الرئيسية اراء ومواقف دور المجتمع المدني في النموذج التنموي المغربي الجديد 2035

دور المجتمع المدني في النموذج التنموي المغربي الجديد 2035

كتبه كتب في 17 يناير 2022 - 20:05


بقلم : أمين سامي

” مهما كانت مشروعية الديمقراطية النيابية التقليدية
فإننا من الضروري استكمالها بالديمقراطية التشاركية العصرية الأمر الذي يمكننا من الإفادة من كل الخبرات الوطنية و الجهوية و المجتمع المدني الفاعل وكافة القوى الحية للأمة” .
مقتطف من خطاب العرش لجلالة الملك محمد السادس نصره ليوم 30 يوليوز 2007 

إن الجمعيات المكونة بشكل قانوني و التي تسير طبقا لمبادئ الديمقراطية و المعايير العقلانية و الدولية تشكل بدون شك أحد الشروط الأساسية لبروز و تدعيم مجتمع مدني مسؤول يشكل بكل فاعلية في بلورة النموذج التنموي الجديد ، ويساهم في النمو الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياحي ، …

إن هاته الجمعيات هي فضاءات للعمل الجماعي الذي تبذل فيه كل الجهود المشتركة من أجل قضايا مشتركة عادلة ومنصفة للجميع ، كما تشكل مرتعا خصبا تتولد فيه كل الطموحات الجماعية وتعبر فيه عن نفسها وبهذا تكون هاته التجمعات مجالا خصبا يمكن الفاعلين الاجتماعيين من طرح وجهات نظرهم في قضايا مختلفة وخاصة القضايا التنموية.

لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي أصبحت تضطلع به الجمعيات و الضغط الذي أصبحت تمارسه في توجيه السياسة العامة للبلاد في بعض القضايا المجتمعية وقد تم تعزيز دورها في دستور 2011. وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أن المغرب عرف عدة إصلاحات بفضل قيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله وهي إصلاحات هيكلية و جوهرية بدءا بإصلاحات البنية التحتية للبلاد ، ثم إصلاحات سياسية من خلال دستور 2011 ثم إصلاحات قضائية من خلال مشروع إصلاح العدالة وأخيرا إصلاحات اقتصادية من خلال العمل على بلورة نموذج تنموي مغربي يلبي احتياجات جميع المغاربة بدون استثناء.

إن الجمعيات كما سبق الذكر احتلت مكانة مهمة وتم تعزيز دورها في دستور 2011 من خلال المواد الدستورية 12، 13، 14، 15، 170، … وغيرها إلا أنه في المقابل يتطلب عملا جبارا من طرف جمعيات المجتمع المدني للقيام بهاته الأدوار الطلائعية ، وفي هذا الإطار على هذه الأخيرة أن تقوم بخلق مؤسسات قادرة على ضمان و استمرارية الفعل المدني بشكل منظم و احترافي و الانتقال من الممارسة التطوعية العشوائية إلى الممارسة التطوعية الاحترافية ، وهذا لن يتأتى إلا باعتمادها على هيكلة مؤسساتية واضحة وشفافة و مؤسسة على قواعد التدبير الجيد التي تسمح لها بالقيام بالدور المنوط بها على أحسن وجه و اعتمادها على المرتكزات الأربع لتخليق الحياة المدنية وهي :

المرتكز الأول : تداول السلط
المرتكز الثاني : الديمقراطية التشاركية المواطنة
المرتكز الثالث : الحكامة الجيدة
المرتكز الرابع : ربط المسؤولية بالمحاسبة

إن النجاح في بلورة نموذج تنموي جديد يجيب على الرهانات الحالية و المستقبلية و يلبي احتياجات المغاربة يلزمه عمل جماعي موحد و منظم مثل خلية النحل ، حيث يستلزم تظافر جهود المؤسسات الحكومية من جهة من خلال توفير التشريعات و القوانين و النظم والآليات و مؤسسات القطاع الخاص من خلال المساهمة بتجربتها و خبرتها في إدارة المشاريع ولما لا المساهمة المالية باعتبارها شركات مواطنة وهذا سيساهم في انعاش السوق الاقتصادية وتحسين بيئة العمل و تعزيز التنافسية و مؤسسات المجتمع المدني من خلال التحسيس و التوعية والتأطير بشكل منهجي وفعال و أيضا المساهمة في التنزيل الحرفي للإجراءات المتخذة وتقديم المبادرات وتشجيعها وتدعيمها و الاستفادة من التجارب الرائدة كل هاته الجهود ستساهم في تحقيق أهداف النموذج التنموي وتجاوز الأزمات القادمة.

في اعتقادي الشخصي أنه بدون اعتماد أدوات التدبير المقاولاتي وتنزيلها وتجريبها و أجرأتها على العمل المدني لن يستطيع قطاع المنظمات الغير الحكومية لعب الأدوار الطلائعية وخلق قيادات قادرة على العمل الجماعي و تحمل المسؤولية و مواجهة الأزمات القادمة.

إن المشاكل التي تعاني منها منظمات المجتمع المدني عديدة ومتعددة ومعروفة للجميع فأغلبها يعاني من مشاكل على مستوى التنظيم الإداري ، مشاكل على مستوى تدبير الموارد البشرية ، مشاكل على مستوى التدبير المالي، مشاكل على مستوى الرؤية الاستراتيجية و غيابها و غياب الثقافة التنظيمية لدى معظم الجمعيات ، مشاكل على مستوى إدارة الأنشطة والمشاريع. وهذه تبقى أبرز المشاكل عموما على مستوى جميع التنظيمات الجمعوية.

وبالتالي وكما سبق الذكر، فلابد من إعادة النظر في طريقة تعاملنا وتدبيرنا لجمعيات المجتمع المدني بطريقة مختلفة وذكية كي نحقق نتائج أفضل . إن نفس الاستعدادات و نفس الوسائل ونفس طرق العمل حتما ستعطينا نفس النتائج بالأكيد. إن الأزمة الحالية التي يعيشها المغرب في ظل تحديات covid-19 أبانت عن وعي المجتمع المدني بالأزمة و انخراطه في تدبيرها من خلال مبادرات تم إطلاقها من مختلف المناطق من أجل تعزيز فعل التطوع و التضامن إلا أن هذه المبادرات تبقى محدودة وذات اثر اجتماعي ضعيف وفي هذا الإطار ينبغي العمل وفق مقاربة منهجية مضبوطة وتدبير جيد للمساهمة بشكل أفضل في تدبير الأزمة . وفي هذا الإطار نوصي بالآتي :

التوصيات

على المستوى التشريعي

١.الإسراع بإخراج قانون الجمعيات و جعله قانون ذو رؤية استشرافية للمستقبل.

٢. الإسراع بإخراج وتفعيل المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي للنهوض بتطوير الحياة الجمعوية في كل ما هو اقتصادي و اجتماعي و ثقافي.

٣. اعتماد تقارير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي و تقارير المجلس الأعلى للحسابات و تقارير المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي ضمن الاستراتيجيات القطاعية التي تهم الحياة الجمعوية.

٤. اعتماد التقارير أيضا ضمن برامج التنمية الجهوية و برامج التنمية الإقليمية و المحلية.

٥. إنشاء شركات للتنمية المحلية خاصة بالحياة الجمعوية للتطوير و المساهمة في بلورة المشاريع الجمعوية بتنسيق مع الأجهزة الحكومية .

٦. تفعيل توصيات الحوار الوطني للمجتمع المدني.

على مستوى التنظيم الإداري

١. الإسراع بإخراج سجل وطني للجمعيات الوطنية و العمل على إنشاء سجلات جهوية وإقليمية و محلية للجمعيات مع اعتماد تصنيف المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي : جمعيات خدماتية، جمعيات ترافعية ، جمعيات خدمات وترافع.

٢. خلق مكتب للتنسيق بكل المرافق العمومية و المصالح الخارجية للمؤسسات الحكومية يعمل على التنسيق بين الجمعيات و المصالح في إطار الأنشطة والمشاريع و الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين.  

٣. اعتماد هيكلة إدارية واضحة ومحددة ونموذجية يتم العمل بها من طرف جميع الجمعيات مع مراعاة مجالات العمل و اختصاصات كل جمعية .

٤. العمل على إعداد دلائل السياسات والإجراءات الإدارية

٥. العمل على إعداد دلائل الصلاحيات و المسؤوليات

٦. العمل على إعداد دلائل الوصف الوظيفي

٧. إعداد نماذج موحدة للتوثيق و الآرشفة

٨. تدريب الآطر المتطوعة على أساسيات العمل الإداري

٩. إعداد دليل التوثيق والآرشفة

١٠. إعداد دليل العمليات الجمعوية

على مستوى تدبير الموارد البشرية

١. العمل على إعداد محفظة كفايات المهنة le referentiel des compétences. الخاص بالمتطوعين و العاملين في المجال الجمعوي.

٢. تكوين الجمعيات في مجال التدريب عن بعد و فرض استعمال التكنولوجيات الحديثة في مجال العمل و في التعامل مع الإدارات.

٣. توفير الدعم والمواكبة للمتطوعين وضمان الحماية القانونية لهم في حالة التطوع من خلال الإسراع بقانون التطوع التعاقدي.

٤. تثمين الخبرة في المجال الجمعوي كمعيار للتوظيف و التعاقد في المباريات و الامتحانات المهنية.

٥. مطالبة الجمعيات بإعداد مخطط تطوير الكفايات و الخطة التدريبية و العمل على تنفيذها و تتبعها و تقييمها.

٦. مطالبة الجمعيات بتوفير جزء من الميزانية لتدريب الأطر العاملة في المجال المدني وتكوين فرق تدبير الأزمات و العمل على تدريبها و مواكبتها للاستفادة منهم في تدبير الأزمات.

٧. مطالبة الجمعيات باستقطاب الكفاءات و العمل على تجديد مواردها البشرية بشكل مستمر من خلال فتح الجامعات و مدارس التعليم العالي و المعاهد العليا على تنظيم لقاءات مفتوحة لاستقطاب الكفاءات.

٨. مطالبة الجمعيات بإعداد خطة تواصلية للتواصل و التعبئة و التحسيس و التأطير.

على مستوى التدبير المالي و المحاسباتي

١. الإسراع بإخراج قانون المحاسبة الجمعوية le code de la comptabilité associatif.

٢. تنظيم دورات تدريبية بشكل دوري لفائدة أمناء مال الجمعيات لإطلاعهم على المستجدات المالية ضمن قانون المالية.

٣. توفير الدعم و المواكبة للجمعيات الحاملة للمشاريع التنموية .

٤. تنظيم زيارات دورية للقيام بعملية التدقيق و الافتحاص بشكل سنوي من طرف المحاسبين المعتمدين أو الخبراء المحلفين.

٥. الرفع من مساهمة الدولة في مجال تمويل الجمعيات و التعاقد في إطار مشاريع تنموية محددة الأهداف و النتائج.

٦. إخراج قانون يسمح للجمعيات بأخذ سلفات وقروض صغرى في إطار مشاريع مدرة للدخل بفائدة صغيرة وفق مشاريع محددة الأهداف و النتائج و تحقق الأثر الاجتماعي مع تحديد سقف معين للقروض وتحديد مجالات القرض.

٧. تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة بالنسبة للجمعيات المخلة بقواعد الصرف السليم.

٨. مشروع مناطق حرة خاصة بالعمل الجمعوي والاقتصاد الاجتماعي و التضامني :

٩. خلق مناطق حرة free zone خاصة بالعمل الجمعوي والاقتصاد الاجتماعي و التضامني وتضم هاته المناطق :

مراكز أبحاث ومراكز للبحث العلمي ومكاتب الدراسات 

Les bailleurs de fond

مركز للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية جهوي

وفي هذا الإطار يمكن خلق 04 مناطق حرة وهي كالآتي : مركز في شمال المملكة ويضم جهات (الرباط سلا القنيطرة – طنجة تطوان الحسيمة – فاس مكناس ) مركز في وسط المملكة ويضم جهات ( الدارالبيضاء سطات – مراكش آسفي – خنيفرة بني ملال ) مركز في شرق المملكة ويضم جهات ( الجهة الشرقية – جهة درعة تافيلالت) مركز في جنوب المملكة ويضم جهات (سوس ماسة- كلميم السمارة- العيون بوجدور الساقية الحمراء- وادي الذهب لكويرة).

مركز لتسويق وتثمين المنتجات المجالية بالمنطقة

مراكز للاشتغال للجمعيات الموجودة بالمنطقة الحرة

هاته المناطق الحرة ستسهم أولا في تحقيق عدة نتائج أهمها :

تكوين أطر إدارية و مالية ومتطوعين قادرين على تنزيل المشاريع و الأنشطة بشكل احترافي.

توفير الكادر البشري المؤهل للجمعيات الراغبة في التعاقد و الرقي بعملها الجمعوي وهذا سيساهم في الرفع من نسب التشغيل و تحريك العجلة الاقتصادية للبلاد.

١٠. تقاسم التجارب الرائدة مع الجمعيات المحلية من خلال تنظيم زيارات للمناطق الحرة وتنظيم شراكات سواء على المستوى الوطني أو الدولي من خلال ملتقيات وطنية ودولية.

١١. مطالبة الجمعيات بضرورة مسك المحاسبة لدى محاسب معتمد أو خبير محلف.

١٢. مطالبة الجمعيات بإعداد دليل السياسات و الإجراءات المالية

١٣. مطالبة الجمعيات بإعداد دليل المشتريات.

١٤. مطالبة الجمعيات بنشر التقارير المالية و المحاسبية ضمانا للشفافية و المصداقية.

١٥. مطالبة الجمعيات بإلزامية التصريح الضريبي لدى مؤسسات الضريبة.

١٦. مطالبة الجمعيات بأداء ضريبة الأرباح بالنسبة للجمعيات التي تقوم بأنشطة تجارية.

على مستوى إدارة المشاريع و الأنشطة

١. خلق شعب مهنية بالجامعات تعطي الإمكانية للجمعيات لولوجها من أجل التكوين في مجال تركيب وإدارة المشاريع.

٢. مطالبة الجمعيات بخلق مشاريع تتماشى مع برامج التنمية الجهوية والإقليمية و المحلية.

على مستوى البحث العلمي و الإعداد للمستقبل

١. تشجيع الجمعيات على إنجاز الدراسات و الأبحاث في مختلف المجالات .

٢. مساعدة الجمعيات على خلق مراكز بحثية ومراكز للاستشراف الاستراتيجي للإعداد للمستقبل بشكل جيد و اعتماد الدراسات المنجزة في برامج ومشاريع استراتيجيات حكومية.

٣. تشجيع إنفتاح الجامعات على الجمعيات من أجل تطوير البحث العلمي.

٤. خلق مواد تعليمية تهم العمل الجمعوي و العمل التطوعي تدرس بمختلف الأسلاك التعليمية.

٥. إعداد قاعدة للبيانات و الأفكار و التجارب الرائدة و العمل على تطويرها و الاستفادة منها مستقبلا.

٦. على مستوى استخدام التكنولوجيات الحديثة

٧. خلق منصة إلكترونية لتسجيل الجمعيات الجديدة.

٨. خلق منصة إلكترونية لتسجيل العمليات المالية للجمعيات المستفيدة من المنح أو تمويلات في إطار مشاريع .

٩. خلق منصة للتصريح الضريبي للجمعيات و التعاونيات

١٠. منصة إلكترونية للتصريح بالأجراء و المتطوعين

المصادر و المراجع :

مقتطف من خطاب العرش لجلالة الملك محمد السادس نصره الله في 30 يوليوز 2007

تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي حول دينامية الحياة الجمعوية الصادر بتاريخ 2016 رقم الإحالة الذاتية 28/2016

الدستور المغربي

توصيات الحوار الوطني للمجتمع المدني

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.