الرئيسية حوارات الاقتصاد الجنسي أمر واقع لكن المجتمع لا يتبناه علنا

الاقتصاد الجنسي أمر واقع لكن المجتمع لا يتبناه علنا

كتبه كتب في 25 نوفمبر 2012 - 11:31

جسد قابل للانفتاح على مغامرة جنسية “غير مشروعة” بمقابل مادي، و بمحاذاته جسد “بجيب كريم” باحث عن سحر المتعة بين أحضان من له القدرة على “البيع”. من شرارة الجسدين ينشؤ اقتصاد تتغذى عليه شبكات دعارة لم ينج من مدها انتماء اجتماعي أو حيز جغرافي، لتتضاعف أصفار الأرباح العصية على تدقيقات سادة المالية. في هذا الحوار يعمل الأستاذ العلمي الخمار أستاذ التعليم في سوسيولوجيا التربية بالمدرسة العليا للأستاذة، علي تحديد أهم المراحل التي مر منها مفهوم الاقتصاد الجنسي، إضافة لرصد أبرز المؤشرات الميدانية التي تدل على وجود هذا النوع من الإقتصاد “اللامشروع” داخل المجتمع المغربي.

* ما هو مفهوم اقتصاد الجنس، وكيف تطور ليصبح مجالا مقننا داخل بعض الدول؟

لم يكن الاقتصاد الجنسي مفهوما متداولا لا في الأدبيات الاقتصادية، ولا في الأدبيات السوسيولوجية، أو الأدبيات السكسولوجية سابقا، ذلك أن الحب لم يكن هو المجال المفضل للاستثمار لدى الاقتصاديين على الأقل. لكن الأمور تغيرت اليوم بحيث أصبح اقتصاد الجنس موضوعا مستقلا ليس فقط في مجال البحث الاجتماعي والسيكولوجي ولكن باعتباره موضوعا ذا حظوة وبالغ الاهمية للبحث الاقتصادي المعاصر. وهكذا تغيرت وضعية الواقعة الجنسية من مجال طابو إلى مجال خاضع للعديد من الأبحاث والدراسات المتخصصة. وقد جعلت منه «الجمعية الأمريكية للاقتصاد» (وهي أقوى جمعية عالمية اقتصادية) منذ 2008 موضوعا مستقلا استحوذ على جلسة دراسية خاصة أظهرت مكانة هذا المجال الاقتصادي ضمن اهتمام الجمعية الأمريكية. وكان الموضوع تحت اسم سوق الجنس أو سوق البغاء. وهذا ما حول الجنس إلى نواة ومجال من مجالات الاقتصاد العالمي ، وعلى وجه الخصوص الاقتصاد العالمي الجديد للحياة اليومية.
ولكي نفهم الأهمية التي حظي بها هذا الظهور البارز الذي عرفه مفهوم الاقتصاد الجنسي، ينبغي التمييز بين أربع مفاهيم في هذا المجال وذلك بالرجوع لمفهوم الاقتصاد الليبيدي، واقتصاد الجنس، والاقتصاد الجنسي، والاقتصاد السياسي للجنس.
– ظهر مفهوم الاقتصاد الليبيدي مع فرويد الذي كان يضع تصورا لما يسميه بالطاقة الليبيدية التي تخضع إلى اقتصاد يستثمر الجنس ويضعه في نوع من الاحتياط ويراقبه بالمعنى الذي يعطيه فوكو للمراقبة في حقل الجنسانية، وهذه المراقبة ، فضلا عن وجود أنواع من الكبت، تضع الجنس كنوع من الاحتياط الذي يتم استثماره من خلال اشباع تلك الغرائز، أو تحويلها لطابع اجتماعي مقبول، أو تصعيدها في إبداعات مختلفة.
– أما اقتصاد الجنس، وهو المفهوم الثاني الذي ساهم في تطور الاقتصاد الجنسي، فيمثله رايش. حيث نجد أن رايش جمع بين نظرية فرويد في عامل الاقتصاد الليبيدي وبين الاقتصاد الماركسي الذي يقوم على الإنتاج وعلى ملكية وسائل الانتاج ومن هنا انطلقت الثورة الجنسية التي تقدم ما يسمى بالرفاه والتقدم للفرد في المجتمع. وقد كان هذا النوع من الاقتصاد الجنسي محاولة من رايش لعلاج المرضى الذين يعانون من ضعف جنسي أو مشاكل جنسية بسبب المراقبة أو المنع من الممارسة الجنسية السليمة والطبيعية ، ذلك أن رايش يربط بين الصحة النفسية وقوة الأورجازم بالاعتماد على وظيفة النشوة أو الانتشاء التي تعني القدرة على أن يعطي الشخص ذروته في النشوة والإثارة للآخر، ليصبح هو نفسه طرفا في هذه الذروة، وهكذا يستعيد الشخص تلك القوة والطاقة بعد أن منحت له حرية ممارسة الجنس من أجل العلاج. مفهوم رايش هذا يشكل المستوى الثاني لظهور مفهوم المرحلة الثالثة من الاقتصاد الجنسي.
-يرتبط الاقتصاد الجنسي بثلاثة عناصر أساسية عرفها المجتمع خلال القرن العشرين وهي
مفهوم التطور وما صاحبه من نظريات في التنمية .
اتساع مجال الحريات العامة و الانتشار الواسع للحرية الفردية.
المكانة المتعاظمة لمفهوم المساواة كمفهوم مركزي في دائرة الحقوق.
إن اعتماد هذه المفاهيم الثلاثة نتج عنه بناء نموذج اقتصادي يقوم على أساس ما يعرف باقتصاديات النشوة، لتمحوره حول العلاقات الجنسية. ويعتبر خبراء الاقتصاد أن هذه العلاقة لا تنبع من جسد واحد، لأنها تبحث عن اللذة من خلال تقديم اللذة للآخر، وهكذا أصبحت علاقة الحب في الآن نفسه تحمل جرعة من الغيرية، وجرعة من التملك للمتعة، ليتم تجاوز مفهوم البغاء الذي كان سائدا فيما قبل باعتباره خدمات جنسية بمقابل مادي.
وقد خضع هذا النوع من الاقتصاد الجنسي للتطور الذي عرفه الاقتصاد على اعتبار مهنة استئجار الجسد من أقدم المهن في العالم. حينما كان الاقتصاد السائد هو الاقتصاد المنزلي واقتصاد المبادلات القائمة على المقايضة في المجتمعات البدائية، كان الجسد في هذه المجتمعات يخضع بدوره للمقايضة، لكن بعد تطور الاقتصاد إلى اقتصاد رمزي واقتصاد قائم على التبادل الرأسمالي، أصبح الجسد بمقابل أي بأجر، وهكذا سيتحول الجنس إلى عمل مأجور وخاضع لمعايير الدورة الرأسمالية وفق مقتضيات العرض والطلب.بحيث سيمتزج الاقتصادي بالسياسي
– يشكل الاقتصاد السياسي للجنس المستوى الرابع في تطور مفهوم تداول الخيرات الجنسية واستثمارها إذ يضعنا أمام رأسمال ينظر إليه الاقتصاديون انطلاقا من زاوية مخالفة لما هو سائد، ذلك أنهم يتجاوزون الروابط الأخلاقية للجنس، ويهتمون بما يدره الجنس باعتباره مصدرا للثروة، ومصدرا لتراكم الرأسمال، ولتداول هذا الرأسمال، ومن تم يصبح له طابع اقتصادي وطابع سياسي، لأنه أيضا ينظم العلاقات الاجتماعية على مستوى الجنس، وينظم أسلوب الرقابة، بحيث إن الجنس يصبح سلطة في يد السلطة نفسها، ويصبح كذلك جزءا يستخدمه أباطرة تجار الجنس الذين يتعاملون معه باعتباره وسائط ووسائل مدرة للربح.

* ما هي المؤشرات الميدانية الدالة على وجود حالات يمكن إدراجها في إطار الاقتصاد الجنسي داخل المجتمع المغربي على الرغم من عدم تبني هذا المفهوم الإقتصادي بطريقة رسمية؟

لا يتبنى المجتمع المغربي هذا المفهوم علنيا في أدبياته السياسية وفي قانون ماليته،لأن المجتمع المغربي يظل على مستوى الجنس تقليديا ويحيط الجنس بالسرية رغم أن السر لا يكون سرا إلا لكي يفشى ، واعتباره سرا من أسرار محجوبا يجعله خاضعا لقيم أخلاقية لا تسمح بالتداول اللفظي أوإفشائه على مستوي الخطاب، لكن ذلك يصطدم مع صلابة الواقع، لأن المجتمع المغربي يعيش في الواقع هذه المستويات الأربعة لمفهوم الاقتصاد الجنسي، فظاهرة البغاء في المجتمع المغربي منظمة ومقننة إما من طرف أشخاص منفردين يقدمون خدمات جنسية مقابل مادي، إلى جانب وجود شبكات للدعارة تقوم باستغلال نساء ينتمين لمجتمع البغاء، وعادة ما يتم استغلال هذه الفئة من زبناء معينين مما يدر على شبكات الدعارة دخلا قويا لا تستفيد منه النساء اللواتي يمارسن البغاء، ومن تم يبقين مستغلات. وهذا يدخل هذا النوع من الانتاج الجنسي في خانة المفهوم الاقتصادي السائد الذي يقوم على أن من يملك رأس المال يمكنه أن يستغل الشخص وما ينتجه كما لو أنهما من وسائل ما يملك. ولا يؤدي هؤلاء الاباطرة وسماسرة الجنس أي ضرائب للخزينة العامة لأن المبادلات الجنسية التي يقومون بها وفق قانون خاص للعرض والطلب لا يمكن مراقبتها جبائيا ولا كشف معاملاتها وبذلك يستغلون أخلاق المجتمع التي تسعى جاهدة لحجب هذه الممارسات وإخفائها رغم أنهم أول من يدوس على هذه القيم، فيكون استغلالهم لأخلاق المجتمع مزدوجا بغاية تحصيل الثروة تحث غطاء جميل يروجون له بخبث وهو تحصيل السعادة والمتعة. وبذلك تصبح المتعة سلعة قابلة للتداول في سوق الجنس.
وتجدر الإشارة إلى أن النساء العاملات في هذا المجال يعشن نوعا من الاستغلال على واجهتين، الأولى على المستوى الجنسي حيث البغاء يحط من كرامتهن ويحولهن على ادوات خاضعة لبورصة القيم الجنسية ، أما الواجهة الثانية فتكون على المستوى المادي لأنهن لا يستفدن من المدخول المحصل عليه مقابل الممارسة الجنسية، مقابل استغلال وسطاء وتجار الجنس لهن الذين يغتنون ويراكمون الكثير من الثروات من هذا المجال.
نجد مؤشرات ميدانية أخرى تدل على ذلك وهي تلك المتمثلة فيما يعرفه المجتمع المغربي من علامات المثلية، سواء على مستوى السحاق أو مستوى اللواط، لكن المجتمع يخفي هذه الأمور كما لو أننا مجتمع أخلاقي يسوده الصفاء، معتبرين أن هذه الممارسات لصيقة بالظواهر الغربية فقط، في حين أنها أصبحت ممارسات مغربية تستوجب من السياسيين والاقتصاديين المغاربة الكثير من الاهتمام، مع إعطاء الموضوع ما يستحقه من العناية ليصبح حقلا للبحث والدراسة تحت عنوان الاقتصاد الجنسي، وكذلك حول الاقتصاد السياسي للجنس، لأن الجنس أيضا مستغل من أجل خدمات سياسية وخدمات اقتصادية ومن أجل أمور أخرى تدفعنا للتفكير في مبدأ “تبادل النساء” كما هو متداول من طرف ليفي ستروس الذي يعتبره مبدأ أساسيا للقرابة، كما أنه يعبر عن امتثال وخضوع وتبعية المرأة للرجل.
استحضار هذا المبدأ يحيل على أهمية تناول موضوع الاقتصاد الجنسي على مستويات عدة، سواء على مستوى تبادل الخيرات الرمزية عن طريق الأنتروبلوجيا، أو على المستوي الاقتصادي السياسي، أو اقتصاد الجنس من طرف علماء الاقتصاد، أو على مستوي تنظيم العلاقات الاجتماعية وتنظيم المتعة وضبطها من خلال الدراسات السيكولوجية والسوسيولوجية.
إن استحضار هذه المستويات المختلفة يظهر أننا بحاجة للتعرف علي هذا الاقتصاد الجديد للحياة اليومية، والذي يجعل من الجنس موضوعا للدراسة، و الاستثمار العلمي الذي يساعد في تحرير الكثير من النساء من عبودية الاستغلال الجنسي الحاط بكرامتهن وتحرير الجسد من الرأسمال وإعطائه المكانة التي تليق به سواء في ما تم التشريع له أو في ما منحته الحقوق الانسانية من كرامة.

* ما هي التداعيات التي يمكن أن يعرفها المجتمع نتيجة انخراط جزء من المغاربة داخل هذا النظام الاقتصادي غير المهيكل؟

من التداعيات الواضحة إفراز أسر مغربية تعيش على ما تقدمه لها بناتها المشتغلات في سوق البغاء، وهو شيء معروف لدى الجميع، لكن الكل يحاول التغاضي عن ما يعتبروه أمرا غير أخلاقي سواء مورس بطريقة مباشرة، أو من خلال ممارسات تحجب بمهن أخرى. وهو أمر يحط من كرامة المرأة، لذا لا ينبغي إنكار الظاهرة لأنها معطى قائم والإنكار لا ينفي وجودها بل يساهم في تنمية استغلالها وحماية هؤلاء المستغلين بالتغاضي عنهم وتجاهل الواقع المنتج لهذا الوضع المشين، ولا يعمل سوى على المزيد من تعقيد الظاهرة من خلال الصمت الذي يخفي أسبابها الحقيقية، وتجلياتها خلف ستار تمجيد الأخلاق المجتمعية.
تجاوز الظاهرة لن يكون إلا بدراستها للمساهمة في تجاوزها قصد الوصول لمجتمع يقوم علي أساس الكرامة الإنسانية، وعلى نبذ كل الأشكال التي تخل بهذه الكرامة سواء كانت بغاءا، أو تجارة في الجسد، أو استئجارا له، مقابل الاعلاء من قيمة الحب باعتباره علاقة رمزية وإنسانية تحفظ كرامة الطرفين.

* من هي الجهات التي تستفيد من هذا الاقتصاد الغير معلن عنه؟

المتعاملون مع هذا الاقتصاد الجنسي كثر، منهم الأفراد الذين يؤجرون أجسادهم بطريقة فردية في حرية تامة، سواء كانوا رجالا أو نساءا، وإن كن نساءا في الغالب. بين صفوف النساء نجد المتزوجة وغير المتزوجة، وهن في الغالب فئة تتبنى استئجار الجسد في جو من التستر من أجل إعالة الأسرة، أو من أجل ترف اجتماعي لا يتأتى الحصول عليه إلا من خلال ممارسة الجنس بمقابل مادي.
نجد أن الفئة الثانية من المستفيدين هم الوسطاء الجنسيون الذين يساهمون في تنشيط دورة الرأسمال الجنسي وينظمون المضاربات الجنسية وفق قانون خاص خاضع لمقاييس العرض والطلب، بين طالب المتعة، وواهب المتعة بمقابل. وفي الواقع تكشف الوقائع اليومية عن وجود العديد من الشبكات المستفيدة التي تعمل الجهات الأمنية على كشفها كل يوم، لأنها شبكات ترتبط بالاتجار الداخلي بالجسد، أو الاتجار الخارجي، باعتبار أن هذا الاقتصاد الجنسي أصبح معولما بعد أن تجاوز الإطار المحلي.
يمكننا أن نتحدث اليوم في إطار هذا الاقتصاد الجديد للحياة اليومية، عن اقتصاد جنسي مهيكل ومعولم لذا لابد من تدخل الدولة باعتبارها حامية المجتمع والأفراد بكل حسم وقوة لحماية الأفراد جشع وسلطة هذه الشبكات التي لا تحترم كرامة الأفراد ولا حقوقهم.

* ما هي الأسباب التي تحول دون تبني هذا المفهوم بطريقة رسمية علي الرغم من أنه ممارس على أرض الواقع؟

ترجع الأسباب لبنية المجتمع المغربي، لأنها بنية تقليدية في مجال تداول الثروة الجنسية وتمجد القيم التقليدية، وقيم السلطة، لذا العمل الجنسي لم يتحول لمؤسسة قابلة لأخذ الشرعية،لأن المجتمع لا يمكنه تقبل فكرة تقديم خدمات جنسية خاضعة لحماية الدولة، فهذا يعد عيبا، ونشوزا، وفسادا، وزنا٠٠٠ هذه الكلمات تظهر أن المجتمع يحكم على الوضع بقاموس خاص مستمد من زاوية الفقه، أو من زاوية الشرع، أو الأخلاق ، أو من زاوية القيم المجتمعية المتعارف عليها، أو القانون الجنائي الذي ينص على أن كل ممارسة جنسية خارج إطار الزوجية إما زنا أو فساد.
أمام هذه المظلات القانونية، والجنائية ،والأخلاقية، والدينية، والسياسية… ستحجب الرؤيا، و يصبح الجميع غير قادر عن الإعلان عن ما يقوم به أو يؤمن به. لأن الاعلان عن ذلك يعتبر مساسا بقيم الآخرين، وحرمة المجتمع و”قدسيته”، ومن تم يتعامل الجميع مع مفهوم الاقتصاد الجنسي بنوع من التستر والحشمة والخجل وكل مفردات القاموس الاخلاقي الذي ينظم علاقات الناس، سواء تعلق الأمر بمن يقوم بالفعل، أو بمجرد من يعلمه، أو من يستفيد منه،لأن الجميع يحجب هذه الواقعة التي يعاينها الناس يوميا في العلن، لكنها تحجب لتتحول لطابو يتستر خلف ثوب سميك من الأكاذيب وتكون النساء الضحية الأولى لهذا الصمت وهذا التواطؤ ويكون المجتمع الضحية الثانية ومن ثمة تعم الخسارة الجميع افرادا ومجتمعا ذكورا وإناثا ويسير المجتمع إلى ما قدر له.

حاورته سكينة بنزين

 

مشاركة