الرئيسية اراء ومواقف بعد حدائق مهرجان الشعر المغربي دار الشعر بمراكش تعيد الجمهور الى القاعات

بعد حدائق مهرجان الشعر المغربي دار الشعر بمراكش تعيد الجمهور الى القاعات

كتبه كتب في 30 نوفمبر 2021 - 09:53

اختارت دار الشعر بمراكش، ضمن برمجتها الشعرية للموسم الجديد وانفتاحها على باقي الجهات الست في جنوبنا المغربي، أن تنظم تظاهرة شعرية ونقدية في كل من مدنيتي ورزازات وزاكورة، تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل وبتنسيق مع المديرية الجهوية للثقافة درعة تافيلالت، وذلك يومي (26 و27 نونبر 2021). واحتضن فضاء قصبة تاوريرت التاريخي بقاعة مركز صيانة وتوظيف التراث المعماري بورزازات، المدينة التي تعتبر استوديو سينمائي عالمي ألهم كبار السينمائيين العالميين، ندوة وطنية (الجمعة 26 نونبر)، قاربت “نسق الصورة بين تقاطعات الشعري والسينمائي”، وشهدت مشاركة النقاد حميد اتباتو وفاطمة الزهراء الوعرابي ونورالدين بوخصيبي. فيما احتضن المركز الثقافي بزاكورة، السبت 27 نونبر فقرة “ضفاف شعرية”، ديوانا مصغرا خط قصائده الشعراء: محمد النعمة بيروك وفدوى الزياني ومصطفى الشيخ، وأحيت حفله الفني الفرقة الموسيقية “إيزوران” (الجذور)، أحد أشهر الفرق الفنية بالجنوب الشرقي، الى جانب المصاحبة الموسيقية للفنان جعفر المساعدي.

هذه البرمجة الشعرية وهي تنتقل بين ورزازات وزاكورة، تستحضر استراتيجية دار الشعر بمراكش، ضمن حرصها الانفتاح المتواصل على باقي جهات جنوبنا المغربي. هذا الجنوب، الذي يزخر بموروثه الثقافي والفني المادي واللامادي، والذي ألهم العديد من عشاق أدب الرحلة والشعر وفنانين عالميين، كي يتركوا أثرا خالدا للإنسانية من خلال نصوصهم الإبداعية وأيضا من خلال الصور، الفوتوغرافية والفيلمية، المشبعة بتفاصيل التاريخ والأنتروبولوجيا وسحر الصحراء و”سيميوطيقا” الأمكنة. وقد شهدت، هذه التظاهرة الشعرية والنقدية، حضورا ونجاحا جماهيريا لافتا، أظهر تعطش الجمهور لعودة اللقاءات الثقافية واستئنافها، كما ثمن كثيرون، اختيار دار الشعر بمراكش انفتاحها الخلاق، على جهات ومدن الجنوب الشرقي المغربي.

   فقرة ندوات: “الصورة: تقاطعات الشعري والسينمائي” بقصبة تاوريرت ورزازات

ضمن فقرة ندوات، والتي حرصت دار الشعر بمراكش أن تستقصي من خلالها قضايا وأسئلة تتعلق براهن الخطاب الشعري وتعالقات الشعري والجمالي، ابتداء من الترجمة الى مسرحة القصيدة انتهاء بالفلسفة والشعر، اختارت الدار أن تنتظم ندوة “الصورة: تقاطعات الشعري والسينمائي” بمدينة ورزازات، المدينة التي ظلت استوديو عالمي مفتوح على روائع السينما العالمية. إذ يبدأ التاريخ السينمائي في ورزازات مبكرا، منذ نهاية 1897، بفيلم “الفارس المغربي” لمخرجه لويس لوميير، لتتوالى روائع السينما العالمية، والتي اتخذت من فضاء المدينة استوديو مفتوح لتصوير أفلامها. أفلام: “موروكو” جوزيف فون ستيرنبيغ،  “لورنس العرب” للمخرج الانجليزي ديفيد لين، “جوهرة النيل” لمايكل دوغلاس، “كوندون” للمخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، “كليوباترا” لفرانك رودام، “المصارع” لريدلي سكوت، “أستريكس وأوبليكس” لآلان شابات.. الى جانب أفلام سينمائيين فيرنانديل وهيتشكوك وسيرجيو ليوني وأنتوني كوين وغودار وبيرتولوتشي، وآخرون.

وأكد الشاعر عبدالحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش، أن “هذه التظاهرة الشعرية والنقدية، والتي تنظم تحت إشراف وزارة الشباب والثقافة والتواصل وبتنسيق مع المديرية الجهوية لدرعة وتافيلالت، تأتي في سياق انفتاح الدار على باقي جهات المملكة، وأيضا في سياق ترسيخ تداول الشعر بين جمهوره، ضمن استراتيجية تلامس قضايا الشعر المغربي وحواريته مع الفنون وأيضا الانفتاح على شجرة الشعر المغربي وتجاربه وحساسياته في مختلف جهات الجنوب”، فيما ذهب المدير الاقليمي لوزارة الثقافة بورزازت، السيد محمد أمزيل، الى اعتبار مبادرة دار الشعر بمراكش “ترجمة حقيقية لفهم “الثقافة المجالية”، من خلال مؤسسة أدركت بعد القيمة الجمالية للشعر في النسيج الاجتماعي”.

ندوة “الصورة.. تقاطعات الشعري والسينمائي”، والتي تستجيب لراهن ما تطرحه، بعض الأسئلة المرتبطة بالنقد الشعري والسينمائي. إن هذا “الوعي الحاد”، بتعبير إبشتاين، الذي تخلقه الصورة السينمائية هو امتياز الشعر، غير أننا هنا نتقصى “نرفال” وهو يطالبنا أن نبحث عن الشعر الهارب من القصيدة، حيث نستطيع أن نجد هنا في الصورة السينمائية. الناقد والمترجم نورالدين بوخصيبي، والذي خبر عن قرب من خلال النوادي السينمائية والتأطير والترجمة والتأليف “خبايا وأسرار الصورة”، بلور مفهوم “المتاهة”، ضمن علاقة تطرح الكثير من التباسات التفكير. ومن خلال جرذ لبعض تنظيرات التجارب الشعرية والسينمائية، سواء من خلال سؤال الماهية، أو بعضا من الأفلام والاتجاهات الجمالية، والتي حاولت ترسيخ واستقصاء هذه العلاقة المركبة بين الشعري والسينمائي، كما توقف عند التقاطعات الممكنة من خلال تجارب (تاركوفسكي وآخرون).

الطالبة الباحثة فاطمة الزهراء الوعرابي، وضمن سعيها الحثيث الى إيجاد نقط التقاطع والحوار الممكن بين نسقين تعبيريين، اختارت نموذج سينما التحريك، من ولع شخصي حاولت إيجاد حضور الشعري في هذه الأفلام. توظيفات الشعري وحضوره في بعض أفلام “التحريك”، خصوصا تجارب أسيوية وعربية (على قلتها)، يؤشر على معطى إضافي يكمن في الحاجة لبلورة مشروع سينمائي مغربي، باستطاعته أن يجعل الكتابة للسينما منشغلة بالشعر (من خلال توظيف المثن الشعري الزجلي والملحون).

وأكد الناقد السينمائي والباحث الأكاديمي بجامعة ابن زهر بورزازات حميد اتباتو، أحد الوجوه البارزة والذي راكم تجربة مهمة في “الدرس السينمائي” وأيضا مقارباته ضمن سياق التحليل الفلمي وانشغالاته بالصورة واستعاراتها، أن سياق التقاطع بين الشعري والسينمائي، يطرح رؤى وإشكالات نظرية تتعلق ببنية كل نسق تعبيري على حدى. ثم عرج الباحث اتباتو على الاتجاهات السينمائية، والتي وظفت الشعر ضمن رؤيتها الجمالية، بدء من النظرية الشكلانية، غير أنه توقف عند تجربة مغربية رائدة، لشاعر وسينمائي هو أحمد البوعناني. إن محاولة تحقيق الانزياح والاشتغال بأدوات التعبير السينمائي كالتأطير (الكادراج)، وهندسة أبعاد اللقطة السينمائية، وغيرها.. يمكن من تحقيق شعرية الفيلم.

توقف النقاد، المشاركون في ندوة تقاطعات الشعري والسينمائي، عند نماذج فيلمية وأيضا تجارب تمثلت هذا البعد وتبنته في تجربتها (تاركوفسكي نموذجا)، أفلام مثل “درس البيانو”، “طوق الحمامة المفقود”، أفلام السينما التعبيرية، مثل أفلام برغمان في السويد، وفيلم ساعي البريد (1997) للمخرج رد فورد الذي أنجز انطلاقا من سيرة وحياة الشاعر بابلو نيرودا التي كتبها روائيا أنطونيو سكارميتا، فيلم الجنوب (1983) لفيرناندو صولانا، فيلم “نوستالجيا” و”المرآة” لتاركوفسكي، “الملائكة فوق برلين” فيم فيندرز، “الشعر” لي تشانغ دونغ، “كلب أندلسي” بونويل وسلفادور دالي، “حلاق درب الفقراء” لمحمد الركاب…

ويبقى النقاش، الذي ختم ندوة دار الشعر بمراكش، نقطة مضيئة انضافت لعمق الأوراق النقدية المقدمة. مداخلات الحضور، والذي عبرت عن تناغم خلاق بين استعارة المكان (ورزازات: كفضاء سينمائي)، وثقافة السينما والشعر من خلال صياغة منظورات ورؤى مختلفة، وعمق في التحليل.

شعراء ضفاف شعرية ينثرون قصائدهم بزاكورة

تحول المركز الثقافي بزاكورة، ليلة السبت 27 نونبر، الى محج مفتوح لجمهور المدينة في ليلة استثنائية، اختارت دار الشعر بمراكش أن يحتفي خلالها الشعراء بقصائد “الخريف”، في مدينة الجمال زاكورة. هذه المدينة التي استطاعت أن تلهم العديد من الشعراء والمبدعين، في قدرتها على ترسيخ صورة الجمال لعمق الجنوب الشرقي المغربي. الشعراء فدوى الزياني ومصطفى الشيخ ومحمد النعمة بيروك، ثلاثة تجارب برؤى مختلفة، يمثلون بعضا من صورة شجرة الشعر المغربي الوارفة، اختاروا أن يكتبون ديوانا مصغرا. احتفاء شعري وفني، لتجارب شعرية راهنة من القصيدة المغربية الحديثة.

ويمثل الشاعر محمد النعمة بيروك، الشاعر والروائي من عمق الصحراء المغربية، صوت “الضاد” المشبع ب”سحر القوافي”، والذي اختار أن يقرأ بعضا من تراتيله، يقول في إحداها:

هــــذي تـراتـيـلُـنا طَـلْـحـاً وأشْــواقـا   /فــهَــلْ تُـقَـلِّـدُنـا بـالـشِّـعـرِ أطْــواقَــــــــــــــــــــا

أقْـلامُـنـا عُـودُ طـلْـحٍ، والـثَّرى وَرَقٌ /والـحِـبْرُ، مَا زالَ هـذا الـبَحْرُ دَفَّـاقا

لا لـــوْنَ يَـفْـصِـلُنا أو عِـــرْقَ يُـبْـعِـدُنا/يـكـفـي بـنـا الـشـعرُ ألـوانـاً وأَعْـراقــــــا

الشاعرة فدوى الزياني، والتي راكمت من خلال دواوينها الشعرية تجربة مهمة في الشعر المغربي الحديث، اختارت أن تقدم بعضا من قصائدها. قصائد مسكونة بالذات والكينونة، وإصرار على بوح شعري متدفق. تقول في قصيدتها “الذين طعنتهم من الخلف يد رفيقة”: الذين  يحتفون بالعزلة في أعياد ميلادهم/  لأنها خيار سهل / الذين يؤمنون بالوحدة لأنها  رفيق جيد/ الذين يباركون  الصمت / لأن كل الكلام ميّت/ الذين يتناولون الظلام على محمل الجدّ/ ويتركون النهارات احتمالات مؤهلة للخسران/  الذين ينسحب الماء من أجسادهم  سنوات وكلمات مسننة / (…)/ كل هؤلاء/ عليكم أن تكدسوا أجسادنا / واحدا فوق الآخر/ مرعب أن تكون وحيدا حتى في الموت”.

وأتمم الشاعر مصطفى الشيخ، أحد شعراء زاكورة من الجيل الجديد، هذا الديوان المصغر بقصائد الصوفي وترانيم ل”يطو”. شاعر “يسافر في اللغة” ويحفر أناه داخل بلاغتها، ومن مقامته الصوفية يقول: “مسافرة روحه في سماء التجلي/ كان الصوفي يهدي بما لا نفهم/ نتجمهر حول عمامة بيضاء/ وجُبة فارغة إلا من جسده النحيل/ نحن جوقة المريدين يا شيخ /.. يا شيخ دلنا كيف نعبر هذي  الصحراء؟ / كيف ننجو وسط زوابع الرمل/ و حيرة التشابه/ و أفقٌ مديد/ ينذر باللاشيء/ دلنا يا شيخ..”

وسهر الفنان جعفر المساعدي الى جانب فرقة “إيزوران” (الجذور)، والتي أحيت حفلا فنيا، ضمن احتفاء الدار بالموروث الثقافي والفني، المادي واللامادي بالمنطقة، أحد الفرق الأكثر شهرة والتي حظيت باحتفاء خاص، في المهرجانات والملتقيات الوطنية والعربية والدولية، حولت ليل زاكورة البارد الى دفء لا ينتهي، بين جمهور ملأ قاعة المركز الثقافي عن آخرها. فعلى امتداد الأربعين دقيقة، قدمت الفرقة أشهر أغانيها، في مزج موسيقي بين إيقاعات الجنوب وإيقاعات الموسيقى العالمية.

خمس سنوات.. ربيع الشعر المغربي المتواصل

في تظاهرة ورزازات وزاكورة، واصلت دار الشعر بمراكش فتح فقراتها الشعرية أمام زخم التجارب والرؤى، فيما استقصت ندوتها أسئلة وقضايا الشعر المغربي. الدار، والتي تأسست 16 شتنبر 2017 بموجب بروتوكول تعاون بين وزارة الثقافة والاتصال بالمملكة المغربية ودائرة الثقافة بحكومة الشارقة دولة الإمارات العربية المتحدة، تسعى جاهدة أن يشكل الموسم الخامس من برمجتها، أفقا “ممكنا” لترسيخ قيم الشعر “المجتمعية”، وأيضا عودة “الأمل” للإنسانية وهي تتجاوز مرحلة عصيبة من تاريخها.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.