الرئيسية اراء ومواقف امتحان الرياضيات لمسلكي علوم تجريبية…الشعور بالصعوبة: افتراء أم حقيقة؟

امتحان الرياضيات لمسلكي علوم تجريبية…الشعور بالصعوبة: افتراء أم حقيقة؟

كتبه كتب في 13 يوليو 2020 - 15:54

صرح السيد وزير التربية الوطنية و التكوين المهني و تكوين الأطر و البحث العلمي يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي أمام مجلس المستشارين، بعد نفيه المبدئي لما أثاره أحد المستشارين، بأنه سيفتح تحقيقا حول ادعاءات  تلاميذ الثانية بكالوريا شعبة علوم تجريبية و أولياء أمورهم و المتمثلة في صعوبة امتحان مادة الرياضيات خلال الدورة العادية.

و حسب ما تقدم به كجواب في وقته هو أن الوزارة لم تسجل أية مفاجأة و ليس لها أي علم بمثل هذه الادعاءات و قد اتصل بالسيد مدير المركز الوطني للتقويم و الامتحانات و نفى له تسجيل أية شكوى حول الموضوع.

و من خلال ما علمنا به من بعض المصادر، فإن السيد الوزير التزم بوعده و كبداية لفتح التحقيق المزمع، قام بإرسال استمارة للسيدات و السادة أستاذات و أساتذة مادة الرياضيات لمعرفة تقديرهم لصعوبة المادة. فما هي يا ترى الأسباب المحتملة لتبرير الشعور بالصعوبة؟ و ما هي المآلات التي يمكن أن يفضي إليها  ذلك التحقيق؟

لكن دعونا نرى مسؤولية من من زاوية أخرى بعيدا عن تحميل دائما و أبدا عواقب الاختلالات التي تعاني منها المنظومة فقط للتلميذ: فما هي الاحتمالات التي يمكن أن يصوغها أي متتبع لتبرير هذه الوضعية المتناقضة بين ما يتم التصريح به عبر وسائل الإعلام و الحقائق على أرض الواقع علما أن الوزارة لا زالت مصرة حتى الآن على اعتبار الموضوع في المتناول. متجاهلة كعادتها صراخ و إغماءات موثقة عبر أشرطة الفيديو في صفوف التلاميذ و الأمهات و ذلك بجميع أنحاء الممكلة.

1)منهجية تدريس مادة الرياضيات:

طريقة تدريس مادة الرياضيات و غيرها من المواد، منذ سنوات عدة أصبحت تنضبط لطبيعة الامتحانات الإشهادية التي يجتازها المترشحون نهاية الموسم الدراسي . فالأساتذة أنفسهم يركزون في تقديمهم للدروس و التمارين و الفروض التي يتم إنجازها على ما ألفوه. توجيهات أغلبهم و نصائحهم دائما ما تسير في هذا الاتجاه.

خلال هذه السنة الاستثنائية، و في ظروف غير معهودة، المجهودات التي بذلتها الأطر التربوية و التي بالمناسبة تستحق كل التنويه لم تساهم بالشكل المطلوب في تحقيق نتائج أفضل أو على الأقل الحفاظ على نفس نتائج السنوات الماضية.  و بالتالي وجب و من باب إنصاف المتعلم تحميل جزء كبير  من المسؤولية للممارسة  التعليمية و للظروف التي تشتغل فيها هيئة التدريس داخل الفصول الدراسية بالمؤسسات التعليمية خاصة مع الغياب شبه تام لخدمات التأطير التربوي نظرا للنقص المهول المسجل منذ أعوام في أطر المراقبة التربوية.

من بين العناصر التي يمكن اعتمادها في تقدير صعوبة  الامتحان من عدمه هو مقارنة نتائج المراقبة المستمرة في مادة الرياضيات مع نتائج الموحد الوطني. فعند إجراء مقارنة بسيطة لنتائج المراقبة المستمرة في مادة الرياضيات مع مثيلتها في الامتحان الوطني. سنكتشف و بدون شك، أن الفرق بين و شاسع و مثير لكثير من التساؤلات. جرت العادة القبول من طرف الفاعلين التربويين بارتفاع نسبي لنتائج المراقبة المستمرة لعدة اعتبارات لا يسمح لنا المجال للتطرق لها في هذا الموضوع، لكن ليس بالمستوى الذي سجل هذه السنة: أغلبية ساحقة حصلت على معدل يساوي أو يفوق 20/10 في المراقبة و هي نفس النسبة التي لم تحصل عليه في الامتحان الوطني. أمام هذه المفارقة، و في تقديري المتواضع، فكل من اعتبر الامتحان عاديا و أنكر وجود أية صعوبة يجد نفسه  في موقف محرج أمام معادلة “الموضوع عادي وسهل و نتائج سلبية جدا”. من الصعب إيجاد تبرير للتناقض بين ما ندعيه و واقع النتائج التي أفرزتها عملية التصحيح. إذ كيف سيتم إقناع أيا كان بأن الموضوع في متناول التلاميذ و في نفس الوقت تسجيل نتائج ضعيفة جدا تجعلنا نخجل من الاطلاع عليها.

2)الحجر الصحي  وتأثيراته السلبية على المتعلم:

ظروف الحجر الصحي الذي دام لحوالي ثلاثة أشهر تحت دعاية إعلامية رهيبة بخطورة وباء كرونا و التي تجاوزت كل الحدود خلقت بيئة من الرعب و الهلع لدى المتعلمين. ضمن تلك البيئة الاستثنائية، و مهما تكن قوة شخصية المتعلم، فإنه لا يمكن باي حال من الأحوال تحقيق تحصيل دراسي جيد بالرغم من المجهودات التي بذلت في توفير خدمة التعلم عن بعد. بمعنى آخر،جائحة كرونا و الظروف التي املتها لم تكن مناسبة بالنسبة للتلاميذ للتحضير بشكل جيد لمثل هكذا استحقاق.

3)التعلم عن بعد و ضعف النجاعة:

التعلم عن بعد و الترويج الإعلامي الذي صاحبه دفعنا في فترة ما إلى الاعتقاد بكونه من الحلول المحتملة التي يمكن الاعتماد عليها في المستقبل خصوصا إذا استمرت الجائحة ببلادنا، لكن مع هذه النتائج التي أحبطت الجميع، يبقى هذا النوع من التعليم  مجرد دعاية سياسية و فاقدة  للنجاعة التي يعول عليها لتدبير السنة الدراسية المقبلة. هذا مع التذكير و بإلحاح على ان الأغلبية الساحقة من التلاميذ لم تكن تتوفر على الوسائل و الإمكانيات المادية للاستفادة من التعليم عن بعد: لوحات إليكترونية، حاسوب ، شبكة الأنترنيت…

4) الأسلوب النمطي في طرح الامتحانات:

اعتماد الوزارة الأسلوب النمطي في وضع الامتحانات و بجل الشعب و المسالك يبقى من بين الأسباب التي يمكن لنا أن نبرر بها  الشعور بصعوبة الاختبار لدى الممتحنين: الوزارة و بالتحديد المركز الوطني للتقويم و الامتحانات اعتاد منذ 2008 على الأقل على تقديم نموذج واحد للامتحانات مع التغيير على مستوى المعطيات فقط.، الشيء الذي دفع بالتلاميذ و منذ سنوات لتبني استراتيجيات محددة للتحضير للامتحانات و التي تعتمد في مجملها على إنجاز وطنيات السنوات الماضية دون البحث في إمكانية تطوير كفاياتهم  في مجال الرياضيات. فالنمطية في وضع أسئلة الامتحان أفرزت بفعل إعادة إنتاج نفس المواضيع نمطية في منهجية التحضير و الإعداد للامتحان. المتعلم لم يعد يقبل داخل الفصل أو في دكاكين الدعم و التقوية إلا بالاشتغال على النماذج المألوفة في الامتحانات السابقة و ذلك بهدف الحصول على نقط مرتفعة.ما دون ذلك فهو بالنسبة له مضيعة للوقت و الجهد.

لنطرح أمام هذا الوضع المزري لمنظومة التربية و التكوين السؤال حول ما الذي أوصل فلذات أكبادنا إلى هذه القناعات الضارة  بجودة التحصيل الدراسي و العلمي؟

المفاجأة التي نفاها، مع الأسف، السيد الوزير بشأن صعوبة موضوع الرياضيات و التي أقرتها ردات فعل التلاميذ، إناثا و ذكورا و أولياء الأمور عبر وسائل التواصل الاجتماعي و التي أكدتها النتائج الهزيلة المحصل عليها تكمن بالأساس في التغيير الذي حدث هذه السنة حول طريقة طرح أسئلة موضوع امتحان الرياضيات و مستوى صعوبتها. هذا التغيير أحدث لدى جميع المترشحات و المترشحين صدمة وتوترا شديدا عند اطلاعهم خلال الدقائق الأولى على مضمون الامتحان. و في غياب أي دعم نفسي خلال فترة الحجر الصحي، فإنه كان من الصعب على أغلب المترشحين التخلص من الضغط و التوتر أثناء إنجاز الامتحان.

هذه الأسباب و غيرها كفيلة بأن تبرر لنا شعور التلاميذ و أولياء أمورهم بصعوبة موضوع مادة الرياضيات و كاف لتبرير النتائج المحصل عليها.

5) مآلات التحقيق:

نحن على يقين بأن نسبة عالية جدا من الأساتذة سيعتبرون موضوع الامتحان عاديا و أنه يحترم بالتمام و الكمال الأطر المرجعية المعتمدة من طرف الوزارة و ليس بالصعب كما يتم الترويج لذلك.

أمام هذا النوع من التقدير الذي صدر من طرف الأطر المختصة في المجال سيعتبر السيد الوزير و كجواب مرتقب أمام مجلس المستشارين أن لا مسؤولية للوزارة فيما يخص صعوبة الموضوع و أن الأمر لا يعدو عن كونه دعاية باطلة.ضمنيا سيتم تحميل المسؤولية و كما جرت العادة لدى الحلقة الأضعف التي هي الأسرة و المتعلم على النتائج التي سيتم الحصول عليها.

شهد شاهد من أهلها: ضعف النتائج أكبر دليل على صعوبة الامتحان:

إذا كان السيد الوزير  يعتقد و من خلال نتائج الاستمارة أن التحقيق يخلي أية مسؤولية لدى الوزارة و أنه ليست هناك حجة دامغة تؤكد صعوبة امتحان الرياضيات بدليل شهادة الأطر التربوية، فإننا نطالبه بفتح تحقيق ثاني ليبرر لنا من خلاله النتائج الكارثية التي حصل عليها تلاميذ شعبة العلوم التجريبية بمسلكيها، بحيث أن نسبة الحاصلين على معدل 10 فما فوق و حسب النتائج الأولية المتداولة لا يمكنها أن تتجاوز  في أحسن الأحوال 13 في المائة في مادة الرياضيات. بمعنى آخر أنه حوالي 87 في المائة لم يحصلوا على المعدل.أليس هذا الدليل كافيا لاعتبار الموضوع صعبا؟ و إلا فما معنى صعوبة الأشياء إن لم تكن تكمن فيعدم القدرة على حل المشكلة؟

صعوبة موضوع امتحان الرياضيات و الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص:

كما يعلم الجميع، فمجموعة من مؤسسات التعليم العالي تخلت هذه السنة عن مباراة الولوج و بالتالي ستعتمد على معدل الامتحان الوطني بمعامل 3 و الامتحان الجهوي بمعامل 1 بالإضافة إلى معاملات الترجيح الخاصة بكل مسلك. فنقطة الامتحان الوطني ستكون حاسمة في تحديد حظوظ القبول بالمؤسسات التي سيتم الترشيح إليها. التلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا برسم السنة الماضية و الذين لهم الحق في الترشيح إلى مختلف المؤسسات و المعاهد و الذين سبق أن ابتسم لهم الحظ في اجتياز الامتحان النمطي الذي مكن جلهم من الحصول على نتيجة جيدة في مادة الرياضيات ستكون لهم أوفر الحظوظ على حساب الحاصلين على نفس الشهادة برسم دورة كرونا العادية 2020 و الذين نعتبرهم ضحية لسوء تقدير درجة صعوبة مادة الرياضيات من طرف اللجنة المكلفة بإعداد موضوع الامتحان.

الادعاء بأن وضع امتحان الرياضيات جاء من أجل محاربة النمطية و إعادة الاعتبار لهذه المادة الدراسية الأساسية في مجال العلوم كان سيتم القبول به:

  • لو تم تعميمه على جميع الشعب و المسالك. في هذه الحالة سنقبل بالمثل القائل: ” إذا عمت هانت”. لكن استهداف التعديل فقط مسلكين دون غيرهما، بدون شك سيخلق لدى ضحايا هذا التغيير إحساسا بالإحباط و اهتزازا لثقتهم في أنفسهم و في مؤسساتهم. و سيحرمهم من فرص أتيحت لغيرهم دون مبرر.
  • كما أن ظروف هذه السنة التي هي سنة استثنائية بجميع المقاييس و حب شهادة الجميع و ما أفرزته من معاناة للتلاميذ و أسرهم كانت تكون كفيلة لتأجيل أي مراجعة لشكل أو مضمون الامتحان لو توفر للمشرفين على الامتحان ذرة إحساس بالمسؤولية. مراجعة منهجية مواضيع الامتحان تقضي اتخاذ تدابير و إجراءات تربوية منذ بداية الموسم الدراسي لإعداد المترشحين لاجتياز الامتحان بشروط أفضل و في ظروف تضمن مبدأ الشفافية و تكافؤ الفرص للجميع.

خلاصة القول، تلاميذ شعبة علوم تجريبية لهذه السنة مقارنة سواء بزملائهم خلال السنة المنصرمة أو بزملائهم بباقي الشعب سيكونون أقل حظا في ولوج مؤسسات ذات الاستقطاب المحدود. و يعتبرون بحق ضحايا لسوء تدبير امتحانات البكالوريا برسم السنة الدراسية 2019/2020.

إن صعوبة موضوع امتحان الرياضيات ثابتة بالحجة و الدليل و على السيد الوزير و من باب مسؤوليته أمام التلاميذ الأبرياء و أمام أسرهم أن يعمل على إنصاف هؤلاء التلاميذ و ذلك باتخاذ أي إجراء من شأنه معالجة المشكل المطروح و تقليص حجم التأثيرات الجانبية المحتملة. و أن يفعل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة فيما يخص النتائج غير مشرفة في مادة الرياضيات.

أب أحد التلاميذ ضحية امتحان الرياضيات

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.