الرئيسية اراء ومواقف الرقابة على الجماعات الترابية : ربط المسؤولية بالمحاسبة

الرقابة على الجماعات الترابية : ربط المسؤولية بالمحاسبة

كتبه كتب في 27 ديسمبر 2017 - 18:08

يعتبر نظام اللامركزية خيارا لا رجعة فيه ، وورشا يحظى بالأولوية في السياسات العمومية للحكومة المغربية ، باعتباره يساهم بشكل قوي في ترسيخ الممارسة الديمقراطية ببلادنا ، وتكريس مفهوم الديموقراطية التشاركية ، و تحديث التدبير المحلي والرفع من نجاعته ، كما يشكل دعامة لإرساء أسس الديموقراطية المحلية .

وأمام التطورات المهمة والتاريخية التي عرفها مسلسل اللامركزية ببلادنا، وتتويجا للإصلاحات والتجارب التي راكمتها بلادنا قرابة نصف قرن من الممارسة ، كانت إرادة جلالة الملك وراء الدفع بهذا المسلسل نحو آفاق الجهوية المتقدمة، وتجلى ذلك عبر صدور الدستور الجديد بتاريخ 29 يوليوز 2011، وصدور القوانين التنظيمية الجديدة المتعلقة بالجهات والجماعات والعمالات والأقاليم ، التي ستساهم ، لا محالة ، في تعزيز مفاهيم الحكامة والمسؤولية في تدبير الشأن العام المحلي، ودعم دور وعمل المؤسسات التدبيرية المحلية.

حيث كان من الضروري الانتقال إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية المحلية والتي تتمثل أسسها في دعم استقلالية الجماعات الترابية إداريا وماليا وممارسة اختصاصاتها  في إطار مبدأ التدبير الحر و قواعد الحكامة الجيدة .

إن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة جاءت لـتأكيد وتنزيل مقتضيات الدستور فيما يخص الجهوية المتقدمة، إذ حملت العديد من المستجدات ، ومن بين أهمها التخفيف من الوصاية الإدارية لصالح الرقابة القضائية من خلال المحاكم الإدارية.

فرقابة القضاء الإداري أهم ضمانة لاحترام المشروعية من جهة، وضمان استقلالية الجماعات الترابية من جهة أخرى، كما تضمن التوازن في العلاقة بين السلطة المركزية والجماعات الترابية.

وقد عرفت الرقابة على الجماعات الترابية تطورا مهما ، حيث انتقل المغرب من الوصاية التقليدية التي كانت مفروضة على الجماعات الترابية إلى تدخل الرقابة القضائية في الوصاية الإدارية ، محتذيا في ذلك بعدد من قوانين الدول المتقدمة في مجال التدبير الترابي. وهو ما يعكس رغبة المشرع في تقوية دور القضاء في تعزيز الجهوية المتقدمة والرقي بها، وضمان المشروعية، من خلال تحقيق  التوازن بين ممثلي السلطة المركزية والمجالس المنتخبة، من جهة . و من جهة ثانية ، مساءلة الإدارة الترابية عن أعمالها وأنشطتها   سواء في محيطها الداخلي أو في علاقتها بالمرتفقين.

بالإضافة إلى الدور الهام الذي يؤديه القضاء الإداري في مجال الرقابة على تدبير الجماعات الترابية ، ينبغي الإشارة أيضا إلى دور الأجهزة الرقابية الأخرى التي تكتسي أهمية بالغة، مثل المجالس الجهوية للحسابات والمفتشية العامة للمالية و المفتشية العامة للإدارة الترابية.

فالرقابة التي تمارسها المجالس الجهوية للحسابات رقابة لاحقة ، وهي قضائية وإدارية ، تتجلى في الفحص والتحقق من العمليات المالية للجماعات المحلية. كما تتولى وزارة الداخلية مهامها الرقابية على المالية المحلية عامة وعلى تنفيذ ميزانيتها خصوصا، من خلال جهاز المفتشية العامة للإدارة الترابية التي تناط بها مهمة المراقبة والتحقق من التسيير الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح التابعة لوزارة الداخلية والجماعات المحلية وهيآتها . أما وزارة المالية فتمارس سلطتها الرقابية على مالية الجماعات الترابية من خلال جهاز المفتشية العامة للمالية.

فجميع هذه الأجهزة الرقابية ، تهدف إلى التأكد من احترام قواعد التدبير المالي و المحاسباتي ، واحترام السياسات وتتبع المساطر والالتزام بالمعايير، من أجل منع حدوث الأخطاء ومعالجة الانحرافات في التدبير بشتى أنواعه ، ضمانا لحسن سير العمل في إطارالقانون ومنع لكل تلاعب أو هدر للمال العام.

وحتى تتمكن بلادنا من تطوير هذه المنظومة الرقابية ، لا بد من استحضار الدراسات المقارنة والتركيز على التجارب المتميزة في مجال الرقابة على تدبير الجماعات الترابية ، و التوفر على نخب مؤهلة ومكونة تتوفر على مخططات للتنمية، ومسلحة بالأساليب التدبيرية الحديثة و المتقدمة ، ووجود موارد مالية كافية لتطبيق هذه المخططات التنموية، حتى تصبح الجماعات الترابية في المستقبل، مؤسسات فاعلة و وازنة ، تستطيع أن تساهم بدور فاعل في تنمية الاقتصاد المحلي ،  و مواجهة الاختلالات الجغرافية و الفوارق الاقتصادية والاجتماعية .

فضلا عن ذلك، فإن أعمال الرقابة على تدبير الجماعات الترابية، عندما تكون فعالة و ذات مصداقية ، يمكن لها أن تترجم المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة .

وهنا أود أن أشير إلى ما جاء في نص الخطاب الذي وجهه جلالة الملك بمدينة تطوان يوم  29 يوليوز 2017 ،  بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش ، حيث جاء فيه : ” وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية، من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة. إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب ” .

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.