لعلها تتوقف

كتبه كتب في 5 مارس 2022 - 15:10

بقلم: عبير الشارف

أخبروا حروب العالم أن تتوقف، إذ ما إن تقرع طبولها حتى تتخذ القنابل لسانا و يتخذ الرصاص لغة حوار، فتتحول كل الأماكن رويدا رويدا إلى ما يشبه الجحيم، ثم لا تلبت نارها أن تشب في أعماق كل من فيها كالهشيم، فالحروب تدمر الكل و كل شيء. لينقلب بين ليلة و ضحاها العالم على عقبيه، و يصير كل من يخوضها خاسر لا محالة، تائها في سباق من يفقد أكثر، و يصرخ أكثر و يهدم بلده و تشرد شعوبه أكثر و أكثر. كل ضخة دم في تلعنها و كلي مقتنعة بجدواها. و كأن حروب المرء مع ذاته لا تكفي لتضاف عليه حروب أخرى تدمره و من يحب.. أخبروا حروب العالم أن تتوقف لأن الكل فيها مهزوم و لو انتصر، فالنصر لا يعيد ابنا ميتا لأمه و لن يكون زوجا لأرملة و لا أبا ليتيم. أخبروا حروب العالم أن التفكير في القنابل و البنادق يعمي كون الطرفين المتعادين فيها بشر متشابهين: ابن ودعته أمه على العتبة، زوجة تتقلب في فراشها طوال الليل، خطيبة تحيك ثوب زفافها خيطا خيطا بإبرة الانتظار و الدعاء، و أطفال وعدهم أبوهم بالعودة، ينتظرونه ليركضوا يعانقوه منتصف الطريق.. أ و ليست عودتهم سالمين هي النصر، و كل ما عدا ذلك هزيمة نكراء.أخبروا حروب العالم أن بعد نهايتها ستصبح كل الذكريات خناجر و كل البيوت المهدمة متاحف و المقابر حدائق، بينما ستتجمد القلوب و ستعصف فيها رياح الرعب و الهلع و الموت، و ستتشرد الأرواح.. و لن تستطيع إكمال حياتها بشكل طبيعي، و إن حاولت. أخبروا أيضا حروب العالم أن الحرب دمار، و أن الحرب خراب و مصيبة جارحة لا تمحى آثارها. أخبروا حروب العالم أن أمنية العالم الوحيدة العيش في سلم و مأمن و أمان مع من يحب. ذكروا حروب العالم إذن بما قاله محمود درويش: “ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز، تنتظر ولدها الشهيد وتلك الفتاة، تنتظر زوجها الحبيب وأولئك الأطفال، ينتظرون والدهم البطل.. لا أعلم من باع الوطن! ولكنني رأيتُ من دفع الثمن.” .. لعلها تتوقف.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *