الرئيسية اراء ومواقف في فهم الظاهرة الشباطية

في فهم الظاهرة الشباطية

كتبه كتب في 4 أكتوبر 2012 - 01:32

قد يحار المراقب المتابع لتطورات المشهد السياسي الوطني ، وقد يفشل المحلل السياسي في مسايرة هذه المتغيرات بالدراسة و التحليل والتنظير و التوقع. ومن الصعب أن تسعفه لا أدوات علم السياسة التحليلية و لا الوسائل المعرفية و المنهجية التي توفرها السوسيولوجيا السياسية وعلم النفس الاجتماعي و الانتروبولوجيا السياسية في إدراكه الشامل للظواهر الغريبة والمتغيرات المستجدة والمسارات الحديثة و المكانيزمات الجديدة المؤطرة لهذا المشهد السياسي. و لعل “الظاهرة الشباطية” خير مثال على ذلك.
فالمتتبع لمسار حميد شباط، هذا السياسي – النقابي المنطلق من عمق المغرب غير النافع، ومن هامش المغرب النافع(تازة)، سيلاحظ أنه قد بدأ مغامرة مساره النقابي و السياسي الفعلي خلال الإضراب العام الذي دعت إليه كل من الكنفدرالية الديمقراطية للشغل و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب في 14 دسمبر 1990، حيث سيسطع نجمه بعد الدعوة الى الإضراب و إنجاحه بمدينة فاس من موقعه في نقابة الاتحاد العام للشغالين، ليتسلق بعد ذلك هياكل النقابة، حيث تمكن من ازاحة “معلميه” الديناصورين عبد الرزاق أفيلال وبنجلون الأندلسي من على أمانتها العامة في ظرف وجيز، ليضع بين نصبي عينيه الأمانة العامة لحزب علال الفاسي، مباشرة بعد الولاية الأولى له في اللجنة التنفيذية للحزب، وهذا ما تحقق له يوم أمس الأحد 23 شتنبر 2011. و خلال هذه المسيرة كان مقتنصا لكل فرص فراغ حزب الاستقلال من المناضلين و الأطر التنظيمية القاعدية الشبابية. حيث وصل الحزب الى مرحلة اكتمال تحوله من حزب للأعضاء المناضلين الى حزب للأعضاء الزبناء. كما كان شباط مستغلا لكل المناسبات الانتخابية التي عرفها المغرب خلال التسعينيات الماضية، التي توجها بالوصول الى عمودية العاصمة العلمية، و هو الذي لا يحمل شهادة البكلوريا، حيث كان يشتغل في حملاته الانتخابية على الطريقة المافيوزية و البلطجية. كل ذلك لم يكن بعيدا عن أعين السلطات المخزنية، التي كانت خلال تلك الفترة تسعى الى نشر “النموذج البلطجي الشباطي” في مختلف الأحزاب السياسية، و تسعى الى تعميمه في عموديات المدن الكبرى( البحراوي في الرباط- السنتيسي في سلا- الجزولي في مراكش – تلموست في القنيطرة – درهان في طنجة..). فهذا المسار “الشباطي” في توقيته و حيثياته لا يختلف في شيء عن مسار النخب السياسية الجديدة ذات الأصول القروية.
فلا يمكن فهم صعود حميد شباط- المنطلق من عمق المغرب غير النافع- الى الأمانة العامة لحزب الاستقلال إلا بفهم خطة الانسحاب و إعادة الانتشار التي بدأتها النخب الاقتصادية العائلية الأندلسية “الفاسية” في غالبيتها. حيث بدأت تنسحب من مجال السياسة مقابل تركيزها على مجال الاقتصاد (المال و الأعمال – التدبير )، حيث لم تعد أدوات السياسة تسعفها في مراكمة الثروات و حماية مصالحها الاقتصادية، كما كان الشأن سابقا، عندما كانت المواقع في الهرم السياسي تذر الأموال و تحمي المصالح(الريع). حيث أصبح رجل السياسة اليوم تحت المجهر الشعبي و الإعلامي ثم الرقابي، الذي يتابع كل حركاته و سكناته. و لم تعد السياسة اليوم سوى “صداع الراس”. و لقد كان حزب الاستقلال عبر تاريخه معقلا لهذه النخب و أداتها السياسية في اقتناصها للمناصب و في حماية مصالحها، و لذلك تنسحب منه اليوم بعدما لم يعد مجديا ، وبعدما تغيرت الكثير من قواعد اللعبة السياسية بالمغرب في اتجاه محاصرة الريع السياسي، الذي كانت تحوزه هذه النخب.
وهذه الخطة ليس جديدة على هذه النخب الأندلسية في أصولها و “الفاسية” في معظمها، حيث كلما تعمم و انتشر التعليم في مناطق المغرب العميق و الغير النافع، كلما انتشر و تعمم الوعي السياسي، و كلما تسلقت نخب سياسية جديدة ذات الأصول القروية سلاليم الهياكل العليا للأحزاب السياسية، و خاصة بعدما ساهمت وسائل الاتصال الحديثة (الفضائيات- الهاتف المحمول – الانترنيت..) في تقريب مجريات السياسة و تفاعلاتها اليومية الى المواطنين في أبعد نقطة في المغرب العميق. فالمجهود الكبير الذي بذل خلال السبعينيات و الثمانيات الماضية في تعميم التعليم في المغرب العميق، دفع بالمنحدرين منه الى اقتحام العديد من الوظائف و المهن الحرة الراقية التي كانت حكرا على ذوي الأصول المدينية (الفاسية – السلاوية – التطوانية ..) و على أبناء الذوات من بقية المدن الأخرى، كالطب و الهندسة و المحاماة و التوثيق، فإلى عهد قريب كانت كليتا الطب في المغرب محتكرة لذوي تلك الأصول “الراقية”، التي بدأت تترك هذه المجالات و اتجهت الى مجالات المال و الأعمال و التدبير و الإدارة، حيث شكلت لوبيات اقتصادية كبيرة ممتدة أدرعه الى الخارج و تتحكم من خلالها في السياسة، و كونت لوبيات تكنوقراطية تتحكم خلال في الإدارة. تاركة مجال السياسة المباشرة وضجيجها للنخب الجديدة. و في هذا الإطار نشأت و ترعرعت “الظاهرة الشباطية” و اشتد عودها .

مشاركة
تعليقات الزوار ( 1120 )
  1. اتفق مع الكاتب في قوله بانسحاب النخب الفاسية من العمل الحزبي نحو الاقتصاد، بحكم نهاية عصر الايديولوجيات الحزبية في ظل العولمة والرأسمالية المتوحشة، والتي افرغت احزابا عالمية من مضمونها، وبالتالي ستتحول الكرة نحو فكرة هيمنة الحزب الوحيد التي افشلها ماحدث من ربيع عربي، وأجلها فقط، ولانعتقد أن البام لم يكن له دخل في انتقال الامانة العامة لحزب الاستقلال من النخبة الفاسية صوب شباط، بل كانت له الايادي والارجل، والا كيف نفسر التطمينات القوية التي جعلت حجيرة وبادو يتنصلان من العائلة متزلفين الى شباط النكرة ماقبل 1990 كما اورد الكاتب؟؟؟…

Comments are closed.