الرئيسية عين على الخارج الفيرا.. شابة عراقية مسيحية، تروي قصة مؤلمة حول تهجير أسرتها القسرية من العراق، من طرف داعش

الفيرا.. شابة عراقية مسيحية، تروي قصة مؤلمة حول تهجير أسرتها القسرية من العراق، من طرف داعش

كتبه كتب في 24 فبراير 2021 - 21:50

 منذ صغري كنت المتميزة من بين زميلاتي في المدرسة فقد كنت من اوائل الصف دائماً…كما برزت مواهبي منذ صغري في الرياضة والفنون فقد كنت لاعبة كرة الطائرة وكرة المنضدة وشاركت في العديد من البطولات داخل العراق ،كما كنت اتمرن على الجمناستيك منذ ان كان عمري 4 سنوات .

كما كنت اشارك في فرق التمثيل المسرحي في المدرسة واحببت الرسم كثيراً،وكذلك اصبحت عازفة بيانو الذي تعلمته لوحدي من خلال اليوتيوب فقط.

والدي ذو 50 عاماً كل ما يتمناه لي ولاخوتي ولوالدتي ذو 42 عاماً ان يستطيع ان يؤمن مستقبلا افضل لنا . سبب وجودنا في لبنان هو التهجير القسري الذي تعرضنا له في العراق من قبل داعش كوننا مسيحيين .. احداث كثيرة مررت بها منذ طفولتي اثرت على حياتنا، فلا انسى التفجير الارهابي يوم 23 نيسان 2007 بقريتي تللسقف كان ابشع يوم في حياتي فلأول مرة ارى اشلاء الجثث المتناثرة هنا وهناك وانا ابحث مع والدي عن اخواني ديفيد وفادي اللذان كانا موجودين في مدرستيهما المتقابلتين يتوسطهما الشارع الرئيسي للقرية. والحمد لله بانهما قد اصيبا بجروح طفيفة .

ولكن اصابتهم كانت نفسية اكثر مما كانت جسدية. ولكن وضع عائلتي لم يدم مستقراً فقد حدث ما لم يكن بالحسبان . حيث تم تهجير جميع قرى سهل نينوى والهجوم عليها من قبل العصابات الارهابية داعش .كان هذا اليوم اشبه بلقطات فلم نهاية العالم . فقد رأيت الناس والرعب يمتلكهم وهم يلوذون بالفرار حفاضاً على ارواحهم مستقلين سياراتهم ويسرعون نحو شمال العراق.

بينما الكثيرون لم يكن لديهم اي وسيلة سوى الركض نحو الجبال والطرق الترابية ومن بينهم شيوخاً واطفالاً . كانت مشاهد دامية على قلبي وانا بعمر 17 سنة بينما لا استطيع مسك دموعي التي ابكيها على هؤلاء الاطفال وكبار السن. فنحن كنا مستقلين حافلة الكنيسة التي كانت بحوزة والدي . قام والدي بحمل الاطفال وكبار العمر معه في السيارة ليساعدهم في الوصول الى بر الامان . ولكن ما هو العدد الذي نستطيع حملهُ؟ … كنت اتمنى حينها ان تحدث معجزة من السماء بان يكون الذي اراه امام عيني هو حلم وكابوس .

ولكن شاء القدر ان يكون حقيقة،تلك الأيام العصيبة منذ وصولنا الى دهوك  لحين انتقالنا الى قرية جمبور ومن بعدها وفاة جدي الذي كان دوما مثلي الاعلى ولحين وصولنا الى قرية الشرفية القريبة من قريتي تللسقف. بينما انا جالسة بهدوء في حديقة المنزل واتأمل في رسم لوحات عن السلام ومن ثم تأتي اصوات القصف والانفجارات التي كانت تحدث في الجانب الذي يسيطر عليه داعش من جهة تللسقف . واصوات تلك طائرات التحالف التي كانت تحلق فوقنا . صوتها كان يرعبني ويجعلني اتأسف بانني خلقت في بلد الحروب . لم تكمل احلامي لاكمال الدراسة في الجامعة. فبقي ذلك الحلم يرافقني .

في تاريخ 29-اب-2015 سافرنا الى لبنان وكان يصادف يوم السبت . بينما لحقت في العمل يوم الاثنين مباشرة وانا بعمر 18 عاماً عملت ما يقارب 13 ساعة في اليوم واحياناً اكثر .

ولكوني أنا أكبر الأولاد في البيت وعلي تحمل مسؤولية عائلتي التي كانت سندي منذ صغري . فحان الوقت كي اكون انا سندهم. سمعت في تلك الفترة عن وجود معرض فني ضخم يخص التهجير القسري للمسيحيين العراقيين،ولكن المستوى الذي  كنت فيه لم يكن بقدر حجم المعرض.كان المعرض (صرخة شعب وحضارة) سيفتتح بعد خمسة أشهر، فقمت بتحدي نفسي ان اتمرن على الرسم بالاكريليك والفحم مدة 5 ساعات يومياً، وبالفعل قمت بتطوير نفسي بدعم من والدي ووالدتي،كنت اذهب الى العمل منذ الساعة 6:30 صباحاً ولغاية الساعة 7:30 مساءً،حين وصولي الى المنزل كنت اشعر بانني لا املك عظاماً في جسمي من شدة التعب . ولكن كنت انام ساعتان بعد رجوعي والتمرن على الرسم من الساعة 10:30 ولغاية الساعة 3:30 فجراً ، والإستعداد للجلوس مبكراً للذهاب الى العمل،كانت حياتي هكذا لمدة اكثر من 5 اشهر .

لم اكن احزن لانني كنت اعلم بانني سأصل الى هدفي. وفعلا قد وصلت وقمت بالمشاركة في اول معرض فني يحضره العديد من الشخصيات الدينية والحكومية، والالاف من الشعب،حيث لاقت لوحاتي التي تخص التهجير صداً كبيراً وواسعاً من بين الحاضرين.. من بعدها قمت بتطوير نفسي اكثر واكثر واصبحت اشارك في الكثير من المعارض الفنية في لبنان ومنها المعرض المسيحي ومعارض خيرية أخرى، انتقلت الى عملي الجديد قبل ثلاثة سنوات ونصف  مع مكتب البعثة البابوية و كنيسة العائلة المقدسة اللتان تمولا مدرسة ملائكة السلام للمهجرين العراقيين في لبنان،هنا كان لارادتي وقوتي وثقتي بالله دوراً اساسيا لاتحمل مسؤولية اطفال من عمر 4 سنوات ولغاية 16 سنة حيث يبلغ عددهم منذ سنة 2015 ولغاية الان ما يقارب 1500 طالب وطالبة فتعتبر هذه المدرسة والمركز الوحيد لايواء الاطفال العراقيين اللاجئين في لبنان.

كما تقوم بعض الجهات الخاصة في الخارج بمساعدة اللاجئين في لبنان كون ظروفهم لا يحسد عليها فيكون ذلك عن طريقي كونهم لديهم الثقة الكاملة بقدرتي على مواجهة الصعوبات و ان اخد من قلبي بدون مقابل ومنها منظمات Help Iraq  في ولاية مشيغين الامريكية و Iraqi Christian relief council  في ولاية شيكاغو الامريكية كذلك منظمة Misereor  الالمانية التي تعمل حملة كبيرة في انحاء المانيا وهي (مع الحرب او مع الانسانية) فأختاروني انا من بين الجميع ان امثل الفتاة القوية اللاجئة التي تقول (استطيع فعل كل شي و خلق المستحيل ممكناً بالارادة والإيمان ودعم الأهل ) قررت التطوع في العمل لاجل هذه العوائل التي لا يسأل عنها الا القليلون وكذلك . ووهبت حياتي لهم وللفقرا والأطفال،الآن اصبح الاطفال هم هدفي في الحياة، أن تكون حياتهم مشرقة بالعلم والحب والسلام وليس بالحرب. دخلت الى قلوبهم واعماقهم ورأيت مدة الحزن الذي يمتلكونه في داخلهم بسبب الذي عاشوه في العراق. فقمت بجمع قصصهم وقصص العوائل اللاجئة في لبنان لعمل كتابي الاول الذي اسميته (براءة الاطفال والالام الحرب)  . بينما كانت الكنيسة تعتمد على التبرعات لاجل اكمال الاطفال تعليمهم . كنت انا من الاوائل في مساعدتهم حيث كنت اشترك بمعارض فنية واقوم ببيع لوحاتي لجمع المال والتبرع به للكنيسة لغرض اكمال هؤلاء الاطفال تعليمهم. قمت ببيع ما يقارب 17 لوحة على مدى سنتان قمت من خلالها بالتبرع بكل المبالغ لاجل الفقراء والمحتاجين ومرضى السرطان التي كنا نساعدهم . كانت زياراتي الى بيوت العائلات مع كاهن الرعية الاب يوسف سقط تزيدني من العطاء وحب المساعدة المجانية . . بينما كنت احاول نسيان الذي حصل معنا في العراق  . الى يوم 4 اب 2020 . تغير كل شيء رأساً على عقب ..  حصل زلزال كبير ووقعنا جميعنا على الارض واذ بغبرة سوداء سامة دخلت من الشبابيك وصوت قوي . وقعت اجزاء من المبنى المجاور علينا وانكسرت جميع الشبابيك والابواب ومن شدة ضغط الانفجار دفعني مسافة 8 متر ليضرب ظهري بحائط وتقع عليّ الشبابيك والاخشاب . ولكن نشكر الرب بانني قد تعرض لكدمات وخدوش  بسيطة في جسمي.. حين خروجي رأيت ذات المشاهد التي حدثت في عام 2007 . ولكن بصورة اضخم واسوء . الاطفال في الشوارع ينزفون والناس لا تعلم من اي اتجاه تذهب الى المستشفى . واصوات الصريخ والبكاء والبنايات المدمرة . كانت اشبه بكابوس ، كل تلك الاشياء جعلتني ابكي بلا دموع . ابكي في قلبي وذهني ولكنني لم اترك نفسي سلبية بل قمت بمتابعة حالتي كي لا ادع الحرب تهدمني مجدداً . لانني فتاة تحب الحياة وتحب الطموح والعلم … وحلمي ان اكون ناشطة في مجال حقوق الانسان لمساعد الاطفال اللاجئين الذين لن اتخلى عنه ابداً وسأحاول قدر استطاعتي ان اقوم بتوصيل صوتهم للعالم ليروا بان اطفال العراق يستحقون حياة افضل بكثير من التي يعيشونها في لبنان والاردن وتركيا . فسأعمل لتحقيقه والانتصار على جميع المصاعب . ولكن ذلك سيكون من الصعب تحقيقه في لبنان كوننا منسيين هنا على امل ان تفتح ابواب الهجرة للعراقيين كون رغبتنا في الرجوع للعراق قد ماتت ولكن مع ذلك نتمنى السلام لبلدنا العراق…

ودمتم في رعاية الرب….

محبتي لكما الفيرا توحي

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *