الرئيسية اراء ومواقف د حسن الشارف: هذه أسباب تفشي “الغش” بمدارسنا

د حسن الشارف: هذه أسباب تفشي “الغش” بمدارسنا

كتبه كتب في 2 يونيو 2018 - 00:06

د. حسن الشارف

 

قضية التعليم هي قضية العصر، بل هي قضية كل العصور، وبالتالي  يجب النظر إليه كعامل أساسي لتحقيق التنمية التربوية وبالتالي التنمية بشكل عام، لذا تحرص الدول المتقدمة على الاهتمام به بدءا من التعليم الابتدائي إلى العالي.

ومما لا شك فيه أن العلم له المكانة العالية في الإسلام ويكفي للتدليل على ذلك أن أول أمر نزل من أوامر القرآن وأول كلمة من كلماته قوله تعالى (اقرأ) فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مكانة العلم في الإسلام لا تدانيها مكانة.

ولا يمكن للمسلمين أن يصيروا خير أمة أخرجت للناس كما قال بعض العلماء إلا إذا تفوقوا على سائر الأمم في اتجاهين وفي آن واحد معا:

ü الاتجاه الأول: هو الاتجاه القيمي الأخلاقي، بمعنى أن يكونوا مثالا يحتذى في معاملاتهم وفي سلوكياتهم وما يتمسكون به ويدعون إليه من قيم رفيعة وأخلاق سامية .

ü الاتجاه الثاني: ويتمثل في تفوقهم في امتلاك أسباب القوة بمختلف انواعها وأشكالها ؛ القوة الاقتصادية والسياسة والفكرية والعسكرية والعلمية .

أما اليوم فقد انحرف تعليمنا عن أهدافه الحقيقية وتحول إلى وسيلة للارتزاق والعيش الرغيد، إلى جانب الترقي في المناصب المختلفة في المجتمع، فكانت النتيجة أن أصبح  تلامذتنا يتصورون أن الامتحان هو الهدف بدل أن يكون تتويجا لسلسلة من التكوينات والتقويمات التكوينية، كما أصبح ينظر إليه على أنه الحاجز الذي يفصل مراحل التعليم، إذا اجتازه المتعلم انفتحت أمامه الأبواب وضمن لنفسه مستقبلا زاهرا، وإذا غالبه أخفق في عبوره احتضنه الضيق وتقاذفته الأبواب وانغرست في نفسه عقد اليأس والتمرد على المجتمع.

تلك هي الصورة العامة للامتحان عند التلاميذ والطلاب في عصر طغت عليه المادة، إنها قضية حياة أوموت، ففي سبيل تجاوزها يستعمل بعض التلاميذ كل وسيلة حتى لو كانت وسيلة الغش.

والأخطر من ذلك،أن كثيرا من التلاميذ أصبحوا ينظرون إلى الغش نظرة طبيعية، وإن شئت فقل أصبح هذا في نظر التلاميذ حقا مشروعا ومدعما من أولياء الأمور وبعض التربويين، بل الأنكى من هذا أصبحوا يغتاظون ويكرهون كل من يحاول الحد من هذه الظاهرة.

وعلى هذا الأساس أصبح مثل هذا السلوك السلبي بمثابة ظاهرة لافتة للانتباه ومنتشرة في كل الأوساط والمستويات التربوية. وهي من الخطورة بمكان، إذ أنها تجعل نتائج الامتحان غير عاكسة للمستوى الحقيقي لكل ممتحن، كما أن فيها هضما لمجهودات التلميذ المتفوق الذي لم يعمد إلى الغش، وبذلك يفقد المجتمع بكل مؤسساته الرجل المناسب في المكان المناسب.

والغش له أشكال متعددة، ويدخل في مجالات شتى، ولكن أخطر أنواع الغش هو الغش في الأمور التعليمية، ونقصد بالغش التعليمي هو نوع من التحايل والخداع الذي يستعمله المتعلم مهما كان مستواه أثناء الفروض، والاختبارات للإجابة على الأسئلة التي قدمت له قصد الحصول على نتائج جيدة وضمان النجاح.

فمن خلال هذا المفهوم نستخلص أن مثل هذا الفعل يعتبر سلوكا انحرافيا لا أخلاقيا يمس بآداب التعلم وبمصداقية التعليم. وهو ضرب من  السرقة، وإهدار لقيمة تكافؤ الفرص، كما يعتبر عملا إجراميا لأنّه مجرّم قانونا ،حيث توجد مذكّرات وبنود خاصّة بزجر الغشّ في الامتحانات، ومحرم بدليل تبرّؤ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الغشّاش ( ليس منا من غش)، وما تحفل به آيات القرآن الكريم من ذمّ سائر أنواع الغشّ.
والملاحظ أن هذه الظاهرة، بدأت تأخذ في الانتشار ليس على مستوى المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية بل امتدت لتطال حتى الجامعة والأساتذة المقبلين على امتحانات الترقية والامتحانات المهنية .

يبقى السؤال الجوهري المطروح، ما هي الأسباب الحقيقية وراء تفشي ظاهرة الغش؟

أما عن الأسباب التي تدفع التلاميذ إلى الغش، فهي كثيرة، من ذلك: الخريطة المدرسية، عدم استيعاب المادة الدراسية من قبل التلميذ، تهاون المراقب، كثافة المقررات، التركيز على الجانب المعرفي فقط وإغفال الجانب المهاري والوجداني، الساعات الخصوصية، الاكتظاظ … غير أنني أرى أن الأمر يختلف هنا من حيث الأسباب الحقيقية لتفشي هذه الظاهرة في مدارسنا، والتي يمكن إجمالها كالآتي :

1__-الخلل في المناهج الدراسية :

من المعلوم بداهة، أن لكل أمة من أمم الأرض عقيدة، والعقيدة تعني النظرة الشاملة عن الوجود -الكون والإنسان والحياة-، كما له فكرة عما قبل الحياة الدنيا، وعما بعدها، وعن وجود العلاقة بينهما أيا كانت النظرة، وأيا كانت الفكرة.

إن هذه النظرة أو هذه الفكرة هي العقيدة. وبقدر صحة وصلاح العقيدة، تكون صحة وصلاحية النظام المنبثق عنها. أما إذا كانت العقيدة فاسدة أو خاطئة، فإن ما انبثق عنها من أنظمة، وما بني عليها من أفكار تكون فاسدة وخاطئة، لأن ما بني على باطل فهو باطل .

إن النظريات المطروحة الآن في مناهج البحث أو الدراسة أو التعليم أو الثقافة وفي مجالات الأدب أو دراسة علم النفس، أو دراسة علم الاجتماع أو في دراسة اللغة، هي نظريات غربية وافدة، وهي نظريات كما نعلم جميعا تنطلق من أساس غير ديني في نظرتها إلى الكون والإنسان والحياة، فطبيعة تلك النظرة طبيعة مادية لا دينية .

إن تنمية الجوانب المادية كما هو حادث في الحضارة الغربية أفقدت الإنسان توازنه، وجعلت الخلل يقع في حياة الناس نتيجة غياب العناية بالجانب الروحي، ولعل ما يحدث في بلد مثل السويد يؤكد ذلك، ففيها أعلى مستوى للدخل في العالم، وأعلى مستوى من الرخاء، وفيها أيضا أعلى مستوى من الانتحار الناتج عن القلق النفسي .

وفي يقيني أن الغش يرجع في أسبابه إلى تبعيتنا العمياء للغرب في مناهج تعليمهم، حيث تبعناهم شبرا بشبر في كل نظرياتهم العلمية وسلمناها إلى طلابنا في الجامعة وتلامذتنا في الثانوية على أنها مسلمات علمية دون حذر مما تحمل من أفكار وعقائد تهدم عقائدنا، وتشوه تاريخنا وتتنكر لكل مبادئنا وتنزع كل أثر لأخلاقنا… الأخذ عن الغرب كان ربما ضروريا في فترة ما بعد الاستعمار بدعوى أن الدول العربية والإسلامية لم تكن عندها من الزاد العلمي ما يجعلها مستغنية عن الغرب.. أما اليوم فأصبح عندنا هذا الزاد/النظريات ولكن لسوء الحظ مازلنا نستوردها من الخارج وهي بالقطع أدنى مما عندنا لأنها قد تعالج جانبا وتغفل عن أهم الجوانب في طبيعة الإنسان وهو الجانب الروحي. ويحضرني في هذا المقام ما قاله الأستاذ/سيد قطب_رحمه الله: “… لا يلجأ الفرد إلى الاستدانة وله رصيد مذخور قبل أن يراجع رصيده فيرى إن كان فيه غناء، ولا تلجأ الدولة إلى الاستيراد قبل أن تراجع خزائنها وتنظر في خاماتها ومقدرتها …” أجل …إننا لابد أن نراجع رصيدنا الروحي وتراثنا الفكري قبل أن نفكر في استيراد النظم والخطط والشرائع. وإلا فما معنى أن نقطع الصلة بين الطلاب وتراثهم الإسلامي في مناهج التربية والتعليم.

إن المناهج التعليمية الغربية، ومناهجنا التعليمية جزء لا يتجزأمنها استطاعت أن تيسر للتلميذ مأكله ومشربه ومسكنه، كما استطاعت أن تيسر له قضاء الشهوات ، ولكنها أغفلت من كيانه جانب الروح، أغفلت العقيدة في الله وما يشع منها من مثل وأخلاق فكانت النتيجة خواء الروح من الإيمان وخواء الحياة من العقيدة فانهارت الأخلاق،وخلت الحياة من القيم.. خلت من الصدق والإخلاص والوفاء والصبر وتحريم الظلم وبر الوالدين وصلة الأرحام وحقوق الجار والحياء والحلم وتحريم الكبر والتعجب والعفو والوقار والسكينة…إلخ ليحل محلها  كل صفة ذميمة كالغش والكذب والسرقة والاحتيال …إلخ.

إن المناهج الدراسية في حاجة إلى ثورة تصحيحية تصوغ مناهجها بما ورثناه عن آبائنا من عقيدة وثقافة وقيم وآداب وفنون وصناعات وسائر المنجزات الأخرى المعنوية والمادية، أما النظريات المطروحة الآن في مدارسنا، فهي نظريات تنطلق من أساس غير ديني في تفسير نشأة الخليقة والإنسان والمجتمع والتاريخ، ولنعتبر بعدونا اللدود _وإن كان صعبا على النفس _ففي مدارسهم الإسرائيلية يولون عناية شديدة في جميع مراحل التعليم بمناهج التربية الدينية لديهم، بل وجعل التعليم الديني أساس مناهجها الدراسية بوجه عام للاعتقاد أنه أساس عقيدتهم وتقدمهم …

2 _ غياب التربية الدينية من مناهجنا :

إن من يمعن النظر في مادة التربية الإسلامية التي تمثل التربية الدينية في مدارسنا سيلاحظ حتما أنها مادة متطفلة  على مناهج تعليمنا في مختلف مراحلها، لا تأخذ من الوقت إلا بقاياه ” فهي لا تعدو حصتين في الشعب الأدبية وأقسام السلك الأول، أما الشعب العلمية والاقتصادية والرياضية والتقنية فلا تتجاوز حصة واحدة في الأسبوع وهذا بالطبع له انعكاسه السيء على تربية التلميذ المغربي دينيا وخلقيا حيث لا تتاح له  فرصة التزود من المادة الإسلامية إلا مرة واحدة في الأسبوع مما يجعله قليل البضاعة ناقص التكوين ، ضحل الثقافة في هذه المادة الحيوية.”[1] في حين ” أن عدد الحصص التي يقدمها الصهاينة للتربية الدينية في مدارسهم الثانوية أربعا وخمسين وثلاثمئة حصة دينية توراتية في كل سنة دراسية ، ومثلها في التدريب العسكري، وطالب المرحلة الإعدادية يتلقى اثنتين وأربعين ومئتي حصة سنوية توراتية فلا بد لكل تلميذ أن يدرسها، وأن يصبغ بها، وينشأ عليها، وأن يمتحن فيها، فينجح أو يرسب بسببها، هذا مع العلم أن التعاليم الدينية الإسرائيلية أقرب إلى الأساطير والخرافات التي تتحدث عن العصور المتحجرة [2] .

كما كان ينبغي علينا قبل أن نتكلم عن دور الدين وأهميته في مناهج التعليم أن نتكلم عن التناقض بين حياة مدرس الدين وبين تعليمه الدين، إنما هو مصدر الخطر الكبير على خلق الطالب لأنه يمرنه _حينئذ_على النفاق وصوره… وهذا ما نلمس نتائجه في سلوك بعض تلامذتنا إذ يتهربون من الصلاة بكل الوسائل حتى الكذب، وما ذلك إلا محصلة ما يرونه من ذلك التناقض بين أقوال معلميهم وسلوكياتهم… فالمعلم لا يصلح أن يكون رائدا أو مرشدا إلا إذا صلح أن يكون قدوة حسنة.

وأخيرا ضعف معاملها، الذي يعد من الأسباب التي تدفع التلميذ إلى النفور منها، وهذا ما جعل مجلة الهدى تتساءل في افتتاحية عددها الخاص “كيف يقتنع تلميذ ناشئ بأهمية دينه، وأهمية دروسه الإسلامية وهو يرى ضعف حصصها وضعف معاملها ثانيا… بل أليس من الغرابة أن تكون مادة التربية البدنية أول ما يبدأ بها في امتحان البكالوريا، بينما الامتحانات مادة التربية الإسلامية لا وجود لها في هذه الامتحانات… هل أصبحت تربية الأبدان أهم من تربية النفوس والقلوب؟ فما قيمة البدن الصحيح إذا لم يقده عقل سليم؟

فما نشكوه من انحرافات وجرائم ليست إلا وليد ضعف الوازع الديني الناجم عن افتقاد عناصر التربية الدينية الصحيحة التي يجب أن تضعها مناهج التربية الدينية نصب أعينها … إننا ننفق الملايين على تعليم تلامذتنا ، ثم نحرمهم من صمام الأمان، وننزع منهم الحلال والحرام فتخرج لنا أجيالا تتعامل بالغش والرشوة… والدين وحده هو الذي يصون الإنسان ويحفظه من الانحراف والسقوط وما انتشر الغش واستفحل إلا بعد أن قل الوازع الديني .

3_وسائل الإعلام / التلفاز :

مما لاشك فيه أن لوسائل الإعلام ولاسيما  التلفاز ، دورا هاما ومؤثرا وفعالا في التربية والتثقيف والتوجيه، لأنه يجمع بين مزايا عديدة تجذب المشاهد إليها، ولذلك يؤكد الباحثون وخبراء التربية في مختلف دول العالم أن التلفاز بما يملك من عناصر الجاذبية والتأثير أصبح يشارك الآباء والأمهات تربية وتنشئة أطفالهم حتى أن بعضهم سمى التلفاز بـ”الأب الثالث”

ولو أمعنا الفكر والنظر قليلا في ما يعرض على شاشاتنا المغربية وما يتابعه تلامذتنا الأبرياء باهتمام وجدية لرأينا بوضوح شديد كم هي كبيرة الأضرار التي يلحقها هذا الأب الثالث بأبنائه وخاصة أيام الامتحانات حيث تكثف شاشاتنا من موادها المعروضة، سواء كانت كرتونا أو مسلسلات أو أفلاما أو مقابلات رياضية أو برامج تثقيفية وترفيهية ضاربة عرض الحائط  بامتحانات تلامذتنا حيث لا تستطيع أن تصبر عليهم حتى فترة امتحاناتهم، بل تقوم بإعلان أو إشهار أو نقل بعض المباريات الرياضية كما حصل هذه السنة مع مباريات كأس أمم أوروبا، أو بإعلان بعض المهرجانات أو متابعتها كما فعلت أخيرا مع بعض المهرجانات التي تزامنت مع فترة امتحاناتهم كمهرجان موازين بالرباط، ومهرجان للموسيقى الروحية العالمية بفاس، ومهرجان كناوة بالصويرة، ومهرجان الرقص بمراكش، ومهرجان  تميثار  بأكادير، ومهرجان حب الملوك بصفرو، ومهرجان طرب طنجة..، بغض النظر عن المنصات الغنائية المنصوبة في كل مدن المملكة وخاصة منها المدن الشاطئية.

والتلميذ في نظري، هو طفل، والطفل حسب المواثيق الدولية سنه ينتهي عند الثامنة عشر فكيف به أمام هذا الزخم الإعلامي الكبير والمتنوع والمؤثر والمسموم أن يستعد للامتحان من دون الاعتماد على الغش؟، وخاصة أننا نتعامل مع فئة عمرية تفقد الكثير من القدرة على الرفض، وليس كالكبار التي تفكر وتدرك وتميز وتختار وترفض، ” فالطفل عنصر غض طري، سهل التشرب لما ينقل إليه … صفحته بيضاء قابلة للإشباع بأي شيء يقدم له .. كما أنهم في جانب التوجيه والإرشاد طيعون يسهل توجيههم، [3]

لماذا شاشاتنا المحترمة لا تهتم بتلامذتنا بتقديم الدعم لهم من خلال بعض البرامج التعليمية على شاكلة القناة الرابعة في بعض المواد أو بعض القنوات المصرية، وإن لم تفعل على الأقل أثناء فترة الامتحانات، أوعلى الأقل تكف شرها وسمومها عنهم أثناء الامتحانات …

4_ مسؤولية الآباء :

أما السبب الرابع، فهم الآباء الذين أهملوا شأن التربية وتركوا الحبل على غاربه لأولادهم يفعلون ما يحلون لهم دون رقيب ولا نكير، في حين تعتبر رعاية الأب لبنيه وبناته مسؤولية الأبوين في الدنيا والآخرة، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: في سورة التحريم “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة” يعني بالتربية والتأديب والتعلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: “ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن ” والأدب الحسن هو إحسان التعليم والتأديب، وكذا التعريف على الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، تعريفا ملائما ينشأ عنه الحب  لله، والخوف من محاسنه، والحب لله يدفعهم إلى التقديس والولاء لله، حين يمكن أن يترجم ذلك في الشعائر والعبادات. وأما الخوف من الله ، فيمكن استثماره في تجنب الناشئة الكذب والغش، والخيانة،  …وما انتشار الغش في الامتحان إلا نتيجة الدروس التي لقنها الآباء لأبنائهم فهذا يبحث لولده عن أستاذ أو طالب يدخل له مادة من المواد عن طريق الهاتف الجوال مقابل قدر من المال، وهذا يبحث عن المدرسين الذين سيكلفون بالحراسة، وثالث يوجه ولده إلى الانترنت لعل وعسى يجد بعض الطرق الحديثة في النقل .. حتى شب الولد وللأسف متمرسا وحريفا في الغش وهو بذلك يضع ولده على أول طرق الانحراف بدل من أن يعلمه موقف الإسلام من الغش .

وحفاظا على سلامة الأبناء/التلاميذ والطلاب، لابد أولا للآباء أن يقلعوا عن الغش بكل أنواعه فهم القدوة، والأولاد أمانة سيسألون عنهم لقوله تعالى:”يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون” وقوله صلى الله عليه وسلم:”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” إن إقبال التلاميذ على الغش هو مسؤولية الآباء الذين  يفتقدون القدوة الصالحة، ومن الصعب أن نقف لأولادنا بالمرصاد ونمنعهم من الغش بالكلمة الجارحة والعصا التي لاترحم في الوقت نغش أمامهم بالليل والنهار دون مراعاة لشعورهم وفي هذا يقول الله عز وجل: “كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالاتفعلون”.

وعن طريق هاته التربية، يتم بناء التلميذ بناء متكاملا ومتوازنا يجعل من شخصيته تمتلك مناعة ذاتية تحفظها من السقوط في الغش والوقوع في الأهواء والنزوات وفي المقابل تكسب التلميذ القيم الفاضلة والأخلاق الحميدة والتدريب على الأعمال الصادقة، والأفعال الحسنة، والسلوك السليم.

5 _المدرس :

يعتبر المدرس مكونا أساسيا من مكونات المنظومة التربوية، وكل فشل أو اختلال في هذه المنظومة يتحمل مع باقي مكوناتها جزءا من المسؤولية، وهذا  يفرض عليه أن يكون من جانب مؤهلا تأهيلا علميا أكاديميا… ملما بكل جديد في مجال تخصصه، متمكنا من مادته العلمية التي يدر سها لتلاميذه، حريصا على الاطلاع والتجديد والتطوير المستمر لمعلوماته ومهاراته وقدراته وخبراته… ومن جانب آخر مؤهلا تأهيلا تربويا يسعى لإضفاء المسحة الثقافية على التلاميذ، والتأثير في سلوكهم، وعاداتهم وطرق تفكيرهم، فتكسبهم النافع وتحذف منهم الضار، وتقومهم فكرا وسلوكا.

ولقد فطنت أم المحدث المشهور”سفيان الثوري” إلى هذه الحقيقة وبالتالي فقد أوضحت لابنها سفيان أن يربط بين العلم والسلوك وإلا فلا نفع للعلم دون العمل قالت: “يابني خذ هذه عشرة دراهم وتعلم عشرة أحاديث، فإذا وجدتها تغير في جلستك ومشيتك وكلامك مع الناس، فأقبل عليه وأنا أعينك بمغزلي هذا وإلا فاتركه، فإني أخشى أن يكون وبالا عليك يوم القيامة إذن فالعلم ينبغي أن يغير في الجلسة والمشية والكلام…” يعني (السلوك).

وللأسف فقد عمل مجموعة من المدرسين  _عن قصد أو لجهل _ على فصل الهدف التربوي عن الهدف التعليمي، وأصبحت مهمة الأستاذ هو حشو أذهان التلاميذ بمعلومات ومعارف وقضايا مجردة من السلوكات الفاضلة والسجايا الحميدة التي يتعين أن يتحلى بها المدرس سلوكا وفكرا، بل الأخطر من هذا عندما نجد المدرس نفسه يدفع التلميذ من حيث يدري أو لايدري إلى الانحراف من خلال سلوكاته الذميمة كإعارته السجائر من تلامذته، أو شم الطابة أثناء الدرس، أو مغازلته لتلميذاته، أو تعاطيه للخمرة، او الزام التلاميذ على تلقي الساعات الاضافية الاجبارية، أوتشجيعه على الغش…إلخ .

فماذا عسى أن يتعلم هذا التلميذ المغلوب المولع بتقليد الغالب من هؤلاء المدرسين في ظل هذه الأوضاع المعكوسة المنكوسة؟ وفاقد الشيء لا يعطيه… قاعدة تعارف عليها الناس منذ القدم في الحياة اليومية، ولكن يبدو أنه لم يتعارف عليها في حقل التربية والتعليم ؟

إن هذا التناقض الصارخ بين أقوال المدرسين وسلوكياتهم يتسبب في اهتزاز القيم في نفوس التلاميذ بل وإصابتهم بالصراعات النفسية مما يجعل التلميذ  يكفر بمجتمعه وما تلقنه من مثل عليا وسلوكيات حميدة… فكانت النتيجة تخريج كثير من التلاميذ سلوكهم الاجتماعي غير مقبول، وما الغش إلا جزءا لا يتجزأ من هذا السلوك الفاشل.

6- عدم تفعيل مقتضيات القانون الخاص بالغش في الامتحانات :

أما السبب السادس وهو تفعيل مقتضيات القانون المتعلق بالغش من قبل السلطة الحاكمة، فدورها لا يقل عن أدوار المؤسسات التربوية السابقة وقد يفوق، وقد ثبت عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: “إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن” ويظهر هذا الدور عن طريق الوسائل التي تتغير بتغير الأزمان والأماكن والتي يعد القانون من أبرزها في يومنا هذا، فالقانون وسيلة مهمة يتوسل بها من ابتغى التغيير سواء كانت الغاية غاية خير أو شر  فإذا استطعنا أن نغير من ظاهرة الغش، بطريقة لينة بعد إقامة الحجة، وهو المطلوب، فبها ونعمت، وإن لم تنجح تعينت طريق القسوة، بتفعيل القرار الوزاري بحرمان أي تلميذ ضبط في حالة غش من المشاركة في جميع الامتحانات لمدة خمس سنوات حتى يكون عبرة لغيره وهذا صحيح، كثير من التلاميذ لا يتأترون لا بالآيات ولا بالأحاديث النبوية ولا بكلام الآباء ولا المدرسين بل يقدم على الغش ولا يبالي لأن قلبه أصبح ميتا، ومرض على الغش…لكن متى علم أن هناك عقوبة من السلطة الحاكمة بالضرب أوالسجن، ونحو ذلك ارتدع وخاف وأذعن ووقف عند حده، ووازع السلطان له شأن عظيم.. ولهذا شرع الله لعباده القصاص والحدود والتعزيرات لأنها تردع عن الباطل، وأنواع الظلم، ولأن الله يقيم بها الحق.

فعلى الجهات الرسمية تفعيل مقتضيات القانون الخاص بالغش في الامتحانات لأن في تحقيقه مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير، واختفاء الفضائل وظهور الرذائل.

خـــلاصة :

_ هذه في اعتقادي أهم الأسباب التي تؤدي بالتلميذ إلى الغش في الامتحانات، نرصدها ولا نملك سوى الإشارة إلى خطرها على مستقبل البلاد، أما علاجها فبيد من يملك الحل والعقد.

 

—————————————————-

_التربية الإسلامية ، مادة وتدريسا ، أحمد البورقادي ، مجلة الهدى المغربية ، ص 8[1]

_مع محنة التربية الإسلامية ، عبد الحي العمروي ، مجلة الهدى ، ص55[2]

_نحو مشروع مجلة رائدة للأطفال ، كتاب الأمة ، الدكتور مالك  الدكتور مالك إبراهيم  ،  ص   ،77العدد 59[3]

 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.