ تعليمات النيابة العامة بابتدائية تارودانت. ونظرا لعدم وجود الإثبات وغياب الأدلة فيما صرحت بها المشتكية، تم حفظ القضية.

جعل القرار المتخذ المشتكية في حيرة من أمرها، وبعد مرور فترة من الزمن، عادت المشتكية بوضع طلب إخراج الملف من الحفظ مدلية بذلك بأسماء شهود إثبات في القضية، ما دفع النيابة العامة بالمحكمة ذاتها بإعطاء الأمر للضابطة

القضائية بالاستماع إلى الشهود المدلى بأسمائهم في الطلب. أسفر البحث عن اعتراف المصرحين بتهمة النصب والاحتيال التي تعرضت لها زهرة على يد فتيحة. وتقرر إثر تلك التصريحات وضع المتهمة آنذاك في شخص المشتكية حاليا، تحت الحراسة، حيث قضت ما يقارب شهرا بعيدة عن أهلها ولم تشارك ابنتها حفلة الزفاف. وكانت هيأة المحكمة في كل مرة تقرر تأجيل مناقشة الملف إلى حين حضور الشهود. لكن حضورهم كان بمثابة حلم لم يتحقق، الشيء الذي كان معه، بعد تأجيل القضية عدة جلسات، القول بعدم مؤاخذة الظنينة “فتيحة” بالمنسوب إليها والحكم ببراءتها.

براءة “فتيحة” من تهمة النصب والاحتيال والمبلغ فاق عشرة ملايين سنتيم، لم تكن وليدة الصدفة، بل انتزعها زوج “فتيحة” من أفواه شهود الزور الذين قضوا عقوبة على ما أقدموا عليه فيما بعد. تحرك زوج “فتيحة” في الاتجاه الصحيح، بحثا عن مخرج لإثبات براءة زوجته من تهمة النصب والاحتيال. وهو على حاله فوجئ برئيس “العصابة المختصة” في شهادة الزور، التي كانت وراء الزج بزوجته بالسجن الفلاحي بتارودانت، يعترض طريقه ويخبره أنه »يتوفر على مفتاح السجن»، وأنه »قادر على تحويل الاعتقال إلى الحرية، شريطة دفع مبلغ مالي لإبطال القضية».. لأنهم بكل بساطة «شهود زور»، يقدمون خدماتهم لمن يدفع مقابلا للخدمة التي يقدمونها.

كان العرض مناسبة سانحة للزوج للكشف عن المؤامرة التي فرقت بينه وبين شريكة حياته لمدة شهر تقريبا. وبتنسيق مع دفاع زوجته استطاع الزوج المتلهف للبرهنة على براءة حليلته، استقطاب الشهود إلى وليمة. على “كصعة ديال الكسكس” اجتمع الأحباء في شخص الشاهدين في الملف، مرفوقين برأس “الحربة” الملقب بـ “المعلم”، والعقل المدبر للقاء من أجل الإيقاع بخصمه الملقب بـ “الفقيه” المتورط هو الآخر في القضية، وذلك لكونه صاحب الخطة التي تقرر على إثرها إخراج الملف من الحفظ وإحضار الشهود.

دار حوار حول مائدة الأكل بين الزوج وشهود الزور، كما يبين القرص المدمج، أوضحت تفاصيله أن عصابة الإدلاء بالشهادة مقابل المال، كان لها الدور الفعال في الزج بعدد من أبرياء إلى داخل دهاليز السجون، سواء بتارودانت أو بأيت ملول، وذلك اعتمادا على خططها “الجهنمية” في خدمة جهة على حساب أخرى. وعلى مائدة الطعام حيث وضعت قصعة الكسكس و”الدلاح” وكؤوس الشاي والحلوى، انطلق رئيس الشبكة في سرد تفاصيل الاعتقال والطريقة التي اعتمدتها المشتكية للإيقاع بالمتهمة، مشيرا في أول تصريحاته على أنه في بداية الأمر لم يكن على علم بفصول القضية، لكنه بعد البحث والتقصي، تعرف على أبطال الملف، خاصة الشهود الذي أدلوا بشهادة الزور والتي قضت على كل آمال المتهمة في الظفر بالحرية. شهادة اعتمدتها المشتكية آنذاك في إخراج الملف من الحفظ.

أشار أحد الشهود أثناء المأدبة إلى أنه تعرف على الضحية الجديدة للشبكة بواسطة إحدى العرافات بحي درب حدة وسط المدينة، ليجد نفسه في آخر المطاف في موقف لا يحسد عليه، خاصة أن المتهمة تعتبر زوجة أحد أصدقائه، ليقوم “لمعلم” من أجل إنقاذ ماء الوجه، باعتراض سبيل الزوج الذي أوصلت شهادة الزور زوجته إلى السجن، على مستوى »ساحة العلويين« ـ أسراك ـ حيث دخل الاثنان في حوار، موضحا له أنه بإمكانه مساعدته في محنته، شريطة إمداده بمبالغ مالية ستقدم رشوة

إلى جهة معينة، وأنه بمقدوره إجبار شهود على التراجع عن شهادتهم، مؤكدا في تصريحاته كذلك أنه »يقوم بواجبه أحسن قيام»، وذلك بـ «بقائه داخل قاعة الجلسات لمتابعة أطوارها المحاكمة والاستماع إلى النطق بالحكم بـ “البراعة ” حسب تعبيره، هو الذي كان يقصد «البراءة»، ليفسح المجال لـ “المعلم ” بعد ذلك لباقي أفراد الشبكة الذين أكدوا في سرد باقي تفاصيل القضية أن المتهمة التي أدلت بشهادتها أمام المحكمة، تسلمت من المشتكية مبلغ 5000 درهم كرشوة لأداء مهمتها، كما أكدوا جميعا أن العملية كانت مؤامرة كيدية قامت بنسج خيوطها المشتكية بتنسيق مع شخص آخر يدعى “الفقيه”، مشيرين

تصريحاتهم أن المشتكية بعد أن تم حفظ القضية في بداية الأمر بسبب عدم وجود الأدلة الكافية لوقوع عملية النصب والاحتيال، استعانت بـ “الفقيه” شخصيا مقابل مبلغ مالي وصل إلى 2 مليون سنتيم. أخذه المعني بالأمر من المشتكية، وذلك على أساس البحث عن شهود عيان. مبلغ كهذا أسال لعاب “الفقيه” في انتظار المزيد، وبالفعل تأتى له ذلك.

في أول لقاء له مع أفراد الشبكة، تمكن “الفقيه” من استقطاب شهود في القضية تحولوا إلى شهود نفي مرفوقين بزعيمهم الملقب ب “لمعلم”، حيث ضرب الجميع موعدا في منزل المشتكية واتفقوا على عدم حضورهم أطوار الجلسات للإدلاء بشهاداتهم الأولى، مع غيابهم الكلي عن المدينة في انتظار صدور الحكم في حق الضحية. وكما بين الشريط المصور، فقد أكد الشهود عدم معرفتهم بالمتهمة، وأن شهادتهم كانت مقابل مبالغ مالية ستصلهم من المشتكية على يد “الفقيه”، وأن إقدامهم على التراجع على الشهادة لفائدة المشتكية جاء نتيجة تعرضهم لعملية نصب مماثلة من طرف “الفقيه”، مؤكدين أنهم لم يتوصلوا بمستحقاتهم عن الشهادة المدلى بها. أما “رأس الحربة” والزعيم الملقب في الشريط بـ “المعلم ” فقد أكد في العديد من المناسبات أنه قادر على تحويل مجرى المحاكمات كيفما كانت نوعيتها، وأن له دراية بالعديد من الحيل والطرق الملتوية التي قد تعصف بعدوه كيفما كانت مرتبته وتزج به داخل السجن. ولتأكيد ما صرح به، أتى بقصة أفاد من خلالها أنه سبق له أن زج بشخص داخل السجن بحيل كيدية دبر فصولها بتنسيق مع زوجة الضحية وقضى على إثرها المعني في النازلة عقوبة حبسية وصلت إلى ثلاثة أشهر، مضيفا أنه جاد في مساعدته للمتهمة شريطة دفع مبلغ 2 ملايين سنتيم و2500 درهم لإيصاله إلى الجهة التي ستقف بجانبه، كما حثه على دفع ما تبقى بذمته للشاهدين من أجل إبعادهما عن الإدلاء بشهادتهما أمام المحكمة. من جهته، أشار الشاهد الثاني في تدخله إلى أنه كان بإمكان الزوج أن ينقذ حياة زوجته من الاعتقال ومتابعتها في حالة سراح مؤقت، وذلك عن طريق عرض ملفها الصحي، ليتحول الحديث هذه المرة عن عديد من الأسماء التي تقوم بالنصب والاحتيال على المتقاضين، ولم يسلم دفاع المتهمة من السب والقذف ووصفه بأبشع الأوصاف والنعوت.

وبعد غياب الشهود عن الجلسة الأخيرة، كما تم الاتفاق على ذلك سابقا، وأثناء مناقشة الملف ومداولته، قضت هيأة الغرفة التلبسية بعدم مؤاخذة الظنينة من أجل المنسوب إليها والحكم ببراءتها.

من ظنينة إلى مشتكية

بعد مغادرتها السجن الفلاحي وخضوعها لفترة نقاهة، خاصة أنها تعاني من مرض القلب، تحولت “فتيحة” من متهمة إلى مشتكية. وبحثا عن براءتها كاملة، سارعت بدورها إلى وضع شكاية في موضوع الإدلاء بشهادة الزور ضد المتورطين وعددهم أربعة شهود. الشكاية توجت بإيقافهم على فترات، لتتم محاكمتهم في المنسوب إليهم ابتدائيا ثم استئنافيا، قضوا على إثرها عقوبات حبسية.

فضح المؤامرة

يتبين من حيثيات الواقعة ومناقشة الملف، أن الضحية تقدمت لدى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بتارودانت، منذ مدة لم يمض عليها التقادم الجنحي، بشكاية ضد المتهمة زهرة في موضوع الوشاية الكاذبة، تقرر على إثرها وبعد الانتهاء من فصول البحث التمهيدي والاستنطاق، متابعة المتهمة في حالة اعتقال طبقا للفصل 445 من القانون الجنائي، وعند الاستماع إلى المشتكية التي كانت مؤازرة بدفاعها، أفادت هذه الأخيرة، أن المتهمة سبق لها أن تقدمت بشكاية ضدها تتهمها فيها كونها نصبت عليها في مبلغ مالي قدره 11 مليون سنتيم على شكل دفعات، وذلك قصد التوسط في نزاعها القضائي.

النيابة العامة

بعد تصريحات المتهمة، أعطيت الكلمة لممثل النيابة العامة، الذي أكد في مرافعته على تطبيق القانون في حق الظنينة طبقا لفصول المتابعة، مع تشديد العقوبة في حقها حتى تكون عبرة لمن سواها، مؤكدا على أن إنكارها للتهمة المنسوبة إليه، المراد بها التنصل من التهمة وتضليل العدالة.

حكم جديد

بعد الشهود، جاء الدور على المشتكية، التي تحولت بدورها على إثر شكاية في موضوع الوشاية الكاذبة إلى متهمة، وتبعا لمقولة “باش تقتل باش تموت”، ولجت “زهرة” السجن لتقبع مكان “فتيحة “. أما المدة المحكوم عليها بها فهي سنة حبسا نافذا وغرامة مالية وتعويض مدني لفائدة المطالبة قدره عشرون ألف درهم.

مشاركة