الرئيسية اراء ومواقف فخاطر،” الرميد، محمد فضيل يكتب من تيزنيت” ما أنا إلا بشر”

فخاطر،” الرميد، محمد فضيل يكتب من تيزنيت” ما أنا إلا بشر”

كتبه كتب في 29 يونيو 2020 - 23:00

شكلت اشعار و أغاني رواد الأغنية المغربية ( بكل روافدها و أطيافها) ينبوعا راسما لملامح الإنسان المغربي و ناطقا باسمه في مختلف أطوار حياته،  وعاكسا للحظات معيشه اليومي و مناسباته ، همومه و أفراحه ،  آماله و آلامه ، حركاته و سكناته.

ولا شك أن عشاق هذا الفن الأصيل ما زالوا يتذكرون ، من بين روائع الزمن الجميل للأغنية المغربية الناطقة بالعربية ، رائعة الفنان عبد الوهاب الدكالي  التي تحمل عنوان   ” مانا إلا بشر…”  و التي تقول:

مــانــــا إلا بــشــر

عــنــدي قــلــب نــظــر

وانـــت كــلــك خــطـــر

ماتـــبــقـــاشـي تــحــقــق فــيــا

ماتـــقـــول لــي  حــتــى كــلــمــة

أأأاانـــــا  …..ضــد الــحــكــمــة

وراضـــي بــالــقــســمـــة و مـا كــتــاب

ف الــحــب عــلــي

و لــي عــشــق الــجــمــال

و الــنــخــوة و الـــدلال

إلى مات  ءيــمــوت حلال….

مــسكــيــن شــهــيــد …ونــعـــم…نــعــم الــتــضــحــيــة.

تذكرت هذه الاغنية  الجميلة  في خضم الجدل الدائر على الساحة السياسية  هذه الأيام  بسبب الفضيحة التي تورط فيها وزير حقوق الانسان ، و تبادر الى ذهني اسم المرحومة   ” بشر” التي  كانت قيد حياتها مكلفة بتدبير و تسيير شؤون مكتب المحاماة التابع  لنفس الوزير، و حاولت إعادة قراءة كلمات و معاني هذه الاغنية ، و تفاجأت بالتشابه الكبير بين أحداث و موضوع الأغنية  مع أحداث و موضوع ” فضيحة الوزير”  خاصة بعد تداول وثيقة منسوبة الى والد المرحومة يحاول من خلالها  تبرئة ذمة الوزير و تحميل مسؤولية عدم التسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للضحية  ” بشر” .

البداية بعنوان  و مقدمة الأغنية  في علاقتهما باسم الضحية : “مانا إلا بشر” بمعنى ”  أنا لست الا بشرا”  ، وهي عبارة  توحي بالتواضع  والاعتراف بالعجز والضعف أمام الآخر الذي يرمز الى القوة في كل شئ : في المنصب و المال والنسب والانتماء و  الجاه و الجمال.هذا التطابق بين عنوان القصيدة واسم المرحومة ” بشر” لا يستبعد أن يكون السيد الوزير قد استوعبه تمام الاستيعاب لكن في الاتجاه المعاكس،  و حاول استغلاله   طيلة فترة اشتغال المرحومة  في مكتبه لفترة تقارب  24 سنة ، مما حدا به الى التنقيص من قيمتها  و بالتالي عدم الاكتراث بمسألة التصريح بها لدى صندوق الضمان الاجتماعي كحق من حقوق الأجير.

بعد التقديم تبوح المتحدثة بما يخالج صدرها من مشاعر و أحاسيس جياشة و بقدرتها على تعرف الآخر  ومجال سلوكه و أخلاقه، و تصريحها لمخاطبها مباشرة بأنه يشكل خطرا كبيرا  ” …و انت كلك خطر”.

رغم اكتشافها لنوايا مخاطبها وخطورته استمرت ” بشر” في تقبل الأمر الواقع  رغم مرارته (عدم التصريح بها لدى صندوق الضمان الاجتماعي  و هو ما يتنافى مع ابسط الحقوق / أي   ضد الحكمة)  كما هو حال جل البنات و النساء اللائي يتعرضن باستمرار الى التحرش و الاعتداء  و الدوس على حقوقهن، بسبب الفاقة و قصر ذات اليد ، وبالتالي فوضت أمرها لله معلنة إيمانها بالقدر واستعدادها للتضحية و الشهادة،  ( راضيا بالقسمة و ما كتاب  في الحب عليا / و للي عشق الجمال …..الى مات ءيموت حلال…شهيد…نعم التضحية ). و هنا يمكن استنتاج أن المرحومة ربما  وقعت في عشق مشغلها  وكانت تمني النفس بالتفاتة منه كالزواج مثلا ، لذلك لم تتسرع في تسجيل نفسها بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لما طلب منها ذلك حسب ما يروج .

بعد وفاة المرحومة، و عوض التكفير عن غلطته  بتقديم استقالته أو على الأقل  الاعتراف  بالخطأ و الاعتذار  لكل من أساء اليه ، حرص الوزير على الالتزام و تنفيذ رؤية  ” بــشـــر”  الواردة في نص الأغنية و هي الشهادة في سبيل الحب. و لتحقيق صفة ” الشهيدة  ”  للمرحومة ، بادر الوزير ، بتواطؤ مع والد الضحية ”  بشر”  ، الى تحرير ” بيان إدانة” في يوم  له دلالة عميقة في وجدان الحقوقيين و عامة المغاربة الا وهو يوم 20 يونيو الذي يصادف ذكرى الأحداث الأليمة التي وقعت بمدينة الدار البيضاء سنة 1981 و التي ذهب ضحيتها عدد كبير من  المواطنين العزل  أطلق عليهم وزير الداخلية الأسبق مصطلح  ” شهداء الكوميرا”  . وهكذا انضاف الى هؤلاء الشهداء ، المرحومة ” بشر” ليكون لدينا مصطلح جديد الا و هو شهداء  “CNSS” .

عود على بدء، بسبب قضية  “جميلة ” ، و عوض أن يقوم الوزير بتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ،قام بربط الماضي الأسود(  فيما يتعلق بوضعية حقوق الانسان في البلاد)  بالحاضر الملطخ بفضائحه و فضائح أمثاله، و هو ما يشكل خطرا حقيقيا كما جاء في بداية الأغنية: كـلـك خـطـر:

  • خطر على صورة البلاد الخارجية خاصة عند المنظمات  و الهيئات التي تعنى بحقوق الانسان.
  • خطر على التماسك الاجتماعي و العلاقة بين العمال و مشغليهم و امكانية نشوب توترات اجتماعية .
  • خطر على الدولة و مؤسساتها بسبب عدم احترام الدستور من طرف عضو بالجهاز التنفيذي …
  • خطر على الدين الاسلامي الذي يتم تشويهه بسبب فضائح سياسيين يدعون اعتماده مرجعية لمشروعهم السياسي .

قال الله تبارك و تعالى في محكم كتابه : ” أتأمرون الناس بالبر و تنسون انفسكم و انتم تتلون الكتاب افلا تعقلون”

صدق الله العظيم.

محمد فضيل

تيزنيت في:  28/06/2020

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.