الرئيسية مجتمع لمحة عن اللغة المشفرة لفقهاء سوس

لمحة عن اللغة المشفرة لفقهاء سوس

كتبه كتب في 6 أغسطس 2020 - 13:52

يمتاز فقهاء سوس عن غيرهم من فقهاء المغرب، باستعمال لغة خاصة للتواصل فيما بينهم، دون أن يعرف الآخرون مضمون الحديث.. وتتكون اللغة المميزة le jargon من جمل باللغة الامازيغية، مطعمة بألفاظ قرآنية تعد أقنان سرية des codes، يستحيل فهم المقصود في الكلام بدون ادراك معنى تلك الأقنان، التي تشبه الرموز التي تحرر بها التقارير السرية للأجهزة الأمنية، التي يمكن أن تقرأها دون أن تعرف محتواها. فعندما تسمع الألفاظ القرآنية في كلامهم، لا تستطيع فك شفرتها، ان كنت لا تدري المدلول، الذي تدل عليه في منطوق الفقهاء، وقد تظن أن معنى العبارة القرآنية المستعملة في الكلام، يفيد المعنى الأصلي le sens propre
فالعبارات القرآنية التي تميز لغة الفقهاء عن غيرها، لا تدل على معناها الأصلي في المتن القرآني، بل يحيل مدلولها على الكلمة التي تليها في النص القرآني، وتارة أخرى يذهب مدلولها الى الكلمة التي تسبقها في المتن القرآني. كما تتضن اللغة السرية للفقهاء عبارات مختلفة: قد تكون أمازيغية أو عربية أو مجرد حروف.. يستعملونها في التواصل فيما بينهم بعدما اتفقوا على مدلولها فيما قبل.. وفي نفس السياق، تم اقتباس عبارات من القرآن، لديها كلمات شبيهة في اللغة الأمازيغية، وتم اسقاط معنى الكلمات الأمازيغية الشبيهة على العبارات القرآنية. ويلاحظ أن العبارات القرآنية المستعملة في لغة الفقهاء، مقتبسة، في غالب الأحيان، من مطلع الآيات التي تتضمن الشيء المدلول عليه.
يرجح أن الفقهاء اخترعوا هذه اللغة المشفرة، بعد ارتفاع عدد المتعلمين في المجتمع السوسي، وتزايد عدد الناس الذين يتقنون العربية الفصحى، التي كانت وسيلة التخاطب الرئيسية لدى الفقهاء بعيدا عن عامة الشعب أو “العوام” (“إعاميين”، كما يسمونهم بالأمازيغية)، الذين يستعملون الأمازيغية في حياتهم اليومية بدون عقدة نقص، وبالتالي ظهرت الحاجة الى ابتكار لغة جديدة مشفرة، لا يفك رموزها سوى المنتمين الى عالم الفقهاء..
يتطلب اتقان اللغة السرية للفقهاء سنوات كثيرة من المعاشرة عن قرب لهذه الفئة من المجتمع، لاستيعاب وفك شفرة اللغة المذكورة والتواصل بواسطتها… فقد ظلت هذه اللغة المشفرة، وسيلة التواصل الرئيسية لدى الفقهاء منذ زمن طويل، لأنها تسمح للفقهاء بالحفاظ على السر المهني لمهنتهم وحمايته بعيدا عن أعين الفضوليين والمتطفلين على المجال.. أكثر من ذلك تسمح اللغة المشفرة بالدلالة على أمور تخصهم ويريدون كتمها عن عامة المواطنين.
بعدما جمعنا قائمة تحوي أهم الألفاظ المتداولة في اللغة المشفرة للفقهاء، ومعظمها ألفاظ قرآنية،ـ قمنا بتصنيف المفردات المعنية الى أربع مجموعات حسب نوعية المدلول لدى كل فئة على حدة، مع الإشارة الى المصدر، الذي اقتبست منه العبارة ضمن سور القرآن الكريم كما يلي:
1 (عبارات قرآنية يوجد مدلولها في الكلمات التي تتبعها:

“اصطفى”: تدل على “البنات”، لأن الكلمة التي تليها في النص القرآني هي “البنات”، وهي مقتبسة من الآية 153 من سورة الصافات: “اصطفى البنات على البنين”.
“بخْسٍ”: تعني “الدراهم أو النقود”، لأن اللفظة التي تليها في المتن القرآني هي “دراهم”، وهي مستوحاة من الآية 20 من سورة يوسف: (“وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ”).
“رابعهم”، “سادسهم”، “ثامنهم”: تدل الكلمات الثلاث على نفس المعنى وهو: “الكلب” ومجازا على أي شخص عديم الفائدة. فالكلمات المذكورة متبوعة بلفظة “كلبهم” في النص القرآني. وهي مقتبسة من الآية 22 من سورة الكهف: “سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا”.
“كمثل”: تعني “الحمار”، لأنها الكلمة الموالية في الآية القرآنية، وهي مأخوذة من الآية 5 من سورة الجمعة: (“مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”.
“في قلوبهم”: تدل على “المرض”، لأن الكلمة التي تليها في المتن القرآني هي “مرض”، وهي مستوحاة من الآية 10 من سورة البقرة: (“فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ”.)
“ولم أك”: تعني “العاهرة”، لكون الكلمة التي تتبعها في النص القرآني هي “بغيا”(أي العاهرة)، وهي مقتبسة من الآية 20 من سورة مريم: (“قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا”.)
“وتلك”: تدل على “التناوب” (“أدوال” بالامازيغية)، لأن الكلمة التي تتبعها في القرآن هي “نداولها”، وهي مقتبسة من الآية 140 من سورة آل العمران: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
“إنما”: تدل على “الخمر والمشروبات الكحولية بصفة عامة، لأن الكلمة التي تليها في النص القرآني هي “الخمر”، وهي مأخوذة من الآية 90 من سورة المائدة: “إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”.
“يسألونك”: تدل بدورها على نفس المعنى أي “الخمر”، لكونها متبوعة في الآية القرآنية ب “عن الخمر”، وهي مستوحاة من الآية 219 من سورة البقرة: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ”.
“ما اتخذ”: تدل على “الصاحبة والصديقة”، لأن الكلمة التي تتبعها في النص القرآني هي “صاحبة”، وهي مستوحاة من الآية 3 من سورة الجن: ” وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا…”
“وبّرزت”: عندما يرفعون الدعاء على أحدهم ويدعون له بعبارة “وبرزت”، فهي تعني “جهنم”، لأن الكلمة التي تليها في الآية القرآنية هي “الجحيم” وهي مرادف ل”جهنم”، وهي مقتبسة من الآية 36 من سورة النازعات: “وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ”.
“فارتقب”: تدل على التدخين والسجائر، لأن الكلمة التي تليها في نفس الآية القرآنية هي “دخان”، وان لم تتبعها بشكل فوري، وهي مقتبسة من الآية 10 من سورة الدخان: “فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين”.
2) عبارات قرآنية لديها كلمات شبيهة في الامازيغية ويوجد مدلولها في الكلمات التي تليها
“تؤزّهم”: يستعملونها للدلالة على الأطفال، لأن الكلمة التي تليها في النص القرآني هي “أزا” وهي شبيهة بلفظة “أزان” الأمازيغية وتعني “الطفل”، وهي مقتبسة من الآية 83 من سورة مريم: “أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا”.
“تظن”: تدل في قاموسهم على “العجوز”، لأنها متبوعة في نفس الآية القرآنية بمفردة “فاقرة”، التي تشبه كلمة “تفقيرت” الأمازيغية أي “العجوز”، وهي مستوحاة من الآية 25 من سورة القيامة: “(تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ”). رغم أن معنى “فاقرة” في القرآن، لا يدل على “العجوز” وإنما “داهية عظيمة تـقـْـصِم فَـقـَــار الظهْر”، حسب المفسرين.
3) عبارة قرآنية يوجد مدلولها في الكلمة التي تسبقها
“ويوم”: تدل على شاة الذبيحة، لأن الكلمة التي تسبقها في الآية القرآنية هي: “الأنعام” أي: الإبل والبقر والضأن والمعز، وهي مقتبسة من الآية 80 من سورة النحل: (“وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ”).
4) كلمات متفق على مدلولها بين الفقهاء
“كاف”: يدل هذا الحرف في قاموسهم على السلكة، وهو مأخوذ من الحرف الذي يتوسط الكلمة المذكورة، التي تعد أهم سر يحفظه الفقهاء، ويتفادون التصريح به أمام الملأ، لتجنب كشفه من طرف الغرباء والمتطفلين..
“كاف يورين” (كاف مقلوبة): تعني السلكة مقلوبة أي أن السلكة تم إلغاؤها ولم تعد قائمة..
“سلاما”: عندما يرد عليك أحد الفقهاء التحية باستعمال العبارة المذكورة، فإنه يعتبرك من الجاهلين، والعبارة السابق ذكرها مقتبسة من الآية 63 من سورة الفرقان: “وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا”.
“فتحسسوا من يوسف”: تعني “راقبه” قياسا على عبارة “فتحسسوا من يوسف” الواردة في الآية 87 من سورة يوسف: “يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *