الرئيسية اراء ومواقف خليك فدارك !واجب و مسؤولية .

خليك فدارك !واجب و مسؤولية .

كتبه كتب في 27 أبريل 2020 - 03:47

فاطمة مزيوق – باحثة –  ماستر سوسيولوجيا المجالات القروية و التنمية –

رؤية استيباقية و ترسانة تدبيرية ممأسسة في ظروف قياسية لتطويق وباء كوفيد 19 ، واكبتها حملة “خليك فدارك ! ”  ؛ تدعو  للاحتماء بالبيوت وعدم الاختلاط لتفادي العدوى و انتشار الفيروس .

“الدار “أو “المسكن” أو “البيت “أو “المنزل ”  مراتع  الأمان لتفادي عدوى الفيروس ؛فضاءات مختلفة في مكوناتها متحدة في رمزيتها تثير فضول تعرف الفروق بينها .

البيت كما جاء في كتاب الكليات لأبي البقاء الكفوي : “البيت هو اسم لمسقف واحد له دهليز و المنزل اسم لما يشتمل على بيوت و صحن مسقف و مطبخ يسكنه الرجل بعياله . و الدار لما اشتمل على بيوت و منازل وصحن غير مسقف . و الدار دار و إن زالت حوائطها و البيت ليس ببيت بعدما انهدام .و قال المناوي (952ه-1031ه): في التعاريف البيت موضع المبيت من الدار المخصوصة من المنزل المختص من البلد . و قال المطرزي (538ه-610ه) في كتابه “المغرب في ترتيب المعرب”  : المنزل موضع النزول ، و هو عند الفقهاء دون الدار و فوق البيت ، و اقله ببيتان أو ثلاثة. و المسكن: “هو حيث يسكن الإنسان،  و لا يشترط فيه أن يكون من يبيت في المكان مرتبطا بالآخرين،  فكل بيت مسكن و لكن ليس كل مسكن بيت “.

أما في انثربولوجيا الرمز و المخيال  ؛ ” الدار هي المدفن و هي بطن الأم ،و قبر الحياة بالتعبير الشعبي العام ،(…) مجالات فزيولجية و رمزية و مخيالية تحمل و تسوق لنوع من الدلالة  على الاحتواء و الحميمية ”  . 1

وبالنسبة لماريون سوكو  Marion Segaud المسكن هو :” جسد و روح و هو عالم الإنسان الأول “.

“خليك فدارك”؛ حزام الأمان من فيروس كرونا الفتاك  الذي  لا مصد لجبروته إلا حضن الدار أو المسكن بدينامياته الاجتماعية و الثقافية ؛ حمولة الأمن و السلامة و الراحة و الاطمئنان،يصفها هنري دوران  Henri Duran) ( (1921-2012) بقوله:”متاهة مطمئنة و محبوبة بالرغم ما تثيره من رهبة خفيفة”.

ترى كيف تلاءمت هذه المتغيرات في سباق مع الزمن لتواكب تغيير الفجاة الذي أنتجه كرونا ؟

الفرد جزء من الدار و الدار لا تكون دارا إلا بأفرادها ، و الدار كما يقول هنري لوفر Henri Levre  هي :” علبة

وظيفتها الرئيسية هي إيواء و حماية ساكنيها و محتواها” 2

الدار كائن حي بمعناه الرمزي ،إنتاج و إعادة إنتاج في سيرورة  تكاد تكون روتينية . الدار كغيرها من الظواهر الاجتماعية بتفاعلاتها و علاقاتها و بيئتها و ممارساتها اليومية  إنتاج جماعي و جزء من الحياة الاجتماعية ،

أو ” كنموذج إبراز أو تعبير عن المجتمع “.

اهتز هذا المحيط الصغير بهدوئه و قيمه الاقتصادية و العاطفية و الرمزية الحديثة، برتابته و مشاكله.

فجأة، استرجع هوية ماضيه. اجتمع أفراد الأسرة في الدار ؛ فاسترجعت  نضرتها و هيبتها ، لكنها ليست نضرة الفرح باللقاء ، بل نظرة الخوف من البلاء و المستقبل المجهول ، منهم المكلوم و منهم المهموم ، و بعضهم يردد “ماكين مشكل” التي تظل كما يقول الخطيبي  ” الجملة السحرية التي تعالج كل شيء،أي لا تعالج شيئا”.3

الأمر واقعي و جدي ، وجد أفراد الأسرة أنفسهم محاصرين بشبح كرونا المميت ، و بقوانين الاحتياطات الواجبة لتجنبه  و التي تجاوزت سياقات العرف و التحديث للحفاظ على سلامة الإنسان .

استطاع الحجر الصحي أن يحدث  تغييرات في أنماط العيش اليومية للأسرة  التي  كانت  ” قبلا عبارة عن مؤسسة بيولوجية فندقية تختص بالإنجاب و توفير المأكل و المرقد لا غير،كانت مجرد أرخبيل من الجزر

المتناثرة ، حيث كان كل فرد مسافر زاده خيال النت و جنون الاستهلاك و تشظيات الأنا “.  4

استعادت الأسرة رمزية قوتها و ألفة فضائها، لكن يبقى أمل التفاؤل مؤجلا إلى حين نهاية قصة كورونا

الغامضة.

عاد إلى الدار العامل و المياوم والطالب و المهاجر و رواد الأندية و المقاهي و الملاهي و غيرهم بصيغة المذكر

و المؤنث.  عاد الأب و عادت الأم و الأبناء و كل أفراد الأسرة، ليبحث كل واحد منهم في ثنايا مسكنه عن مكانه، عن هويته، عن تاريخ الأوبئة عبر الجد و الجدة و مواقع التواصل الاجتماعي، عن تربة رتع فيها في صغره و حضن احتضنه في ألمه. فكانت المفاجأة، الكل يبحث رغم ظروف الأزمة عن “طمأنينة الحياة الأولى الخالية من الهموم “. بقول  باشلار  Bachelard ” الركن أو الزاوية الحميمية و الغرفة الخاصة و الهادئة “. 5

ترى هل تم التفكير في هذا القصد من قبل ؟

تفرقت السبل في بعض الحالات، مما جعل بعض أهل “الحضر” يعودون إلى القرية بحثا عن ” فضاء الحرية على عكس الفضاء الحضري “6. بحثا عن المسكن الواسع بحمولته الثقافية و الاقتصادية، بعد أن ولوا ظهورهم للقرية بحثا عن رفاهية العيش و “و رقة الحضارة”. فكانت هذه الهجرة صورة لقول ابن خلدون “الحضري لا يتشوف إلى أحوال المدينة إلا لضرورة تدعو إليها أو تقصير عن أحوال أهل المدينة “. 6

ترى ماذا يجسد هذا التغيير وهذه المتغيرات ؟ القرونة؟ أم هوية الانتماء ؟ أم ضرورة تعميق الثقة في امتيازات الاقتصاد الاجتماعي  ؟

“خليك فدارك »؛   حفاظ على النفس أولا، عبر سلوك يومي متزن. رغم تحكم متغيرات جديدة صاحبت الحجر الصحي، فأفراد المجتمع كما أشار د. عبد الرحيم العطري: ” يقومون بممارسات يومية متكررة ، تتحكم إلى قانون ضمني ،ملزم ومحدد لأشكال الفعل الاجتماعي ، فتمة “حس مشترك” ينمط هذه التصرفات  و يجعلها تعتمد على ذلك المستوى أو ذاك ، ذلك أن السلوك الاجتماعي للأفراد داخل الجماعة يفترض برأي كار فنجل توفر فهم مشترك يؤطر الانتماء و يحدد احتمالات الفعل و التفاعل ” .  7 من هذا المنظور، يمكن الاستنتاج عبر الملاحظة

و المعايشة أن المواطن  المغربي كفرد لم يتبنى توجه ريمون بودون  (1934-2013) للنزعة الفردية المنهجية في شقها الاقتصادي لمواجهة الجائحة بمتغيراتها بمعنى “تبني في كل وضعية سلوكا مطابقا لمصالحه “. بل اعتمد النزعة الفردية المنهجية في سياقها الاجتماعي مع تفادي عاقبة ” الأثر الطارئ ” الذي  تفرزه  السلوكات الجمعية نتاج مجموع السلوكات الفردية .

و مثال :”خروج المستخدمين من العمل على الساعة السادسة  بشكل  فرداني يؤدي إلى ازدحام الطرقات يسبب في اختناق المرور ”   اكبر دليل إلى ما يمكن أن يقع   في  فضاء  يجوب فيه كوفيد 19؟ ، لن يقود إلى اختناق فردي

و حسب ،  بل إلى مأساة جماعية  بسبب العدوى . “و هو الأثر الغير المتوقع لأفعال الأفراد” .

” خليك فدارك” ؛ مسؤولية اجتماعية طوقت مجال الحجر الصحي    بالحذر  و ” التعاون و الالتزام و الاحترام

و الحب و الديمقراطية في المعاملة و المشاركة الجادة التي هي صلة الرحم بين الأفراد في المجتمع الواحد ، ثم إن الشعور بالمسؤولية شعور نبيل و معه نتجاوز الشكليات لنصل إلى قدسية الواجب ” .8

اقتنع جميع الأفراد أن  تقاسم الاهتمام المشترك  وحده غير كاف لتدبير منظومة المسؤولية الاجتماعية و الواجب في مجال معركة كوفيد  19  ؛ بل ضرورة وجود فهم الوضع و الاهتمام بانفعالات الجماعة التلقائية و التفاعل معها و الشعور بالوحدة المصيرية.

فتآزر لصد مصيبة كوفيد19 ؛ المياوم بقلة حيلته و الميسور بمؤهلاته. تجرد الجميع من الحس النفعي ليواجه الأزمة بكل قدراته  عبر آليات التطوع و الالتزام و المبادرة و الصبر .

خلخلة اجتماعية لم تكن في الحسبان ، نبهت للثغرات و لنقط قوة يلزمها مبادرات . لكن الواجب اجمع أن المهم الآن  ؛ ليس الذات بأزمتها  بل الأولوية للمصلحة العامة و سبل النجاة.

للأسف لا يخلو صرب طيور من “طائش” ؛ حالات خرق الطوارئ الصحية  يدخل في نطاق ” تناقض الفعل الجمعي     كما أشار  مانكور ولسون Mancur   Olson ” ينتحل فيها الفرد صفة المسافر السري و يترك الآخرين يتصرفون ”  . 9

أن يكون الفرد مسؤولا ، يعني أن يتحمل مسؤولية أرائه و سلوكه الفردي و الاجتماعي ، و الواجب و عي و أخلاق و مسؤولية و التزام لا يقبل التأجيل .

“خليك فدارك” في انتظار انكشاف هذه الغمة.  و لنتضامن أكثر و نتعاون على تدبير هذا الزمن السريع البطيء

” بحاءات ثلاث مفتوحة على الحب و الحلم و الحكمة “.10

“خليك فدارك” واجب و  مسؤولية.

++++++++++++++++++++++++

 المراجع :.

1- سوالمية نورية – الساكن و الفضاء السكني علاقة حميمية – مقانرة انثربلوجية – مجلة آفاق  علمية . 2018  . ص 100

2             – نفس المرجع ص 105

3             –  نور الدين الزاهي – المدخل لعلم الاجتماع المغربي  . دفاتر وجهة نظر .  2011 .  ص 85 .

4             – عبد الرحيم العطري – صفعة كرونا من “المزيد” إلى ال “عن بعد”.موقع TRT عربي .2020.

5             – سوالمية نورية – الساكن و الفضاء السكني علاقة حميمية – مقارنة انثربلوجية – مجلة آفاق علمية 2018 ص 102 .

6             عبد الرحمن ابن خلدون – مقدمة ابن خلدون –دار الفكر- ص 122

7             – عبد الرحيم العطري – سوسيولوجيا الحياة اليومية ،الرمزي أفقا للتفكير . دفاتر العلوم الإنسانية الرباط .مطبعة بلال .2018. ص 25.

8             – نبيل احمد الأمير – المسؤولية الاجتماعية  للأفراد  اتجاه المجتمع – صحيفة المثقف – العدد : 4976- 2020.

9             – محاضرات ماستر سوسيولوجيا المجالات القروية و التنمية . سايس –فاس .النظريات السوسيولوجية المعاصرة .2019-2020 .

10        – عبد الرحيم العطري . صفعة كرونا من “المزيد” إلى ال “عن بعد”   .موقعTRT عربي .2020

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *