الرئيسية اراء ومواقف ردود سريعة إلى رئيس الحكومة الجديد

ردود سريعة إلى رئيس الحكومة الجديد

كتبه كتب في 8 ديسمبر 2011 - 01:39

يُحسب لرئيس الحكومة الجديد أنه أذاب بعض الجليد بين التلفزة المغربية ومن تبقى من المشاهدين الذين ظلوا يتحملون القنوات المغربية، وهو جليد منشأه ثقل البروتوكول الرسمي وشيوع لغة الخشب التي ملها المغاربة، فخلقت هوّة بين المسؤولين وعامة الجمهور، فالسيد بنكيران بإصراره على إضحاك الناس، والتنكيت في تناول الأمور التي هي غاية في الجدّ، يقدم نموذجا آخر للمسؤول الحكومي الذي يحرص على أن يكون “قريبا” من الجمهور عبر الحديث كما يتحدث بسطاء الناس، إلا أن على السيد رئيس الحكومة أن يتحلى رغم ذلك ببعض الجدّية، فيسمح لنا بالعودة إلى بعض الأمور التي غطى عليها التنكيت في حواره مع القناة الأولى مساء يوم السبت3 دجنبر، وهدفنا ليس إفساد جو المرح الذي يحبّه السيد بنكيران، بل فقط الكشف عن عيوب المرحلة، التي منها عيوب رجالاتها.
وسنورد فيما بلي بعض العبارات التي نطق بها رئيس الحكومة، ونذيلها بردودنا المختصرة:

ـ “أشكر الشعب المغربي على الثقة التي وضعها في حزبنا”.
إنكم بإصراركم على الحديث عن “الشعب المغربي” قاطبة، تعكسون عقدتكم التي هي أيضا عقدة السلطة، وهي الشعور بالحاجة إلى شرعية شعبية مفتقدة للإنتخابات بالمغرب، كان عليكم أن تكتفوا بتوجيه الشكر إلى الأقلية التي صوتت على حزبكم ووضعت ثقتها فيكم، وهي كتلة ناخبة لا تزيد عن نسبة مائوية ضئيلة، في هذه الحالة فقط ستعكسون مشهدا أكثر واقعية.
إن الذين يصرّون على المضي إلى الأمام في لعبة الإنتخابات وممارسة السياسة اليومية الصغرى، دون طرح السؤال الجوهري حول ملايين المغاربة الذين لم يسجلوا في اللوائح، وملايين المغاربة الذين لم يصوّتوا، والملايين من المصوتين الذين لم يختاروا أي حزب من الأحزاب المتبارية، إنما يمارسون سياسة النعامة، وهي كما يعلم الجميع حق العلم، لا تعالج الأمراض المستشرية، بقدر ما تتظاهر بعدم الشعور بها إلى أن تستفحل.

ـ “حققنا 70 إلى 90 في المائة من الديمقراطية بالمغرب”
عندما تبلغون مستوى تقدير درجة الديمقراطية بالأرقام فإن معنى ذلك أنكم قد بلغتم غاية الوضوح في الرؤية، وأنّ الواقع المغربي قد أصبح بدوره أقل تناقضا وغموضا، والحال أننا نشكّ في مقدار الوضوح لديكم لأننا نعلم أن ما أنتم مقدمون عليه لن تدركوه حق الإدراك إلا بعد أن تضعوا الأيدي في العجين والأرجل في الوحل.
يعرف أغلبية المغاربة أنّ واقعنا ما زال من الهشاشة بحيث يثير مخاوف المخلصين الذين يعشقون وطنهم، دون أن تكون لهم في ذلك مآرب أخرى.

ـ “لم يحن الوقت بعد ليفرز اليمين من اليسار بالمغرب”
تقولون ذلك لتبرير مشهد سياسي بئيس، تظهر فيه التكتلات اللامنطقية بين أحزاب سياسية فقدت الكثير من ديناميتها وحضورها، و تتآكلها الصراعات الداخلية والإرتباك الإيديولوجي والجمود الفكري. ألم يكن في المغرب يمين حقيقي ويسار حقيقي من قبل ؟ ألم يفرز الصراع السياسي منذ فجر الإستقلال تيارات اليسار واليمين بوضوح فكري وإيديولوجي، عملت السلطة على خلط الأوراق بعد ذلك من أجل طمسه، في إطار سياسة التمييع المقصودة ؟
إن الحقيقة التي تسعون إلى إخفائها بخطابكم هذا هي أنّ اختفاء اليمين واليسار والإختلافات الإيديولوجية قد جاء متزامنا مع تزايد السلطوية التي سعت إلى التمكين للقطب الوحيد في الحياة السياسية المغربية، فمع تزايد احتكار الملكية للشأن العام، تحولت الأحزاب ـ بعضها بالرغم وبعضها عن طواعية ـ إلى خبراء في السخرة الإدارية، وهذا ما جعل الوزير المتحزب لا يختلف في شيء عن التكنوقراطي، لأنهما ملزمان معا بتنفيذ نفس السياسة. نفهم من هذا قولكم بدون تردّد: “الحكم لله ولجلالة الملك”، وهو ما يطرح السؤال عن سبب تواجدكم في الموقع الذي تحتلونه.

ـ “لا يمكن العودة إلى الوراء c’est fini ! “
هذا أمر حسمت فيه حركة الشارع المغربي، التي بفضلها تجلسون على كرسي رئاسة الحكومة، وهو خطاب ينبغي فهمه في شموليته، فالأمر لا يتعلق فقط بعدم إمكان العودة إلى تزوير الإنتخابات كما كان يتمّ من قبل، بل يخصّ جميع المجالات، وهو بذلك خطاب موجه أيضا وبالدرجة الأولى إلى الإسلاميين الذين مازالوا يعتقدون أنه من الممكن العودة في مجال الحقوق الحريات إلى ما كان عليه المغرب التقليدي قبل 1912، أي قبل صدمة الحداثة، وبالنسبة لكم بصفة شخصية، ينبغي أن تؤمنوا بذلك في مجال الأمازيغية أيضا، التي حققت العديد من المكاسب الديمقراطية في العشرية الأخيرة داخل المؤسسات و خارجها، والتي لن نسمح أبدا بالمسّ بها أو بأية عودة إلى الوراء في تدبير هذا الملف.

ـ “هناك بوادي في المغرب تعيش فيما قبل التاريخ”
نهنئكم على هذا الاكتشاف، لكن الذي ينبغي أن تعلموه هو أنّ هذه البوادي لم تكن ضحية تهميش لا إرادي وقع بالصدفة، بل كان سياسة انتقامية مكشوفة، أدّت فيها هذه البوادي ضريبة وعيها السياسي المبكر، فثقافتها في مقاومة الإستعمار، ووطنيتها التي تبدأ من الإرتباط بالأرض قبل كل شيء، جعلاها في مواجهة المؤامرات الأولى الهادفة إلى إقامة دولة الإستبداد بعد الإستقلال، سواء دولة الحزب الوحيد أو دولة الحكم الفردي، يفسر هذا الوعي المقاوم وهذه الروح الوطنية الحق، أسباب عدم حصولكم على أصوات ساكني هذه البوادي، ليس فقط لأنكم ركزتم في حزبكم على المدن، بل أيضا لأنّ إسلامكم السياسي الغريب عن تقاليد المغاربة، يتعارض مع ثقافة هؤلاء القرويين البسطاء، المحصّنين بقيمهم العريقة المتجذرة، يفسر هذا أيضا الأسباب التي تجعل ساكني الهوامش الحضرية لقمة سائغة في أيديكم، فأنتم لا تجدون أدنى مشكل في استقطاب الشخصيات التي تعاني من أزمة هوية خانقة.
تنمية العالم القروي إذن لا تبدأ بتلقيحه بالإيديولوجيات الهدامة، بل بالتفكير في تنمية الإنسان بدءا من ثقافته الخصوصية، وانتهاء بتوفير أسباب العيش الكريم التي حُرم منها على مدى عقود.

ـ “الله هو الذي يحمي الشأن الخاص”
لا يا سيدي هذه مناورة مكشوفة ! ذكرتموني بقول معاوية بن أبي سفيان: “المال مال الله” وهو يردّ على من قال: إن المال مال المسلمين ولا يحق نهبه والإستئثار به دون الغير، فالله هنا يُستعمل من أجل استعباد الناس مع إسكات أصواتهم، أما في الديمقراطية العصرية التي تجنون بعض ثمارها، فالذي يضمن الحقوق والحريات هو القانون الذي يتعاقد عليه الجميع ويخضع له الناس من منطلق أنه يحميهم من بعضهم البعض، ويمكنهم تغييره في أي وقت تبعا لحاجات الواقع الإنساني، الفرق بين الله والقانون هو أن هذا الأخير يجمع في ظله كل المواطنين مهما اختلفت معتقداتهم ومللهم ونحلهم، بينما يختلف المؤمنون أنفسهم في قول الله وفي تفسيره وتأويله، ويذهبون في ذلك كل مذهب حدّ الإقتتال، وبالأحرى غير المؤمنين أو التابعين لديانات أخرى، ولهذا أدّى استعمال الله في السياسة إلى جميع أنواع الإستبداد التي عرفتها البشرية. وإذا افترضنا أن السيد بنكيران رجل متفتح، يقرأ ما يقوله الله وفق مبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها اليوم ، فإنه لا يمكن أن يغلق الباب في وجه من سيظهر ليقول إن بنكيران لم يفهم ما قاله الله، وأن المعنى الحقيقي هو غير ذلك، فتصبح حقوق الناس في مهبّ الريح.
لقد تعب المغاربة من الإستبداد باسم الدين أو غيره، وعلى الحكومة القادمة أن تحترم الحريات والحقوق الأساسية للرجال والنساء على قدم المساواة، وكل خرق لها سواء باسم الإله أو البشر سيكون عودة إلى الوراء ومجلبة للفتنة.

مشاركة