الرئيسية اراء ومواقف الإساءة إلى رموز الدين الإسلامي بين الماضي و الحاضر

الإساءة إلى رموز الدين الإسلامي بين الماضي و الحاضر

كتبه كتب في 14 سبتمبر 2012 - 23:58

تعتبر وسيلة “الإساءة” إلى النبي محمد عليه الصلاة و السلام من أول وأقدم الأسلحة التي استعملها أعداء الدين الإسلامي للوقوف ضد انتشار هذه الديانة منذ بزوغ فجر الإسلام في مكة، فالتاريخ و السنة يؤكدان على أن الإساءة إلى شخصية الرسول بدأت عندما أمره الله عز وجل بالجهر بالدعوة من خلال الآية القرآنية “وانذر عشيرتك الأقربين” )سورة الشعراء( ،حيث قام عليه السلام بجمع قومه و إبلاغهم  بأنه رسول الله من عند الله تعالى و أنذرهم كما أمره ربه، ليقوم أبي لهب و زوجته )حمالة الحطب( بالإساءة إليه، حيث قال له : تبا لك، ألهذا جمعتنا! لتتوالى أحداث الإساءة إلى النبي و محاربته لتصل إلى درجة إعداد مخططات لاغتياله من طرف المشركين. و مع إقبال الأعداد الغفيرة من الناس على الدين الإسلامي، اشتد حقد اليهود فاتهموه بالجنون و باقتباس القرآن من أحكام التوراة و بالهيمنة على المدينة لأغراض شخصية، وهكذا أعدوا مجالس شعرية يستهزؤون بالإسلام و حرضوا المشركين على محاربة الدين الإسلامي و القضاء عليه. وهو نفس النهج الذي اتبعه النصارى، حيث كتب يوحنى الدمشقي أول كتاب ضد شخصية الرسول و الإسلام، كما حاربته الكنيسة في إسبانيا أيام الحكم الإسلامي حيث لمع بعض القساوسة الذين يطعنون في شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام و اتهموه بأنه مسكون بالشيطان و أنه ضد المسيح و استطاعوا أن ينشروا هذه الأفكار في أوروبا وكان لها دور كبير في اتحاد الجيوش الأوروبية أثناء الحملات الصليبية.

هذه الإطلالة الموجزة عن تاريخ الإساءة إلى الدين الإسلامي سواء بالإساءة إلى النبي محمد أو إلى القرآن، تظهر لنا أن ما يقع اليوم من طرف بعض الأشخاص الحاقدين على هذه الديانة في العالم ليس جديدا في تاريخ الإسلام، و إنما هو استمرارية لسلسلة من الوقائع التي عرفها الإسلام منذ ظهوره لأول مرة.

 و السؤال الذي يجب طرحه هو : كيف واجه المسلمون هذه الإساءات إلى الدين و رموزه؟

الأكيد أن المسلمين الذين يتشبثون بأخلاق الرسول عليه الصلاة و السلام ،لم يكترثوا يوما إلى من يستهزؤون بدين الإسلام، و كان إيمانهم القوي بعقيدتهم و بعبادتهم هو السلاح الذي واجهوا به الحاقدين على هذا الدين و من بين الآيات القرآنية التي أمرت المسلمين بتجاهل أعداء الدين ، قوله تعالى “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ” سورة – الأعراف و هي بصيغة الأمر، و قوله تعالى كذلك: “وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ” سورة ص – 20 ، كما جاء في كتابه الحكيم: “وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا” النساء  – 140، وهي كلها آيات قرآنية تطالب المسلمين بالاعراض عنهم و ذلك بالترفع عن مقابلة الإساءة بالإساءة و عدم الدخول في جدل مع الكفار أو المشركين أو الجاهلين و عدم الجلوس مع من يكفر ويستهزأ بآيات الله حتى لا يلتفت إليهم أحد و في نفس الوقت الحفاظ على كرامة المسلمين.

إن ما وقع من أحداث مأساوية في ليبيا و التي راح ضحيتها السفير الأمريكي، توضح مدى خطورة الإساءة إلى الأديان ورموزها في زمن أصبح العالم مجرد قرية صغيرة بفعل انتشار وسائل الإعلام و من ضمنها الانترنيت التي تتيح إمكانيات هائلة في نقل المعلومة بسرعة كبيرة، باستعمال وسائل بسيطة )الحاسوب أو الهاتف النقال المزود بخدمة الانترنيت (الشيء الذي يجعلها متاحة للجميع، و بالتالي محطة أساسية و مهمة في أيدي المتطرفين لتسويق أفكارهم المتطرفة و حشد أنصار لهم بهدف تعبئتها و تأطيرها من أجل مخططات إرهابية يكون ضحيتها أناس أبرياء، وهذا ما يجعلنا كمسلمين ندق ناقوس الخطر للتنبيه بتداعيات الإساءة إلى الأديان السماوية و ما قد يترتب عن ذلك من عنف و فوضى زيادة على تنمية مشاعر الكره و الحقد و بالتالي التشجيع على التطرف و الإرهاب في العالم بأسره.

و إذا كانت القوى العظمى اليوم ترى ما يقع في منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط من ثورات شعبية أسقطت بعض الأنظمة مستعملة الانترنيت و بالضبط المواقع الاجتماعية الفايسبوك و التويتر، فإن الاستمرار في الإساءة إلى الدين الإسلامي و رموزه قد يزيد من تأزم الوضع و بالتالي انتشار الفوضى في العالم، و يبقى الحل الوحيد لاجتياز هذه الأوضاع الصعبة التي تمر منها هذه المنطقة هو العمل على تشجيع ثقافة الحوار بين الأديان و عقد ندوات تعطي للديانات السماوية الثلاث حقها ومكانتها الحقيقية داخل المنتظم الدولي بعيدا عن لغة الوعد و الوعيد حتى يعم السلم و السلام في جميع بقاع العالم.

مشاركة