الرئيسية أخبار الجمعيات حملة دفئ لايواء المشردين انطلقت و ليس ضروريا أن تكون غنيا لتكون إنسانا

حملة دفئ لايواء المشردين انطلقت و ليس ضروريا أن تكون غنيا لتكون إنسانا

كتبه كتب في 29 يناير 2021 - 18:17

يتخذ العديد من الأشخاص بمدينة اكادير منذ زمن بعيد، من الشارع مأوى لهم، يبيتون فوق الإسمنت دون غطاء يقيهم قساوة البرد في فصل الشتاء، من بينهم أطفال ونساء ورجال مسنون، وآخرون مصابون بأمراض نفسية وعقلية.

ويعيش هؤلاء الأشخاص ظروفا صعبة، خصوصا خلال هذه الأيام، التي تشهد انخفاضا كبيرا في الحرارة.

رافقت جريدة سوس بلوس أعضاء المنظمة المغربية لحماية الطفولة في جولتها الليلية، التي تهدف إلى معاينة الأشخاص في وضعية شارع، و محاولة مساعدتهم في ظل صعوبة ظروف عيشهم و التي تضاعفت بسبب قيود الطوارئ الصحية وحظر التجول الليلي.

انطلق موعدنا مع “ادريس النجار” وشباب المنظمة على الساعة الحادية عشرة و النصف من أمام مقر جريدتنا بحي الهدى، رسمنا خريطة الطريق لتلك الليلة، و حددنا بعض الأشخاص الذين سبق رصدهم بالنهار، فكان لزاما أن تكون البداية مع أقربهم.

با محمد.. قصة حياة متزنة رمت بها الأقدار في الشارع

بجانب الباب المغلق لمسجد حي الهدى ، يقضي “با محمد” ليلته مفترشا قطعا من الكارتون على الإسمنت دون أي غطاء يقيه قساوة البرد. تبدو مشاعر التعاسة والحزن واضحة على ملامح هذا الكهل، الذي أنهكه البرد، ولم تعد له القدرة في الاسترسال فالكلام ليسرد معاناته وظروف عيشه في الشارع. وقال لـ”سوس بلوس” بعد تردد كبير، إنه لا يملك لا أغطية ولا ملابس إضافية تقيه من البرد القارس، مشيرا إلى أنه اختار النوم في مكان مكشوف في الشارع أمام باب المسجد و قرب مفوضية الامن لحمايته من الاعتداءات. وحكت أنه كان ضحية سرقة من طرف بعض المشردين، حيث عبثوا بملابسه وسرقوا منه مبلغا من المال يقارب ثلاثين درهم كانت بحوزته.

صيدلاني يتحدث عدة لغات ينتهي به الأمر في الشارع

حوالي الثانية بعد منتصف الليل، بدت معظم شوارع أكادير  هادئة وخالية من المارة، سرنا رفقة أعضاء المنظمة المغربية لحماية الطفولة نبحث عمن لا مأوى لهم، دلنا بعض حراس السيارات على مكان تواجد “المحفوظ” ، رجل آخر مسن اتخد من الشارع مأوى له منذ ما يزيد عن عشر سنوات، يفترش المحفوظ  قطعا من الكارتون ينام فوقها كما اعتاد على ذلك، حاولنا الاقتراب منه و قد كان يغط في نوم عميق، أخبرنا بعض السكان أن الرجل كان صيدلاني ويتحدث عدة لغات، قبل أن تقذف به ظروف الحياة في هذا الوضع المزري.

رضيع وأمه المريضة يواجهان البرد أمام باب المسجد

غير بعيد عن “با المحفوظ” و بمنطقة بنسركاو، رصدنا فتاة و ابنها الذي لا يتجاوز السنتين ينامان أمام باب المسجد، تتعاقب فصول السنة ويواجه جسد هذا الرضيع النحيل حرارة الصيف المفرطة وقساوة برد الشتاء، في انتظار أن تبادر قلوب رحيمة لتنتشله من التشرد وتمنحه حياة كريمة.

حكت “الشعيبية” بصوت حزين والدموع تغالبها أنها لم تختر التشرد، بل إن الظروف هي التي جعلت منها متشردة بعدما طردها صاحب الغرفة التي تكتري عنده، اخبرتنا انها لن تتكلم الا بحضور عبدو الذي تقدره كثيرا.

علمنا من “عبدو” بعد حضوره أن “الشعيبية” و ابنها الرضيع اعتادا على المبيت في العراء ليلا رغم قساوة البرد، و ان المسكينة تعاني من مرض نفسي، و قد سعى برفقة الجيران المحسنين إلى اكتراء غرفة لها، لكن صاحب الغرفة طردها بسبب النوبات التي تصيبها و تجعلها عنيفة، أخبرنا أيضا أن المسكينة طلب منها التخلص من ابنها كشرط لكي تعود إلى منزل والديها، لكنها لم تستطع ذلك.

وأكد شهود عيان لـ”سوس بلوس” أن العديد من النساء والفتيات اللواتي يعشن وضعية تشرد في اكادير تعرضن لاعتداءات جنسية وحالات اغتصاب تسببت في عدة حالات حمل خلال السنوات الماضية، وبعد الولادة ظل المواليد بدورهم، عرضة للتشرد، مما نتج عنه إشكالات جديدة في الهوية والنسب والتنشئة في وضعية تشرد.

يعيش معظم هؤلاء الاشخاص بفضل ما يجود به عليهم المحسنون وذوو القلوب الرحيمة، الذين يقدمون لهم الملبس والمأكل، غير أنهم في أحيان كثيرة قد يضطرون للمبيت دون تناول أي طعام، وهو ما ينعكس على صحتهم الجسدية و النفسية في ظل الجوع وقساوة البرد، وغياب الأمن و الطمأنينة.

بعضهم تأقلم مع التشرد والنوم ليلا في الشارع مع توالي السنين، فصار ملما بكيفية التعامل مع الظروف الطارئة، سواء تعلقت باعتداء بشري أو بسب الكلاب الضالة، أو هطول أمطار مفاجئة.

المشكل مركب ولن يعالج إلا بتظافر الجهود

في تصريح لـ”جريدة سوس بلوس”، اعتبر الأستاذ الحسين النجاري، رئيس المنظمة المغربية لحماية الطفولة، أن ظاهرة التشرد ليست وليدة اليوم في المجتمع، و أن هناك ظروف و أسباب كثيرة ساهمت في لجوء العديد من الأفراد إلى الشارع والعيش في حالة تشرد، وأبرزها وضعية الفقر أو التفكك الأسري بسبب الطلاق وانفصال الزوجين، كما أن تعرض الأطفال للعنف داخل الأسرة يدفعهم إلى اللجوء للشارع، وفي غياب دور للحماية وجمعيات خيرية تؤوي هذه الفئات، لوحظ ارتفاع عدد المشردين في الشارع.

وأكد النجاري أن للمجتمع المدني دور كبير في حماية هذه الفئة، عبر أخذ زمام المبادرة، مع ضرورة قيام المؤسسات الحكومية لمهامها بإحداث مراكز لإيواء، حيث نبه
إلى توفر أكادير على عدة بنايات تم تشييدها دون استغلالها وبقيت مغلقة.

ليس ضروريا أن تكون غنيا لكي تكون انسانا

من جهتها أعربت الأستاذة “سعاد بلار” رئيسة فرع المنظمة المغربية لحماية الطفولة بالقليعة، ان الفرع باشر حملة دفئ و التي تسعى إلى لإيواء المشردين وتوفير المسكن و المأكل و الملابس و العناية الصحية لهم في أيام فصل الشتاء البارد، كما تساعدهم على الحصول على أوراق الهوية وتهيئهم للاعتماد على أنفسهم ليكونوا فاعلين بدورهم في المجتمع.

و شددت “بلار” على أن الجميع مدعو للدعم و التطوع و المساندة، حيث أكدت أن الشخص لا ينبغي أن يكون غنيا حتى يكون إنسانا، و ان الإنسانية و العطاء تقتضي منا جميعا وضع اليد باليد لمساعدة الأشخاص المشردين، وقدمت شكرها لكل المتدخلين في عملية دفئ في نسختها الجديدة.

وتفيد هيئات حقوقية بأن عدد المشردين في المغرب يزداد يوما بعد يوم، حيث بلغ عدد الأطفال المشردين ما بين 30 و50 ألف طفل، هذا في حين كشفت وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية في 2018 أنّ عدد المشردين في شوارع المغرب بلغ 3830، منهم 241 طفلاً.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *