الرئيسية تربويات صورة المرأة في المجتمع عبر وسائل الإعلام وعلاقتها بثقافة الأقنعة

صورة المرأة في المجتمع عبر وسائل الإعلام وعلاقتها بثقافة الأقنعة

كتبه كتب في 11 مايو 2020 - 16:05

 اكبيري أسماء: طالبة باحثة بماستر سوسيولوجيا المجالات القروية والتنمية  

  • رؤية دينية واجتماعية :

يغيب استعراض الفكر الإنساني والاجتماعي والأنثروبولوجي والديني الذي كرم المرأة ، والبحث عن الأسباب الكامنة وراء تراجعها وتشخيصها من منظور علم الاجتماع، وفي هذا الصدد نستحضر سيدات بيت النبوة  على اعتبارها قمة التميز بين النساء المسلمات ، حيث كن نماذج فردية من نوعهن تميزن بالمهارات والطاقات والقدرات الهائلة واشتهرن بالمواقف والأحداث ، الأمر الذي مكنهن  من أخد المراتب الأولى بين النساء بوصفهن قدرات ، وأكثر خبرة في العمل والتربية والاعتناء ببيوتهن  وكذا مسايرة أحوال المجتمع .

وبناءا على هذه الاعتبارات نجد أن مستوى المرأة الفكري والنفسي والمعرفي كان إيجابيا ويتجسد في أمهات المؤمنين ( السيدة خديجة ، السيدة زينب ، السيدة عائشة …) [1]من حيث مستوى الالتزام والأخلاق الذي كان حاضرا لديها من خلال زهدها ، وعطائها وتسامحها ، الرعاية الأسرية ، تلك الرعاية القائمة على الوفاء  وبناء الثقة  ونشر التفاؤل .

ومن المعلوم أن المجتمع الذي ننتمي إليه اليوم هو ثمرة لتطور المجتمعات  الغابرة مجتمعات قسمت حول أساسها الترابي  ( أميسية / أبيسية ) ، مجتمعات الصيد ، الزراعة ، الصناعة ،مجتمعات  ما بعد الحداثة ، بالإضافة  إلى المجتمعات الحالية التي تنتمي إلى الثنائي الواقعي  الافتراضي والممكن ، لأنه الافتراضي أصبح مؤسسا ومكملا للمعنى وله تأثيرات في العلاقات [2].

فعبر التاريخ ، في إنتاج العالم الاجتماعي نجد مشاركة الرجال والنساء حاضرة بقوة ، غير أن هذه المشاركة اتخذت  أشكالا متنوعة في أعماق التاريخ ، فظهرت مسألة التساوي في الحقوق والإمكانيات بين المرأة والرجل مند لحظة ظهور الجنس البشري .

ففي المجتمع البدائي طرحت مهمة الزعيم الذي هو رأس العشيرة الذي يؤدي الشعائر الدينية ويستطيع أن  يقوم بدور القاضي  الذي يحل ويحسم أي نزاع .

إن الآثار القديمة المختلفة  عن الماضي السحيق تبرهن بما لا يدع مجالا للشك أنه مند ولادة البشرية دأب المجتمع على حل هذه المسألة  على نحو قاطع لا يقبل التأويل ، فالدور القيادي في هذه الفترة الزمنية كان للنساء ( وهو ما اصطلح عليهم  بالمجتمع الأممي ) [3][4]، ففي تلك المرحلة  المبكرة من تاريخ  الجنس البشري  كان الناس يعيشون في أسرة المجموع ، وكان  الأبناء ينسبون إلى الأم لسبب بسيط ، وهو أنه كان من المستحيل  تحديد والد الطفل ، وكان  هذا الشكل من العلاقات  بين البشر  من الأمور الأخلاقية المعتادة آن ذاك ، ويتماشى بالكامل مع مشاعية الممتلكات  والتسيير الاقتصادي وتدبير الأمور ، وكانت المرأة الأم المحاطة بالاحترام العام من الجميع ، لأنها هي المشرفة على القوم والقاضية الصلح بين الناس .

وهكذا نرى تطور وتعقيد النشاط الاقتصادي أفضى إلى ضرورة التقسيم الجديد للعالم بين الرجل والمرأة مسؤولية الإنجاب وتسيير شؤون المنزل والقيام بأعبائه ، وأصبح الرجل هو من يملك موارد الثروة مثل أدوات الصيد ؛ لأنه كان يتميز بقوة بدنية أكبر من قوة المرأة غير أن مشاركة المرأة في الإنتاج الاجتماعي  قد جعلها تابعة من الناحية المعنوية للرجل وحولها إلى قوة عمل في الأسرة . وكان صاحب مصلحة من الناحية الاقتصادية أيضا في الإرث . حين إذ أصبح الأبناء ينسبون إلى الأب ، وهكذا حل النسب للأب محل النسب للأم.     [5]

مع مرور الزمان وتطور الإنسان ، ووسائل الإعلام والاتصال الجماعية وشيوع سلطة الأفكار وظهور القوى  الامبريالية  المهيمنة  على ثروات الشعوب ، اتخذت  العلاقات بين الرجل والمرأة ودور المرأة في المجتمع  شكلا جديدا  من التناول  والتوظيف فطرحت وسائل الإعلام المعولمة إشكالات تتعلق بدور المرأة في تقدم المجتمع : هل تسهم وسائل الإعلام والاتصال في بناء دور المرأة  – نموذجا   هل فعلا يوجد عامل اقتصادي يسبق العامل الإنساني والاجتماعي والسياسي  ؟ كيف يمكن أن تكون المرأة أداة في يد وسائل الإعلام والاتصال ؟ ما الظرفية التي تجعل المرأة تظهر بقناع في السطح مقابل إخفاء كل ما هو باطني ؟ أيعتبر الرجل العربي هو من يساهم بدور كبير في إبراز هذا القناع ، بتقديمه مواصفات الجمال الشكلي على مواصفات الشخصية عند البحث عن المرأة ، تساهم بهذا التوجه حتى النساء ؟

إن الأسس المعنوية للنظر إلى المرأة على أنها ملك الرجل قد أرسيت في الزمن الغابر لمجتمع الرق والسيد، وفرض على المرأة بعناد التصور عن تبعيتها  وضعفها وخضوعها وأصبح جمال وسحر أنوثتها ما هو إلا بطاقة  تلصق على السلعة. ستتحول إلى التسوق السياسي أي الماركوتينغ ، إذ نسوق هذه الأفكار ونجعلها حاضرة بين الناس .

  • وسائل الإعلام والاتصال

تعرف هذه الآونة الأخيرة تدخلات  اجتماعية وعالمية تشترك فيها الشعوب بأنماط الاتصالات والإعلام، أصبحت بسبب الثروات الثقافية المتعاقبة في عالم الاتصال معلومة من جميع نواحيها . فبفضلها ونتائج استخدامات الأنترنيت ، أصبح بوسع الناس أن يتلقى المادة السياسية أو الإعلامية أو الثقافية ، مثل الأخبار والموسيقى ، وبرامج التلفاز في وقت واحد وبصورة فورية في أغلب الأحيان . بصرف النظر عن طبيعتها  في أرجاء العالم  على مدار الساعة ليلا ونهارا .

وقد شهدنا في الماضي  القريب اتجاها لحصر الإنتاج الإعلامي وتوزيعه واستهلاكه الواقع . كما بدأت تقل الحدود التي كانت تفصل أشكال الاتصال بعضها عن بعض ، وأخذت أدوات  الاتصال ووسائلها المتخلفة : مثل التلفاز والمذياع والصحف والهواتف ، تدخل مرحلة جديدة الجذري العميق ، نظرا للتقدم  التقني المذهل وانتشار الأنترنيت ومع أن الصحف مازالت تلعب دورا مهما في نقل الأخبار والآراء والمواقف . ألا أن دورها قد بدأ يندمج في ما تقوم به وسائل الاتصال الأخرى التي أخذت فيما بينها تدخل مرحلة من التكامل .

وأصبح من الممكن الآن أن نقرأ الصحف على شاشة  الحاسوب بصورة فورية حال صدورها إلى أيدي القراء ، كما أن الهاتف المحمول قد أخذ يحل بصورة متزايدة مكان الهواتف العادية ، بل إنه تحول إلى جهاز قادر على نقل الأخبار بصورة فورية ، كما أن القنوات الفضائية أصبحت الآن تنقل الأحداث من مواقعها ولحظة وقوعها إلى الناس في المجتمعات أنحاء العالم … ، وينبغي أن لا يغيب عن البال أن مصالح محددة هي التي تسيطر على المادة الإعلامية المتداولة والمنقولة إلى الرأي العام أو المواطن أو الفرد أو الجماعات في أقطار العالم  المختلفة ، ثمة” رسائل “ودعوات معينة كامنة وراءها ، سواء منها السياسي أو الإديولوجي أو التجاري .[6]

وأخذ ت وسائل الإعلام والاتصال الجماهرية تؤدي دورا جوهريا في المجتمعات الحديثة التي تنقل المعلومات والآراء والمواقف للجمهور . وتترك هذه الوسائل أثارا عميقة في حياة الناس . إذ أنها لا تزودنا بوسائل الترويح عن النفس ، بل تسهم في تشكيل نوع المعلومات التي نتلقاها ونتصورها على أساسها في حياتنا اليومية .[7]

  • الدعاية بين الضغط العاطفي والرقابة

يعرف  Leonard W. Doob  الدعاية على أنها المحاولة المنظمة التي يقوم بها فرد أو أفراد ذوا مصلحة لضبط مواقف مجموعات من الأفراد باستخدام  الإيحاء وبالتالي ضبط أفعالهم .

  • الضغط العاطفي :

إن الدعاية أو من يقوم  بها لا يتصدى في كل حال بنشر معتقدات وممارسات معينة إذ لا ينصرف ذلك إلى مضامين ما تحاول نهش عقولنا من أخبار وإعلانات ، ولا نستطيع القول بأن الذين يقومونا بالدعاية إبان الحروب يحاولونا إحداث تغيير فيما نعتقد إذ أنهم يوجهون في الحقيقة جهودهم إلى التأثير في عواطفنا أو كسب موافقتنا أو تحييزنا إلى جانب آخر.

فمحاولة التأثير في العواطف ، سواء أكان هذا الضغط يستهدف خلق شعور جماعي سلبي أو إيجابي إزاء شيء عارض  في عملية الدعاية ، بل هو الشيء الأساسي فيها. بمخاطبة العقل المجرد تتخذ في العادة أسلوبا أو منهجا يختلف في الأساس عن أساليب الدعاية ومناهجها [8].

وينبغي أن نلاحظ أنه لا يمكن لأحد أن يحتج بما كان لسقراط من ثقة وثقل وأنه عامل من عوامل الـتأثير أو الضغط العاطفي . ونستخلص من هذا أن الدعاية لا تأخذ بالمحاجاة الأصلية من جهة ، وإنها وإن كانت تستهدف تغيير ما في العقول ، فإن تغيير الآراء لا يرتبط في كل حال بالدعاية .ونلاحظ أثر هذه التفرقة فيما  يتوخاه أصحاب الإديولوجيات من استخدام كلمة ” الدعوة ” بدلا من كلمة  ” الدعاية ”  على ما هناك من تلبس واضح بين المعنيين .

ونستطيع أن نستجمع الفوارق الواضحة بين المنهج السقراطي والمنهج الذي يقوم في الأساس على الضغط العاطفي إذا ما ألقينا نظرة على أسفار العهد القديم وعلى نظرة إسرائيل عن عيادة الآلهة الزائفة .

ويوجهونهم إلى عبادة  ” يهوه ” ويحاولون أن يمرروا ممارسات سيئة ، فالواضح هنا أنه كان هؤلاء الأبناء غاية محددة يدعون إليها وأنهم يستخدمون في سبيل بلوغ هذه الغاية ما يسميه  الباحثون  ” دفاعا خاصا ” ، كما هو الحال  دائما فيما قد نعرفه بالإيديولوجية ، فإن الدعاية تتصدى لخلق مواقف معينة لدى المتلقـين ، و الوقت نفسه تحاول أن تحفر غيرها عن المواقف التي تتفق مع دعواها أي أنه بقدر ما يعنيه أن ينشر معتقدا معينا أو ممارسة بعينها ، وفي الوقت نفسه يبحث عن ما يتضاد مع هذا المعتقد أو تلك الممارسة [9].

  • الدعاية وطرق الرقابة :

يتبن مما سبق أن ” الدعاية ” تتم في العموم بطريقتين اثنتين ، إما بنشر المعلومات أو بحجبها جزئيا أو كليا . وهذا الحجب يتم  من خلال العمليات الرقابية المتنوعة ، وتتمثل هذه العمليات الرقابية في اتجاهين أساسين ، أولهما ما يسمى بالضغط الانتقائي للمعلومات الذي يترتب عليه طرح وتعزيز وجهة نظر معينة ، ثانيهما التلفيق المعتمد للمعلومات على نحو يكفل إحداث انطباع يغاير القصد الأصلي منهما .

ويتمثل الضبط الانتقائي للمعلومات ، فيما سبق الإشارة إليه عن قائمة الكتب الشهيرة التي ترجع إلى القرن السادس عشر والتي تشمل كل الكتب التي ترى ا لجنة القائمة ، أنها تشكل  خطرا على المعتقد الكاتوليكي  والتي تضم كتبا تعد من معالم الطريق  في تطوير الفكر الإنساني …بيد أنه قدر لكتب ولعديد من الأعلام الفكرية الغربية وغيرها أن تضاف إلى هذه القائمة دون رجعة ، وأصبح من المتعين على أي كاتوليكي ألا يقرأها .

كما يتمثل التلفيق المعتمد ، فيما يلاحظ في القديم والحديث من أصحاب الإديولوجية أو السياسة يعتمدون في عرضهم الأفكار أو الآراء أو المواقف لحضور مهم ومعارضهم إلى حجب بعض الحقائق أو الأمور بحيث يتركون لدى الناس انطباعات تخالف تلك التي تستهدف هؤلاء الخصوم والمعارضين [10].

  • الدعاية والمرأة :

لقد وصلت المرأة إلى ما وصل إليه الرجل في جميع المجالات واستطاعت أن تتمكن من القيام بكثير من مهامه ، كقاضية ، محامية ، مهندسة ، طبيبة  ، أستاذة ، جراحة …

اشتغلت في كل الوظائف والمهن  من أجل تلبية احتياجاتها العامة  ، وهذا ما جعل وسائل الإعلام والاتصال تستهدفها كأداة من أجل الدعاية ، إذ نشاهد يوميا في الإشهارات للقنوات الوطنية حضور صور ولقطات  نموذجية لنساء حسناوات حسب الدلالات التي تهدف لها الدعاية الإعلانية ، لأن اللوحة الإشهارية  تحور نسقا واحدا لجسد المرأة بتنميط الذوق الاختيارات ، كما تتحول إلى إبراز طاقة وقدرة التسويق عن طريق ثلاث وسائل أساسية وهي :

  • القوة الشاملة :

والتي تهدف إلى محاربة الضعف والانتصار  إلى القوة .

  • الجنس :

فكل الإشهارات تعمل على جنسية المنتوج ؛ إذ تضفي عليه مجموعة من الإحالات التي تدل على الشبقية ، حتى الخطاب يتم الاعتماد فيه صوتا عذبا ومؤثرا ، بالإضافة إلى الصورة التي تلوح في الجسد تقدم به هذه المواد ، هي تستدعي الجنس .

  • الأمن والخوف :

أغلب الإشهارات تشتغل على الخوف وعلى البنية السيكولوجية التي تخاطب الجيب مثلا السيارات سوف تحميكم ولن تترككم عالقين بالطرقات رغم أننا نعاني من حوادث السير بكثرة ، ثم العطور التي لها أشكال وأحجام متعددة تدل على جسم المرأة والتي ستجنبكم الإحراج من أي رائحة  صادرة عن الجسم ، بالإضافة إلى الشمبوان الذي لن يجعلكم مطاردين من طرف القشرة .

ولعل هذه الأفكار توصلنا بأهم رواد هذا الاتجاه ويعتبر ماك لوهان من المساهمين في بناء رؤية للعالم عن طريق الوسائل المهيمنة بأننا أصبحنا نعيش في قرية صغيرة  من حيث التنميط في جميع المستويات والمجالات ، مما جعل من وسائل الإعلام الجماهيري مزدهرة إلى حد كبير ، فقد برز إلى حيز الوجود نظام إعلامي يتمثل في أنساق دولية تنتج السلع والخدمات الإعلامية التي توزيعها واستهلاكهما[11].

وقد تأثر المفكر الفرنسي ما بعد – الحداثي – جون بودريا تأثرا كبيرا بالأفكار التي طرحها ماك لوهان ويعتقد بودريان أن وسائل الإعلام الحديثة تختلف اختلافا بينا في آثارها وعمق مفعولها عن أية منتجات تقانية أخرى . فقد أدت نشأة وسائل الإعلام الجماهيرية ، ولاسيما الإلكترونية ، منها التلفاز ، إلى تحولات عميقة في طبيعة حياتنا  . إن التلفاز للأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم بمختلف تفصيلاتها ومواطن الإثارة والمبالغة فيها … ستبين لنا أن التلفاز إنما ينقل لنا ما يسميه بودريار علم الواقع المفرط ، فالواقع الحقيقي لم يعد موجودا بالفعل ، بل استعيض عنه بما نشاهده على شاشات التلفاز من مشاهد وصور وأحاديث وتعليقات [12].

  • ثقافة الأقنعة النسائية :

إن صدف انتظارات الزوج لزوجته قبل خروجها من المنزل تتكرر دائما وبشكل مستمر لأنها تحاول أن تكمل زينتها على أكمل وجه ، فلا يمكن التسرع في طلق الأحكام المسبقة على جنس النساء بالسطحية و الاهتمام بالشكل على حساب المضمون . وذلك راجع إلى كونهن ضحايا المجتمع من حولهن ، وتستحق الواحدة منهن بعض التفهم والصبر قبل أن ترمى بالتهمة الجاهزة . إنهن بعد كل شيء ناتج مجتمعات تستحسن ثقافة الأقنعة ، وتشجع النساء على ارتدائها قبل مواجهة الآخرين ليتأكدن من أنهن طبقن المعايير العامة للجمال ، والتي على أساسها يتم القبول بهن جنسا آخر مرغوبا به .

فالنساء العربيات يبالغن في الزينة أكثر من نساء أخريات في المجتمعات الغربية مثلا ، إذ نجد وجوها نسائية بألوان فاقعة تتحايل كثيرا على ملامح الوجوه الأصلية ،فالعين مرسومة بالتساع من الكحل والظلال  والبؤبؤ بلون كريستالي من الأخضر أو الأزرق والشفاه مكبرة بخطوط خارج حدودها كأنما صاحبتها من أصول إفريقة . أما الوجوه الحالية فتتسم بالامتلاء ” غير طبيعي ” ، نتيجة عملية التجميل التي باتت تشبه في سهولتها تغيير تسريحة الشعر ولونه . إنها الوجوه النسائية  ” المشوهة  ” التي باتت تطل الآن من شاشات التلفزيون العربية ، مغنيات وممثلات ومذيعات وضعن الأقنعة المكونة من وسائل تنفخ الوجه أسوأ مما يفعل الكورتزون، ولأن هذه النماذج النسائية هي المؤثرة في الإطلالات بقية النساء العربيات . باتت موضة تنفيخ الوجه لتغيير ملامحه الأصلية  لا تختلف عن خطوط موضة الملابس والأحذية وحقائب اليد ، فجأة تبدوا الوجوه متشابهة لا خصوصية لها . فهذه موديلات الفنانة الفلانية وتلك  مودلات الفنانة الأخرى إلى آخره.

لكن الذي يدفع المرأة العربية لوضع كل هذه الأقنعة على وجهها ، فلا العين لديها المساحة الكافية لتظهر الذكاء والطموح ، ولا الملامح تعبر عن انفعالات النفس البشرية .

ألا تشعر بالغرابة عندما تنظر لنفسها في المرآة فتواجه وجها آخر غبر الذي تربت معه ؟ إنه قناع أكثر غرابة عندما يشوه صورة المرء أمام  نفسه[13].

وفي المقابل نجد نساء المجتمع الغربي ، بزينة خفيفة ولباس عمل ووجوها نسائية بسيطة يتماشين مع سرعة إيقاع الحياة في مجتمع يتهمه المجتمع العربي بما ديته وخلوه من الروح ، مجتمع لا يطلب من المرأة غير أن تفسح في المجال لشخصيتها كي تظهر وتتقدم ، وأن تعرض حقيقتها ، مستعينة بملامح الوجه الواضحة وبالنظرات  غير المشوشة عليها بالألوان المصطنعة .

لكن ماذا يحدث لو أن نساءنا  كتفين ببعض الزينة الخفيفة  هل يرضى الرجل العربي بهن نموذجا للجمال الذي يريد ؟ ثم ألم تحدد كثير من المجتمعات العربة معايير الجمال في البشرة البيضاء والشعر الأشقر وما شابه ، أليس لهذا السبب يشتعل اللون الأصفر على رأس حتى السمراوات من نسائنا ، وتظهر بشكل مكثف عيون خضراء وزرقاء مزورة على شاشات  التلفزيون وفي الأماكن العامة ألا يقدم كثير من الرجال الشرقيين مواصفات الجمال الشكلي على مواصفات الشخصية عند البحث عن فتاة الأحلام ، وتساهم بهذا التوجه حتى نساء عائلته ؟

بعد ذلك ، لماذا يتهم الرجل الشرقي المرأة بالمبالغة في الزينة وقضاء الوقت الطويل أمام صديقتها المرآة وإنفاقها المبالغ على تلك الزينة .

إنها مشكلة مجتمع بأكمله ، رجالا ونساء ا. وتغيير المفاهيم  والسلوكيات ليس مسؤولية طرف واحد فقط . وعندما تتغير قيم المجتمع  ويبدأ الرجل الإعجاب بالنساء لعقولهن وأرواحهن والجمال المنعكس من كل ذالك على الوجه ، ستتراجع مبيعات الزينة وعمليات التجميل ، وتخف الأقنعة الأنثوية الكرنفالية لمصلحة الملامح الحقيقية [14].

وهكذا تصبح المرأة كوسيلة في يد مساحيق وآليات ووسائل التجميل التي  تتحكم في كيانها وشخصيتها و وجودها في إطار مجتمع عربي .

خلاصة القول :

 إن الهدف العمل قد حفزني بذل المزيد من الجهد والعطاء في  بلوغ الأهداف الوثيقة الصلة فيما بينها ، يعني إحراز التكامل الحقيقي بين الرجل والمرأة ، وتقوية دور المرأة في التنمية الاقتصادية والسياسية  والاجتماعية  ، فقد حققت نجاحات عن طريق تحديد استراتيجية  المستقبل .

فمن خلال قرائتي لمجموعة من المصادر استطعت  أن أفهم بعض الشيء كيف فرضت القيود على المرأة ، وهذا  وأن تجربتي الخاصة كفتاة تزودني بحقيقة أحاسيس النساء العميقة ، لأن العالم يحتاج إلى معلومات صحيحة تغير المفاهيم الخاطئة التي أصدرت في حق المرأة ، وتصحيح المعلومات تعبر عن حقيقة مزيفة للمرأة عن وجهة نظر الإعلام لأن الفرق واضح بين وجهة نظر والحقيقة .

إذن يمكن الموافقة على أن يطلقوا على المرأة صفة النصف الحلو والمرهف من البشر . ولكن هل يمكن الاتفاق مع وسائل الإعلام والاتصال التي تروج صورا وخطابات زائفة بواسطة المرأة ؟ أيمكن اعتبار قوة سحر المرأة  بالذات هي التي تلهم أصحاب الدعاية على الإبداع والابتكار والخلق والتجديد في اللوحات الإشهارية ؟

وقد يصعب – بالطبع – بل يكاد يستحيل على أي باحث أن يحيط بموضوع المرأة في علاقتها بوسائل الإعلام وثقافتها بوسائل الإعلام وثقافة الأقنعة المزيفة لدى مجموعة من الباحثين وعلماء اجتماع أنثروبولوجيين وفلاسفة وعلماء النفس في عديد  من الكتب ، فما بالكم به عندما يكون علي أن أفعله في بحث واحد موجز ، إن كل ما أستطيعه هنا هو أن أقدم رؤية سوسيولوجية لإبراز الملامح الخاصة بموضوعي هنا ، على أن أتصدى أنا أو غيري في كتابات أخرى لإثراء هذا  الموضوع بشكل أكثر عمقا .

+++++++++++++++++++++++

[1]  جمبلة زيان ، دور المرأة في صناعة التميز  سيدات بيت النبوة أنموذجا ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس فاس ، عدد 28 ، ط: 1 ، ص: 38 -39-40- 41 بتصرف.

[2]  عبد الرحيم العطري ، المحاضرة الثانية في مادة سوسيولوجيا الإعلام ، بتاريخ : 2015/11/20

  • [3] النظام الأممي : يدل على شكل مفترض من أشكال المجتمع تتمتع فيه المرأة بالسلطة العائلية والسياسية ، فينسب الأولاد للأم وتنحصر السلطة في الأم كما ينحصر حق الميراث في فرع الأم في سلسلة النسب كذلك يسكن الزوج مع عشيرة الأم . وينشر هذا النوع من النظام في المراحل البدائية حيت يسود الزواج الجماعي  ولايعرف من هو والد الطفل بينما يمكن معرفة أم الطفل وحدها .

[4]  ماريانا كورشاجينا ، يليناروكينا، المرأة في العالم المعاصر ، دار نشر وكالة ( نوفوستي) موسكو عام 1985، ص: 5.

[5]  نفس المرجع،  ص:  6

[6]  أنتوني غدنز ، بمساعدة كارين بيردسال ، علم الاجتماع ، ( مع مداخلات عربية ) ترجمة وتقديم  الدكتور فايز الصياغ ، ط : 1 ، بيروت ، أكتوبر 2005 ، ص: 501.

[7]  المرجع نفسه ، ص: 125 ، بتصرف .

[8]  إسماعيل علي سعيد ، الرأي العام بين القوة والإيديولوجية ، دار المعرفة الجامعة ، الإسكندرية  ، ص : 124.

[9]  نفس المرجع ، ص : 125 ، بتصرف .

[10]  المرجع نفسه ، ص : 133- 134

[11]  أنتوني غدنز ، مرجع سابق … ، ص : 510.

[12]  نفس المرجع … ، ص : 512- 513.

[13]  غلية قباني ، ثقافة الأقنعة النسائية ، العدد 580، مارس 2007، مجلة العربي من سهول تهامة إلى جبال عسير ، ص : 178، بتصرف.

[14]  المرجع نفسه ، ص : 178 ، بتصرف .

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *