الرئيسية اراء ومواقف “العقل”: مُكوِّنٌ أمْ مُكوَّنٌ؟ (2/2)

“العقل”: مُكوِّنٌ أمْ مُكوَّنٌ؟ (2/2)

كتبه كتب في 9 أكتوبر 2012 - 15:33

يُستكمَل، في هذا الجُزء، ما بُدِئ في المَقال السابق حيث تُنُوِلتِ الفقراتُ الثلاث من الفُصَيْل الثاني من فصل «عقل… ثقافة» (من كتاب «تكوين العقل العربي» للجابري). وستُستعرَض، هُنا، الفقرات الأربع المُتبقية على نحو ما سلف في المقالات السابقة.

§ 4. «[إ]ذا تبنينا هذا التمييز[،] أمكن القول إن ما نقصده بـ”العقل العربي” هو العقل المكوَّن، أي جملة المبادئ والقواعد التي تقدمها الثقافة العربية للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة، [أ]و لنقل: تفرضها عليهم كنظام معرفي. أما العقل المكوِّن[،] فسيكون هو تلك الخاصية التي تميز الإنسان عن الحيوان[،] أي “القوة الناطقة” باصطلاح القدماء. وبهذا الاعتبار[،] يمكن القول [إ]ن الـ[إ]نسان يشترك مع جميع الناس، [أيًّا] كانوا، وفي أي عصر كانوا في كونه [يتوفر على؟] عقل مكوِّن وينفرد[،] هو ومن ينتمي معه إلى نفس الجماعة الثقافية[،] بعقل مكوَّن [والذي؟] هو عبارة عن النظام المعرفي (مفاهيم، تصورات…) الذي يؤسس الثقافة التي ينتمون إليها.».

§ 4. 1- وُضع، في الجملة الثالثة من هذه الفقرة الرابعة، فعل «يتوفّر على» بين معقوفين بداخلهما «علامة السؤال» للإشارة إلى أنّ معناه الأصليّ هو «صَرَف هِمَّتَه إليه» (المعجم الوسيط) وليس “يَمْلِكُه” كما صار شائعًا! كما وُضع مُركَّب «والذي» بين معقوفين داخلهما «علامة السؤال» لأنّه مجرد حشو: أليس الأنسب أن يُقال «بعقلٍ مُكوَّن هو عبارة عن النظام المعرفيّ (مفاهيم، تصورات…) الذي يُؤسِّس الثقافة التي ينتمون إليها.»؟!

§ 4. 2- يرى “الجابري”، بِناءً على ما قرَّره في الفقرة السابقة، أن تبنِّي تمييز “لالاند” يَسمح بالحديث عن «العقل العربيّ» بصفته «العقل المُكوَّن» الذي يصير مُفاده عنده هو «جملة المبادئ والقواعد التي تُقدِّمها الثقافة العربيّة للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة، [بل] تفرضها عليهم كنظام معرفيّ». وفي المقابل، فإنّ «العقل المُكوِّن» يُعَدّ «تلكـ الخاصيّة التي تُميِّز الإنسان عن الحيوان»، إنّه «القوة الناطقة باصطلاح القدماء». ومن ثَمّ، فكل إنسان يشتركـ مع جميع الناس ودائما في «عقل مُكوِّن» وينفرد، في الآن نفسه، بـ«عقل مُكوَّن» يشتركـ فيه مع الذين ينتمون إلى نفس الجماعة الثقافيّة، وهو عبارة عن «النظام المعرفيّ (مفاهيم، تصورات) الذي يُؤسِّس الثقافة». تُرى، إذَا سلَّمنا بالتمييز بين «العقل المُكوِّن» و«العقل المُكوَّن» على هذا النحو ألا نصير إلى التّساؤُل عن أحقيّة الأوّل بأن يُسمّى “مُكوِّنا” و”فاعِلًا” في الوقت الذي “يَسُود” ذاكـ الذي سُمِّيَ “مُكوَّنا”؟! أليست “الثقافة” هي الأجدر بـتسمية «العقل المُكوِّن» ما دامت هي التي “تَفْرِض” على المُنتمين إليها “النِّظام” الذي يكتسبون به المعرفة؟! فأين هي، إذًا، فاعليّة «العقل المُكوِّن» الذي يُعَدّ «خاصيّةً مشتركة بين جميع النّاس»؟!

§ 4. 3- يَنبغي أن نتبيَّن أنّه في الوقت الذي نجد أنّ “لالاند” لم يَجرُؤْ على تسمية «العقل المُكوَّن» بـ«العقل الفرنسيّ» ولا حتّى بـ«العقل الأُرُوبيّ (أو الغربيّ)» لم يَتردَّدْ “الجابري” في تسميته بـ«العقل العربيّ». وبالتالي، إذَا كان “لالاند” يُصرِّح بأنّ «العقل المُكوَّن» إنّما هو «العقل في حضارتنا وعصرنا»، أفلا يُخْرِج “الجابري” ما يُسمِّيه «العقل العربيّ» من السياق العالَميّ لـ”الحضارة” و”العصر” فيَحصُره في السياق القوميّ والمَحليّ لـ”الثقافة” و”المجتمع”؟!

§ 4. 4- قد يبدو مُحتوى هذه الفقرة الرابعة، بالنِّسبة للذين يقفون عند الظّاهر، إبطالا للاعتراض السالف على تسمية «العقل العربيّ». ذلكـ أنّه إذَا سلَّمنا بأنّ مقصود “الجابري” بهذه التسمية لا يعدو معنى «العقل المُكوَّن» بصفته تجسيدًا للخُصوصيّة الثقافيّة، فسيَلزم قَبُول أنّ «العقل المُكوِّن» هو الذي يَشتركـ فيه النّاس أجمعين بصفته مبادئ عامّة وقواعد كُليّة. لكنّ ما يقوله “الجابري” هُنا إنّما يَنقُض مشروعه من أساسه: ألمْ يُميِّز بين «الفكر-المُحتوى» (بما هو مجرد “إديولوجيا”) و«الفكر-الأداة» (باعتباره هو “العقل”) لكي يَستبعد «التناوُل الإديولوجيّ» (المنصب، في زعمه، على «الفكر-المُحتوى») ويستبقي «التناوُل الإﭙستمولوجيّ» الذي يَهتمّ، في ظنِّه، بِـ«الفكر-الأداة» والذي يَعُدّ نفسَه مُتفرِّدًا به؟! فكيف يَغيب عنه أنّ جعلَ «العقل المُكوِّن» كُليًّا ومُشترَكا بين الناس يُعطيه صفة «الفكر-الأداة» على النحو الذي يَستبعده من تناوُله فلا يَستبقي إلا «العقل المُكوَّن» بصفته ذاكـ «الفكر-المُحتوى» الذي وَصمَ تناوُلَه بأنّه “إديولوجيّ” محض؟!

وإذَا كان «العقل المُكوَّن» هو «النظام المعرفيّ» في تحدُّده بالنسبة لثقافةِ وتاريخِ مُجتمعٍ مُعيَّن، ألا يصير مُصطلح “الفِكْر” أنسب للدّلالة عليه من حيث إنّ «النِّظام المعرفيّ» ليس عقليّا كُلّه حتّى يَصحّ قَصْرُ ٱسم “العقل” عليه؟! أليس في هذا تناقض صريح بين ما أسلفه صاحبُنا وبين ما ٱنتهى إليه هُنا؟! أوَليس هذا إيذانًا بانقلاب عملِه من الاشتغال بالآليّات إلى الاشتغال بالمضامين الذي عدّه أحد كبار نُقّاد “الجابري” (أعني “طه عبد الرحمن”) تناقُضا جذريًّا في مشروعه الفكريّ المُتعلِّق بنقد التراث؟! وأكثر من هذا كُلِّه، ألا يَتراءى من خلال كلام صاحبنا تعثُّر في إدراكـ حقيقة أن يكون “العقل” موضوعا لفعلِ شُروط “المجتمع” و”التاريخ” و”الثقافة” باعتبار أنّه يَميل إلى جعل “الخُصوصيّة” و”النِّسبيّة” التي تُميِّزها مُتعارِضةً مع “الكُليّة” و”الشُّموليّة” التي تطبع “العقل” بما هو «مبدأٌ فاعلٌ» على الرغم من خُضوعه للشُّروط المُحدِّدة لكل من “المجتمع” و”التاريخ” و”الثقافة”؟!

§ 5. «ومع ذلك، وعلى الرغم من أهمية هذا التمييز بين العقل الفاعل والعقل السائد، بالنسبة لموضوعنا، فيجب [أ]لا نغفل علاقة التأثير والتأثر القائمة [أ]بدًا بينهما. فمن جهة[،] ليس العقل السائد شيئًا آخر غير تلك المبادئ والقواعد التي أنشأها وينشئها العقل المكوِّن الفاعل، وهذا بتأكيد لالاند نفسه: فالعقل السائد، [أ]ي جملة المبادئ والقواعد الذهنية السائدة في فترة زمنية ما، هو من [إ]نتاج العقل الفاعل[،] أي ذلك النشاط الذهني الذي يتميز به الفرد البشري [على؟] الحيوان، فمصدره [إ]ذن في العقل نفسه لا خارجه[.] ومن جهة أخرى[،] فالعقل المكوِّن الفاعل[،؟] يفترض عقلًا مكوَّنًا كما يقول ليفي ستراوس [يُحيل “الجابري” هنا إلى الهامش 4 هكذا: cf. Cl. Levi-Strauss: la pensée sauvage. p 349. Plon Paris 1962.].

وهذا يعني [أ]ن النشاط العقلي – الفاعل- [إ]نما [يتم؟] انطلاقًا من مبادئ وحسب قواعد، أي انطلاقًا من عقل سائد، الشيء الذي يُغْرِينا [على؟] القول إن العقل العربي هو، حتى في مظهره الفاعل، من نتاج الثقافة العربية، وكذلك الشأن بالنسبة [لأية؟] ثقافة [أ]خرى والعقل المنتمي إليها، الشيء الذي يخفف من الاعتراض القائل بـ”كلية” العقل [أ]و “كونيته”. فالعقل كوني ومبادئه كلية وضرورية… نعم. ولكن فقط داخل ثقافة معينة [أ]و أنماط ثقافية متشابهة. وكما يقول لالاند نفسه فـ[ـإ]ن العقل – المكوَّن- “ينزل منزلة المطلق من طرف [أ]ولئك الذين لم يكتسبوا، في مدرسة المؤرخين [أ]و مدرسة الفلاسفة، الروح النقدية”، [أ]ولئك الذين يحكمهم العقل السائد الذي [أ]نتجه عقل [أ]جدادهم الفاعل، عقل ثقافتهم التي يعتبرونها الثقافة الوحيدة والممكنة، أو على الأقل العالم الثقافي الخاص بهم.».

§ 5. 1- وُضع، في آخر الجملة الثانية من هذه الفقرة الخامسة، لفظُ “على” بين معقوفين بداخلهما «علامة السؤال» لأنّ الأمر يَتعلّق بأداة غير مُناسبة لتعديةِ فعل “يَتميَّز” الذي لا تُستعمَل معه إلا أداة “مِنْ” (ونادرا “عَنْ”)! وكذلكـ وُضع، في الجملة الرابعة، فعل “يَتِمّ” لأنّه يدل على نفس معنى “يَكمُل” (أو “يَكتمل”) وليس على معنى “يَقع” أو “يَحدُث” كما يُريد صاحبُنا! ووُضعت، في الجملة نفسها، أداةُ “على” (بعد فعل “يُغرينا”) بين معقوفين بداخلهما «علامة السؤال» للتّنبيه على أنّها أداةٌ غير مناسبة لتعدية فعل “أغرى” الذي لا تُستعمَل معه إلا أداة “بِـ” (أغراه به) أو “بين” (أغرى بينهم)! ولعلّ المعنى المُراد يُمكن أن يُؤدَّى بالقول: «يُغرينا بأن نقول […]»، «يَجرُّنا إلى أن نقول […]» أو «يَحُثُّنا على أن نقول […]». ووُضع، في الجملة نفسها، لفظُ “أيّة” بين معقوفين بداخلهما «علامة السؤال» للإشارة إلى أنّ “أيّ” لا تُؤنَّث إلا لضرورةٍ شعريّة كما سبق بيانُه ؛

§ 5. 2- يُؤكِّد “الجابري” أنّ ما يُسمِّيه «العقل الفاعل» و«العقل السائد» يُؤثِّر كل منهما في الآخر على الرغم من التّمييز القائم (أو، أحسن، المُقام) بينهما. ولا شكـ أنّ القارئ سيَتساءل: إذَا كان هذان العقلان مُتفاعِلَيْن أبدا، فلماذا يُسمّى أوّلُهما فقط “فاعِلًا” ويُوصَم الآخر بأنّه “سائد” بمعنى “شائع”؟!

§ 5. 3- يُبرِّر “الجابري” ذلكـ التّفاعُل قائلا بأنّ «العقل السائد» – كما يُؤكِّد “لالاند” نفسُه- ليس شيئًا آخر غير «المبادئ والقواعد التي أنشأها ويُنشئها العقل المُكوِّن الفاعل»، وهي مبادئ وقواعد ذِهنيّة سائدة في فترة زمنيّة ما ومُنتَجة من قِبَل «العقل الفاعل» الذي هو ذلكـ النشاط الذهنيّ الذي يُميِّز الفرد البشريّ من الحيوان، مِمّا يَجعل مصدر «العقل السائد» قائما في “العقل” نفسه وليس خارجه. ويُلاحَظ أنّ صاحبَنا في تأكيده للتّفاعُل بين ذَيْنِكـ العقلين يَغفُل عن أنّه يُصادر على “العقل” بشكل يُوقعه لا فقط في الدَّوْر (“العقل” خالقُ نفسه!)، بل أيضا في التّناقُض فيسقط ٱفتراضه الأصليّ المُتمثِّل في أنّ “الثقافة” (و، بالتالي، “المجتمع” و”التاريخ”) هي العامل الأساسيّ المُكوِّن للعقل! وأشدّ من هذا أنّ جعلَ مصدر “العقل” فيه وليس خارجه يَقُود إلى نفي أن يكون “اللاعقل” مُنتِجًا – ولو بِقَدْرٍ مُعيَّنٍ- لـ”العقل” كأنّ مجموعَ ما يُنتِجه الإنسان ليس فيه إلا “العقل” الذي يجب أن يكون، من ثَمّ، “مُطلقًا” تماما! وكل هذا لم يَمنع صاحبَنا من أن يَجعل «العقل المُكوِّن/الفاعِل» نشاطا ذهنيّا فرديًّا (إذْ يقول إنّه يُميِّز «الفرد البشريّ» من “الحيوان”)!؟

§ 5. 4- في تبريره للعلاقة الوثيقة بين «العقل المُكوِّن» و«العقل المُكوَّن»، يُحيل “الجابري” إلى قول لـ”ليـﭭـي-ستروس” فيُورده بهذه الصيغة «العقل المُكوِّن الفاعل يَفترض عقلًا مُكوَّنًا»، في حين أنّ القول في الأصل هو: «كل عقل مُكوِّن يَفترض عقلا مُكوَّنا» («toute raison constituante suppose une raison constituée»)، أيْ أنّ صاحبَنا أجرى تغييرَيْن في القول (تعريف “العقل” بدل تنكيره وإضافة صفة “فاعل” إلى صفة “مُكوِّن” التي هي، أصلا، «ٱسمُ فاعلٍ» بصيغة “مُفعِّل” فلا تحتاج إلى سند من لفظ “فاعل”!) لكي يُناسب غرضه! ثُمّ نجده يُحيل إلى مصدر ذاكـ القول هكذا: [cf. Cl. Levi-Strauss: la pensée sauvage. p 349. Plon Paris 1962.] مُوهمًا قارئه بأنّه أخذه منه وليس من مُعجم “فُولكيي” حيث ورد بنصِّه وإحالته (القول الرابع [22 bis])!

بل يُوهمنا “الجابري” بأنّ “ليـﭭـي-ستروس” يُسايره فيما يَدّعيه بهذا الخصوص في الوقت الذي كان عالِم “الإنْسِيَّات” يُناقش “سارتر” مُسفِّهًا إيّاه فيما ذهب إليه من «جدل مُكوِّن» (لم يتردّد “ليـﭭي-ستروس” عن نعته بأنّه مُجرَّد “رُوبِنْسُونيّات” [نسبة إلى “روبنسون كروزو”]!). وكما أكّد “جورج طرابيشي” (ص. 16-19)، فإنّ “الجابري” هُنا لم يعمل إلا على فضح نفسه مرّتين: إذْ أخفى مصدره الذي هو معجم “فُولكيي” وأكّد أنّه لم يَطَّلِعْ على السّياق الذي ورد فيه قول “ليـﭭي-ستروس”! والأدهى من هذا أنّ قراءة قول “ليـﭭي-ستروس” في سياقه ذاكـ تجعله مُضادّا لغرض “الجابري”. ولعلّه يكفي، في هذا المَقام، أن نُورده برُمّته: «إنّنا لا نعترض على أنّ العقل يَتطوّر ويَتحوّل في المجال العمليّ: الكيفيّة التي يُفكِّر بها الإنسان تُترجِم علاقاته بالعالَم والناس. لكنْ، لكي يُمكن للمُمارَسة أن تُعاش كفكر، فلا بُدّ ٱبتداءً (بمعنى منطقيّ وليس تاريخيّ) أن يكون الفكر موجودا: أيْ أن تكون شُروطه الأوليّة مُعطاةً، على شكل بنية موضوعيّة للنفس والدِّماغ من دونها لن تقوم لا المُمارَسة ولا الفكر.

لذا، حينما نصف الفكر المتوحش كنسق من المفاهيم المشدودة في غِرَاءٍ من الصُّور، فإنّنا لا نقترب إطلاقا من رُوبِنْسُونيّات الجدل المُكوِّن (سارتر، [نقد العقل الجدلي، ج 1] ص. 642-643): كل عقل مُكوِّن يفترض عقلا مُكوَّنا. ولكنْ، حتّى لو وافقنا سارتر في الدّائريّة التي يَستدعيها لتفادي “الطابع المشبوه” المتعلق بالمراحل الأولى من تركيبه، فإنّه لا يَعرِض إلا رُوبِنْسُونيّات، […]» (ص. 349-350): فهل قولُ «كل عقل مُكوِّن يَفترض عقلا مُكوَّنا» يُعبِّر، في هذا السياق، عن ٱعتقاد “ليـﭭي-ستروس” أمْ عن مُدعَّى “سارتر” في قوله الرُّوبِنْسُونيّ بـ«الجدل المُكوِّن»؟!

§ 5. 5- يَنتهي “الجابري” إلى القول بأنّ النشاط العقليّ – الفاعل في ظنِّه- إنّما يَحدُث ٱنطلاقًا من “المبادئ” و”القواعد” التي هي قِوَام «العقل السائد»، مِمّا يُغْرِيه بالقول إنّ «العقل العربيّ»، حتّى في مظهره الفاعِل، من نِتاج «الثقافة العربيّة»، وكذلكـ الشّأن بالنِّسبة لأيِّ ثقافة أُخرى في علاقتها بالعقل المُنتمي إليها، وبالتالي فهذا يُخفِّف – في نظره- من الاعتراض القائل بـ”كُليّة” (أو “كونيّة”) العقل. ومن دون أن يَلمس صاحبُنا في ذلكـ أيَّ تناقُض، تراه يَعُود ليقول بأنّ “العقلَ” كونِيٌّ ومبادئَه كُليّةٌ وضروريّةٌ، ولكن فقط داخل ثقافة مُعيَّنة أو أنماط ثقافيّة مُتشابهة، وهو ما يُؤكِّده في زعمه “لالاند” بقوله إنّ «العقل المُكوَّن ينزل منزلة المُطلَق من طرف أولئك الذين لم يكتسبوا، في مدرسة المؤرخين أو مدرسة الفلاسفة، الروح النقديّة»، حيث ترى صاحبنا يَنزلق من القول بـ«الكُليّة المُطلقة للعقل المُكوِّن» إلى «الكُليّة النِّسبيّة للعقل المُكوَّن» التي لا يَقبلها في الحقيقة إلا الذين ٱفتقدوا «رُوح النّقد»، أيْ «أولئكـ الذين يَحكُمهم – في نظر “الجابري”- العقل السائد الذي أنتجه عقل أجدادهم الفاعل، عقل ثقافتهم التي يعتبرونها الثقافة الوحيدة والممكنة، أو على الأقل العالَم الثقافيّ الخاص بهم.». وهكذا ترى كيف أنّ صاحبَنا إنّما يَؤُول إلى تأكيدِ “فاعليّة” «العقل المُكوَّن» بصفته «عقلًا سائِدًا» يُهيمن، في مجال ثقافةٍ مُعيَّنةٍ، على «العقل المُكوِّن» نفسه الذي لا يَعُود – رغم أنّه مُعطًى لكل إنسان سويٍّ- إلا تابِعًا له بما أنّه يُمثِّل «عقل الأجداد الفاعل»!

§ 5. 6- أن يكون “العقلُ” إمكانا كُليًّا مُعطًى بالنِّسبة إلى أيِّ إنسان سويٍّ، فهذا أمر لا غُبار عليه. لكن “الإمكان” لا يُفعَّل ولا يَتحقَّق إلا بالنسبة إلى شُروط “الواقع” الاجتماعيّة والتاريخيّة والثقافيّة. ولهذا، فإنّ «الكُليّ العقليّ» ليس ضروريًّا بالنِّسبة إلى كل إنسان، بل فقط بالنِّسبة إلى من أُتيح له – ضمن شُروط موضوعيّة مُحدَّدة ومُحدِّدة- أن يصل إليه بصفته كذلكـ. وبالتالي، فلا معنى لما سمّاه “الجابري” – على إثر “لالاند”- بـ«العقل المُكوِّن» إلا بما هو «العقل المُكوَّن» نفسُه في المدى الذي يُدرَكـ، إذَا جاز لنا هُنا أن نَستلهم “بُورديو”، بصفته «بِنْيات موضوعيّة مُبتنَاة» (des structures objectives structurées) تصير مُتجسِّدة في نفس كل عضو ٱجتماعيّ على صورة «بنيات ذاتيّة مُبتنِيَة» (des structures subjectives structurantes). ومن البيِّن أنّه لا حاجة إلى تسمية هذه “البنيات” (سواء أكانت مُبتناةً أمْ مُبتنِيَةً) بـ”العقل” لأنّها، بكل بساطة، تَتجاوَز النموذج النظريّ المُجرَّد (الذي يُراد له أن يكون “مِثاليّا” أو “كُليّا”) وتُلابس بالضرورة «الواقع العمليّ» في تعقُّده وتناقُضه وٱلتباسه.

وعليه، فما هي الأهميّة “الإﭙستمولوجيّة” لتمييز “لالاند” بين «عقل مُكوِّن» لا يَنفكّـ واقعيّا عن شُروط إمكانه الموضوعيّة وبين «عقل مُكوَّن» لا يَملِكـ إلا أن يُعيد إنتاج نفسه من خلال مُحدِّداته الضروريّة المُتجسِّدة ٱجتماعيّا وتاريخيّا وثقافيّا؟! أين تتمثل بالضبط القفزة التي حقّقها “الجابري” بتبنِّيه لتمييز “لالاند” إذَا كان تطلُّعه إلى دراسة «الفكر-الأداة» قد أوقعه، من حيث يدري أو لا يدري، في حَيْصَ بَيْصَ لا يبدو أنّ ثمة سبيلا للخروج منها إلا بعُبُور مَفاوِزِ وشِعابِ «الفكر-المُحتوى» المُتلبِّس بثنايا «العقل» الذي أُريد له أن يَظْهر “مُكوِّنًا” في صُورةِ “عاقِليّةٍ” فإذَا به يَختفي “مُكوَّنًا” ضمن “مَعْقُوليّةٍ” ليس لها من سيِّدٍ فاعلٍ سوى مجموع “المُكوَّنات” المُترتِّبة على الوُجود والفعل في حُدود «الوَضْع البشريّ» تنزيلًا للمُتعالِي وتدبيرًا للمُتدنِّي من دون تدهيرٍ مُتعاقِل ولا تقديس مُتألِّه؟!

§ 6. «لقد توخينا[،] من الملاحظات السابقة[،] العمل على تحديد [أ]ولي لموضوعنا: “العقل العربي”. وقبل [أ]ن نخطو خطوة [أ]خرى تمكننا من توضيح الحدود التي رسمناها في الفقرات السابقة[،] نرى من المفيد هنا التنبيه [إ]لى [أ]ن التحديدات والملاحظات الأخيرة تبرر العمل الذي ننوي القيام به هنا: “نقد العقل العربي”، وذلك من زاويتين: فمن جهة[،] يمكن النظر [إ]لى “العقل العربي” بوصفه عقلا سائدًا قوامه جملة مبادئ وقواعد تؤسس المعرفة في الثقافة العربية. وفي هذه الحَالة[،] يكون من الممكن [جِدًّا] القيام بتحليل موضوعي علمي لهذه المبادئ والقواعد التي تشكل، في ذات الوقت، [أ]ساسيات المعرفة، أو نظمها، في الثقافة العربية.

ومن جهة [أ]خرى[،] يمكن النظر إلى “العقل العربي” بوصفه عقلًا فاعلًا ينشئ ويصوغ العقل السائد في فترة تاريخية ما، الشيء الذي يعني [أ]نه بالإمكان [إ]نشاء وصياغة مبادئ وقواعد جديدة تحل محل القديمة، وبالتالي قيام عقل سائد جديد، [أ]و على الأقل تعديل [أ]و تطوير، [أ]و تحديث [أ]و تجديد، العقل السائد القديم. وواضح [أ]ن هذا لن [يتم؟] إلا من خلال نقد العقل السائد، وواضح كذلك أن عملية النقد هذه يجب [أ]ن تمارس داخل هذا العقل نفسه من خلال تعرية أسسه وتحريك [فاعليّاته؟] وتطويرها و[إ]غنائها بمفاهيم واستشرافات جديدة نستقيها من هذا الجانب [أ]و ذاك من جوانب الفكر الـ[إ]نساني المتقدم، الفكر الفلسفي والفكر العلمي.».

§ 6. 1- وُضِع، في الجملة الأخيرة من هذه الفقرة، لفظُ “يَتِمّ” بين معقوفين بداخلهما «علامة السؤال» لأنّه – كما أكّدنا سابقا- فعلٌ يُفيد معنى «يَكمُل/يَكتمل» وليس معنى «يَحدُث/يَقع»! كما وُضِع، في الجملة نفسها، لفظُ “فاعليّاته” على النحو نفسه للإشارة إلى أنّ الحديث عن [“فاعليّات العقل”] تهويلٌ لا ضرورة له، حيث إنّ الأمر في “العقل” لا يعدو “الفعل” و”النّشاط” مُفردا أو جمعا (أفعال وأنشطة). أمّا “الفاعليّة”، فلا يَصحّ جمعُها إلا بالنِّسبة إلى «ذوات فاعلة» بينها من التّبايُن والتّفاوُت في الفعل ما يَسمح بالحديث عن “فاعليّةِ” كل واحدة منها!

§ 6. 2- يُؤكِّد “الجابري” أنّ كل ما قدَّمه في الفقرات السابقة يَدخُل في إطار التّحديد الأوليّ لموضوع دراسته الذي سمّاه «العقل العربيّ». وقبل الانتقال إلى الخطوة المُوالية، يرى أنّه من المُفيد التّنبيه على أنّ ما سبق يُبرِّر – في نظره- القيام بعمله المُتعلِّق بـ«نقد العقل العربيّ»، وذلكـ من زاويتين: أُولاهما أنّه يُمكن النّظر إلى «العقل العربيّ» بصفته عقلا سائدًا قِوامُه جملة مبادئ وقواعد تُؤسِّس (وتُنظِّم) المعرفة في «الثقافة العربيّة»، مِمّا يُمكِّن من القيام بتحليل موضوعيّ وعلميّ لها باعتبارها تُشكِّل أُسس (أو نُظُم) المعرفة في هذه الثقافة ؛ وثانيهما أنّه يُمكن النظر إلى «العقل العربيّ» بصفته عقلًا فاعلًا يُنْشئ ويَصُوغ «العقل السّائد» في فترة تاريخيّة ما، الأمر الذي يعني أنّه بالإمكان إنشاء وصياغة مبادئ وقواعد جديدة تَحُلّ مَحلّ القديمة، وبالتالي قيام «عقل سائد» جديد، أو على الأقل تعديل (أو تطوير أو تحديث أو تجديد) «العقل السائد» القديم. ولن يَحدُث هذا، في نظر صاحبنا، إلا من خلال نقد «العقل السائد» نقدا يجب أن يُمارَس داخل هذا “العقل” نفسه بتعرية أُسسه وتحريكـ قُدراته وتطويرها وإغنائها بمفاهيم وٱستشرافات جديدة تُستقى من مختلف جوانب الفكر الإنسانيّ “المُتقدِّم”، في المجالين الفلسفيّ والعلميّ ؛

§ 6. 3- لا شكّـ في أهميّة القيام بنقد علميّ وموضوعيّ للفكر العربيّ بصفته مجموع المبادئ والقواعد التي تُؤسِّس (وتُنظِّم) “المعرفة” في مجال «الثقافة العربيّة». لكنّ طريقةَ “الجابري” في تبرير ذلكـ لا تستجيب كفايةً لمُقتضيات النقد العلميّ والموضوعيّ وتفتقد التّأسيس الفلسفيّ والمعرفيّ المطلوب. ولا شكّـ، أيضا، في أنّ «الفكر العقليّ» المُتعلِّق بالحضارة العربيّة-الإسلاميّة قام نتيجةَ «فاعليّةٍ عقليّةٍ» هي التي أنشأتْ وصاغتْ ما أصبح مبادئَ وقواعدَ فكريّةً شائعةً (وسائدةً إلى هذا الحدّ أو ذاكـ) على ٱمتداد فترة تاريخيّة مُعيَّنة. ولا شيء، بالتالي، يَمنع من ٱستبدال مبادئ وقواعد فكريّة (أو عقليّة) جديدة مكان القديمة بحيث تَشيع (أو تَسُود) في مجال التّداوُل العربيّ-الإسلاميّ وتكون أقدر من سابقاتها على تطوير (أو تحديث وتجديد) «الفاعليّة العقليّة».

كما أنّه لا شيء يَمنع من مُراجَعة أُسس تلكـ «الفاعليّة العقليّة» وتنشيط قُدراتها وتطوريها وإغنائها بالاستفادة من مُختلِف جوانب الفكر الإنسانيّ المُستجدّ فلسفيّا وعلميّا. لكنَّ ما لا يُسلَّم للجابريّ إنّما هو إرادةُ مُمارَسة النقد على «الفكر العربيّ-الإسلاميّ» بالانطلاق فقط من «الفكر الغربيّ» باعتباره فكرا “مُتقدِّما” يَصلُح معيارا لمُساءَلة الفكر القديم الذي يبدو بالنِّسبة إليه “مُتخلِّفا” بهذا القدر أو ذاكـ! والغريب أنّ صاحبَنا يُوجب أن يكون النقد من داخل ما يُسمِّيه «العقل العربيّ» في الوقت الذي يُسلِّط عليه أدوات «الفكر الغربيّ» كأنّ النقد لا يجد مُنطلقَه إلا فيها ولا يَتّخذ موضوعا له إلا سواها! ومن البيِّن أنّ ما فات “الجابري” – وليس هو وحده- أنّ مشروعيّة العمل النقديّ لا تُكتسَب إلا على أساس بُلوغ الغاية في «الانعكاسيّة النقديّة» داخل وخارج أيِّ نَهْج فكريّ. فليس «الفكر العربيّ-الإسلاميّ» هو وحده الذي يجب أن يكون موضوعا للمُساءلة النقديّة، ولا «الفكر الغربيّ» هو وحده الذي يَصلُح أن يكون نموذجا يُقاس عليه في كل إنشاء أو تقويم ؛ وإنّما لا بُدّ من الاقتدار على مُمارَسة «نقد مُزدوِج» يَستفرغ إمكاناته مُجاهَدةً ويُدركـ حُدودَه مُعاقَلةً!

§ 7. «بعد هذا التنبيه الذي أثبتناه هنا توضيحًا للهدف الذي نتوخاه من هذه الدراسة، ننتقل الآن إلى الخطوة التالية على سلم المقاربات الأولية لموضوع دراستنا: “العقل العربي”. يتعلق الأمر هذه المرة باستثمار المقارنة مع “العقل اليوناني” و”العقل الـ[أ]روربي” الحديث والمعاصر.».

§ 7. 1- التنبيه الوارد في الفقرة السابقة يُبيِّن الهدف الذي تَوَخّاه “الجابري” من دراسته لِما سمّاه «العقل العربيّ». وإنّه لهدفٌ مطلوبٌ ومشروعٌ. لكنّ المُشكلة كلها تَتمثّل في الطريق الذي ٱعتبره صاحبُنا مُوصلا إليه والذي يَبقى، كما لاحظنا، مُلتبِسًا ومُتعثِّرًا منذ خُطواته الأولى ؛

§ 7. 2- يُعلن “الجابري” أنّ الخطوة التالية ستتعلّق باستثمار المُقارَنة مع «العقل اليونانيّ» (الذي نَسِي صاحبُنا أنّ فيه قديما وحديثا وأنّه لا يَنفصل عن «العقل الرُّومانيّ»!) و«العقل الأُرُوبيّ» (الذي وصفه بـ”الحديث” و”المُعاصر” ونَسِي أن يُحدِّد «العقل اليُونانيّ-الرُّومانيّ» و«العقل اليهوديّ-المسيحيّ» بصفتهما معا «العقل المُكوِّن» فيه! بل إنّ ما سَمّاه «العقل العربيّ» شريكٌـ لهما في ذلكـ إلى الحدّ الذي يُعَدّ أحدَ المَصادر الأساسيّة في النهضة الأُرُوبيّة الحديثة!). وما دام صاحبُنا قد مرّ بسلام على كل الإشكالات التي تُثيرها تسميةُ «العقل العربيّ»، فلا عجب أن يَنقاد إلى الحديث عن «عقل يُونانيّ» و«عقل أُرُوبيّ» وأن يَتطلّع إلى القيام بالمُقارَنة بين كل تلكـ العُقول في خِضَمِّ مُغامَرةٍ رُوبنْسُونيّةٍ لا تنقضي عجائبُها!

– مُلاحَظات ختاميّة:

1. يَجدُر الانتباه إلى أنّ تناوُلَنا النقديّ لفكر المرحوم “محمد عابد الجابري” ليس الغرض منه مجرّد الكشف عن تلُّبس “الفِكْرى” بالخطاب النظريّ ولا البحث عن إسقاط صنم فكريّ، وإنّما غرضه الأساسيّ تِبْيان أنّ طُرُق طلب الصّواب مُتعدِّدةٌ ومُتشعِّبةٌ على النّحو الذي يُوجب الانفكاكـ عن أنماط «الكسل الفكريّ» التي تستند، في الغالب، إلى التّواطُؤ المِهْنيّ وتتغذّى من تبادُل المُجامَلات وبَراءات الاعتراف في الوقت الذي يبقى الرِّهان مشدودا دائما إلى الإمعان في “الاجتهاد” مُغالَبةً في النّظر والعمل بالتي هي أحسن.

2. لا بُدّ، إذًا، من تأكيد أنّ عملنا النقديّ هذا ليس ٱشتغالا لاهِيًا ولا تطاوُلا مَجانيًّا، وإنّما هو مُمارَسةٌ نقديّةٌ عملا بحقِّنا في «الاجتهاد الفكريّ» ووفاءً بواجب «الحوار العقليّ»، مِمّا يجعل كل مُحاوَلةٍ لتنقُّصه أو تبخيسه بإرسال أحكامٍ سائبةٍ لا تعدو أن تكون ضربًا مِمّا أَلِفه «كسالى الفِكْر» من الذين لم يجدوا مَفرًّا من الاختباء وراء «أسماء الأعلام» لتجنُّب بَذْل الجُهد اللازم لمُساءَلةِ كل “دَعْوَى” يُراد لها ألّا تبقى مجرّد “لَغْوَى”!

3. ولا يَخفى، من ثَمّ، أنّ من كانت تلكـ حالَه سينزعج كثيرا مِمّا ورد في المَقالات السابقة، ولن يزداد إلا ٱنزعاجا مع هذا المقال ومع ما سيَتْلُوه من مقالات نرجو أن تُبيِّن مدى التّواطُؤ الذي جرى بين من أخطأ الصواب وبين من أبَى إلا مُوافَقته في خطئه تقليدًا له أو ٱستقواءً به. وأمّا من عَقَد العزم على أن يَجتهد – بحسب ما يُطيق- لكيْ يَستقلّ بفكره وعمله ساعيًا في طلب المَزيد من المعرفة والحكمة، فلن يَرضى إلا بما تَشهد له أسانيدُ قويّةٌ وتُثبته حُجَجٌ بالغة. ولا شيءَ أشدُّ من هذا وفاءً لرُوح “العقلانيّة” التي كثيرا ما يَكتفي بعض أدعيائها برفع شعارها تظاهُرًا ويَظَلّ آخرون منهم يُهوِّلُون أمرَها بعيدًا عن تفعيلِ مُقتضياتها إقامةً للدّليل وإجادةً للعمل.

[email protected]

Partager

مشاركة