الرئيسية مجتمع ربورتاج: سيدي إفني… بؤرة التوتر التي تخمد لتنفجر

ربورتاج: سيدي إفني… بؤرة التوتر التي تخمد لتنفجر

كتبه كتب في 27 نوفمبر 2012 - 00:55

لم تهدأ بعد بلدة سيدي إفني حاضرة أيت باعمران وما تزال تفور بانتظام، رغم إحداث العمالة وشروع الدولة في تحقيق بعض المطالب، فالباعمرانيون ما يزالون يحتجون ويعتصمون ضدا على أسموه الحيف والحكرة والتهميش الذي يطالهم… يحاكمون ويعتقلون ويسجنون، ليتفجر الاحتجاج من جديد.

فكل الجهود التي بوشرت من قبل الدولة لم تشفع، بعد أن ضخ ما يربو عن الـ 100 مليار سنتيم في مشاريع تنموية بالمنطقة، منها 40 مليار في الميناء و7 ملايير لإنشاء محطة للتصفية ومليارين في الطرق وفي مشاريع أخرى من قبيل وحدات الصبار والتكوين المهني والصيد البحري ومراكز القرب وغير ذلك.

للتوثر مسببات وأسباب

جل من التقاهم أو اتصل بهم موقع “لكم.كوم” من فعاليات المنطقة، أجمعوا على أن الدولة خصصت ميزانيات مهمة للبنية التحتية ومطالب الساكنة شرع في تحقيق بعضها، غير أن ملف الإنعاش الوطني غير شفاف والاستثمار بالمنطقة ما يزال يعيش “بلوكاجا”، فضلا على أن عدم تشغيل أبناء المنطقة وتغييب التدبير التشاركي ومواصلة الدولة إعمال المقاربة الأمنية خلق هذا الجو المتوتر بسيدي إفني وجعل ثقافة الاحتجاج تتفاقم.

محمد الوحداني (معتقل سياسي سابق ورئيس بلدية سيدي إفني) يؤكد على أن “ما تعيشه سيدي إفني مشكل بنيوي، فالخلل يكمن في غياب الرؤية والمقاربة التشاركية بالإقليم، فهناك احتجاجات أسبوعية مرتبطة بالتشغيل أساسا. كنا نتمنى من الحكومة السابقة والحالية أن تنتبه لهذا الأمر في سيدي إفني تماشيا مع مقتضيات الدستور الجديد” يوضح الوحداني.

رئيس البلدية الوحداني عزا في اتصال هاتفي مع موقع “لكم.كوم” ذلك إلى أن ملف “التشغيل ما يزال معلقا أما ملف الانعاش الوطني بالعمالة فلم يوظف بشكل جيد، إذ بدل أن تكون هناك تنمية ودورة، ساهم الانعاش في تكريس اقتصاد الريع واقتصاد الامتيازات، وبالتالي فملف الانعاش بسيدي إفني لم يخلق نفسا اقتصاديا، لأن تدبيره تم بشكل خاطئ وغير شفاف”. وهو نفس التوجه الذي سار فيه الناشط النقابي سمير المحندي بالقول إن “تسوية ملف جبر الضرر الفردي والجماعي لأيت باعمران لم يرق إلى مستوى المقاربة المنتظرة، فمعظم المتورطين في أحداث السبت الأسود يحظون بحماية متميزة والملفات المعروضة على النيابة العامة ما تزال لم تراوح مكانها، وآثار الصدمة مازالت موشومة على وجوه ونساء وشباب المنطقة”.

وأوضح الناشط النقابي المحندي في تصريح لـموقع “لكم.كوم” أن “الأوراش المعلنة (العقارية، البنيات التحتية، المركبات الرياضية والترفيهية..) إما تعاني الوجع أو أصابها الاجهاض أو هياكل فارغة تلتمس في تدشينات مكتوب عليها تؤجل إلى ما بعد، أضف إلى ذلك هشاشة الأنشطة الخدماتية التي ما تزال تشكل مدخلا للتوثر بالمنطقة (المستشفى والميناء نموذجين)”.

وخلص الناشط النقابي المحندي إلى أن “الدولة فشلت في تقريب الخدمات الادارية من المواطنين، فالساكنة ما تزال تتنقل إلى تيزنيت لقضاء أغراضها في مجالات الصحة والقضاء والإدارات الأخرى، مما يعني أن لا قيمة للعمالة الجديدة مادامت هيكلا فارغا يفتقد الروح الخدماتية، كما عدم إنصاف الدولة لملف المعتقل السياسي عبد المالك الادريسي وإرجاعه إلى عمله بسلك التعليم بعد فترة اعتقال ومحاكمة على خلفية أحدثا السبت الأسود، مما يزكي أن تمت أزمة ثقة بين السلطات والسكان”.

وأضاف المحندي أن “المقاربة الأمنية المعتمدة من قبل الدولة شجعت الساكنة على التمرد والعصيان، طالما يزج بأبناء وشباب المنطقة في السجون، فالبطالة متفشية ومشروع الطريق الساحلية إفني طانطان معلقة وخدمات الصحة والميناء مؤجلان، كما أن الدولة تتعامل مع ملف أيت باعمران بالتماطل والاستخفاف والتقصير، والمقاربة الأمنية تشكل مسارا وحيدا وأوحدا (عسكرة المدينة، متابعة نشطاء، الارتكان إلى سياسة الاحتواء..)”.

أما محمد عصام (معتقل سياسي سابق وبرلماني)، فقد أكد “وجود سياسة إرادية للدولة تجاه المنطقة عنوانها التهميش بشكل إرادي ومقصود طيلة عقود في اطار مقاربة ترمي لعقاب مناطق بعينها، بالنظر لتميزها التاريخي او لأحقاد تمت تغذيتها”.

ونبه البرلماني عصام في حديث لـموقع”لكم.كوم” على أن ” الدولة تتبنى المقاربة الأمنية التي تعمل جهات معينة مازالت سجينة رؤية ماضوية في الدفع في اتجاهه بين الحين والآخر، بل تعمل على تعميق الإحساس لدى الساكنة بالحكرة وتغذي عوامل الاحتقان وتسرع من وتيرة الانفجار ” حسب تعبيره.

نفس المسار سار فيه محمد أنفلوس ناشط مدني وإعلامي بالتأكيد على أن “فشل الدولة في تدبير الملف الاجتماعي خصوصا ملف التشغيل والخدمات الصحية والاجتماعية يؤجج الفعل الاحتجاجي بالمدينة ويقوي من إمكانات ظهوره و تناميه، حتى أصبح الاحتجاج بالمدينة واقعا متجذرا إن لم نقل “ثقافة” تعبر عن ذاتها متى سنحت الفرصة، بل تعداه إلى شعارات الجمهور الرياضي المساند للفريق المحلي ولربما هذا هو سبب رفض افتتاح الملعب البلدي منذ سنتين رغم إتمام أشغال البناء”. وأضاف الاعلامي أنفلوس في تصريح لـموقع “لكم.كوم”، أن هذا السلوك امتد إلى “شعارات الأطفال أثناء لعبهم، وفي المناسبات والولائم والعقائق، حتى جعل الاحتجاج سلوكا يوميا يمارس من خلاله الإيفناويون غضبهم وسخطهم ورفضهم للوضع القائم”.

هذا النفس الاحتجاجي، برر المتحدث تناميه بما أسماه “التعامل السلبي للدولة مع احتجاجات الساكنة حيث أمطرتهم بوابل من الوعود لم تعرف طريقها إلى التنفيذ، زيادة على القمع الشرس وما تلاه من زج بالمناضلين في غياهب السجون وسلك الأساليب الانتقامية، أضف إلى ذلك لائحة المعتقلين و المتابعين التي تطول سنة بعد أخرى” حسب روايته.

أما محمد سالم الطالبي الناشط الحقوقي فقد اعتبر “أن مشروعية المطالب في سيدي افني أو في غيرها من المدن المغربية، هو ما يوفر، في كل الأحوال، التربة الملائمة لنمو حركات احتجاجية تسعى إلى إسماع صوتها و انتزاع حقوقها، غير أن ما يجعل سيدي افني تختلف بعض الشيء عن باقي المناطق هو كونها عاشت أحداثا مأساوية، اصطلح عليها بأحداث السبت الاسود، والتي خلفت جرحا نازفا في الضمير الجماعي لم يندمل بعد”. وأضاف الناشط الحقوقي الطالبي أن ذلك ” يغذي أي ميول رافض للمظاهر أو التدخلات الأمنية، كما أنه من الطبيعي أن تأخذ بعض ردود الفعل أشكالا عنيفة، حيث يحاول المواطن من خلالها التنفيس عن غضب دفين و تفريغ شحنة الانتقام لكرامة مهدورة، ومن الضروري استحضار هذه البيئة النفسية، وأخذها بعين الاعتبار قبل اتخاذ أي قرار أو حكم قضائي قد يصدر في حق المعتقلين. على خلفية مواجهات مع القوات العمومية”.

فاعلون يقترحون مداخل للحل

يرى محمد الوحداني بصفته رئيسا لبلدية سيدي إفني على “أن التوظيف ليس هو المدخل الأوحد، لقد باشرنا الاستثمار من خلال 30 مشروعا بغلاف مالي يصل إلى نحو 27 مليار سنتيم استقدم للمنطقة، في حين أن اللجنة الاقليمية لم يتم انعقادها واستغلالها بشكل إيجابي لتوطين هاته الاستثمارات التي تشمل مجالات السياحة والصيد البحري والفلاحة والتجزئات السكنية وستخلق مناصب شغل، وقد راسلنا السلطات الاقليمية لاستثمار ذلك إيجابا وأحدث المجلس لجنة لتعبئة العقار البلدي لاستقطاب الاستثمار وإنعاش الشغل بمقتضى مقرر جماعي في مدينة قوامها 30 ألف نسمة”.

ودعا المتحدث ” جميع المسؤولين أن ينخرطوا بتشارك في إطار تنموي ويشرك المجتمع المدني والمصالح الحكومية والمنتخبون لتحقيق تنمية حقيقية بالمنطقة”. وهو نفس المسار الذي ذهب إليه محمد عصام (برلماني) حينما شدد على أن “المدخل الأساس للتعاطي مع المنطقة يبدأ بانتهاج مقاربة تشاركية حقيقية وتدعيم خيارات الحكومة الحالية بتنزيل سياسات القرب ومبادئ الحكامة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، مع إعطاء الأولوية للقطاعات الاجتماعية وعلى راسها التشغيل بمداخله المتعددة والمندمجة” حسب قوله.

وشدد الفاعلون الذين استقى آراءهم موقع “لكم.كوم” على أن “البلوكاج” الذي تعرفه المدينة حاليا في مجال الاستثمار رغم كل ما بذل من جهود من استقطاب مشاريع، سينضاف إلى 50 سنة بعد الاستقلال، واليوم ننتظر ثلاث سنوات أخرى بعد إحداث العمالة ولم تستغل هاته الفرصة من قبل المسؤولين.

وفي الوقت الذي شدد فيه هؤلاء على أن الجميع وعى بأن جهد الدولة لم ينعكس على التنمية المحلية وأن الاستفادة غير حاصلة، طالب الفاعلون بإعمال رؤية تشاركية واعتبار قدرات المصالح الخارجية مشاريع استثمارية يجب استحضارها بمشاركة ومساهمة المنتخبين والافراج عن مشاريع الاستثمار بمنح الوعاء العقاري لهم ، وفي الآن نفسه تجاوز المقاربة الأمنية في معالجة ملف سيدي إفني أيت باعمران لطي صفحة الماضي والتصالح مع الساكنة بحسب تعبيرهم.

ويتعين على الدولة، حسب الناشط الحقوقي محمد سالم الطالبي، “مضاعفة الدولة مجهوداتها وتخصص المزيد من الدعم للإقليم وجبر الضرر الفردي، كما أن جزءا مهما من المسؤولية يظل ملقى أيضا على كاهل المؤسسات المنتخبة التي يجب عليها أن ترتقي إلى مستوى تطلعات المواطن و تُفعل الوعود الانتخابية وتبتعد عن سلوك طريق المزايدات الذي لم ولن يؤدي أبدا إلى تحقيق أي تنمية” حسب تعبير الناشط الحقوقي.

ربورتاج: سعيد أهمان

مشاركة