الرئيسية اراء ومواقف الصناديق السوداء: المال السائب

الصناديق السوداء: المال السائب

كتبه كتب في 20 ديسمبر 2012 - 00:51

اعتدنا من خلال الإعلام و الصحافة سماع لفضة الصندوق أو الصناديق السوداء كلما وقع حادث جوي أدى إلى سقوط إحدى الطائرات في مكان ما من هذا العالم،فما إن يفقد برج المراقبة الجوية اتصاله بالطائرة و تنتهي الطائرة على الأرض أو في البحر حطاما و شظايا محترقة و يقضي الركاب أو معظمهم حتفهم، حتى تندثر كل الحقائق و تضيع الدلائل، لتنتشر مباشرة بعد الحادث فرق البحث في محيط المكان الذي سقطت فيه الطائرة منقبة في كل جزء منه عن الصندوق الأسود المنيع، و كلما كان سبب الحادث غامضا، كلما كان مصير الحقيقة المنشودة معلق بتلك العلبة العجيبة، ليتم تكثيف البحث من قبل المحققين المختصين و لا يتوقف البحث حتى يعثر على الصندوقين الفريدين و اللذان يعتبران كاتما أسرار الكارثة، و بالعثور عليهما ينقشع السواد الذي يلف الحقيقة، لتبدأ التحقيقات الدقيقة حول أسباب الحادث.

و نحن أيضا و إن كان بلدا بدأ خلال أعوام قليلة يخطو خطواته الأولى نحو بناء صناعة حديثة في مجال الطيران، إلا أننا نملك خبرة عريقة في ما يخص هذا الصنف من الصناديق، و إن كانت الجهات الرسمية تتحفظ بقدر يثير الكثير من التساؤلات عن مكان وجود هذه الصناديق الجد متطورة و ( لي حتى أوباما ما عندش باباه فالمصانع ديالو)، و رغم التكتم الشديد حولها و الغير مبرر في بلد يدعي الانخراط في نادي الديمقراطية عبر دستوره الجديد، إلا أنه بين الفينة و الأخرى تتفجر هنا و هناك فضيحة من العيار الثقيل حول وجود بعض الصناديق السوداء المتخمة، ليس بالمعلومات و إنما بأموال الشعب، كتلك الفضيحة المدوية التي فجرها حكيم بن شماس القيادي بحزب الأصالة و المعاصرة في إحدى الجلسات العلنية بمجلس المستشارين حول وجود مجموعة من هذه الصناديق يصل مجموعها إلى 80 صندوقا متفرقة بين عدد من وزارات حكومة “شد الحزام” أو حكومة الأزمة، بسيولة تمويلية قدرت ب 100 مليار درهم، ما يساوي ثلث الميزانية العامة للدولة و التي تنتعش منها قطاعات جد واسعة تتحمل على عاتقها مسؤولية تدبير الشأن العام و اليومي لأزيد من ثلاثين مليون (مواطن) يعيشون على امتداد جغرافيا مترامية الأطراف تختلف بقعها حسب اختلافات تضاريسها و تتنوع اعتماداتها المالية و إمكانياتها حسب حظها من التقسيم الإداري السياسي للمناطق و الجهات، لكن تتقاسم نفس المعاناة مع باقي أقاليم المغرب غير النافع، حيث تزداد ملامستنا لواقع المعاناة و قساوة العيش كلما توغلت بنا الأقدار صوب التخوم الجبلية و القرى النائية، خاصة في موسم البرد و الثلوج، و ما حالة طفل اليوتيوب الذي ظهر في مقطع جد قصير تبادلته الصفحات الفيسبوكية و المواقع الإخبارية، إلا صرخة من طفل بريء إلى المسئولين عن شأن البلد و في مقدمتهم حكومة أولاد الشعب الذين خرجوا من رحم المعانة و الفقر مبشرين بمشروع “دكتاتورية البروليتاريا” الذي سيقضي على مراكز قوى الاستبداد الرأسمالي و يضمن للشعب كرامة العيش، لأن هؤلاء الناس و بكل بساطة جلسوا على الحصير و تقاسموا مع باقي إخوانه بصارة الفقراء، قبل أن يألفوا حياة الرغد التي وفرت لهم كل وسائل الراحة من سيارات البوجو الفارهة و المكاتب المكيفة بالتهوية و التدفئة و بعد أن تعلم شيخهم فك عقدة الكرفطة و ربطها و هو الذي خرج من صفوف الاشتراكية قبل أن يرتد عنها، ليظهر هذا الطفل الصغير و هو يبكي من شدة البرد و ربما الجوع أيضا، محاولا التعبير عن معاناته و ألمه بصوته المبحوح و بعبارات لم يستطع فهمها حتى معلمه الذي يبدو أنه هو من قام بتصوير المشهد المؤلم بأحد الفصول الدراسية البئيسة بمنطقة نائية بالأطلس، مستغيثا بهؤلاء الوافدين الجدد على العاصمة الرباط، علهم يتلقفون بضمير مسئول صرخته الطفولية البريئة الممزوجة باللكنتين العربية و الأمازيغية، هذه اللغة التي مازالت الحكومة تتلكأ في الاعتراف برسميتها ضدا على الدستور، و ترفض فضلا عن ذلك تنفيذ وعودها الإنتخابوية بالقضاء على الفساد و ما يتشعب منه من اقتصاد ريعي و ريع مؤسساتي و من استحواذ على مقدرات البلاد و الذي يتم بعدة صيغ، منها ما هو شائع كرخص النقل و الصيد البحري و المقالع الصخرية و الرملية، و منها ما هو ذا طابع بيروقراطي كالحسابات البنكية الخاصة الموزعة بين عدة وزارات و دوائر قطاعية تابعة لها، و التي يطلق عليها أيضا تسمية “الصناديق السوداء”، لشدة القتامة التي تحاط بها و تجعلها محجوبة عن الأنظار و المراقبة، رغم ما تتلقاه من سيولة وافرة تحت ذريعة تغطية مصاريف الحفلات و الضيافة و الرحلات الرسمية، إلا أن الحكومة لم تتجاوب مع نداءات عدد من الهيئات الحقوقية والسياسية المطالبة بجعلها خاضعة للرقابة القانونية، و عدم تركها مالا سائبا ، و قد سبق أن أثارت قضية وزير المالية الأسبق “صلاح الدين مزوار” نقاشا واسعا حول استفادته من مبالغ مهمة خارج القانون و توقيعه شيكا بمبلغ 250 مليون سنتيم في آخر أيام حكومة تصريف الأعمال (أو حكومة تصريف الأموال) التي كان يرأسها عباس الفاسي، إضافة إلى فضيحة الثلاثين مليون سنتيم التي كان يتوصل بها شهريا وزير من الحكومة نفسها، و قد سبق لبن كيران أن وعد بداية سنته الحكومية الأولى بالكشف عن الأجور و التعويضات و العلاوات التي كان يتلقاها وزراء الحكومة السابقة، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث حتى يومنا هذا، و قد حدد تقرير أمريكي سابق صدر سنة 2010 أموال المغاربة المنهوبة و المهربة نحو بلدان أخرى ب 34 مليار سنتيم، و منذ 30 نوفمبر 1964 أي اليوم الذي قدم فيه مشروع قانون ” من أين لك هذا ؟” لمجلس النواب إلى يومنا هذا لم يتم اتخاذ أي إجراءات زجرية لتفكيك لوبي الفساد و محاكمة المتورطين في الغدر و خيانة الأمانة و استرجاع الأموال و الممتلكات الغير القانونية، و رغم رفع الشارع لشعار “إسقاط الفساد و محاسبة رموزه” ضمن السياق العام للربيع العربي، و هو نفسه الشعار الذي حمله أنصار بن كيران خلال الانتخابات التشريعية التي أنتجت الحكومة الحالية، إلا أن الوضع ما يزال يسير في نفس الاتجاه الذي اتخذه طيلة عقود، بل ثمة من الأصوات من شرعت تحذر من استفحال ظاهرة الفساد بشكل أكثر حدة في ظل الحكومة الحالية، بسبب المرونة الكبيرة التي تتعامل بها مع الملفات المشبوهة و اتجاهها نحو شرعنة مبدأ الإفلات من العقاب عبر مجموعة من التدابير، من بينها محاولتها السابقة تمرير قانون إعفاء العسكر من المسائلة القانونية أمام القضاء و من خلال التصريح الإعلامي لبن كيران المضمن بعبارة “عفا الله عما سلف”.

و بين غياب الشجاعة السياسية لحكومة بن كيران و قلة خبرتها و بين اطمئنان لوبيات الفساد للوضع السائد، تبقى حناجر المحتجين في الشارع و المطالبين بسيادة القانون و معها الآلاف من أطفال الجبال و البقاع النائية تصرخ بكل ما تملك من قوة عل القائمين على الشأن العام ينصتون و يفهمون الرسائل قبل فوات الأوان

مشاركة