الرئيسية اراء ومواقف الخبيرة المغربية مريم الحجيوج آغا تقدم 4 سيناريوهات لما بعد كورونا

الخبيرة المغربية مريم الحجيوج آغا تقدم 4 سيناريوهات لما بعد كورونا

كتبه كتب في 29 سبتمبر 2020 - 14:03

كيف سيكون شكل العالم بعد فيروس كورونا؟ أين سنكون بعد ستة أشهر، سنة، عشر سنوات من الآن؟

هناك أربعة سيناريوهات محتملة في المستقبل!!!

منذ بدأ انتشار Covid-19 وأنا أتساءل كل ليلة عما يخبئه المستقبل لي ولأحبائي، وأصدقائي وأقاربي الضعفاء. أتساءل ماذا سيحدث لعملي، على الرغم من أنني محظوظة أكثر من الكثيرين: لأن أعمالي يمكني إنجازها عن بعد.
أكتب هذا المقال من إنجلترا، حيث لا يزال لدي أصدقاء يعملون لحسابهم الخاص لم يتمكنوا من إدخال ولا حتى جنيه إسترليني واحد منذ شهور، وأصدقاء آخرون فقدوا وظائفهم بالفعل. رغم أن المملكة المتحدة حاولت مساعدة العمال بوضع عقد يدفع 80٪ من رواتب العمال، إلا أنه سينتهي في ديسمبر 2020، يعني بعد شهور قليلة. وماذا بعد ذلك التاريخ؟ هذا ما يعيشه الناس مع الأزمة التي تعيشها دولة متقدمة وغنية مثل ابريطانيا والتي لن تنجو من الكارثة المستقبلية مثلها مثل باقي الدول في العالم أجمع بما في ذلك بلدي الأول المغرب الحبيب!!! هذا لان فيروس كورونا يضرب الاقتصاد العالمي بشدة.

كيف يجب ترتيب أوراق السياسة الاقتصادية في المستقبل؟

هناك عدد من السيناريوهات المحتملة، وكلها تعتمد على كيفية استجابة الحكومات والمجتمعات لفيروس كورونا وتداعياته الاقتصادية. آمل أن تستخدم هذه الأزمة لإعادة البناء وإنتاج سياسة اقتصادية أفضل وبالاحرى أكثر إنسانية مما هي عليه الآن؛ ولكن من المحتمل أيضا أن نخفق ونسقط فيما هو أسوأ.

أعتقد أنه يمكننا فهم وضعنا الحالي ومن خلاله نتكهن بما قد يحصل في المستقبل، وذلك من خلال النظر إلى السياسات الاقتصادية وكيفية إدارة الأزمات الأخرى في مختلف بلدان العالم. إذا ألقينا نظرة على الطريقة التي تساهم بها الديناميكيات الاقتصادية في تحديات مثل تدهور الصحة النفسية والبدنية بين العمال، نلاحظ أننا بحاجة إلى وضع خطط وسياسات اقتصادية مختلفة تماما عما هي عليه الآن إذا أردنا بناء مستقبل عادل اجتماعيا وسليما بيئيا.

في اعتقادي أن تدبير أزمة وباء COVID-19 هو ببساطة تضخيم للديناميكية التي تدفع الأزمات الاجتماعية والبيئية الأخرى؛ بمعنى أنه تم إعطاء الأولوية لنوع واحد من القيم على حساب القيم الأخرى من طرف معظم الدول العالمية. وهذه الديناميكية لعبت دورا كبيرا في دفع الاستجابات لهذه الأزمة العالمية ولذلك خلقت موجة من التخبط في القرارات المستعجلة وغير مدروسة من كل الجوانب، اغلبها كانت فاشلة.

كيف يمكن أن يتطور مستقبلنا الاقتصادي بعد جائحة Covid-19؟

من المنظور الاقتصادي، هناك أربعة سيناريوهات مستقبلية محتملة: الاقتصاد البربري، الاقتصاد الرأسمالي، الاقتصاد الراديكالي، أو التحول إلى مجتمع كبير مبني على المساعدة المتبادلة. كل هذه السيناريوهات المستقبلية ممكنة جدا، وإن لم تكن مرغوبة بنفس القدر من مختلف دول العالم.

هل التغييرات الصغيرة قد تحسن من الوضع الوبائي الحالي؟

التغييرات الصغيرة لن تحد من انتشار الوباء للأسف الشديد. حيث أن Covid-19 مثله مثل التتغيرات المناخية، يعتبر مشكل جزئي فقط من الهيكل الاقتصادي. على الرغم من أن كلا المشكلتين يبدو أنهما مشكلة بيئية أو طبيعية، إلا أنهما مدفوعان اجتماعيا. نعم، يحدث تغير المناخ بسبب غازات معينة تمتص الحرارة وبسببنا نحن، لكن هذا تفسير ضحل للغاية. ولفهم تغيرات المناخية حقا، فإننا نحتاج إلى فهم الأسباب الاجتماعية التي تجعلنا نساهم في عملية انبعاث غازات التي تسبب الاحتباس الحراري وبالتالي التلوث الجوي. كذلك مع انتشار COVID-19!!! بالفعل، فإن السبب المباشر هو الفيروس، ولكن إدارة آثاره والحد من تفشيه بين البشر تتطلب منا فهم السلوك البشري وسياقه الاقتصادي الأوسع (يعني التفكير خارج العلبة).

أعتقد أن معالجة كل من COVID-19 وتغير المناخ سيكون أسهل بكثير إذا قللنا من الأنشطة الإقتصادية غير الضرورية. بالنسبة لتغير المناخ، هذا لأنه إذا أنتجت كمية أقل من الأشياء غير ضرورية، فإنه ستستخدم طاقة أقل، وتنبعث غازات سامة أقل في الهواء. وفيما يخص وباء COVID-19 وكما يعلن الجميع فإنه ينتشر بسرعة كبيرة؛ والسبب الرئيسي هو عدم احترام التباعد الاجتماعي ومخالطة الناس مع بعضهم البعض وبذلك تنتشر العدوى مثل النار في الهشيم. يحدث هذا في المنازل وفي أماكن العمل وفي الزيارات التي يقوم بها الناس لعائلاتهم البعيدة. لذلك من الطبيعي أن يقلل التباعد الإجتماعي والاختلاط من انتقال العدوى من شخص لآخر ويؤدي إلى عدد أقل من الحالات بشكل عام.

إضافة إلى ذلك، قد يساعد التباعد الإجتماعي أيضا في استراتيجيات التحكم الأخرى. تتمثل إحدى استراتيجيات المعروفة لمكافحة لتفشي الأمراض المعدية في تتبع وعزل المختلطين التي يتبعها معظم الدول العالمية من بينها المغرب. حيث يتم تحديد المخالطين بالشخص المصاب، ثم عزلهم لمنع انتشار الوباء. قد يكون هذه الاستراتيجية أكثر فاعلية عند تتبع نسبة عالية من جهات الاتصال بالمصاب. كلما قل عدد المخالطين بالشخص المصاب، قل عدد الحالات التي وجب تتبعها للوصول إليها وعملها وهكذا.

كيف يؤثر Covid-19 على الاقتصاد الهش؟

يشكل الحجر الصحي والإغلاق ضغطا على الاقتصاد العالمي. كل الدول العالمية وبدون استثناء تواجه ركودا خطيرا. وقد أدى هذا الضغط ببعض قادة العالم إلى الدعوة إلى تخفيف إجراءات الإغلاق من بينها المغرب. حتى ومع ذلك، فإن الحالة تشير إلى أننا نعيش مع سياسات اقتصادية تهدد بالانهيار في اي وقت مع استمرار تفشي الوباء بجميع أنحاء العالم.

إن بوادر الانهيار الاقتصادي واضحة إلى حد كبير. فالأعمال التجارية موجودة لتحقيق الربح. ولكن إذا لم يتمكنوا من الإنتاج، فلا يمكنهم بيع المنتوجات. هذا يعني أنهم لن يحققوا أرباحا، مما يعني أنهم أقل قدرة على توظيف العمال. يمكن للشركات القيام بذلك (خلال فترات زمنية قصيرة) الاحتفاظ بالعاملين الذين لا تحتاجهم على الفور: يريدون أن يكونوا قادرين على تلبية الطلب عندما ينتعش الاقتصاد مرة أخرى. ولكن، إذا بدأت الأمور تسوء حقا، فلن يحدث ذلك. لهذا، يفقد المزيد من العمال وظائفهم أو يخشون فقدان وظائفهم. ويضطرون لإنفاق أقل ما كانوا ينفقون. وتبدأ الدورة بأكملها مرة أخرى، وبعبارة أوضح، العالم بأسره يغرق في كساد اقتصادي جد خطير.

في الأزمات الإقتصادية العادية، تكون وصفة حل هذه المشكلة بسيطة. الحكومة تنفق، وتنفق حتى يبدأ الناس في الاستهلاك والعمل مرة أخرى. (هذه الوصفة هي ما اشتهر به الخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز). لكن التدخلات العادية لن تنجح هنا لأننا لا نريد أن يتعافى الاقتصاد (على الأقل، ليس على الفور). بيت القصيد من الإغلاق هو منع الناس من الذهاب إلى العمل، حيث ينشرون الوباء. مثالا على ذلك هو أن رفع إجراءات الإغلاق في ووهان (بما في ذلك إغلاق أماكن العمل) أدى إلى الحد من انتشار الوباء بتلك المدينة في ظرف وجيز.

كتب الخبير الاقتصادي جيمس ميدواي (James Meadway)، فإن الاستجابة الصحيحة لتدبير جائحة COVID-19 ليست اقتصادا في زمن الحرب – مع زيادة هائلة في الإنتاج. بدلاً من ذلك، نحن بحاجة إلى اقتصاد “مناهض للحرب” وتقليص هائل في الإنتاج. وإذا أردنا أن نكون أكثر مرونة في مواجهة الأوبئة في المستقبل (ولتجنب أسوأ ما في تغيرات المناخية)، فنحن بحاجة إلى نظام قادر على تقليص الإنتاج بطريقة لا تعني فقدان سبل العيش الكريم للطبقة الهشة من المجتمع.

إذن ما نحتاجه هو عقلية اقتصادية مختلفة وتدابير فريدة ومبتكرة عوض التقليدية. نميل إلى التفكير في الاقتصاد على أنه الطريقة التي نشتري بها ونبيع الأشياء، وخاصة السلع الإستهلاكية. لكن هذا ليس ما يجب أن يكون عليه الاقتصاد.
الاقتصاد في جوهره هو الطريقة التي نأخذ بها مواردنا ونحولها إلى أشياء نحتاجها للعيش. بالنظر إلى هذه الطريقة، يمكننا البدء في رؤية المزيد من الفرص للعيش بشكل مختلف والتي تسمح لنا بإنتاج أشياء أقل دون زيادة البؤس الاجتماعي المعاش. لذلك، نحتاج إلى أدمغة وخبراء اقتصاديون باستطاعتهم إعطاء الخطوط العريضة لمخطط كيفية إنتاج أقل مع الإبقاء على نفس العدد من العاملين ونفس الأجور لتحقيق العدالة الاجتماعية. أظن أن التحدي المتمثل في إنتاج أقل يعد أيضا أمرا أساسيا لمعالجة التغيرات المناخية. كل شيء آخر متساوي، كلما زاد إنتاجنا، زاد انبعاث غازات الاحتباس الحراري.

إذن كيف يمكن التقليل من الانتاج مع إبقاء الناس في العمل؟

فكرت في بعض الاقتراحات:
* تقليل طول أسبوع العمل أو يمكنك السماح للأشخاص بالعمل بشكل أبطأ وبضغط أقل. لا ينطبق أي من هذين الأمرين بشكل مباشر على COVID-19، حيث يكون الهدف هو تقليل الاتصال بدلاً من الناتج، لكن جوهر المقترحات هو نفسه.
* يجب أن التقليل من اعتماد الناس على الأجر لتتمكن من العيش. مثلا: تشجيع العاملين والموظفين على إنتاج ما يستطيعون من الخضار على أسطح منازلهم وعلى الشرفات للاستهلاك الشخصي بدلا من شراء كل شيء(حتى النعناع) من الأسواق.

ما الغرض من الإقتصاد؟

صلب فهم الاستجابات لـتداعيات COVID-19 هو السؤال عن الغرض من الاقتصاد. الهدف الأساسي الإقتصاد العالمي حاليا هو تسهيل التبادل التجاري. هذا ما يسميه الاقتصاديون “القيمة التبادلية”. الفكرة السائدة عن النظام الحالي الذي نعيش فيه الآن هي أن القيمة التبادلية هي نفس قيمة الإستخدام. في الأساس، سينفق الناس الأموال على الأشياء التي يريدونها أو يحتاجون إليها، ويخبرنا مؤشر الإنفاق هذا شيئا ما عن مدى تقديرهم “لاستخدامها”. هذا هو السبب في أن الأسواق تعتبر أفضل طريقة لإدارة المجتمع. إنها تتيح للناس التكيف، وتتميز بالمرونة الكافية لمطابقة القدرة الإنتاجية مع قيمة الاستخدام.

إن ما يلقي به كوفيد -19 بوضوح شديد هو مدى خطأ معتقداتنا بشأن الأسواق. في جميع أنحاء العالم، تخشى الحكومات من تعطل الأنظمة الحيوية أو زيادة العبء عليها بالاساس: سلاسل التوريد والرعاية الإجتماعية والرعاية الصحية إلى غير ذلك. هناك الكثير من العوامل المساهمة في ذلك. لكن سأذكر إثنين منها.

أولا، من الصعب جدا كسب المال من العديد من الخدمات المجتمعاتية الأساسية. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المحرك الرئيسي للأرباح هو نمو إنتاجية العمل؛ بمعنى القيام بالمزيد مع عدد أقل من الناس. يمثل الأشخاص عامل تكلفة كبير في العديد من القطاعات، خاصة تلك التي تعتمد على اليد العاملة مثلا قطاع الصحة. وبالتالي، فإن نمو الإنتاجية في قطاع الصحية يميل إلى أن يكون أقل من بقية الاقتصاد، لذلك ترتفع تكاليفه بشكل أسرع من المتوسط.

ثانيا، الوظائف في العديد من الخدمات الحيوية ليست تلك التي تميل إلى أن تكون ذات قيمة عالية في المجتمع. توجد العديد من الوظائف ذات الأجور الأعلى فقط لتسهيل التبادلات؛ (لكسب المال). إنها لا تخدم أي غرض أوسع للمجتمع: فهي ما يسميه عالم الأنثروبولوجيا ديفيد جريبر “الوظائف الهراء”. ومع ذلك، لأنهم يجنون الكثير من المال، لدينا الكثير من الاستشاريين، وصناع إعلانية ضخمة وقطاع مالي ضخم. في المقابل، لدينا أزمة في الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم، حيث يضطر بعض الكفاءات العليا غالبا إلى ترك الوظائف المفيدة التي يتمتعون بمزاولتها، لأن هذه الوظائف لا تدفع لهم ما يكفي للعيش الكريم وبعضهم يفضل الهجرة إلى أحد البلدان المتقدمة لكسب المزيد من المال.

ما هي الوظائف التي لا طائل من ورائها؟

سلط وباء Covid-19 الضوء على أن العديد من الوظائف ليست ضرورية، في المقابل نفتقر إلى عدد كافي من العاملين الرئيسيين للاستجابة عندما تسوء الأمور. يضطر الناس إلى العمل في وظائف لا طائل من ورائها لأنه في مجتمع تكون فيه قيمة التبادل هي المبدأ التوجيهي للاقتصاد، فإن السلع الأساسية للحياة متاحة بشكل أساسي من خلال الأسواق. هذا يعني أنه عليك شرائها، ولشرائها تحتاج إلى دخل يأتي من الوظيفة أو العمل.

الجانب الآخر من هذه الفئة هو أن الاستجابات الأكثر جذرية (والفعالة) التي نراها لتفشي COVID-19 تتحدى هيمنة الأسواق والقيمة التبادلية. تتخذ الحكومات في جميع أنحاء العالم إجراءات كانت تبدو مستحيلة قبل ثلاثة أشهر. في إسبانيا، تم تأميم المستشفيات الخاصة، وفي المغرب أيضا استطاع بناء مستشفيات ميدانية كذلك تشجيع معامل النسيج على إنتاج الكمامات مع بداية جائحة Covid-19. في المملكة المتحدة، أصبح احتمال تأميم مختلف وسائل النقل أمرا حقيقيًا للغاية. وأعلنت فرنسا عن استعدادها لتأميم الشركات الكبيرة.

بالإضافة إلى أن بعض الدول مثل الدنمارك والمملكة المتحدة توفر للناس دخلا من أجل منعهم من الذهاب إلى العمل للحد من انتشار وباء Covid-19. هذا جزء أساسي من عملية الحجر الصحي الناجحة. ولكن كانت هذه التدابير بعيدة كل البعد عن الكمال. ومع ذلك، فهو تحول عن مبدأ أن الناس يجب أن يعملوا لكسب قوت يومهم، وانتقال نحو فكرة أن الناس يستحقون أن يكونوا قادرين على العيش حتى لو لم يتمكنوا من العمل.

على ما يبدو أن هذا يعكس الاتجاهات السائدة في الأربعين سنة الماضية. خلال ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الأسواق وقيم الصرف والبورصة على أنها أفضل طريقة لإدارة الاقتصاد. والنتيجة، تعرضت هذه الأنظمة بدون استثناء وبمختلف أنحاء العالم لضغوط متزايدة للتسويق، لتُدار كما لو كانت شركات يتعين عليها كسب المال. وبالمقابل، نشهد انهيار أسواق العمل. وأصبح العمال أكثر وأكثر انكشافا على السوق – فقد أزيلت عقود العمل بدون ساعات عمل واقتصاد العمل المؤقت طبقا للحماية من تقلبات السوق التي اعتادت العمالة طويلة الأجل والمستقرة تقديمها. وعلى ما يبدو فأن COVID-19 يعكس هذا الاتجاه، حيث استطاع اخراج الرعاية الصحية والعمالة من السوق ووضعها في أيدي الدول بمعظم دول العالم.

هذه التغييرات والتوجهات قد تبعث على الأمل، لأنها تمنح الفرصة لإنقاذ العديد من الأرواح. حتى أنها تلمح إلى إمكانية التغيير على المدى الطويل الذي يجعلنا أكثر سعادة ويساعدنا على معالجة التغيرات المناخية. لكن الأسئلة المطروحة هي لماذا أخذنا كل هذا الوقت للوصول إلى هنا؟ لماذا كانت العديد من البلدان غير مستعدة لإبطاء الإنتاج؟ تكمن الإجابة في تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية: لم يكن لديهم “العقلية” الصحيحة.

كيف هي الرؤية الاقتصادية؟

كان هناك إجماع اقتصادي واسع النطاق منذ 40 عاما. وقد حد هذا من قدرة السياسيين ومستشاريهم على رؤية تصدعات في النظام الاقتصادي التقليدي، أو تخيل وإحداث بدائل لهذا النظام. هذه العقلية مدفوعة بمعتقدين مرتبطين ببعضهما:
أولا،السوق هو ما يوفر نوعية جيدة من الحياة، لذلك يجب حمايته.
ثانيا، سيعود السوق دائما إلى طبيعته بعد فترات قصيرة من الأزمة.

هذه المعتقدات شائعة في العديد من الدول الغربية. لكنهما أقوى في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وكلاهما بدا على أنهما مستعدان بشكل سيئ للاستجابة لـ COVID-19.

في المملكة المتحدة مثلا، ورد أن الحضور في مشاركة خاصة لخصوا نهج رئيس الوزراء الأقدم في التعامل مع COVID-19 على أنه “مناعة القطيع، وحماية الاقتصاد، وإذا كان ذلك يعني وفاة بعض المتقاعدين، فهذا سيء للغاية”. نفت الحكومة ذلك، لكن إذا كان حقيقيا، فهو ليس مستغربا للأسف الشديد.

هذا النوع من الرؤى تتصف به نخبة معينة. ويمثلها بشكل جيد مسؤول من تكساس جادل بأن العديد من كبار السن سيموتون وهم مسرورين بدلا من رؤية الولايات المتحدة تغرق في كساد اقتصادي. تعرض هذه النظرة للخطر العديد من الأشخاص المستضعفين (وليس كل الأشخاص المستضعفين من كبار السن)، وكما حاولت أن أوضح هنا، فهي نظرة خاطئة.

كيف نرى مستقبلنا؟

أهم ما يمكن لأزمة Covid-19 أن تفعله هو توسيع هذه الرؤية الاقتصادية. مع اتخاذ الحكومات والمواطنين خطوات بدت مستحيلة قبل أكثر من ستة أشهر. بحيث بالإمكان تغيير أفكارنا حول كيفية عمل العالم بسرعة. دعونا ننظر إلى أين يمكن أن تأخذنا إعادة النظر في رؤيتنا بشأن الاقتصاد.

هناك أربعة رؤى قد تساعدتنا على معرفة ما يخبؤه لنا الزمن، قد نأخذ بعين الاعتبار عاملين أعتقد أنهما سيكونان مهمين في قيادة المستقبل، ونتخيل ما سيحدث في ظل مجموعات مختلفة من هذه العوامل منها:

* القيمة والمركزية: تشير القيمة إلى المبدأ التوجيهي لاقتصادنا (بمعنى هل نستخدم مواردنا لتعظيم التبادلات والمال، أم نستخدمها لتعظيم الحياة؟). وتشير المركزية إلى الطرق والسبل التي يتم بهل ومن خلالها تنظيم الأشياء، إما عن طريق الكثير من الوحدات الصغيرة أو بواسطة قوة قيادة كبيرة واحدة. يمكننا تنظيم هذه العوامل في شبكة من رؤى التي يمكن ملؤها بالسيناريوهات المحتملة. لذلك يمكننا التفكير فيما قد يحدث إذا حاولنا الاستجابة لفيروس كورونا بالتوجهات الاقتصادية الأربع التالية:

1) التوجه نحو رأسمالية الدولة: بمعنى استجابة مركزية، إعطاء الأولوية للقيمة التبادلية.

2) التوجه نحو الدولة العشوائية أو نحو الاقتصادي العشوائي: بمعنى استجابة لامركزية تعطي الأولوية للقيمة التبادلية.

3) التوجه الاقتصادي نحو اشتراكية الدولة: بمعنى استجابة مركزية تعطي الأولوية لحماية حياة الأفراد.

4) التوجه نحو سياسة المساعدة المتبادلة: بمعنى استجابة لامركزية تعطي الأولوية لحماية حياة الأفراد.

ما معنى اشتراكية الدولة؟

تصف اشتراكية الدولة أول المستقبل الذي يمكن أن نراه مع تحول ثقافي يضع نوعا مختلفا من القيمة في قلب الاقتصاد. هذا هو المستقبل الذي نصل إليه مع تمديد الإجراءات التي نراها حاليا في المملكة المتحدة وإسبانيا والدنمارك وكذلك المغرب الذي وفر صندوق كوروناومتعك تصرف إعانات لأسر الفقيرة التي تضررت من جاءحة كورونا.

المغزى من هذا التوجه هو أن تدابير مثل تأميم المستشفيات والمدفوعات للعمال والاعانات المدفوعة للأسر المتضررة، لا يُنظر إليها على أنها أدوات لحماية الأسواق، ولكنها وسيلة لحماية حياة الأفراد من الانهيار جراء ضغوطات الحياة في ظل الحجر الصحي. في مثل هذا السيناريو، تتدخل الدولة لحماية أجزاء الاقتصاد الضرورية للحياة؛؟ مثل إنتاج الغذاء ومراقبة الأسواق، حتى لا تصبح المؤن الأساسية للحياة عرضة للتضاربات ومن ثم قلة المؤن أو ارتفاع أثمنتها. وبذلك، توفر الدولة لجميع المواطنين وسيلة للوصول إلى السلع المختلفة – الأساسية وأي سلع استهلاكية يمكن إنتاجها بيد عاملة مخفضة.

في هذا التوجه أيضا، لن يحتاج المواطنون الإعتماد على أرباب العمل كوسيط بينهم وبين المواد الأساسية للحياة. حيث تتم المدفوعات للجميع بشكل مباشر ولا ترتبط بالقيمة التبادلية التي ينشئونها، بل تكون المدفوعات هي نفسها للجميع (على أساس أننا نستحق أن نكون قادرين على العيش، ببساطة لأننا على قيد الحياة)، أو أنها تستند إلى فائدة العمل. عمال السوبر ماركت وسائقوا المواصلات العمومية ومخزنوا السلع والممرضات والمعلمون والأطباء يجب أن يصبحوا هم الرؤساء التنفيذيون الجدد في ظل هذا التوجه.

من الممكن أن تظهر اشتراكية الدولة كنتيجة لمحاولات رأسمالية الدولة حاليا وتأثيرات جائحة Covid-19 على المدى الطويل لا قدر الله. إذا حدث ركود عميق وحدث اضطراب في أنظمة وهياكل التوريد، بحيث لا يمكن إنقاذ الطلب من خلال نوع السياسات الكينزية القياسية (Standard Keynesian Policies) التي نراها الآن (مثل طباعة النقود، وتسهيل الحصول على القروض وغيرها)، فقد تتولى الدولة عملية الإنتاج.

هناك مخاطر لهذا التوجه، بحيث يجب أن نكون حريصين على تجنب الاستبداد. ولكن إذا تم إجراؤه بشكل جيد ووظفوا كفاءات عالية ومنضبطة، فقد يكون هذا هو أفضل أمل لأي دولة في مواجهة تفشي فيروس كورونا إذا طال أمده لا قدر الله. ستكون دولة قوية قادرة على حشد الموارد لحماية الوظائف الأساسية للاقتصاد والمجتمع.

ما معنى المساعدة المتبادلة؟

المساعدة المتبادلة هي رؤية او سيناريو آخر لمستقبل آمن، والذي بأخذ بعين الاعتبار فيه حماية حياة الأفراد كمبدأ إرشادي لاقتصاد الدولة. لكن في هذا السيناريو، لا تلعب الدولة دورا محددا. بدل من ذلك، يبدأ الأفراد وجمعيات المجتمع المدني في تنظيم الدعم والرعاية داخل مجتمعاتهم والعناية ببعضهم البعض.

تكمن مخاطر هذا المستقبل في أن الجمعيات غير قادرة على جمع وحشد هذا النوع من الموارد المطلوبة والضرورية بسرعة لزيادة قدرة الرعاية الصحية على سبيل المثال بشكل فعال. لكن المساعدة المتبادلة قد تمكن من منع انتقال أكثر فعالية، من خلال بناء شبكات دعم مجتمعاتية تحمي قواعد الحجر الصحي والفئات المعرضة للخطر مثل الشرطة والدرك وغيرها. يتجلى الشكل الأكثر طموحا في هذا التوجه ظهور هياكل ديمقراطية فعالة جديدة. وجود جمعيات وتجمعات مجتمع مدني صلبة وقادرة على تعبئة موارد كبيرة بسرعة نسبية. قد يؤدي هذا التوجه أيضا إلى تكريس روح المؤازرة بين مختلف شرائح المجتمع وعودة تلك القيم الرائعة التي افتقدناها في مجتمعاتنا اليوم للأسف الشديد. قد يساعد هذا التوجه في تمكين الأشخاص للاجتماع معا لتخطيط وتنفيذ الأفكار المقترحة لوقف انتشار الوباء (إذا كانت لديهم المهارات) للتحسيس بخطورة انتشار الوباء أو لعلاج المرضى.
يمكن أن ينبثق هذا التوجه أو السيناريو من أي سيناريو آخر. إنها طريقة محتملة للخروج من العشوائية في القرارات، أو رأسمالية الدولة، ويمكن أن تدعم اشتراكية الدولة.

الجميع يعلم أن استجابات المجتمع كانت أساسية في معالجة تفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا. ونرى بالفعل جذور هذا المستقبل اليوم في مجموعات تنظيم حزم الرعاية ودعم المجتمع. يمكننا أن نرى هذا على أنه فشل في استجابات الدولة. أو يمكننا أن نراها كاستجابة مجتمعية عملية ورحيمة لأزمة تتكشف.

ما بين الأمل والخوف!!

هذه الرؤى عبارة عن سيناريوهات ورؤى فريدة ومن المحتمل أن تتداخل مع بعضها البعض. اعترف أني خائفة من الانحدار من توجه رأسمالية الدولة إلى توجه العشوائية الهمجية. أملي هو أن يقوم الخبراء والمخططون للمرحلة القادمة بخلق هياكل وأنظمة تتكون من مزيج من اشتراكية الدولة والمساعدة المتبادلة: دولة ديمقراطية قوية تحشد الموارد لبناء نظام صحي قوي، ونظام تعليمي أقوى. وتعطي الأولوية لحماية الضعفاء من نزوات السوق وتستجيب للمواطنين وتمكنهم من تشكيل مجموعات المساعدة المتبادلة بدلاً من العمل في وظائف لا معنى لها.

ما نأمل أن يكون واضحا هو أن كل هذه الرؤى تترك بعض أسباب الخوف من تنفيذها على أرض الواقع، وفي نفس الوقت أيضا بعض الأمل. أوضح COVID-19 بعض العيوب الخطيرة وبين عن اختلالات في الهياكل الحالية بمعظم دول العالم. من الضروري أن تحل هذه المعضلات جذريا وباساليب فعالة ليمكن خلق التغيير الاجتماعي المنشود. وهذا سيتطلب تحركا سريعا وناجعا بعيدا عن الأسواق واستخدام الأرباح كطريقة أساسية لتنظيم الاقتصاد. الجانب الإيجابي لهذه الرؤية هو إمكانية بناء نظام أكثر إنسانية مما عليه الآن ويجعلنا أكثر مرونة في مواجهة الأوبئة في المستقبل والأزمات الآنية الأخرى مثل التغيرات المناخية.

يمكن أن يأتي التغيير الاجتماعي من عدة أماكن وبتأثيرات عديدة. إن المهمة الرئيسية بالنسبة لنا جميعا هي المطالبة بأن تأتي الأشكال الاجتماعية الناشئة من أخلاقيات تقدر الرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السليمة والتعليم المجاني الجيد. يجب على الحكومات بمختلف دول العالم في هذا الوقت من الأزمة البدا في العمل والتخطيط والتنظيم (فعليا) حول هذه القيم لإنقاذ الأفراد والمجتمعات من الضياع والخراب نتيجة ضغوطات المجهول

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *